خالد بن محمد بن زايد يلتقي الرئيس التنفيذي لشركة «ماكلارين» للسباقات
جبهات القتال تتسع والإمدادات تتقلص.. هل تصمد أوكرانيا طويلا؟
لم تعد الحرب في أوكرانيا تُقاس بعدد الكيلومترات التي تتقدمها القوات أو تتراجع عنها، بل بمدى قدرة الدولة على الصمود في معركة تتحول تدريجيا إلى سباق بقاء طويل الأمد. وبينما تندفع موسكو بثبات إلى الأمام، تجد كييف نفسها أمام سؤال مصيري يتردد على لسان المراقبين حول ما إذا أوكرانيا قادرة على الصمود الطويل رغم تمدد الجبهات ونقص الموارد. شهد نوفمبر 2025 دلالات متعددة على تغير ميزان الأرض، خاصة بعد استيلاء القوات الروسية على نحو 505 كيلومترات مربعة، وهو ما يقارب ضعف مكاسب سبتمبر. ووفق بيانات مشروع DeepState، فإن 40% من هذا التقدم سجلته موسكو في محيط هوليايبول، وتم تسجيل مكاسب أخرى قدرها 169 ميلاً مربعاً خلال الفترة من 21 أكتوبر إلى 18 نوفمبر وهي زيادة ملحوظة عن الأسابيع التي سبقت.
ويتركز التحول الأكبر حول بوكروفسك في دونيتسك، وهي المدينة التي تحولت إلى هدف محوري للعمليات الروسية، وأيضا داخل جبهات سيفيرسك إلى كوبيانسك وزابوريجيا.
وأعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن قواته حول بوكروفسك باتت تواجه تفوقا روسيا يبلغ ثمانية إلى واحد، وهو فارق يضغط على ضباط الميدان وعلى المتطوعين الجدد بشكل غير مسبوق.
في ظل ذلك، يبدو أن السؤال لم يعد عن قدرة أوكرانيا على الانتصار، بل عن قدرتها على البقاء في لعبة استنزاف طويلة، تقاس بما يمكن أن تنتجه المصانع، وما يمكن أن تتحمله الجبهات.
وفي هذا الإطار، أكد الخبراء أن تمدد القوات الروسية على الجبهات يضع أوكرانيا أمام تحديات قاسية في ظل تناقص الإمدادات العسكرية والمالية، وإرهاق الجيش الأوكراني ونقص العتاد والأفراد. وأكد الخبراء لـ»إرم نيوز» أن تراجع الدعم الغربي، خاصة بعد توقف المساعدات الأمريكية، يجعل صمود كييف مرتبطا بقدرة الأوروبيين على تعويض هذا النقص، وبفعاليتها في استخدام التكتيكات التكنولوجية وحرب المسيرات لتقليل التفوق الروسي.
وأشاروا إلى أن قدرة أوكرانيا على «الصمود الطويل» أصبحت رهناً بالدعم الخارجي والضغوط الداخلية التي تتزايد مع استمرار الاستنزاف.
وأكد أستاذ العلوم السياسية الدكتور نزار بوش، أن القوات الروسية تواصل التمدد على طول الجبهة، خاصة في الدونباس وزابوروجيا، محققة تقدماً ملموسّاً يفرض ضغوطاً متزايدة على القدرات الأوكرانية في الصمود.
وكشف لـ»إرم نيوز» أن هذا التقدم يدفع زيلينسكي إلى تكثيف تحركاته الأوروبية للحصول على دعم مالي وعسكري جديد، إلا أن العواصم الأوروبية باتت أكثر تريّثاً بعد تفاقم ملفات الفساد في كييف.
وأشار بوش إلى أن إمدادات السلاح لم تتوقف بالكامل، لكن الدعم المالي تراجع؛ وهو ما يؤثر مباشرة على قدرة أوكرانيا على الحفاظ على خطوط القتال.
وأكد أن الجيش الأوكراني يعاني إرهاقاً واضحاً في عدة مناطق، وأن الضربات الروسية المركزة على مراكز الدعم اللوجستي تزيد من صعوبة الموقف الميداني، وتحدّ من قدرة كييف على تنظيم خطوط الإمداد.
وأوضح أن زيارة زيلينسكي للدول الأوروبية تهدف بالأساس للحصول على ما يُبقي الجيش قادراً على الاستمرار، وإن غير كافٍ لإنقاذ الوضع على الجبهة.
وكشف أن واشنطن تضغط على كييف للقبول بخطة سلام تتضمن التنازل عن المناطق الأربع التي تسيطر عليها روسيا، وعدم الانضمام للناتو، وهي بنود ترفضها أوكرانيا تماماً.
ولفت إلى أن هذا الواقع يجعل قدرة أوكرانيا على الصمود مرتبطة بمستوى الدعم الغربي، وبالتوازن بين الاحتياجات العسكرية والقدرة على تأمين الموارد المطلوبة.
من جهة ثانية، قال مدير مركز فيجن للدراسات في أوكرانيا الدكتور سعيد سلام، إن كييف تدخل عامها الرابع في حرب وجودية تتجاوز الصراع على الأرض إلى صراع على الهوية والدولة ذاتها. وفي حديث لـ»إرم نيوز»، أكد أن الحرب تحولت إلى نموذج من الاستنزاف الشامل تتفوق فيه روسيا نسبياً بفضل قدرتها على تعويض الخسائر البشرية الهائلة عبر عسكرة الاقتصاد وتوظيف مواردها المادية والبشرية بشكل متواصل؛ ما يسمح لها بتحقيق تقدم بطيء لكنه ثابت في مناطق الضغط العسكري.
وأشار سلام إلى أن التحدي الأكبر أمام أوكرانيا يتمثل في تقلص الإمدادات، وتراجع اليقين بشأن استمرار الدعم الغربي، خاصة بعد توقف الولايات المتحدة منذ وصول الرئيس دونالد ترامب، عن تقديم المساعدات العسكرية والمالية، وتحول العلاقة إلى نظام شراء تجاري يفرض على كييف أعباء مالية هائلة لم تكن ضمن حساباتها. وأوضح، أن قدرة الحلفاء الأوروبيين على سد فجوة الدعم الأمريكي ما زالت غير مضمونة؛ ما ينعكس مباشرة على قدرة الجيش الأوكراني على الصمود الطويل.
وأشار سلام إلى أن أوكرانيا اعتمدت على تكتيكات هجينة وحرب المسيّرات لتعويض التفوق العددي الروسي، مستهدفة البنى التحتية الحيوية الروسية بهدف تقليص قدرة موسكو على تمويل حرب طويلة.
وأكد أن هذه التكتيكات وحدها لا تكفي في ظل النقص المتزايد في القوى البشرية، والإرهاق النفسي والجسدي المتراكم على الخطوط الأمامية، إضافة إلى النزيف الديموغرافي الذي يهدد قدرة البلاد على تعويض الخسائر.
وشدد على أن الصمود يتوقف على 3 شروط، أبرزها قدرة الاتحاد الأوروبي على توفير دعم صناعي ومالي غير مسبوق، وفعالية الاستراتيجية الأوكرانية في حرب الاستنزاف التكنولوجية، وقدرة المجتمع الأوكراني على تحمل الضغوط الهائلة لحرب بلا مؤشر قريب للنهاية.