رئيس الدولة والرئيس الروسي يبحثان سبل احتواء التصعيد في المنطقة والاحتكام إلى الحوار
منطقة المحيطين الهندي والهادي:
فهم عمليات إعادة التشكيل الاستراتيجية وآثارها...!
-- لئن رأت الصين أوكوس مبادرة مباشرة لعرقلة تقدم مصالحها في المنطقة، فقد كان لها رد رسمي محسوب
-- يشـجع أوكوس الصين على تطوير قدراتهـا العسكرية، من أجل فرض نفوذهـا في المنطقـة ضـد الأمريكان
-- لاحظت شكلاً من أشكال التطويق، أصبحت أستراليا ترى في الصين خطرًا على سيادتها
-- تحالف أوكوس، هو وسيلة للأمريكيين للتعبير عن حزمهم تجاه الصين ولبريطانيا تأكيدا لبعدها «العالمي»
بمناسبة منتدى التعاون في آسيا والمحيط الهادي، في الفترة من 8 إلى 13 نوفمبر، وبعد الإعلان في 15 سبتمبر عن تشكيل تحالف أوكوس، ناقش المعهد الفرنسي لأبحاث شرق آسيا إعادة التشكيل في منطقة المحيطين الهندي والهادي خلال مؤتمر بالفيديو في 15 نوفمبر، في إطار “اجتماعات الاثنين”، مع اثنين من أعضائه، سيباستيان كولين، وغيبورغ ديلاموت... مناقشة أدارها جوريس زيلبرمان، رئيس تحرير آسياليست. في 11 نوفمبر المنقضي، وفي إطار قمة منتدى التعاون في آسيا والمحيط الهادي، أشار الرئيس الصيني شي جين بينغ مجددا، إلى ترشّح الصين للشراكة عبر المحيط الهادي، وهي معاهدة التجارة الحرة التي أرادتها الولايات المتحدة برئاسة باراك أوباما بدون بكين، ثم انسحب منها دونالد ترامب، ونفذتها اليابان بشكل أساسي رغم كل شيء تحت اسم “الشراكة التقدمية الشاملة عبر المحيط الهادي” -والتي ما زلنا لا نعرف ما إذا كان جو بايدن سيرغب في الانضمام اليها. دخلت هذه المعاهدة حيز التنفيذ في نهاية عام 2018. وفي نفس الوقت، أنشأت الصين معاهدة تجارة حرة منافسة أخرى، “الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة”، والتي ستدخل حيز التنفيذ في يناير 2022.
لذلك يريد شي جين بينغ، أن يكون حاضرًا في الجدولين -اليابان هي أيضًا طرف في كلا الاتفاقيتين.
بالإضافة إلى ذلك، في 15 نوفمبر، “التقى” شي جين بينغ وجو بايدن للمرة الأولى في مؤتمر عبر الفيديو وجهاً لوجه، حيث تتميز العلاقات الصينية الأمريكية بتوتر شديد للغاية، خاصة حول مسألة تايوان.
أي إعادة تشكيل
في الكتلة الغربية؟
يضاف إلى هذه التوترات اتفاقية “أوكوس” الثلاثية التي أُعلن عنها في 15 سبتمبر بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وفي إطار هذا التحالف الجديد، يلتزم الأمريكيون بتزويد الأستراليين بغواصات تعمل بالطاقة النووية، مما أثار استياء فرنسا، التي رأت أن “عقد القرن” الذي ابرمته قد تمزق بعنف. أطلق تحالف اوكوس أو سرّع عمليات إعادة التشكيل الاستراتيجية في منطقة آسيا والمحيط الهادي. فما هي من وجهة نظر الكتلة الغربية؟
بالنسبة للولايات المتحدة، لا تعيد هذه التطورات النظر في موقفها بل تعززه. لقد قامت بتوحيد التحالف الأنجلو ساكسوني مع أستراليا والمملكة المتحدة، مع إظهار اهتمامها المتزايد بالمنطقة. ان تحالف اوكوس، هو وسيلة للأمريكيين للتعبير عن حزمهم تجاه الصين. وبالنسبة للمملكة المتحدة، فهي تؤكد بعدها “العالمي” وترسّخها خارج أوروبا في سياق ما بعد البريكسيت.
في المقابل، تشبه هذه الاهانة تهميشا لفرنسا، لكنه بالتأكيد لن يكون طويل المدى. التقى جو بايدن وإيمانويل ماكرون على هامش قمة مجموعة العشرين، وأخبر بوريس جونسون الرئيس الفرنسي في 24 سبتمبر، أنه يريد إعادة العلاقات مع باريس. في الواقع، من الصعب تخيل عدم تعاون البلدين في سياق أوروبي أكثر. اما مع أستراليا فيستمرّ البرد.
«هذا التحول الأسترالي، دون سابق إنذار، يُنظر إليه في فرنسا، على أنه عنيف وغير مقبول بين الأصدقاء. ومع ذلك، بالنسبة لأستراليا، فإن التخلي عن العقد مع فرنسا ودخول تحالف اوكوس، يكشف عن تغيير في النظرة إلى الصين”، يؤكد غيبورغ ديلاموت، الأستاذ المحاضر في إينالكو، واستاذ العلوم السياسية والمتخصص في اليابان. تنظر أستراليا إلى الصين بشكل متزايد على أنها معادية منذ عام 2017، خاصة بعد المحاولات الصينية التدخل في السياسة الأسترالية. بالإضافة إلى ذلك، أدركت مخاطر ارتهانها الاقتصادي لبكين.
في الواقع، خلال الأزمة الصحية، كانت أستراليا واحدة من أوائل الدول التي دعت إلى إجراء تحقيق دولي في أصل كوفيد-19 من حيث تورط الصين بشكل مباشر. وردا على ذلك، أوقفت بكين واردات الفحم والشعير والنبيذ ولحم البقر والقطن من أستراليا.
وهكذا، قاست كانبيرا العداء الصيني، ولاحظت شكلاً من أشكال التطويق، ومن التسلل التدريجي لبلدان جزر المحيط الهادئ من قبل الصين، وهي منطقة تعتبرها أستراليا موطنها، من خلال العديد من الاستثمارات الاستراتيجية في الجزر المجاورة.
ولكل هذا ترى أستراليا خطرًا على سيادتها، كما “أدركت أيضًا أنها تهوّرت -في تأجير ميناء داروين لمدة 99 عامًا الى مجموعة لاندبريدج التي تسيطر عليها الحكومة الصينية. وتقرّ أستراليا اذن، أن تحالف أوكوس هو أفضل طريقة لتلبية احتياجاتها الاستراتيجية الجديدة”، يحدد غيبورغ ديلاموت.
«اختارت أستراليا أن تلتفت إلى الولايات المتحدة بدلاً من فرنسا من أجل الحصول على غواصات نووية ليس فقط لأسباب التقدم التكنولوجي، ولكن أيضًا لأنها ترى أن لفرنسا موقف استراتيجي أكثر غموضًا تجاه الصين، ولا سيما بشأن موضوع استقلال كاليدونيا الجديدة “، يلاحظ سيباستيان كولين، المحاضر في إينالكو، والجغرافي والمتخصص في الصين.
وفعلا، فإن أستراليا قلقة بشأن تنظيم الاستفتاء الثالث، الذي سيجرى، باستثناء منعطف دراماتيكي، في 12 ديسمبر، أي بعد وقت قصير من تنظيم الاستفتاء السابق. انها تتساءل على وجه الخصوص عن خسارة موقع استراتيجي فرنسي ومستقبل البنية التحتية العسكرية إذا أصبحت كاليدونيا الجديدة، حيث النفوذ الصيني قويًا، مستقلة.
اذن، فإن فكرة إعادة التشكيل هي أقوى بالنسبة لفرنسا التي لا تزال قوة مهمة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتي يُبرّر وجودها ليس فقط من خلال أراضيها، ولكن خصوصا من خلال توجهها للعب دور على الساحة الدولية. الا ان تحالف اوكوس، يدفع الى اعادة النظر في التفكير الاستراتيجي الفرنسي الذي كان لعقد الغواصات مع أستراليا مكانة مركزية فيه.
إن الأمر يتعلق بإيجاد بدائل، على الأقل مؤقتًا، لأستراليا، وتبحث فرنسا عن البديل إلى جانب اليابان والهند وإندونيسيا وحتى ماليزيا. والتعاون مع هذه البلدان آخذ في التبلور، ولا سيما مع الهند. اما مع اليابان، يؤدي الافتقار إلى اتفاقيات الوصول إلى القواعد على الأراضي اليابانية إلى إعاقة التعاون العسكري الفرنسي الياباني.
و”لئن أبدت فرنسا في البداية استياءها من تحالف اوكوس، الذي لا يتعلق فقط ببيع الغواصات ولكن أيضًا بالاستخبارات والمجال السيبراني والذكاء الاصطناعي، فمن غير المرجح أن تحافظ على شكل من أشكال العزلة عن الأنجلو سكسون، الحلفاء الذين ليس من مصلحتهم أيضًا خسارة التعاون الفرنسي، يحلّل غيبورغ ديلاموت. ومع ذلك، يجب استعادة الثقة التي تأثرت بالإدارة الدبلوماسية لأوكوس. «
اليابان، ومع انها تظل يقظة بشأن موقفها الاستراتيجي بتجنب مواجهة الصين مباشرة، فإنها ترحب بتعزيز المحور الأنجلو ساكسوني ضدها -كما فعلت الهند. وترى طوكيو في هذا التطور عودة ظهور التدخل الأمريكي في المنطقة وتأكيدًا للمواقف الغربية. كما أبدت الحكومة اليابانية استعدادها لتوحيد الجهود في مجال الذكاء الاصطناعي. “ومع ذلك، بعد تعزيز نظامها للحماية السرية الدفاعية عام 2013، من المحتمل تمامًا أن يتم ربطه باتفاقية تجارية، والشيء نفسه لفرنسا”، يلاحظ غيبورغ ديلاموت.
ما رد الصين على أوكوس؟
يمكن توسيع هذا التوصيف المفاهيمي لإجراء تحليل أنثروبولوجي للتطور السياسي لنظام الحزب الشيوعي الصيني، وبشكل أكثر تحديدًا سلطة شي جين بينغ. فما هو رد الصين على عمليات إعادة التشكيل هذه التي أحدثتها اتفاقية اوكوس؟
ردت الصين بهدوء تام على تحالف اوكوس دبلوماسيا، ووصفت التحالف بأنه “غير مسؤول”. وقد تم استنكار الصفقة التجارية على وجه الخصوص باعتبارها “تقوض السلام الإقليمي، وكذلك الجهود الدولية لمنع الانتشار وتكثيف سباق التسلح”. وفي وسائل الإعلام الوطنية الصينية ربما كانت اللهجة مرتفعة أو مهددة أو حتى مهينة. ويصرّ سيباستيان كولين على أنه “لئن كانت الصين ترى في أوكوس مبادرة مباشرة لعرقلة تقدم المصالح الصينية في المنطقة، فقد كان لها رد رسمي محسوب».
في الواقع، إذا كان تحالف اوكوس سيجعل من الممكن تأكيد الوجود الأسترالي في بحر الصين الجنوبي من خلال نشر الغواصات، فإن التحالف الجديد سيغير في الحقيقة القليل بالنسبة للاستراتيجية الصينية، حيث تدرك بكين جيدًا الهياكل المختلفة الموضوعة في السنوات العشر الماضية لمواجهة نفوذها وراء سلسلة جزرها الأولى.
ان اوكوس يُكمل بعض المنظمات الموجودة مثل “كواد”، التعاون الأمني الرباعي الذي يضم أستراليا واليابان والهند والولايات المتحدة، رغم اختلاف الشكل والطموحات. فمن ناحية، يمتلك تحالف اوكوس عنصرًا تقنيًا لتبادل المعلومات الاستخباراتية، ومن ناحية أخرى، تعمل المجموعة الرباعية على تعميق التعاون من خلال التدريبات العسكرية متعددة الأطراف، وقد توسعت مؤخرًا في اتجاه سياسي أكثر من خلال توفير الخدمات العامة. الهند واليابان ليسا أعضاء في اوكوس، والمملكة المتحدة ليست جزءً من الرباعية.
لا شك في أن تحالف “أوكوس” يزيد من قدرة أمريكا الرادعة، ولا شك انه في ذهن الصين من المحتمل أن تتدخل الولايات المتحدة في حال وقوع هجوم على تايوان. “يشجع أوكوس بمعنى ما الصين على تطوير قدراتها العسكرية، وخاصة البحرية، من أجل فرض نفوذها في المنطقة ضد الولايات المتحدة”، يشرح سيباستيان كولين.
وبالتالي، فإن تحالف اوكوس هو رد اخر على زيادة النفوذ الصيني في المحيطين الهندي والهادئ. من ناحية، طورت الصين نفوذها في المحيط الهادئ منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ولا سيما منذ إنشاء منتدى التعاون والحوار عام 2008 مع دول جنوب المحيط الهادي، مما أدى إلى تعميق علاقاتهم الاقتصادية والسياسية. والاستثمار الصيني في المنطقة والتجارة الخارجية لهذه البلدان ما انفك ينمو بشكل مطرد منذئذ، وأصبحت الصين ثاني أكبر شريك تجاري ومستثمر بعد أستراليا بالنسبة للكثيرين. ومن ناحية أخرى، تعمل على تطوير استراتيجية ذات تأثير متعدد الأوجه في المحيط الهندي.
سياسياً، اقتربت من العديد من دول جنوب آسيا، مثل سريلانكا وباكستان، وهي بلدان تحيط بالهند، التي يُنظر إليها على أنها منافس استراتيجي في هذه المنطقة.
على الصعيد الأمني ، اقتربت الصين أيضًا من إيران، وبالتالي عززت وجودها في الخليج العربي وخليج عدن لضمان مرور خطوط إمدادها عبر المحيط الهندي.
وعلى الصعيد العسكري، زادت الصين من عملياتها في المنطقة، لا سيما من قاعدتها في جيبوتي، ولكن أيضًا من خلال وجود غواصتها. “إن تحالف اوكوس، من وجهة النظر هذه، مهم لأنه يعيد وضع أستراليا كدولة تضمن الاستقرار ليس فقط في جنوب المحيط الهادي ولكن أيضًا في المحيط الهندي حيث توجد واجهة بحرية في كانبيرا”، يضيف سيباستيان كولين.
ما هي الآثار
الإقليمية لأوكوس؟
بشكل عام، تنقسم دول آسيا بشأن الصين، والمنظمة في الواقع ليست حازمة للغاية. إندونيسيا وماليزيا، اللتان زاد توترهما مع الصين، ولكن أيضًا نيوزيلندا وروسيا، تلقت بشكل سيئ الاتفاقية التجارية المدرجة في اوكوس، معبّرين عن قلقهم من مخاطر الانتشار النووي.
من جهتهما، رحبت فيتنام والفلبين بهذا التحالف الجديد، الذي يعتبرانه ضمانًا لمزيد من الأمن في المنطقة. “قد يكون هناك عامل آخر مثير للانقسام هو الاستعداد غير المتكافئ لدول جنوب شرق آسيا لصياغة الاتفاقية. في الواقع، لم تذهب كامالا هاريس، خلال زيارتها للمنطقة، إلى إندونيسيا، التي تعتبر نفسها مع ذلك القوة الإقليمية في جنوب شرق آسيا”، يشير سيباستيان كولين. لذلك، فإن تحالف اوكوس جاء ليغذي مرة أخرى الانقسامات داخل دول الآسيان. ومع ذلك، فقد سبق ان أظهرت المنظمة فعاليتها الاقتصادية رغم الاختلافات السياسية والاستراتيجية بين أعضائها.
ان قضية الانتشار النووي التي أثارتها اتفاقية اوكوس التجارية هي أيضا مصدر قلق للعديد من الدول. من الناحية النظرية، لا يوجد انتشار لأن الولايات المتحدة، وهي القوة النووية، تدير الوقود، ولا تمتلك أستراليا هذه القدرات الإدارية. بالإضافة إلى ذلك، يتوافق هذا الاستخدام للطاقة النووية مع معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، طالما أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية يمكنها تفتيش المواقع. “ومع ذلك، هناك خطر انتشار، لأن ذلك يبقى استخداما لوقود نوويّ عالي التخصيب (97 بالمائة) لأغراض عسكرية. ويثير هذا أيضًا مسألة السابقة: كيف سيكون الغرب قادرًا على الرد إذا قررت الصين بيع غواصات نووية لكوريا الشمالية؟”، يسأل غيبورغ ديلاموت.
ان الوضع الأسترالي خاص، حيث تمتلك كانبرا غواصات نووية رغم أنها لا تمتلك صناعة نووية مدنية. لذلك فهي تعيد النظر في موقفها المناهض للأسلحة النووية، ولم تتأخر عديد الدول، منها إيران، في إدانة حالة انتشار الأسلحة النووية. “في الواقع، هذه ليست حالة انتشار بموجب شروط معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، لكنها تشكل استخدامًا محفوفًا بالمخاطر، نظرًا لإمكانية تحويل الوقود”، يقول سيباستيان كولين.
المعهد الفرنسي لأبحاث شرق آسيا
-- يشـجع أوكوس الصين على تطوير قدراتهـا العسكرية، من أجل فرض نفوذهـا في المنطقـة ضـد الأمريكان
-- لاحظت شكلاً من أشكال التطويق، أصبحت أستراليا ترى في الصين خطرًا على سيادتها
-- تحالف أوكوس، هو وسيلة للأمريكيين للتعبير عن حزمهم تجاه الصين ولبريطانيا تأكيدا لبعدها «العالمي»
بمناسبة منتدى التعاون في آسيا والمحيط الهادي، في الفترة من 8 إلى 13 نوفمبر، وبعد الإعلان في 15 سبتمبر عن تشكيل تحالف أوكوس، ناقش المعهد الفرنسي لأبحاث شرق آسيا إعادة التشكيل في منطقة المحيطين الهندي والهادي خلال مؤتمر بالفيديو في 15 نوفمبر، في إطار “اجتماعات الاثنين”، مع اثنين من أعضائه، سيباستيان كولين، وغيبورغ ديلاموت... مناقشة أدارها جوريس زيلبرمان، رئيس تحرير آسياليست. في 11 نوفمبر المنقضي، وفي إطار قمة منتدى التعاون في آسيا والمحيط الهادي، أشار الرئيس الصيني شي جين بينغ مجددا، إلى ترشّح الصين للشراكة عبر المحيط الهادي، وهي معاهدة التجارة الحرة التي أرادتها الولايات المتحدة برئاسة باراك أوباما بدون بكين، ثم انسحب منها دونالد ترامب، ونفذتها اليابان بشكل أساسي رغم كل شيء تحت اسم “الشراكة التقدمية الشاملة عبر المحيط الهادي” -والتي ما زلنا لا نعرف ما إذا كان جو بايدن سيرغب في الانضمام اليها. دخلت هذه المعاهدة حيز التنفيذ في نهاية عام 2018. وفي نفس الوقت، أنشأت الصين معاهدة تجارة حرة منافسة أخرى، “الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة”، والتي ستدخل حيز التنفيذ في يناير 2022.
لذلك يريد شي جين بينغ، أن يكون حاضرًا في الجدولين -اليابان هي أيضًا طرف في كلا الاتفاقيتين.
بالإضافة إلى ذلك، في 15 نوفمبر، “التقى” شي جين بينغ وجو بايدن للمرة الأولى في مؤتمر عبر الفيديو وجهاً لوجه، حيث تتميز العلاقات الصينية الأمريكية بتوتر شديد للغاية، خاصة حول مسألة تايوان.
أي إعادة تشكيل
في الكتلة الغربية؟
يضاف إلى هذه التوترات اتفاقية “أوكوس” الثلاثية التي أُعلن عنها في 15 سبتمبر بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وفي إطار هذا التحالف الجديد، يلتزم الأمريكيون بتزويد الأستراليين بغواصات تعمل بالطاقة النووية، مما أثار استياء فرنسا، التي رأت أن “عقد القرن” الذي ابرمته قد تمزق بعنف. أطلق تحالف اوكوس أو سرّع عمليات إعادة التشكيل الاستراتيجية في منطقة آسيا والمحيط الهادي. فما هي من وجهة نظر الكتلة الغربية؟
بالنسبة للولايات المتحدة، لا تعيد هذه التطورات النظر في موقفها بل تعززه. لقد قامت بتوحيد التحالف الأنجلو ساكسوني مع أستراليا والمملكة المتحدة، مع إظهار اهتمامها المتزايد بالمنطقة. ان تحالف اوكوس، هو وسيلة للأمريكيين للتعبير عن حزمهم تجاه الصين. وبالنسبة للمملكة المتحدة، فهي تؤكد بعدها “العالمي” وترسّخها خارج أوروبا في سياق ما بعد البريكسيت.
في المقابل، تشبه هذه الاهانة تهميشا لفرنسا، لكنه بالتأكيد لن يكون طويل المدى. التقى جو بايدن وإيمانويل ماكرون على هامش قمة مجموعة العشرين، وأخبر بوريس جونسون الرئيس الفرنسي في 24 سبتمبر، أنه يريد إعادة العلاقات مع باريس. في الواقع، من الصعب تخيل عدم تعاون البلدين في سياق أوروبي أكثر. اما مع أستراليا فيستمرّ البرد.
«هذا التحول الأسترالي، دون سابق إنذار، يُنظر إليه في فرنسا، على أنه عنيف وغير مقبول بين الأصدقاء. ومع ذلك، بالنسبة لأستراليا، فإن التخلي عن العقد مع فرنسا ودخول تحالف اوكوس، يكشف عن تغيير في النظرة إلى الصين”، يؤكد غيبورغ ديلاموت، الأستاذ المحاضر في إينالكو، واستاذ العلوم السياسية والمتخصص في اليابان. تنظر أستراليا إلى الصين بشكل متزايد على أنها معادية منذ عام 2017، خاصة بعد المحاولات الصينية التدخل في السياسة الأسترالية. بالإضافة إلى ذلك، أدركت مخاطر ارتهانها الاقتصادي لبكين.
في الواقع، خلال الأزمة الصحية، كانت أستراليا واحدة من أوائل الدول التي دعت إلى إجراء تحقيق دولي في أصل كوفيد-19 من حيث تورط الصين بشكل مباشر. وردا على ذلك، أوقفت بكين واردات الفحم والشعير والنبيذ ولحم البقر والقطن من أستراليا.
وهكذا، قاست كانبيرا العداء الصيني، ولاحظت شكلاً من أشكال التطويق، ومن التسلل التدريجي لبلدان جزر المحيط الهادئ من قبل الصين، وهي منطقة تعتبرها أستراليا موطنها، من خلال العديد من الاستثمارات الاستراتيجية في الجزر المجاورة.
ولكل هذا ترى أستراليا خطرًا على سيادتها، كما “أدركت أيضًا أنها تهوّرت -في تأجير ميناء داروين لمدة 99 عامًا الى مجموعة لاندبريدج التي تسيطر عليها الحكومة الصينية. وتقرّ أستراليا اذن، أن تحالف أوكوس هو أفضل طريقة لتلبية احتياجاتها الاستراتيجية الجديدة”، يحدد غيبورغ ديلاموت.
«اختارت أستراليا أن تلتفت إلى الولايات المتحدة بدلاً من فرنسا من أجل الحصول على غواصات نووية ليس فقط لأسباب التقدم التكنولوجي، ولكن أيضًا لأنها ترى أن لفرنسا موقف استراتيجي أكثر غموضًا تجاه الصين، ولا سيما بشأن موضوع استقلال كاليدونيا الجديدة “، يلاحظ سيباستيان كولين، المحاضر في إينالكو، والجغرافي والمتخصص في الصين.
وفعلا، فإن أستراليا قلقة بشأن تنظيم الاستفتاء الثالث، الذي سيجرى، باستثناء منعطف دراماتيكي، في 12 ديسمبر، أي بعد وقت قصير من تنظيم الاستفتاء السابق. انها تتساءل على وجه الخصوص عن خسارة موقع استراتيجي فرنسي ومستقبل البنية التحتية العسكرية إذا أصبحت كاليدونيا الجديدة، حيث النفوذ الصيني قويًا، مستقلة.
اذن، فإن فكرة إعادة التشكيل هي أقوى بالنسبة لفرنسا التي لا تزال قوة مهمة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتي يُبرّر وجودها ليس فقط من خلال أراضيها، ولكن خصوصا من خلال توجهها للعب دور على الساحة الدولية. الا ان تحالف اوكوس، يدفع الى اعادة النظر في التفكير الاستراتيجي الفرنسي الذي كان لعقد الغواصات مع أستراليا مكانة مركزية فيه.
إن الأمر يتعلق بإيجاد بدائل، على الأقل مؤقتًا، لأستراليا، وتبحث فرنسا عن البديل إلى جانب اليابان والهند وإندونيسيا وحتى ماليزيا. والتعاون مع هذه البلدان آخذ في التبلور، ولا سيما مع الهند. اما مع اليابان، يؤدي الافتقار إلى اتفاقيات الوصول إلى القواعد على الأراضي اليابانية إلى إعاقة التعاون العسكري الفرنسي الياباني.
و”لئن أبدت فرنسا في البداية استياءها من تحالف اوكوس، الذي لا يتعلق فقط ببيع الغواصات ولكن أيضًا بالاستخبارات والمجال السيبراني والذكاء الاصطناعي، فمن غير المرجح أن تحافظ على شكل من أشكال العزلة عن الأنجلو سكسون، الحلفاء الذين ليس من مصلحتهم أيضًا خسارة التعاون الفرنسي، يحلّل غيبورغ ديلاموت. ومع ذلك، يجب استعادة الثقة التي تأثرت بالإدارة الدبلوماسية لأوكوس. «
اليابان، ومع انها تظل يقظة بشأن موقفها الاستراتيجي بتجنب مواجهة الصين مباشرة، فإنها ترحب بتعزيز المحور الأنجلو ساكسوني ضدها -كما فعلت الهند. وترى طوكيو في هذا التطور عودة ظهور التدخل الأمريكي في المنطقة وتأكيدًا للمواقف الغربية. كما أبدت الحكومة اليابانية استعدادها لتوحيد الجهود في مجال الذكاء الاصطناعي. “ومع ذلك، بعد تعزيز نظامها للحماية السرية الدفاعية عام 2013، من المحتمل تمامًا أن يتم ربطه باتفاقية تجارية، والشيء نفسه لفرنسا”، يلاحظ غيبورغ ديلاموت.
ما رد الصين على أوكوس؟
يمكن توسيع هذا التوصيف المفاهيمي لإجراء تحليل أنثروبولوجي للتطور السياسي لنظام الحزب الشيوعي الصيني، وبشكل أكثر تحديدًا سلطة شي جين بينغ. فما هو رد الصين على عمليات إعادة التشكيل هذه التي أحدثتها اتفاقية اوكوس؟
ردت الصين بهدوء تام على تحالف اوكوس دبلوماسيا، ووصفت التحالف بأنه “غير مسؤول”. وقد تم استنكار الصفقة التجارية على وجه الخصوص باعتبارها “تقوض السلام الإقليمي، وكذلك الجهود الدولية لمنع الانتشار وتكثيف سباق التسلح”. وفي وسائل الإعلام الوطنية الصينية ربما كانت اللهجة مرتفعة أو مهددة أو حتى مهينة. ويصرّ سيباستيان كولين على أنه “لئن كانت الصين ترى في أوكوس مبادرة مباشرة لعرقلة تقدم المصالح الصينية في المنطقة، فقد كان لها رد رسمي محسوب».
في الواقع، إذا كان تحالف اوكوس سيجعل من الممكن تأكيد الوجود الأسترالي في بحر الصين الجنوبي من خلال نشر الغواصات، فإن التحالف الجديد سيغير في الحقيقة القليل بالنسبة للاستراتيجية الصينية، حيث تدرك بكين جيدًا الهياكل المختلفة الموضوعة في السنوات العشر الماضية لمواجهة نفوذها وراء سلسلة جزرها الأولى.
ان اوكوس يُكمل بعض المنظمات الموجودة مثل “كواد”، التعاون الأمني الرباعي الذي يضم أستراليا واليابان والهند والولايات المتحدة، رغم اختلاف الشكل والطموحات. فمن ناحية، يمتلك تحالف اوكوس عنصرًا تقنيًا لتبادل المعلومات الاستخباراتية، ومن ناحية أخرى، تعمل المجموعة الرباعية على تعميق التعاون من خلال التدريبات العسكرية متعددة الأطراف، وقد توسعت مؤخرًا في اتجاه سياسي أكثر من خلال توفير الخدمات العامة. الهند واليابان ليسا أعضاء في اوكوس، والمملكة المتحدة ليست جزءً من الرباعية.
لا شك في أن تحالف “أوكوس” يزيد من قدرة أمريكا الرادعة، ولا شك انه في ذهن الصين من المحتمل أن تتدخل الولايات المتحدة في حال وقوع هجوم على تايوان. “يشجع أوكوس بمعنى ما الصين على تطوير قدراتها العسكرية، وخاصة البحرية، من أجل فرض نفوذها في المنطقة ضد الولايات المتحدة”، يشرح سيباستيان كولين.
وبالتالي، فإن تحالف اوكوس هو رد اخر على زيادة النفوذ الصيني في المحيطين الهندي والهادئ. من ناحية، طورت الصين نفوذها في المحيط الهادئ منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ولا سيما منذ إنشاء منتدى التعاون والحوار عام 2008 مع دول جنوب المحيط الهادي، مما أدى إلى تعميق علاقاتهم الاقتصادية والسياسية. والاستثمار الصيني في المنطقة والتجارة الخارجية لهذه البلدان ما انفك ينمو بشكل مطرد منذئذ، وأصبحت الصين ثاني أكبر شريك تجاري ومستثمر بعد أستراليا بالنسبة للكثيرين. ومن ناحية أخرى، تعمل على تطوير استراتيجية ذات تأثير متعدد الأوجه في المحيط الهندي.
سياسياً، اقتربت من العديد من دول جنوب آسيا، مثل سريلانكا وباكستان، وهي بلدان تحيط بالهند، التي يُنظر إليها على أنها منافس استراتيجي في هذه المنطقة.
على الصعيد الأمني ، اقتربت الصين أيضًا من إيران، وبالتالي عززت وجودها في الخليج العربي وخليج عدن لضمان مرور خطوط إمدادها عبر المحيط الهندي.
وعلى الصعيد العسكري، زادت الصين من عملياتها في المنطقة، لا سيما من قاعدتها في جيبوتي، ولكن أيضًا من خلال وجود غواصتها. “إن تحالف اوكوس، من وجهة النظر هذه، مهم لأنه يعيد وضع أستراليا كدولة تضمن الاستقرار ليس فقط في جنوب المحيط الهادي ولكن أيضًا في المحيط الهندي حيث توجد واجهة بحرية في كانبيرا”، يضيف سيباستيان كولين.
ما هي الآثار
الإقليمية لأوكوس؟
بشكل عام، تنقسم دول آسيا بشأن الصين، والمنظمة في الواقع ليست حازمة للغاية. إندونيسيا وماليزيا، اللتان زاد توترهما مع الصين، ولكن أيضًا نيوزيلندا وروسيا، تلقت بشكل سيئ الاتفاقية التجارية المدرجة في اوكوس، معبّرين عن قلقهم من مخاطر الانتشار النووي.
من جهتهما، رحبت فيتنام والفلبين بهذا التحالف الجديد، الذي يعتبرانه ضمانًا لمزيد من الأمن في المنطقة. “قد يكون هناك عامل آخر مثير للانقسام هو الاستعداد غير المتكافئ لدول جنوب شرق آسيا لصياغة الاتفاقية. في الواقع، لم تذهب كامالا هاريس، خلال زيارتها للمنطقة، إلى إندونيسيا، التي تعتبر نفسها مع ذلك القوة الإقليمية في جنوب شرق آسيا”، يشير سيباستيان كولين. لذلك، فإن تحالف اوكوس جاء ليغذي مرة أخرى الانقسامات داخل دول الآسيان. ومع ذلك، فقد سبق ان أظهرت المنظمة فعاليتها الاقتصادية رغم الاختلافات السياسية والاستراتيجية بين أعضائها.
ان قضية الانتشار النووي التي أثارتها اتفاقية اوكوس التجارية هي أيضا مصدر قلق للعديد من الدول. من الناحية النظرية، لا يوجد انتشار لأن الولايات المتحدة، وهي القوة النووية، تدير الوقود، ولا تمتلك أستراليا هذه القدرات الإدارية. بالإضافة إلى ذلك، يتوافق هذا الاستخدام للطاقة النووية مع معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، طالما أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية يمكنها تفتيش المواقع. “ومع ذلك، هناك خطر انتشار، لأن ذلك يبقى استخداما لوقود نوويّ عالي التخصيب (97 بالمائة) لأغراض عسكرية. ويثير هذا أيضًا مسألة السابقة: كيف سيكون الغرب قادرًا على الرد إذا قررت الصين بيع غواصات نووية لكوريا الشمالية؟”، يسأل غيبورغ ديلاموت.
ان الوضع الأسترالي خاص، حيث تمتلك كانبرا غواصات نووية رغم أنها لا تمتلك صناعة نووية مدنية. لذلك فهي تعيد النظر في موقفها المناهض للأسلحة النووية، ولم تتأخر عديد الدول، منها إيران، في إدانة حالة انتشار الأسلحة النووية. “في الواقع، هذه ليست حالة انتشار بموجب شروط معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، لكنها تشكل استخدامًا محفوفًا بالمخاطر، نظرًا لإمكانية تحويل الوقود”، يقول سيباستيان كولين.
المعهد الفرنسي لأبحاث شرق آسيا