حجم المساعدات إلى لبنان فاق أموال خطة مارشال... لكن

حجم المساعدات إلى لبنان فاق أموال خطة مارشال... لكن


قال الكاتب السياسي في “المجلس الأطلسي” اتلانتك كاونسل، بول جادالله إن السياسيين اللبنانيين الذين يسمحون بانهيار لبنان، يأملون الحصول على أكبر قدر ممكن من المساعدة الدولية، بأقل قيود ممكنة.
وكتب جادالله أنه أمام الأزمات التي يعاني منها لبنان، من انقطاع الكهرباء، وشح الوقود، وانهيار القطاع الصحي مع أزمة كورونا، قد يعتقد المرء أن السياسيين اللبنانيين سيدفعون لتشكيل حكومة تكنوقراط  قادرة على الأقل على تمرير بعض الإصلاحات لإنقاذ البلاد من الانهيار.
ولكن هنا تكمن المشكلة، لأن أي إصلاحات ستسلب الأوليغارشيين الطائفيين في لبنان سلطاتهم. ولذلك فإن السياسيين اللبنانيين يسمحون بانهيار لبنان بينما يأملون الحصول على أكبر قدر ممكن من المساعدة الدولية بأقل قدر من القيود.

إهدار الأموال نتيجة الفساد
ومنذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية في 1990، عُقدت مؤتمرات دولية كبيرة للمساعدة في إنقاذ البلاد من مشاكلها الاقتصادية المزمنة.
وبعد خمسة عشر عاماً من الحرب الأهلية، والصراعات مع إسرائيل، حصل لبنان على تلك المساعدات على أمل الحفاظ على تماسكه، إذ لم يرغب أحد في رؤية البلد ساحة نزاع إقليمي مرة أخرى.
وتُشير التقديرات إلى أن 170 مليار دولار من المساعدات المالية قدمت للبنان من مؤيديه المختلفين منذ نهاية الحرب الأهلية، وهي أكبر من حجم المساعدات التي قدمت إلى البلدان التي استفادت من خطة مارشال. ومع ذلك، ونتيجة للفساد المستشري، أهدر الكثير من هذه الأموال أو سرق، ما ترك لبنان مثقلاً بالديون، ويعاني من ضعف البنية التحتية. حتى الأموال المُخصّصة للاجئين السوريين والفلسطينيين في لبنان، اختًلست.

معركة حسم مع المجتمع الدولي
لكن الآن، يخوض السياسيون اللبنانيون معركة حسم مع المجتمع الدولي انطلاقًا من معادلة الإصلاحات مقابل المساعدة.
رفضت القوى الغربية إعطاء مساعدات كبيرة للبنان قبل تنفيذ إصلاحات ملموسة. وكان صندوق النقد الدولي على استعداد لتقديم 11 مليار دولار للحكومة اللبنانية في 2020، إذا اقترحت ونفّذت إصلاحات نزيهة.
ولكن كل ما تلقّاه البنك هو اقتراح من 65 صفحة من الحكومة برئاسة حسان دياب يقترح إصلاحات غامضة تمول بأموال من الشتات اللبناني، فلم يمضِ صندوق النقد الدولي قدماً في خطة الإنقاذ.
إن من شأن الإصلاحات الحقيقية، مثل خصخصة الشركات الحكومية أو خفض الإنفاق، أن توقف شبكات المحسوبية التي تمارسها الأوليغارشية الطائفية في لبنان، وتوقف وصولهم إلى أموال الدولة. وفي الواقع، أشار البنك الدولي في 2020 إلى أن الكساد الاقتصادي في البلاد، نتيجة سياسة متعمّدة من قبل الطبقة السياسية الحاكمة.

ابتزاز المجتمع الدولي باللاجئين
وبدل التعاون، لجأت النخبة السياسية اللبنانية إلى ابتزاز المجتمع الدولي مع الاحتفاظ بالأموال دون قيود تذكر. وأبلغ جبران باسيل، رئيس الكتلة النيابية الأكبر في لبنان وصهر رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء حسان دياب المجتمع الدولي بأن ترك لبنان ينهار يعني ترحيل أكثر من 1.5 مليون لاجئ سوري يقيمون في لبنان.
ولأن قبرص واليونان قريبتان، فإن هذا يعني أن اللاجئين قد ينتهي بهم الأمر على عتبة الاتحاد الأوروبي، وهو أمر يخشاه الغرب منذ أزمة اللاجئين في 2015 حيث وصل مليون لاجئ، بشكل أساسي من الشرق الأوسط، إلى أوروبا.
وحذّر جوزيف عون، قائد الجيش اللبناني، من انهيار الجيش لأن رواتب جنوده لا تتجاوز الآن 84 دولاراً شهرياً بالعملة المحلية، بينما كانت تساوي 800 دولار قبل عامين فقط. هذه بالتأكيد تهديدات لا يمكن الاستخفاف بها.

استغلال المساعدات
بدأت استراتيجيتهم تؤتي ثمارها بالفعل. ويُواصل برنامج الغذاء العالمي تعزيز برنامجه في البلاد، حيث يعمل البنك الدولي على إنشاء صندوق طوارئ للبنان.
و يُقال إن إيران، والعراق، وحتى الولايات المتحدة ترسل الوقود، وفي 4 أغسطس (آب)، في الذكرى السنوية الأولى لتفجير ميناء بيروت، استضاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤتمراً آخر للمانحين من أجل لبنان، وتعهد فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن بتقديم 100 مليون دولار، وفرنسا 100 مليون يورو، مع تذكير بسيط بتنفيذ الإصلاحات الضرورية التي تحتاج إلى التنفيذ، مقابل المساعدات.
وبالفعل، يبحث السياسيون اللبنانيون في كيفية استغلال المساعدات الخارجية، فالبنك الدولي على استعداد لتقديم مساعدات طارئة للبنان لمنع تجويع السكان. ولم تقدم الحكومة اللبنانية إلا اتفاقاً شفهياً على أنها ستدفع المساعدات بالدولار.
في الأصل، كانت تنوي الحكومة تقديم المساعدة بالليرة اللبنانية بسعر تُحدده، ما يسمح للسياسيين بتبادل الدولارات بسعرهم الخاص، ما من شأنه أن يوجد نظام رعاية جديد، تقدم بموجبه المساعدة المالية للبنان بطرق مختلفة من قبل الأوليغارشية اللبنانية.

معضلة وزارة المال
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو مطالبة أطراف مثل حزب الله اللبناني بتخصيص وزارة المالية للطائفة الشيعية، الذي يسيطر عليها. وتشرف الوزارة على الميزانية الوطنية، وتحصيل الضرائب، والدين العام، والجمارك، والسجل العقاري، والمدفوعات الدولية، والاتصال بالمصرف المركزي اللبناني، وتوقيع الموافقة على تمويل المشاريع الكبرى؛ والأهم من ذلك، السماح بصرف المساعدات الخارجية.
في الواقع، إن أي وزارة تحتاج إلى أموال لمشروع، يجب أن تحصل على توقيع وزير المالية.
ومع أخذ ذلك في الاعتبار، يريد حزب الله بفضل وزارة المالية التحكم في صرف المساعدات الدولية المعلقة، والمفروض أن يكون للوزارة رأي رئيسي في التفاوض وتنفيذ أي إصلاحات هيكلية، وهو الأمر الذي أعرب الحزب عن مخاوفه منه. وسيسمح ذلك لحزب الله بالوصول إلى أموال جديدة، بينما يواجه عقوبات، كما سيمنحه القدرة على استخدام حق النقض ضد أي إصلاحات مالية قد يعتبرها تهديداً له.
في الوقت الحالي، تعيش الدولة اللبنانية انهياراً بطيئاً ومطرداً، حيث يسعى سياسيوها للحصول على المساعدة الدولية بأقلّ عدد ممكن من الخيوط.
 “لكن السؤال المطروح الآن هو من يتراجع أولاً، المجتمع الدولي أم السياسيون اللبنانيون؟ وهل سيستمر لبنان في زعزعة الاستقرار أم أن المانحين الدوليين سينهارون، بينما يراقبون السكان وهم يتضورون جوعاً؟