ماذا ينتظر العالم من مؤتمر المناخ في بيليم – البرازيل (COP30) ؟

جريدة الفجر بالتعاون مع شبكة بيئة أبوظبي تحاور خبراء البيئة العرب


بينما تستعد مدينة بيليم البرازيلية، بوابة الأمازون، لاستضافة مؤتمر مفاوضات الأمم المتحدة حول التغير المناخي (COP30)  خلال الفترة 10 – 22 نوفمبر 2025، تتجه أنظار العالم نحو هذا الحدث التاريخي الذي يُنتظر أن يحدّد ملامح العقد القادم من العمل المناخي.
شبكة بيئة أبوظبي بالتعاون مع جريدة الفجر بأبوظبي، تطرح مجموعة من الأسئلة المحورية على نخبة من خبراء البيئة والتغير المناخي بالمنطقة العربية.
فبعد مرور عشر سنوات على اتفاق باريس، تبدو الحاجة مُلحّة إلى قرارات أكثر جرأة، وتمويل أكثر إنصافًا، والتزامات أكثر واقعية تجاه الطبيعة والإنسان. وفي ظل تصاعد التحديات المناخية - من حرائق الغابات إلى موجات الجفاف، ومن انحسار التنوع الحيوي إلى تفاقم الفجوة التمويلية - يبرز السؤال: ماذا ينتظر العالم من مؤتمر بيليم؟
انطلاقًا من دورها في تعزيز الحوار العلمي والمجتمعي حول قضايا المناخ والاستدامة، توجه شبكة بيئة أبوظبي بالتعاون مع جريدة الفجر بأبوظبي، مجموعة من الأسئلة إلى نخبة من خبراء البيئة والتغير المناخي في المنطقة العربية، لاستشراف توقعاتهم من هذا المؤتمر، ورؤيتهم لمستقبل العمل المناخي بعد بيليم.

 *- حمزة ودغيري: المجتمع المدني ليس صوتاً احتجاجياً، بل قوة اقتراح ومساءلة وبناء
رئيس شبكة العدالة المناخية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا. 
هل يمتلك المجتمع المدني في المنطقة العربية ما يكفي من الأدوات والموارد للتأثير في مسار المفاوضات الدولية للمناخ؟ وما الذي ينقصه؟
لا يمتلك المجتمع المدني في المنطقة العربية بعد الأدوات والموارد الكافية للتأثير الفعلي في مسار المفاوضات الدولية للمناخ، رغم تزايد وعيه ودوره في السنوات الأخيرة، فمعظم المنظمات تعاني من نقص التمويل، وضعف القدرات التقنية والتفاوضية، وغياب التنسيق الإقليمي، ما يحد من قدرتها على صياغة مواقف موحدة ومبنية على الأدلة العلمية، كما أن المشاركة في المؤتمرات الدولية غالبًا ما تظل رمزية بسبب قلة التدريب على آليات التفاوض المناخي، وضعف الوصول إلى المعلومة والتمويل الأخضر، ولتجاوز ذلك، تحتاج هذه المنظمات إلى دعم مؤسسي مستدام، وبناء شبكات تعاون عربية، وتطوير كفاءاتها العلمية والقانونية لضمان حضور مؤثر في السياسات المناخية العالمية و هذا ما تحاول أن تقوم به بعض المنظمات الإقليمية كشبة العدالة المناخية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وشبكة العمل المناخي للعالم العربي ،ومنظمات أخرى من المنطقة عربية وإفريقية .
في ظل تزايد الفجوة بين التزامات الدول وواقع الانبعاثات، ما الدور الرقابي الذي يمكن أن تضطلع به منظمات المجتمع المدني لضمان المساءلة والشفافية المناخية؟
في ظل اتساع الفجوة بين التزامات الدول وواقع الانبعاثات، يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تلعب دورًا رقابيًا محوريًا لضمان المساءلة والشفافية المناخية. فهي قادرة على رصد تنفيذ التعهدات الوطنية ومقارنة الخطط المعلنة بالنتائج الفعلية، ونشر تقارير دورية تسلط الضوء على أي تقصير أو تناقض. كما يمكنها الضغط على الحكومات والشركات لاعتماد سياسات أكثر شفافية في إدارة التمويل المناخي، والمطالبة بإتاحة البيانات البيئية للعامة، ومن خلال حملات التوعية والمناصرة الإعلامية، يمكنها أيضًا تعزيز الوعي الشعبي ودعم المطالبة بالمساءلة، وبذلك تصبح المجتمع المدني عين الرقابة الشعبية المستقلة التي تضمن التزام الدول بوعودها المناخية الفعلية لا الخطابية.

 *- المهندسة ماري تريز مرهج سيف: لا يمكن إنقاذ الكوكب دون أن يكون نصف سكانه شركاء حقيقيين في القيادة، والتمويل، وصنع القرار.
رئيسة جمعية انسان للبيئة والتنمية، ضابط ارتباط الجندر في شبكة "رائد"
كيف يمكن إدماج صوت النساء والفتيات في صنع القرار المناخي، ليس فقط كضحايا، بل كقائدات وصانعات حلول خضراء؟
إن إدماج النساء والفتيات في صنع القرار المناخي يتطلب تجاوز النظرة النمطية التي تختزل دورهن في كونهن “ضحايا” للتغير المناخي، نحو الاعتراف بهن كقائدات وشريكات أساسيات في صياغة الحلول البيئية. فالنساء في المجتمعات المحلية يملكن معرفة متوارثة بالموارد الطبيعية وأساليب التكيّف مع الأزمات البيئية، ما يجعلهن عناصر محورية في بناء المرونة المناخية.
من خلال تجربتنا في جمعية إنسان للبيئة والتنمية، لاحظنا أن إشراك النساء في المبادرات البيئية، من الزراعة المستدامة إلى إدارة النفايات والطاقة المتجددة، لا يعزز العدالة الجندرية فقط، بل يضاعف فاعلية المشاريع البيئية.
لذلك، يجب أن تُصمم السياسات المناخية بحيث تضمن تمثيل النساء في مواقع صنع القرار على المستويات المحلية والوطنية والدولية. كما ينبغي الاستثمار في بناء قدرات الفتيات الشابات في مجالات البيئة والتكنولوجيا الخضراء، وتعزيز حضورهن في المفاوضات المناخية كمشاركات وخبيرات. إن قيادة النساء ليست مجرد حق، بل ضرورة لتحقيق تحول بيئي شامل ومستدام يعكس احتياجات المجتمع بأكمله.
هل تَعتبرين أنّ التمويل المناخي القائم حاليًا عادل من منظور النوع الاجتماعي؟ وكيف يمكن ضمان أن تصل التمويلات إلى المشاريع التي تقودها النساء في المجتمعات المحلية؟
التمويل المناخي القائم حاليًا لا يمكن وصفه بالعادل من منظور النوع الاجتماعي، إذ إن جزءًا ضئيلًا فقط من التمويلات العالمية يصل إلى المبادرات البيئية التي تقودها النساء في المجتمعات المحلية. في الواقع، تواجه النساء عقبات متشابكة في الوصول إلى التمويل، تتراوح بين التعقيدات الإدارية، وضعف القدرات المؤسسية، وغياب الاعتراف بدورهن كفاعلات رئيسيات في التنمية المستدامة.
ولتحقيق العدالة في التمويل المناخي، يجب تبني مقاربة شاملة تراعي النوع الاجتماعي في كل مراحل تصميم وتنفيذ البرامج، بدءًا من تحديد الأولويات وصولًا إلى التقييم. كما يجب إنشاء صناديق تمويل خاصة بالمبادرات النسائية البيئية، وتبسيط آليات التقديم والمتابعة لتناسب قدرات المنظمات القاعدية.

 *- د. إيمان عبد العظيم عبد الرحمن أحمد: 
التحول المناخي يبدأ من الإنسان وسلوكه، ويمتد إلى سياساته ومؤسساته 
خبير في الاتفاقية الاطارية للتغير المناخ (UNFCCC)، الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC). 
هل تعتقدون أن مبادرات “صافي الصفر إزالة الغابات” قابلة للتحقق دون تغيير جذري في أنماط الاستهلاك العالمية؟
لا يمكن تحقيق مبادرات “صافي الصفر لإزالة الغابات” بشكل فعّال دون معالجة جذور المشكلة الكامنة في الاستهلاك المفرط والنمو الاقتصادي غير المتوازن، لأن الاستدامة الحقيقية تبدأ بتغيير السلوك البشري قبل أي شيء آخر.
من الصعب تحقيق مبادرات "صافي الصفر لإزالة الغابات" دون إحداث تغيير جذري في أنماط الاستهلاك العالمية. فإزالة الغابات ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالطلب المتزايد على السلع الزراعية مثل فول الصويا، وزيت النخيل، واللحوم، والأخشاب، والتي تُعد من المحركات الأساسية لقطع الغابات في مناطق مثل الأمازون وجنوب شرق آسيا. وحتى مع تطبيق سياسات أكثر صرامة لحماية الغابات، فإن استمرار أنماط الاستهلاك الحالية سيؤدي إلى تحويل الضغوط البيئية إلى مناطق أخرى أو إلى أشكال مختلفة من الاستغلال غير المستدام للأرض.
تحقيق أهداف "صافي الصفر" يتطلب إعادة التفكير في النماذج الاقتصادية وسلاسل التوريد العالمية، وتشجيع التحول نحو أنماط إنتاج واستهلاك أكثر استدامة. ويشمل ذلك تقليل الهدر الغذائي، وتبنّي نظم غذائية نباتية أكثر، وزيادة الشفافية في تتبع المنتجات لضمان خلوها من ممارسات إزالة الغابات. كما يجب على الحكومات والشركات والمستهلكين التعاون في دعم الابتكار الزراعي والحلول القائمة على الطبيعة.

 *- الدكتور يوسف الكمري: مأسسة النوع الاجتماعي في جميع مراحل السياسات المناخية.
أستاذ باحث، في علوم البيئة واستشاري في النوع الاجتماعي والتنمية المستدامة، المملكة المغربية
كيف يمكن لمؤتمر بيليم أن يُترجم العدالة المناخية إلى سياسات عملية تُنصف النساء المتأثرات مباشرة بتداعيات التغير المناخي في الجنوب العالمي؟
لا تؤثر أزمة المناخ على الجميع بالتساوي. إذ تواجه النساء والفتيات تأثيرات غير متناسبة لتغير المناخ - ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أنهن يشكلن غالبية فقراء العالم، الذين يعتمدون بشكل كبير على الموارد الطبيعية المحلية في معيشتهم.  خلال أشغال مؤتمر الأطراف الثلاثين، في بيليم، البرازيل، يشكل محور عدم المساواة الحلقة الأساس في صميم العمل المناخي، وباعتباره قمة العدالة المناخية ليس من قبيل الصدقة، فالمؤتمر الحالي يربط العمل المناخي بشكل صريح بمكافحة الجوع والفقر لدى الفئات الأكثر هشاشة. ونشير هنا، إلى كون الاتفاقية الاطارية تقر بأن من ساهموا بأقل قدر في الانبعاثات العالمية هم الأكثر معاناة، من المزارعين في المناطق شبه القاحلة إلى المجتمعات الساحلية النازحة بسبب الفيضانات والجفاف والتصحر، خصوصاً النساء والفتيات. في هذا الصدد، يمكن لمؤتمر الأطراف للمناخ في نسخته الثلاثون (COP30)، أن يُترجم العدالة المناخية إلى سياسات عملية من خلال دمج النساء والفتيات في صنع القرارات ذات الصلة بالتكيف مع تغير المناخ، وضمان وصولهن إلى الموارد الطبيعية والتكنولوجيا اللازمة، وتوفير الدعم المالي للنساء والفتيات المتضررات من تغير المناخ، خصوصاً في الأوساط القروية/الريفية وإشراك النساء في صياغة السياسات التي تعتمد على أبحاث متخصصة لمعالجة التداعيات المباشرة، بالإضافة إلى توفير آليات للتعويض عن الأضرار. في هذا الصدد، ندعو الهيئات الدولية والحكومية المعنية إلى زيادة مراعاة الاعتبارات الجنسانية في التمويل المتعلق بالمناخ بغية تعزيز قدرات المرأة، وتشجيعها على تعزيز مراعاة المنظور الجنساني في التمويل المناخي بهدف زيادة بناء قدرات المرأة وإنجاز العمل في إطار برنامج عمل ليما المعزز بشأن المسائل الجنسانية وأي خطة عمل جنسانية توضع في وقت لاحق، ومن أجل تيسير حصول المنظمات والهيئات النسوية والشعوب الأصلية، ولا سيما نساء الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية في جنوب العالم، على التمويل المناخي بطريقة مبسطة. كما ندعو إلى زيادة الدعم المقدم إلى البلدان النامية الأطراف لتنفيذ برنامج عمل ليما بشأن المسائل الجنسانية وأي خطة عمل جنسانية لاحقة، بما يتسق مع الأحكام ذات الصلة من الاتفاقية الاطارية في شأن المناخ.

 *- الدكتور قاسم زكي: التنوع الحيوي ليس ترفًا بيئيًا، بل شرطًا لبقاء الإنسان على الأرض 
أستاذ الوراثة المتفرغ بكلية الزراعة، جامعة المنيا، جمهورية مصر العربية 
ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية في حماية الغابات وإدارة مواردها على نحو مستدام؟ 
تلعب الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية دورًا محوريًا في حماية الغابات وإدارتها المستدامة، نظرًا لارتباطها التاريخي والروحي والمعيشي بهذه النظم البيئية. تمتلك هذه المجتمعات معرفة بيئية متوارثة عبر الأجيال حول النباتات والحيوانات، ودورات المطر، وأساليب الزراعة والرعي والصيد المتوازنة مع الطبيعة. هذه المعرفة تُعد أساسًا مهمًا لإدارة الموارد بشكل لا يؤدي إلى استنزافها.
كما تقوم المجتمعات المحلية بدور الحارس المباشر للغابات، فهي أول من يلاحظ أي تغيرات مثل القطع الجائر، أو الحرائق، أو التعديات الصناعية. مشاركتها في مراقبة الغابات واتخاذ قرارات الإدارة يعزز الحماية ويقلل من النزاعات. وتُظهر التجارب العالمية أن الغابات التي تُدار من قبل السكان الأصليين غالبًا ما تكون أقل تدهورًا وأكثر استقرارًا من الغابات المحمية إداريًا فقط.
إضافة إلى ذلك، تساهم هذه المجتمعات في تطوير نماذج اقتصادية قائمة على الاستخدام المستدام مثل جمع المنتجات غير الخشبية (كالراتنجات والعسل والألياف)، والسياحة البيئية، والحرف التقليدية، مما يحقق عائدًا اقتصاديًا دون الإضرار بالغابات. ومن ثم، فإن دعم حقوق هذه الشعوب في الأرض والموارد، وتعزيز مشاركتها في صنع القرار، يعد خطوة حاسمة لضمان استدامة الغابات وحماية التنوع الحيوي.
ما الرسالة البيئية الأهم التي يجب أن يخرج بها مؤتمر بيليم للعالم: حماية الأمازون، أم إطلاق اتفاق عالمي جديد للتنوع البيولوجي؟ 
 الرسالة البيئية الأهم التي يجب أن يخرج بها *مؤتمر بيليم* ليست مفاضلة بين حماية غابة الأمازون أو إطلاق اتفاق عالمي جديد للتنوع البيولوجي، بل الجمع بينهما في رؤية واحدة تُؤكد أن *الأمازون رمزٌ كوني للتنوع الحيوي ومسؤولية مشتركة للبشرية جمعاء*. فحماية الأمازون تعني حماية رئة الكوكب ومصدر ثلث الأوكسجين العالَمي، وهي أيضًا نموذج حيّ لما يجب أن يشمله أي اتفاق عالمي جديد للتنوع البيولوجي من التزامات واضحة وقابلة للتنفيذ.
لكن الأهم من الشعار هو *التحرك الفعلي نحو عدالة بيئية شاملة*، تعترف بدور الدول النامية في حفظ التنوع الطبيعي رغم محدودية مواردها، وتُلزم الدول الصناعية بتمويل الانتقال الأخضر وحماية الغابات المدارية من التدمير التجاري.
وعليه، يجب أن يخرج مؤتمر بيليم برسالة تقول:
 “إن حماية الأمازون هي البداية العملية لاتفاق عالمي جديد من أجل الحياة على الأرض.”
فالمطلوب ليس وثيقة إضافية، بل *عهد بيئي عالمي* يُجدد التزام الإنسانية بحماية التنوع الحيوي، باعتباره الأساس لاستقرار المناخ، والأمن الغذائي، والمستقبل المشترك لجميع الكائنات.

 *- المستشارة نسرين الصائم: لا استدامة حقيقية دون أن تكون المرأة في قلب التحول المناخي العالمي
مديرة تحالف الشباب للتكيف المحلي والسلام 
كيف يمكن لمؤتمر بيليم أن يُترجم العدالة المناخية إلى سياسات عملية تُنصف النساء المتأثرات مباشرة بتداعيات التغير المناخي في الجنوب العالمي؟
عن طريق وضع المرأة في قلب جميع الملفات المناخية وخصوصا التمويل وبناء القدرات. وأيضاً وضع خطة تنفيذ واضحة لخطة عمل الجندر. ورغم ازدياد الاهتمام بموضوع "الجندر" في مفاوضات التغير المناخي إلا أنه لا يزال أقل من المطلوب والتنفيذ شبه معدوم خصوصاً في الخطط الوطنية لعدم توفر التمويل في كثير من الأحيان وعدم وجود الإرادة السياسية للدول في أغلب الأحيان.
ما أبرز التحديات التي تواجه النساء في مناطق الجفاف، والفيضانات، والنزوح البيئي، وكيف يمكن إدراج هذه القضايا ضمن أجندة COP30؟
التحديات عديدة جداً وخصوصاً أن الكوارث والصدمات المناخية أصبحت أكثر حدة وأكثر تكراراً. وبالمقابل لا توجد صمامات أمان ولا شبكات حماية وتفتقر المجتمعات وخصوصاً النساء لأبسط مقومات الرعاية. وبما أنه تقع الأعباء المعيشية على النساء في أغلب مناطق الجنوب العالمي فإنهن الأكثر عرضة للمشاكل المصاحبة سواء كانت صحية أو اجتماعية أو اقتصادية وأيضاً أحياناً تضطر المجتمعات للهجرة والنزوح في ظروف بالغة التعقيد والقسوة.
كما أن ادماج صوت النساء كقائدات يبدأ بوضعهم في مواضع القيادة منذ البداية أثناء صياغة القرارات والاتفاق عليها وأثناء وضع خطط التنفيذ وتمكينهم للوصول للمنصات العالمية وتدريبهم لأخذ الريادة المحلية مع توفير سبل الدعم المالي والفني والتقني.
اخيراً يمكن القول بأن التمويل المناخي الحالي ليس عادل على جميع الأوجه ومنظور النوع الاجتماعي ليس باستثناء. رغم وجود موجهات وتشجيعات، لكن تظل حبر على ورق في أغلب الأحيان أو يتم تنفيذها بطريقة لا تناسب البيئة المحلية.
بهذا المنظور، تضع نسرين الصائم معادلة واضحة: لا عدالة مناخية دون عدالة جندرية، ولا استدامة حقيقية دون أن تكون المرأة في قلب التحول المناخي العالمي، لا كضحية للأزمة، بل كقوة فاعلة في تصميم الحلول وصياغة المستقبل الأخضر المنشود.


 *- أ.د. عبد العزيز فعرس: لن تُبنى الاستدامة بالقمم والبيانات فقط، بل بالتربية الواعية، والمواطنة البيئية، والعدالة في توزيع التمويل والمعرفة.
مدير كرسي الألكسو للتربية على التنمية المستدامة بكلية علوم التربية، جامعة محمد الخامس. عضو المكتب التنفيذي للائتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة.
ما أبرز الرهانات العالمية المطروحة أمام مؤتمر COP30، وهل يمكن أن يشكّل نقطة تحوّل بعد مرور عقد على اتفاق باريس؟
ينظر الى مؤتمر COP30 المقرر عقده في البرازيل عام 2025 كنقطة حاسمة لإعادة توجيه العمل المناخي العالمي بعد مرور عقد على اتفاق باريس. الرهان الأكبر هو الضغط على الدول لتقديم مساهمات وطنية محدثة وأكثر طموحاً تتجاوز التعهدات الحالية، وتضمن الالتزام بهدف الحد من الاحترار العالمي. إضافة إلى ذلك من المتوقع ان يركز المؤتمر على التوافق حول خارطة طريق واضحة وقابلة للتنفيذ للانتقال العادل من الوقود الاحفوري. يمكن لـ COP30 ان يشكل نقطة تحول حقيقية إذا نجح في تحويل نتائج "التقييم العالمي" الذي جرى في COP28 من مجرد رصد للفجوات الى تحديد آليات تنفيذية ومواعيد زمنية محددة لسد هذه الفجوات التمويلية والتخفيفية.
ما الذي يُنتظر من الدول النامية، خصوصًا في المنطقة العربية، لتعزيز مساهماتها الوطنية في العمل المناخي؟
يقع على عاتق الدول النامية ولا سيما المنطقة العربية مسؤولية كبيرة لتعزيز مساهماتها الوطنية في العمل المناخي. المطلوب هو تقديم مساهمات وطنية محدثة تتسم بجرأة أكبر في قطاعي التخفيف والتكيف. هذا يعني استثمارا ضخما في مشاريع الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، خاصة في قطاع تحلية المياه، وتنويع مصادر الدخل بعيدا عن الاعتماد الكلي على النفط والغاز. كذلك يجب تطوير استراتيجيات وطنية قوية للتكيف مع التغيرات المناخية في القطاعات الحيوية كالزراعة وادارة الموارد المائية، مع تفعيل التعاون الاقليمي لمواجهة التحديات العابرة للحدود مثل ندرة المياه والعواصف الرملية.
هل يمكن لـ COP30 أن يحقق اختراقًا حقيقيًا في ملف التمويل المناخي لصالح الفئات والمجتمعات الأكثر تضررًا؟
لتحقيق اختراق حقيقي في ملف التمويل المناخي لصالح الفئات والمجتمعات الأكثر تضررا يجب العمل على عدة جبهات. الاول هو الترسمل الكافي لصندوق الخسائر والاضرار الذي تم اطلاقه مؤخرا، وضمان وضع آليات شفافة تضمن وصول الاموال مباشرة الى المستفيدين النهائيين في المجتمعات المحلية والساحلية الأكثر هشاشة. الثاني هو الضغط لإصلاح مؤسسات التمويل الدولية مثل البنك الدولي وبنوك التنمية الاقليمية لتغيير شروط الاقراض، وجعلها أكثر مرونة واستجابة للمخاطر المناخية بدلا من ان تزيد من مديونية الدول النامية. الهدف هو تحويل التمويل المناخي الى اداة للعدالة الاجتماعية لا اداة اضافية للعبء الاقتصادي.

 *- الدكتور داني جورج العبيد: الذكاء الاصطناعي وتحالفات الجامعات، مع القطاع الخاص، والمجتمع المدني في صميم مستقبل العمل المناخي في المنطقة.
أستاذ جامعي وخبير بيئي، جمهورية لبنان
كيف يمكن للمنظمات البيئية العربية أن توحّد خطابها ومواقفها داخل مؤتمر بيليم لتشكيل “صوت عربي واحد” في مواجهة التحديات المناخية العالمية؟
من الصعب الحديث عن «منظمات بيئية عربية» ككتلة واحدة، نظرًا لتنوّع السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة. لكن هذا التنوع يمكن أن يشكّل مصدر قوة إذا ما أُدير بطريقة صحيحة. المطلوب اليوم ليس وحدة مطلقة في الرأي، بل تناغم في الاتجاه العام، أي القدرة على صياغة موقف عربي مشترك يعبّر عن أولويات المنطقة: الأمن المائي والغذائي، التصحر، تدهور الأراضي، وغياب العدالة في التمويل المناخي.
لكي يتحقق هذا الهدف، ينبغي على المنظمات العربية أن تتجاوز العمل القطري الضيق نحو منصات إقليمية تنسيقية، تتيح تبادل المعلومات وتوحيد الخطاب الإعلامي وتنسيق المداخلات داخل مؤتمرات الأطراف (COP). كما يجب إعداد أوراق موقف مشتركة قبل مؤتمر بيليم تعبّر عن الرؤية العربية الموحدة، مع توثيق قصص النجاح المحلية التي تُظهر كيف يمكن للمجتمعات العربية أن تكون جزءًا من الحل لا من المشكلة.
ما أهمية بناء التحالفات بين المجتمع المدني والقطاع الخاص والجامعات لتسريع الابتكار المناخي المحلي؟ وهل يمكن لمؤتمر بيليم أن يعزز هذه الشراكات؟
يشكل التعاون بين هذه الجهات الثلاث ما يمكن تسميته بـ «المثلث الذهبي للابتكار المناخي». فكل طرف يمتلك عنصرًا حيويًا في منظومة الحل: القطاع الخاص يمتلك الموارد المادية والقدرة على تحويل الأفكار إلى منتجات وحلول عملية قابلة للتوسع.
والجامعات ومراكز الأبحاث تملك المعرفة العلمية والتقنيات الحديثة والقدرة على تحليل البيانات والتنبؤ بالاتجاهات المناخية.
والمجتمع المدني يمثل البعد الإنساني والميداني، فهو الأقرب إلى الناس وإلى واقع المجتمعات المحلية التي تتأثر مباشرة بالتغير المناخي.
عندما تتقاطع هذه القوى، يمكننا تحقيق نتائج مضاعفة: مشاريع ريادية، حلول تكنولوجية خضراء، تدريب للشباب، وتطبيق فعلي للعلوم على الأرض.
مؤتمر بيليم يمكن أن يشكّل منصة مثالية لإطلاق هذه الشراكات العربية – من خلال جلسات جانبية، مذكرات تفاهم، أو منصات تمويل مشتركة – شرط أن نذهب إليه برؤية واضحة لما نريد تحقيقه، لا بمجرد رغبة في الحضور الرمزي.