رسوم ترامب على الصين.. حرب تجارية عقيمة «بلا انتصارات»

رسوم ترامب على الصين.. حرب تجارية عقيمة «بلا انتصارات»


يرى المحلل السياسي الدكتور ليون هادار، أن سياسة الرسوم التي تمارسها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تكشف عن نهج لا يحقق أي فوز في التنافس مع الصين.
وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال انتريست» الأمريكية، يقول هادار الباحث والزميل البارز في معهد أبحاث السياسة الخارجية في فلادلفيا، والذي قام بالتدريس في الجامعة الأمريكية في واشنطن، إن جولة تصعيد الرسوم الأخيرة بين واشنطن وبكين تشبه نسخة من تراجيديا يونانية بكل ما فيها من غطرسة وسوء تقدير والعودة الحتمية إلى البداية. فإعلان الرئيس ترامب فرض رسوم إضافية على السيارات الأجنبية، والنحاس، والصلب، والألمونيوم، مع فرض رسوم إضافية بنسبة 30% على كل الواردات من الصين؛ لا يمثل براعة استراتيجية ولكن إفلاساً استراتيجياً وانتصار المسرح الداخلي على السياسة الخارجية المترابطة.
ويضيف هادار، أن المسار الحالي للعلاقات الصينية الأمريكية يعكس سوء فهم للاعتماد الاقتصادي المتبادل في القرن الـ21. ورغم ازدهار الحديث عن إعادة التصنيع وتحقيق استقلال اقتصادي، يظل الواقع معقداً للغاية.
وقد اعترف وزير التجارة الصيني وانغ وينتاو مؤخراً بـ»الصعود والهبوط» في العلاقات الثنائية، مع تأكيده على الاعتماد الاقتصادي المتبادل- وهو تصريح دبلوماسي متحفظ يكشف التناقض الجوهري في السياسة الحالية.
ويرى هادار، أن فكرة أنه بوسع الولايات المتحدة فك ارتباطها بالصين ببساطة عن طريق فرض الرسوم تتجاهل شبكة سلاسل الإمداد المعقدة، والتكامل التكنولوجي والتدفقات المالية التي تطورت طوال عقود. ويضيف هادار أن الشركات الأمريكية استثمرت في حقيقة الأمر مئات المليارات من الدولارات في العمليات الصينية، بينما أصبحت الشركات الصينية جزءاً لا يتجزأ من سلاسل القيمة العالمية التي يعتمد عليها المستهلكون الأمريكيون للحصول على احتياجاتهم اليومية. وقد تتصدر زيادة الرسوم عناوين الصحف والحديث السياسي عنها، لكنها لا تستطيع إنهاء هذه الحقائق الهيكلية دون فرض تكاليف باهظة على الشركات الأمريكية والمستهلكين الأمريكيين. ويوضح هادار أن الفوضى الاستراتيجية ربما تكون أكثر وضوحاً في قطاع التكنولوجيا. فالتقدم والتراجع بشأن قيود صادرات رقائق الذكاء الاصطناعي- التي تم فرضها في يناير -كانون الثاني الماضي، ثم عدلت عنها إدارة ترامب في مايو -أيار يعد مثالاً على غياب أي استراتيجية متماسكة طويلة الأجل. ومثل هذا التراجع في السياسة لا يدل على المرونة ولكن على الضعف، مما يقوض المصداقية الأمريكية بالنسبة للحلفاء والأعداء على السواء.
ويعكس استمرار التوترات التجارية رغم تكاليفها الاقتصادية الواضحة ديناميكيات سياسية أكثر عمقاً في الدولتين. ففي الولايات المتحدة، أصبحت الانتقادات الحادة للصين أحد الأنشطة القليلة التي يتفق عليها الحزبان الأمريكيان الرئيسيان في واشنطن، مما يوفر للسياسيين كبش فداء مناسب لأوجه القلق الاقتصادية وحالات التفكك الاجتماعي التي لا تعتبر الممارسات التجارية الصينية مسؤولة عنها بدرجة كبيرة.
وبالمثل، فإن مقاومة الضغط الأمريكي في الصين أصبحت أمراً أساسياً للحديث عن شرعية الحزب الشيوعي. فقدرة الحزب على مواجهة الضغط الخارجي- وخاصة من جانب القوى الاستعمارية السابقة وخلفائها -ذات أهمية كبيرة في الذاكرة التاريخية الصينية والمشاعر القومية. وهذا يخلق ديناميكية سياسية يبدو فيها التنازل ضعفا والتصعيد قوة.
وأضاف هادار أنه يتعين على الولايات المتحدة والصين الاعتراف بأنه رغم أن مصالحهما متنافسة في بعض المجالات فإنها تظل مكملة لبعضها البعض في مجالات أخرى. فتغير المناخ، والأوبئة، والأزمات المالية الدولية جميعها تتطلب تعاونا قويا بين أكبر اقتصادين في العالم. والاسلوب الحالي المتمثل في معاملة كل وجه من أوجه العلاقات بين الدولتين من خلال منظور التنافس الاستراتيجي يزيد من صعوبة التعاون بين الدولتين.
وخلص هادار إلى إن مسار العلاقات الصينية الأمريكية الحالي لا يخدم المصالح طويلة الأجل للدولتين، وأن المسار الافضل للدولتين يتطلب التخلي عن وهم إمكانية أن تحقق واحدة منهما انتصاراً حاسماً على الدولة الأخرى. وبدلاً من ذلك تحتاج الدولتان إلى تطوير آليات لإدارة التنافس مع الحفاظ على مجالات التعاون.