محمد بن راشد: التنمية هي مفتاح الاستقرار .. والاقتصاد أهم سياسة
من رموز النضال السلمي ضد الفصل العنصري:
جنوب إفريقيا: ديزموند توتو، صائد الحقيقة الذي لا يكلّ
-- توفي المطران ديزموند توتو الحائز على نوبل للسلام غداة عيد الميلاد عن عمر يناهز 90 عامًا
-- أصبح، مثل غاندي ومارتن لوثر كينغ من قبله، رمزًا لحملة سلمية من أجل المساواة والعدالة
«دعونا نكون صنّاع سلام، وإذا أردنا السلام، فلنعمل من أجل العدالة... دعونا نحوّل سيوفنا إلى محاريث”. عام 1984، تحدث ديزموند توتو بهذه الكلمات إلى الأكاديمية التي منحته جائزة نوبل للسلام. بعد 31 عامًا، تقاعد رئيس أساقفة جنوب إفريقيا السابق من الحياة العامة، لكن كفاحه غير المسلح من أجل العدالة والسلام استمر. موته يهز بلدًا بأكمله: “وفاة رئيس الأساقفة الفخري ديزموند توتو، هو فصل جديد من الحداد في وداع أمتنا لجيل من مواطني جنوب إفريقيا الاستثنائيين الذين ورّثونا جنوب إفريقيا المحررة”، هكذا كانت كلمات الرئيس سيريل رامافوزا لإعلان رحيل رجل الديـــــن عن عمر يناهز التسعين.
لا لن يكون مدرسًا
خاض رئيس الأساقفة السابق، منذ السبعينات وحتى اليوم، معارك ضد الفصل العنصري والفساد وكراهية المثليين وحتى ضد انتشار الإيدز.
ومثل رفيقه السابق في المصارعة نيلسون مانديلا، اكتسب هالة دولية، وأصبح، مثل غاندي ومارتن لوثر كينغ من قبله، رمزًا لحملة سلمية من أجل المساواة والعدالة.
ومن المفارقات، أنه في شمال البلاد، في بلدة كليركسدورب، في وســــــط ترانســــــــفال، ولد ديزمونـد مبيلو توتو عام 1931. وقبل ثلاثين عامًا، كانت المنطقة مسرحًا لحرب البوير الثانية بين مستوطني المملكة المتحدة ومستوطني هولندا.
ولكن، في البداية، لا شيء كان يشير الى ان ديزموند توتو سيصبح متحدثًا رسميًا.
نجل المعلّم، مصيره مسطّر، لكنــــه فضـــــــل الطريق الكهنوتي.
بعد دراسة اللاهوت، عيّن كاهنًا في جوهانسبرغ في سن الثلاثين، مثل معلّمه تريفور هدلستون، وهو أسقف أبيض، طبعت طفولته شخصيته.
“ذات يوم، كنا نسير في الشارع مع والدتي، مررنا بجانبه، يروي ديزموند توتو عام 1984، وأمام والدتي، نزع قبعته.
لم أصدق عيني: رجل أبيض يحيي امرأة سوداء من الطبقة العاملة!».
في ذلك الوقت، كان الفصل العنصري يفرض هيمنة الأقلية البيضاء، المنحدرة من المستوطنين الأفريكانيين، على الغالبية العظمى من الرجال الملونين، السود ومختلطي الاعراق، المنعزلين في الغيتوات والبانتوستانات. لاحقا اختار ديزموند توتو السفر إلى إنجلترا، حيث درس في كينجز كوليدج، قبل أن يمارس عمله في العديد من الكنائس في لندن وساري.
عام 1972 تم تعيينه نائبًا لمدير صندوق التعليم التابع لمجلس الكنائس العالمي. وعند عودته إلى جنوب إفريقيا عام 1975، أصبح أول أسود يشغل منصب عميد أبرشية جوهانسبرغ.
كفاح مستمر
من أجل العدالة
بعد فوزه في هذه المعركة الشخصية الأولى ضد مصيره كبروليتاري أسود في دولة عنصرية، انطلق ديزموند توتو في المعركـــــة الجماعية، جنبًا إلى جنـــــب مـــــع شــــــباب غيتـو سويتو.
“لا شيء يمنعنا من أن نصبح أحرارًا، لأن الله معنا”، يصر الشخص الذي ترأس، عام 1977، جنازة الزعيم ستيف بيكو، مؤسس حركة الوعي الأسود وشهيد الكفاح ضد الفصل العنصري.
يدعو توتو إلى مقاطعة اقتصادية لجنوب إفريقيا، حتى لو كان ذلك يعاقب السود في المقام الأول.
وبناء على دعوته، سار 30 ألف شخص في مسيرة سلمية في شوارع كيب تاون.
وهذا لم يمنع الأسقف من انتقاد أساليب المؤتمر الوطني الأفريقي، التي كان يعتبرها شديدة العنف.
حصل على جائزة نوبل للسلام، واكتسبت أفعاله السلمية زخمًا عندما أصبح ديزموند توتو، عام 1986، أول رئيس أساقفة أسود في كيب تاون.
عندما سقط نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، بعد ما يقرب من عشر سنوات، كان من الطبيعي ان يتولى الزعيم الديني الأكثر نفوذاً في البلاد رئاســــة لجنة الحقيقة والمصالحة.
لكن بالنسبة للأسقف توتو، فإن المعركة لا تنتهي عند هذا الحد.
الآن، يجب أن يدافع عن “أمة قوس قزح” التي سمّاها، دولة الجنوب إفريقيين الذين يريدون إعادة بناء متبادلة.
كان الأمر بالنسبة للرئيس نيلسون مانديلا، واضحًا: “أحيانًا يكون شديد الصراخ، وغالبًا ما يكون رقيقًا، لا يخاف أبدًا، سيكون صوت ديزموند توتو دائمًا هو صوت أولئك الذين لا صوت لهم”. وحتى بعد تقاعده عام 2010، لن يتوقف هذا الأخير عن انتقاد حصاد الحكومات المتتالية في مجال محاربة الفقر أو الوحدة الوطنية.
تحية أخيرة لمانديلا
عام 2013، اعترف بأنه لم يعد بإمكانه التصويت للحزب الحاكم: “كان حزب المؤتمر الوطني الأفريقي جيدًا جدًا في توجيهنا في النضال من أجل الحرية”، على حد قوله، لكني لا أعتقـــــــد أن وحـــــــدة قتالية يمكن أن تصبـــــح بسهولة حزبًا سياسيًا”.
ورغم كل شيء، قام بتكريم أخير لنيلسون مانديلا عام 2013، شاكراً الله “بان وهبهم ماديبا، وجعلهم يفهمون كيف بإمكان أوضاعهم ان تتغيّر».
وحتى وفاته، استمر ديزموند توتو في أن يكون صوت من لا صوت لهم، ممن اعتبرهم مظلومين، وكان إلى جانب الدالاي لاما، والفلسطينيين، ومدافعا عن اوضاع المثليين الأفارقة. ولكن بعد تكرّر مشاكله الصحية بشكل متزايد، تلاشت في الأخير الابتسامة الأبدية التي زينت وجه الزعيم العجوز، وسيظل نوره سليما في قلوب مواطني جنوب إفريقيا ومواطني العالم بأسره.
-- أصبح، مثل غاندي ومارتن لوثر كينغ من قبله، رمزًا لحملة سلمية من أجل المساواة والعدالة
«دعونا نكون صنّاع سلام، وإذا أردنا السلام، فلنعمل من أجل العدالة... دعونا نحوّل سيوفنا إلى محاريث”. عام 1984، تحدث ديزموند توتو بهذه الكلمات إلى الأكاديمية التي منحته جائزة نوبل للسلام. بعد 31 عامًا، تقاعد رئيس أساقفة جنوب إفريقيا السابق من الحياة العامة، لكن كفاحه غير المسلح من أجل العدالة والسلام استمر. موته يهز بلدًا بأكمله: “وفاة رئيس الأساقفة الفخري ديزموند توتو، هو فصل جديد من الحداد في وداع أمتنا لجيل من مواطني جنوب إفريقيا الاستثنائيين الذين ورّثونا جنوب إفريقيا المحررة”، هكذا كانت كلمات الرئيس سيريل رامافوزا لإعلان رحيل رجل الديـــــن عن عمر يناهز التسعين.
لا لن يكون مدرسًا
خاض رئيس الأساقفة السابق، منذ السبعينات وحتى اليوم، معارك ضد الفصل العنصري والفساد وكراهية المثليين وحتى ضد انتشار الإيدز.
ومثل رفيقه السابق في المصارعة نيلسون مانديلا، اكتسب هالة دولية، وأصبح، مثل غاندي ومارتن لوثر كينغ من قبله، رمزًا لحملة سلمية من أجل المساواة والعدالة.
ومن المفارقات، أنه في شمال البلاد، في بلدة كليركسدورب، في وســــــط ترانســــــــفال، ولد ديزمونـد مبيلو توتو عام 1931. وقبل ثلاثين عامًا، كانت المنطقة مسرحًا لحرب البوير الثانية بين مستوطني المملكة المتحدة ومستوطني هولندا.
ولكن، في البداية، لا شيء كان يشير الى ان ديزموند توتو سيصبح متحدثًا رسميًا.
نجل المعلّم، مصيره مسطّر، لكنــــه فضـــــــل الطريق الكهنوتي.
بعد دراسة اللاهوت، عيّن كاهنًا في جوهانسبرغ في سن الثلاثين، مثل معلّمه تريفور هدلستون، وهو أسقف أبيض، طبعت طفولته شخصيته.
“ذات يوم، كنا نسير في الشارع مع والدتي، مررنا بجانبه، يروي ديزموند توتو عام 1984، وأمام والدتي، نزع قبعته.
لم أصدق عيني: رجل أبيض يحيي امرأة سوداء من الطبقة العاملة!».
في ذلك الوقت، كان الفصل العنصري يفرض هيمنة الأقلية البيضاء، المنحدرة من المستوطنين الأفريكانيين، على الغالبية العظمى من الرجال الملونين، السود ومختلطي الاعراق، المنعزلين في الغيتوات والبانتوستانات. لاحقا اختار ديزموند توتو السفر إلى إنجلترا، حيث درس في كينجز كوليدج، قبل أن يمارس عمله في العديد من الكنائس في لندن وساري.
عام 1972 تم تعيينه نائبًا لمدير صندوق التعليم التابع لمجلس الكنائس العالمي. وعند عودته إلى جنوب إفريقيا عام 1975، أصبح أول أسود يشغل منصب عميد أبرشية جوهانسبرغ.
كفاح مستمر
من أجل العدالة
بعد فوزه في هذه المعركة الشخصية الأولى ضد مصيره كبروليتاري أسود في دولة عنصرية، انطلق ديزموند توتو في المعركـــــة الجماعية، جنبًا إلى جنـــــب مـــــع شــــــباب غيتـو سويتو.
“لا شيء يمنعنا من أن نصبح أحرارًا، لأن الله معنا”، يصر الشخص الذي ترأس، عام 1977، جنازة الزعيم ستيف بيكو، مؤسس حركة الوعي الأسود وشهيد الكفاح ضد الفصل العنصري.
يدعو توتو إلى مقاطعة اقتصادية لجنوب إفريقيا، حتى لو كان ذلك يعاقب السود في المقام الأول.
وبناء على دعوته، سار 30 ألف شخص في مسيرة سلمية في شوارع كيب تاون.
وهذا لم يمنع الأسقف من انتقاد أساليب المؤتمر الوطني الأفريقي، التي كان يعتبرها شديدة العنف.
حصل على جائزة نوبل للسلام، واكتسبت أفعاله السلمية زخمًا عندما أصبح ديزموند توتو، عام 1986، أول رئيس أساقفة أسود في كيب تاون.
عندما سقط نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، بعد ما يقرب من عشر سنوات، كان من الطبيعي ان يتولى الزعيم الديني الأكثر نفوذاً في البلاد رئاســــة لجنة الحقيقة والمصالحة.
لكن بالنسبة للأسقف توتو، فإن المعركة لا تنتهي عند هذا الحد.
الآن، يجب أن يدافع عن “أمة قوس قزح” التي سمّاها، دولة الجنوب إفريقيين الذين يريدون إعادة بناء متبادلة.
كان الأمر بالنسبة للرئيس نيلسون مانديلا، واضحًا: “أحيانًا يكون شديد الصراخ، وغالبًا ما يكون رقيقًا، لا يخاف أبدًا، سيكون صوت ديزموند توتو دائمًا هو صوت أولئك الذين لا صوت لهم”. وحتى بعد تقاعده عام 2010، لن يتوقف هذا الأخير عن انتقاد حصاد الحكومات المتتالية في مجال محاربة الفقر أو الوحدة الوطنية.
تحية أخيرة لمانديلا
عام 2013، اعترف بأنه لم يعد بإمكانه التصويت للحزب الحاكم: “كان حزب المؤتمر الوطني الأفريقي جيدًا جدًا في توجيهنا في النضال من أجل الحرية”، على حد قوله، لكني لا أعتقـــــــد أن وحـــــــدة قتالية يمكن أن تصبـــــح بسهولة حزبًا سياسيًا”.
ورغم كل شيء، قام بتكريم أخير لنيلسون مانديلا عام 2013، شاكراً الله “بان وهبهم ماديبا، وجعلهم يفهمون كيف بإمكان أوضاعهم ان تتغيّر».
وحتى وفاته، استمر ديزموند توتو في أن يكون صوت من لا صوت لهم، ممن اعتبرهم مظلومين، وكان إلى جانب الدالاي لاما، والفلسطينيين، ومدافعا عن اوضاع المثليين الأفارقة. ولكن بعد تكرّر مشاكله الصحية بشكل متزايد، تلاشت في الأخير الابتسامة الأبدية التي زينت وجه الزعيم العجوز، وسيظل نوره سليما في قلوب مواطني جنوب إفريقيا ومواطني العالم بأسره.