رئيس الدولة ونائباه يهنئون ملك البحرين بذكرى اليوم الوطني لبلاده
الأوروبيون يدفعون ثمن وجود حلف شمال الأطلسي
فيزغلياد الروسية: أهداف الناتو ليست عبئاً فحسب وإنما تهديد لأوروبا
اعتبر غيفورغ ميرزايان، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في الجامعة المالية الروسية، أن حلف شمال الأطلسي "الناتو" يدمّر أوروبا التي بدأت تدفع ثمن وجوده ليس فقط بالسيادة، ولكن أيضًا بالأرواح.
وكتب ميرزايان، لصحيفة "فيزغلياد" الروسية، أنه في 4 أبريل( نيسان) الحالي، احتفلت الولايات المتحدة بالذكرى السنوية الثالثة والسبعين لتأسيس "الناتو". وبينما تعتبره واشنطن "أقوى كتلة عسكرية سياسية في التاريخ"، ترى فيه الدول الأوروبية "عاراً وتهديداً".
قيود سياسية قائمة منذ 73 عامًا
وعام 1949، بدا دخول الدول الأوروبية إلى "الناتو" أمراً منطقياً، حيث دُمّرت أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، واعتبرت نفسها غير محصنة أمام خطر الاتحاد السوفيتي، فضلاً عن إمكانية عودة القوة الألمانية (ومعها الانتقام). لذلك، وافقت فرنسا وإنكلترا وثماني دول أخرى في أوروبا الغربية على دعوة الأمريكيين وكندا لحماية أراضيهم، ووافقوا على قبول عدد من القيود السياسية من أجل الحماية العسكرية.
الآن، وبعدما خفت الحاجة إلى الحماية العسكرية، لا تزال القيود السياسية قائمة، حيث لا تزال الأهداف الأساسية للناتو التي تتمحور حول إبقاء أمريكا في الداخل، وألمانيا في الأسفل وروسيا في الخارج، دون تغيير.
وقال ديمتري سوسلوف ، نائب مدير مركز الدراسات الأوروبية والدولية الشاملة في المدرسة العليا من الاقتصاد: "لا يزال الناتو يمثل المؤسسة الرئيسية للوجود الأمريكي في أوروبا، فضلاً عن إدارة الولايات المتحدة للأمن الأوروبي. وبمساعدة الناتو، تم استبعاد احتمال تحوّل الاتحاد الأوروبي إلى قطب مستقل، أو حتى استقلال ذاتي استراتيجي للاتحاد الأوروبي".
وأضاف سوسلوف لصحيفة "فيزغلياد" أنه "بمساعدة الناتو ايضاً يتم إخراج روسيا من نظام الأمن الأوروبي، مما يمنع تشكيل نظام أمني مشترك معها".
تفكيك التحالف؟
لكن، لماذا لم يتم تفكيك التحالف، الذي حد من السيادة السياسية لأوروبا، بعد نهاية الحرب الباردة؟ ولماذا لم تثر أي دولة أوروبية- أعضاء الناتو في التسعينيات من القرن الماضي- قضية أنه لم يعد هناك حاجة إلى التحالف؟
شرح ميرزايان أنه "بالنسبة للأمريكيين، كل شيء واضح: لن يتخلى أحد عن أداة عمل للسيطرة على أوروبا ومواردها، وهي ضرورية جداً لواشنطن للحفاظ على القيادة العالمية".
أما بالنسبة لأوروبا، فقال سوسلوف إن هناك سببين:
أولاً، المخاوف بشأن ألمانيا، إذ إنه إذا اختفت الهيمنة الأمريكية في أوروبا، ستحاول برلين ترسيخ هيمنتها الكلاسيكية. وبالنسبة للأوروبيين، فإن الهيمنة الأمريكية مقبولة أكثر من الألمانية".
ثانياً، خلال الحرب الباردة، نسيت أوروبا كيف تكون مسؤولة عن أمنها. ونشأ جيل كامل من النخب معتمدين على الولايات المتحدة. النخب التي تطلق على نفسها اسم Homo Atlanticus ولا يمكنها تخيل وجود دول أوروبية بدون هيمنة أمريكية".
وأضاف: "حتى عندما ألقى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب القيادة الأمريكية في سلة المهملات، كانت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، زعيمة أقوى دولة في الاتحاد الأوروبي، تخشى رفع هذه القضية، وقررت انتظار ولاية جو بايدن حتى يرفع هذه القيادة، بسلطته الضعيفة ولكن الأمريكية.
أوروبا تدفع ثمن وجود "الناتو"
ليس من المستغرب أنه مع هذا النهج، بدأت أوروبا تدفع ثمن وجود "الناتو" ليس فقط بالسيادة، ولكن أيضًا بالأرواح. فبعد كل شيء، وبعد نهاية الحرب الباردة، اكتسبت الأداة الأمريكية وظائف جديدة، وتحديدًا، ملء الفراغ العالمي في النفوذ الذي نشأ بعد خروج روسيا من المسرح العالمي. وكانت الولايات المتحدة بحاجة إلى فرض "الديمقراطية الليبرالية" على جميع البلدان الأخرى، وكان البعض عنيدًا لدرجة أنهم لم يفهم سوى لغة الصواريخ والطائرات.
وقال سوسلوف: ""تم إنشاء الناتو كتحالف دفاعي ولم يقم بعمليات هجومية خلال الحرب الباردة؛ ولكن بعد انتهائها، كانت هناك سلسلة كاملة من المهام خارج نطاق المسؤولية، بما في ذلك العدوان المباشر على يوغوسلافيا وليبيا، كما شارك في عمليات في أفغانستان"، مضيفاً: "لقد حاولوا تحويل الناتو إلى أداة رئيسية لاستخدام القوة العسكرية على نطاق عالمي، متجاوزين الأمم المتحدة، ولإنشاء نظام يتمحور حول الغرب لاستخدام هذه القوة ".
لا وجود لأوروبا بدون روسيا
ولم تكن هذه الممارسة ناجحة تمامًا- في ليبيا وخاصة في أفغانستان حيث انتهت بكارثة حقيقية. ويعود ذلك جزئيًا إلى أن الولايات المتحدة كانت أضعف من أن تخوض مثل هذه الحروب (بكل معنى الكلمة)، ولكن أيضًا جزئيًا لأن الأوروبيين بدأوا بالاستيقاظ، وبدأوا يحسبون تكلفة المشاركة في المغامرات الأمريكية وما الذي يمكن فعله حيال ذلك.
لذلك، من أجل عدم دفع العقول الأوروبية الهشة نحو تقويتها، قررت أمريكا تركيز كل جهود أوروبا على حل المهمة القديمة والمفهومة والمألوفة- احتواء روسيا.
لكن المهام، لسوء الحظ بالنسبة للقارة الأوروبية بأكملها، طويلة الأجل، وحتى إلى حد ما، لا جدال فيها. فبعد كل شيء، لا يمكن للناتو التعايش مع موسكو.
وفي هذا الإطار، هناك بديلان:
البديل الأول، هو التعاون في إطار نظام أمني أوروبي مشترك. لقد حاولوا إدخال موسكو في هذا السرير من خلال برنامج التعاون من أجل السلام، وكذلك مجلس روسيا و"الناتو". ومع ذلك، فشلت المحاولات، إلى حد كبير لأن الحلف يعتبر نفسه الركيزة الوحيدة والحصرية لنظام الأمن الأوروبي. فجميع المؤسسات الأخرى، بما في ذلك منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، مهمّشة بشكل أساسي، ويمكن للدول غير الأعضاء في "الناتو" أن تلعب دور حاملة القذائف التي لا يأخذ الحلف مصالحها في الاعتبار.
البديل الثاني، هي تضمين "الهرم السياسي" للناتو. وقد تم اتخاذ مثل هذه الخطوات على أمل أن يتحول الهرم إلى مؤسسة طبيعية لضمان الأمن الجماعي الحقيقي في أوروبا.
وأوضح سوسلوف: "أثارت روسيا مسألة الانضمام إلى الناتو، أو على الأقل تحويله إلى عضو غير رسمي في الحلف من خلال مجلس روسيا والناتو. ومع ذلك، لم ينجح الاقتراحان لأن من شأن دخول روسيا إلى الحلف أن يغير بشكل جذري ميزان القوى داخل الناتو. ولن تكون أمريكا قادرة بعد الآن على الهيمنة، وهذا غير مقبول بالنسبة إليها، لأن التحالف يجب أن يظل بنية مهيمنة بحتة تسيطر عليها الولايات المتحدة.
تهديد حقيقي
وهكذا، فإن سنوات عديدة من المحاولات لتغيير الناتو، لجعله شيئًا سهل الهضم ومساعدًا على الأمن في القارة، لم تأتِ بنتيجة.
وقال سوسلوف: "لا يمكن للناتو إلا أن يكون معاديًا لروسيا. ومجرد وجود الناتو كمؤسسة أمنية مهيمنة في أوروبا ومنطقة أوروبا الأطلسية، يستبعد روسيا ويعيق إنشاء نظام أمني أوروبي مشترك بمشاركتها. أي أنه إما نظام أمني مع روسيا، أو وجود الناتو".
وأضاف: "بينما يربط الناتو أوروبا الغربية والولايات المتحدة، فإن روسيا، حتى من الناحية النظرية، لا يمكن أن تكون عضواً في هذا النظام. إذا كانت روسيا تبني نظاماً أمنياً مع أوروبا الغربية، فيمكن أن يكون هذا إما بدون الناتو، أو على الأقل على خلفية تخلي الولايات المتحدة عن الهيمنة في أوروبا".
وأوضح ميرزايان أن الأهداف السياسية الثلاثة لحلف الناتو لا تصبح عبئاً فحسب ، بل تمثل أيضاً تهديداً حقيقياً. إذ لم يعد وجود أمريكا في أوروبا يهدد السيادة الأوروبية، بل الأمن ايضاً. وفي ظل حلف الناتو، وفي إطار سياسة واشنطن لتحويل التكاليف العسكرية- السياسية إلى أوروبا، بدأت عملية "صعود" ألمانيا، بما في ذلك من الناحية العسكرية- الاستراتيجية. ويتضمن البرنامج الذي أعلنه المستشار الألماني أولاف شولتس، زيادة حادة في الإنفاق الدفاعي والخطط العسكرية السياسية الهجومية (بما في ذلك نشر القوات الألمانية في وسط وشرق أوروبا).
وختم ميرزايان أن محاولات إبقاء روسيا "في الخارج" أدت إلى كسر جميع قواعد التعايش في القارة الأوروبية، وإلى العملية الخاصة لروسيا في أوكرانيا، وإلى أزمة سياسية واقتصادية خطيرة داخل الاتحاد الأوروبي، وهذا ما يجب أن تفهمه أوروبا جيداً.