فورين أفيرز: على أمريكا تصحيح انتشارها في الشرق الأوسط... لا الانسحاب منه

   فورين أفيرز: على أمريكا تصحيح انتشارها في الشرق الأوسط... لا الانسحاب منه


رأت الكاتبتان بيكا واسر وإليسا إيورز في مقال بمجلة “فورين أفيرز” أن على الجيش الأمريكي إعادة ترتيب انتشاره في المنطقة، لا الانسحاب. ومنذ إعلانه ترشحه للرئاسة، أكد جو بايدن أنه يريد إعادة التوازن إلى الوجود العسكري لأمريكا في الشرق الأوسط. ووعد أيضا بـ “إنهاء الحروب الأبدية في أفغانستان والشرق الأوسط”، وإيقاف “حقبة العمليات العسكرية الكبرى لإعادة تشكيل دول أخرى”، مقابل تحويل نظر واشنطن إلى الصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادي الأوسع. وكان الرئيس السابق دونالد ترامب وعد بالعديد من الانسحابات العسكرية من المنطقة، لكنه أرسل آلافاً إضافية من القوات مع تصاعد التوترات مع إيران في عامي 2019 و2020، كما أن خطط الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2011 لتحجيم المهمة في العراق قوضها ظهور تنظيم “داعش” عام 2014.

الانسحاب من أفغانستان
 لكنّ الباحثتين لفتتا إلى أن تعديل الوجود العسكري ليس واضحاً تماماً، خاصة بعد الانسحاب من أفغانستان المثير للجدل، إذ تبدو إدارة بايدن مترددة. ففي حين سحبت واشنطن بعض مواردها من الشرق الأوسط، وعد مسؤولون في الإدارة، بمن فيهم وزير الدفاع لويد أوستن، شركاء إقليميين قلقين بأن “التزام أمريكا بالأمن في الشرق الأوسط قوي ومؤكد».
وتؤكد الباحثتان أن أمريكا تحتاج إلى إعادة تقويم رصين للأدوات العسكرية التي ينبغي أن تخصصها للشرق الأوسط، وهذا لا يعني الانسحاب من المنطقة أو التغاضي عنها. لكنه يستلزم تقييماً واضحاً لكيفية ترتيب أولويات الموارد العسكرية لواشنطن، وكيفية ربطها بشكل أوثق بأهدافها الاستراتيجية.

عقيدة كارتر
وهذا يعني التركيز بشكل أضيق على حماية نفسها وحلفائها من الإرهاب، وردع إيران عن تطوير أسلحة نووية، والحفاظ على تدفق التجارة وحرية الملاحة، ويعني أيضا أن تتعلم واشنطن تقديم فن الحكم الدبلوماسي والاقتصادي على العمل العسكري. وتذكر الكاتبتان بأن واشنطن نشرت في البداية أعداداً كبيرة من القوات في المنطقة في أعقاب الأحداث الإقليمية في أواخر السبعينيات وما تلاها من “عقيدة كارتر” عام 1980، والتي ألزمت أمريكا بأمن دول الخليج.
وخلال حرب الخليج الأولى، وسعت أمريكا انتشارها في المنطقة، ثم تمددت أكثر بعد هجمات 11 سبتمبر- أيلول،  2001 وأدت الصراعات المتتالية، مثل العمليات في أفغانستان وحرب العراق والقتال ضد “داعش”، إلى ترسيخ القواعد الأمريكية في جميع أنحاء المنطقة.
وإذ لفتت الباحثتان إلى أن بعض المصالح تظل وثيقة الصلة من الناحية الاستراتيجية، مثل حماية الوطن والمواطنين الأمريكيين، ولا يزال الشرق الأوسط الكبير منطقة خصبة للشبكات الإرهابية التي تتطلع إلى مهاجمة أمريكا، فإن العلاقة بين الأنشطة العسكرية لواشنطن ومصالحها الأساسية تتآكل منذ عشر سنوات على الأقل، إن لم يكن أكثر. فالولايات المتحدة على سبيل المثال، لم تعد تخوض حروباً برية واسعة، وهذا يعني أنها لم تعد بحاجة إلى أعداد كبيرة من القوات والمعدات الثقيلة القادرة على السيطرة على الأراضي.

أكثر من مجرد تبذير للموارد
لكن الكاتبتين لفتتا إلى أن “الوجود الأمريكي الكبير في الشرق الأوسط هو أكثر من مجرد تبذير للموارد. أوجد بيئة يميل فيها صانعو السياسة إلى استخدام الوسائل العسكرية بشكل غير متناسب، بدلاً من الدبلوماسية والاقتصاد، لتنفيذ أجنداتهم».
وشددت الباحثتان على أنه يمكن لأمريكا أن تخفف من بقايا حروبها القديمة، وعلى سبيل المثال تصغير معسكر عريفجان في الكويت، وهو قاعدة مخصصة للقوات البرية الثقيلة، وتحويله إلى مركز لوجستي يساعد في زيادة القوات العسكرية الأمريكية عند الحاجة. كما أنه يمكن لواشنطن التفاوض على اتفاقيات وصول طارئة مع شركاء إقليميين حتى تتمكن من نشر قوات وتوسيع نطاق المرافق إذا اقتصى الأمر.

التخلي عن بعض القواعد
ويمكن لأمريكا أيضا أن تبتعد عن تشغيل بعض القواعد الكبيرة في الخليج، وأن تعتمد نظام قواعد موزعة مصمماً للحفاظ على الأصول الأمريكية آمنة. وهذا يعني تحويل الأصول بعيداً عن بعض القواعد التي يُرجح أن تواجه هجمات من الصواريخ الإيرانية ونحو قواعد خارج نطاق حلقات التهديد الأسوأ، مثل قاعدة موفق سلطي الجوية في الأردن وقاعدة الأمير سلطان الجوية في السعودية.
كذلك، ترى الكاتبتان أن “لا داعي لوجود طائرات قاذفة ثقيلة قادرة على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. فيمكن لهذه الطائرات أن تصل إلى إيران من أوروبا أو أمريكا، حيث تتمركز بالفعل».
وختمت الباحثتان بالقول إن إعادة التقويم تتيح لواشنطن الاستفادة من المزيد من مواردها العسكرية في أماكن، مثل المحيطين الهندي والهادي وأوروبا، حيث تكون هناك حاجة إليها.