أسئلة ستطرح في الحملة الرئاسية الفرنسية:
كل شيء سيتحقق في أوانه، لمن يعرف كيف ينتظر، حتى الخيانة...!
-- من المحيطين الهندي والهادي إلى أوكرانيا، يفرض شرط السيادة نفسه على عالم اعتقد أنه صار جسما واحدا في العولمة
-- تشكيل أوكوس يسمح لبريطانيا بتعزيز وضعها كقوة نووية، والعودة إلى فضاء إمبراطوريتها القديمة
-- بالنسبة للولايات المتحدة، المحيط الهادي أمريكي أو لا يكون
-- أوكوس بالنسبة لإنجلترا بوريس جونسون،وصفة الطبيب لأمّة في مرحلة انتقالية ما بعد أوروبا
يثير المخفيّ من تشكيل تحالف اوكوس بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا أسئلة محرجة للغاية حول الدبلوماسية الفرنسية ومستقبل فرنسا في منطقة المحيطين الهندي والهادي واستقلالية سلطاتها السيادية. أسئلة ستطرح في الحملة الانتخابية الرئاسية. يكشف تحقيق أجراه عديد الباحثين حول إلغاء عقد الغواصات الفرنسية لأستراليا حقائق جديدة، لكنها لا تشكل أي مفاجآت حقيقية إذا وضعنا أنفسنا في سياق تاريخي أقل إيجازًا. في الواقع، ليس خافيا أن قيادات البلدان الثلاثة، ولا سيما الولايات المتحدة وأستراليا، على ارتباط وثيق. ان كانبرا حليف رسمي لواشنطن وتستضيف جنودها، وصناعة الأسلحة واجتماعات مؤسسات الفكر والرأي، هي نتيجة طبيعية لهذا الوضع.
كما أن الرغبة الصينية في الخروج من البحيرة المغلقة، التي هي بحر الصين، ومواجهة “المنع” الأمريكي من الوصول إلى المحيط الهادي ليست جديدة أيضًا. وتجلى ذلك أولاً من خلال المواقف التي اتخذت على جزر بحر الصين، وبشكل متزايد من خلال التأثير متعدد الأبعاد على جزر المحيط الهادي، ولا سيما في فانواتو، حيث واجه هذا الاختراق بشكل مباشر الوجود الأسترالي.
وما يضيف الزيت على النار، ارتهان أستراليا للتجارة القادمة من الصين، وقد رسّخت المصالح الخاصة والحكومية لامبراطورية الوسط نفسها في وسائل الإعلام الأسترالية، وفي العقارات والتمويل والأوساط الأكاديمية، من بين قطاعات أخرى. وعزز وصول أغلبية محافظة في أستراليا إلى السلطة عام 2018 إرادة المقاومة. ووفق تحقيقات الباحثين، أدت مجموعة من الظروف إلى اختيار الغواصات الأمريكية الصنع التي تعمل بالطاقة النووية منذ مارس 2021. وقد تم استبعاد هذا الحل، الذي تم النظر فيه لأول مرة مع فرنسا، بسبب عدم قدرة أستراليا على احتضان الآثار المترتبة على هذه التكنولوجيا. غير ان المسألة الصينية، وتشابك السياسات الخارجية والاستخبارات والقوات المسلحة للدول الثلاث، والمجتمع اللغوي والثقافي، والفرصة المناسبة للغاية التي يقدمها تحالف اوكوس للمملكة المتحدة، كل هذه العوامل، اصطفت لاستبعاد فرنسا من عقد، كان بالمناسبة، مشروطا بالشراكة مع شركة لوكهيد مارتن الأمريكية.
أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن علويّة المحيط الذي تبحر فيه سفنها منذ نهاية القرن الثامن عشر، قد أعيد تعريفها في ظل إدارة أوباما من قبل عضو بارز في النخبة الحكومية. بحّار، حاصل على درجة الدكتوراه من أكسفورد، وعضو في جميع مؤسسات الكوكب “السياسة الخارجية”، وموظف حكومي رفيع المستوى تولى مناصب متعددة، أمضى كورت كامبل حياته المهنية في خدمة المصالح الأمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وبالنسبة لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، فهو صاحب فكرة “الانعطاف نحو آسيا”، الذي لا يعني فك ارتباط تجاه أوروبا، وانما تجاه الشرق الأوسط الذي يريد أوباما التحرر من مستنقعه.
اذن، لعب مكتبه دورًا رئيسيًا في هزيمة فرنسا، بالمعنى الدقيق للكلمة، اي التراجع عما تم إنجازه. لكن هنا مرة أخرى، وحده سوء فهم للتاريخ الطويل، يمكن أن يفسّر عمى حكومة إيمانويل ماكرون.
عودة إلى المستقبل
غالبًا ما يصطدم الجيوسياسيون الأوروبيون، والفرنسيون على وجه الخصوص، بالنزعة المركزية الأوروبية عندما يفكرون في السياسة الخارجية الأمريكية. والتاريخ، مع ذلك، شفّاف. تم التكامل الإقليمي للولايات المتحدة، الذي انتهى في القارة عام 1848، من الشرق إلى الغرب. وترتب على ذلك أن رئيس الدولة الجالس في واشنطن يدير ظهره إلى أوروبا وتتجه نظرته إلى آسيا. وإذا لم تكن الحقيقة التاريخية كافية، فيمكنه أن يتذكر كلمات الرئيس الأول للاتحاد، الشخص الذي أعطى اسمه للعاصمة، والذي أمر مواطنيه قبل تقاعده بعدم التورط في منافسات وطموحات وأهواء أوروبا. النتيجة الطبيعية للأوامر الواردة في خطاب الوداع لجورج واشنطن هي عقيدة مونرو، التي تم الإعلان عنها عام 1823، والتي تحتفظ بأمريكا اللاتينية للولايات المتحدة، وبالتالي تستحوذ على ساحل المحيط الهادئ بأكمله. بعبارة أخرى، كانت نقطة انطلاق غزو المحيط الشاسع الذي شغل الولايات المتحدة حتى عام 1945. ومن جزيرة إلى أخرى، ستشمل الأراضي التي تم الحصول عليها الفلبين وغوام وميكرونيزيا، وساموا الأمريكية وهاواي. واهتمت الدبلوماسية الديناميكية بالباقي. كانت القوة التي يجب طردها هي إسبانيا أولاً، ولكن اليابان بشكل متزايد، والتي وحدها أجبرت الولايات المتحدة على دخول الحرب في نهاية عام 1941.
إن حرب المحيط الهادئ، كما نسمع كثيرًا، ليست حربًا للدفاع عن الديمقراطيات من قبل منقذ شجاع، ولكنها حرب غزو الى حد تطوير وإسقاط أول قنبلتين نوويتين، دون أي فائدة عسكرية، لإذلال دولة مهزومة أصلا، واحتلالها طيلة عشر سنوات، وبالتالي، إعادة بناء مؤسساتها.
أن تكون الهند الصينية الفرنسية موالية للمارشال بيتان أمرًا عمليًا للغاية: فقد جعل من الممكن إبطال الوجود الفرنسي على طول ساحل مرغوب فيه للغاية، والانتصاب هناك. لقد دفعت الولايات المتحدة ثمناً باهظاً لمحاولة السيطرة على فيتنام، لكن مركزية بحر الصين في المناقشات الحالية، وتشكيل اوكوس، يوضح مدى البعد الاستراتيجي لهذا الساحل. فبالنسبة للولايات المتحدة، المحيط الهادي أمريكي أو لا يكون. وبما أن روسيا والصين، على ضفافه، فهو في قلب الحرب الباردة الجديدة.
معنى البريكسيت
لا ننسى أن البريكسيت تم التصويت عليه بأغلبية أقل من 2 بالمائة.
ولكن مهما كانت الفرضيات اللاحقة حول دوافع هذا التصويت، فإن اختيار الخروج هو الذي فاز.
قد يجادل البعض بأن تكلفة عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي كانت سبب نفورها الرئيسي من المؤسسة. هذا الاعتبار غير مقبول بالنسبة لثاني أكبر مركز مالي في العالم. إذا ما هو؟
في مؤتمر شهير حول التكامل الأوروبي في مايو 1962، أشار الجنرال ديغول بمهارة، من بين بضع ملاحظات اخرى، إلى أن إنجلترا “كدولة عظمى وأمّة مخلصة لنفسها، لن توافق أبدًا على الانحلال في بناء طوباوي».
وبقطع النظر عن تزايد تدخلات الاتحاد الأوروبي في الشؤون البريطانية، فإن الخطر الذي يمثله الاندماج السياسي على المقعد الدائم للمملكة المتحدة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كان أمرًا لا يمكن تصوره. لأنه حتى لو بقيت مناقشة مقعد أوروبي بالتناوب بين الدول نظرية، ورفضتها باريس، فإن لندن لم تفكر في الدخول في مثل هذا النقاش. في السياسة الدولية، حيث تقوم الثقة على اليقين، فإن زرع الشك يقول الكثير.
من هنا، فأن تشكيل اوكوس يسمح للمملكة المتحدة بتعزيز وضعها (وتقنيتها) كقوة نووية، وتحالفها مع القوة العظمى الأمريكية، وعودتها إلى فضاء إمبراطورتيها القديمة، الذي بات اليوم مركز اللعبة. ومن أجل هذه العودة، المملكة المتحدة مستعدة لتقديم خدمات، وقد أثبتت ذلك من خلال لعب دور الوسيط بين أستراليا والولايات المتحدة في تفكيك العقد الفرنسي. بالنسبة لإنجلترا بوريس جونسون، فإن أوكوس، كما يقول الأمريكيون، “فقط ما أمر به الطبيب”، أي وصفة الطبيب لأمّة في مرحلة انتقالية ما بعد أوروبا.
وفاء
في ضوء التاريخ، يجوز التساؤل عمّن خان من في هذا الصراع -المرآة. ولا يزال صوت الجنرال ديغول، وهو يذكّر بفكرة الوفاء التي تدين بها الأمة لنفسها، يتردد. لأن الدبلوماسية الفرنسية لا تجهل تاريخ هذه المنطقة، وعلى علم بالدعم الذي قدمته أستراليا، بتكتم، إلى انفصاليي الكاناك في العقود الأخيرة، باسم مبدأ ويلسون المقدس حق الشعوب في تقرير المصير، وهو مبدأ كان من أولى وظائفه الحد من الوجود الفرنسي في الشرق الأوسط خلال الحربين العالميتين. كما ان فرنسا على دراية باللعبة المزدوجة الأسترالية بشأن القوة النووية، التي تم توظيفها سابقًا لشيطنة التجارب النووية الفرنسية. من مؤسسي معاهدة راروتونغا بشأن منطقة خالية من الأسلحة النووية في جنوب المحيط الهادي، تشرع أستراليا اليوم في مسار غامض إلى حد ما تجاه معاهدات عدم الانتشار.
تدرك فرنسا أيضًا أنها مُدرجة في فضاء يغلب عليه الطابع الأنجلو ساكسوني حيث تتم محاربة لغتها، وهي أداة قوة. فكيف يمكن أن المناقشات السرية بين “الحلفاء” الأنجلو-ساكسون الثلاثة في قمة مجموعة السبع لم تنكشف، هل كان هذا قبل يونيو 2021 بوقت طويل؟
أخيرًا، يطرح سؤال حاسم: ما هي الفوائد التي جنتها فرنسا من خدمتها الجيدة والمخلصة داخل الحلف الأطلسي، إن لم تكن الخسارة المتزايدة لاستقلاليتها في مسائل السياسة الخارجية، والغرق في مستنقع منطقة الساحل المكلف من حيث قوات النخبة، والارتباط بكارثة أفغانستان، وإلغاء عدد من عقود التسليح الضخمة، والتي، علاوة على ذلك، مشروطة بموافقة واشنطن؟ بين الخضوع، والأمّة “الوفيّة لذاتها”، اختارت الولايات المتحدة بكل وضوح.
إذا كانت حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية، في هذا الوقت، يهيمن عليها، إعلاميّا، مرشح متهم بلعب دور استاذ التاريخ، فلا شك أنه لم يتم تعلّم بعض الدروس. من المحيطين الهندي والهادي إلى أوكرانيا، يفرض شرط السيادة نفسه على عالم اعتقد أنه صار جسما واحدا في العولمة.
*تخرجت من كلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا، في مسيرتها 25 عامًا من العمل في الشؤون المالية والدبلوماسية المتعددة الأطراف والاستشارات وتعليم العلاقات الدولية. من بين كتبها، “الأمم المتحدة والأعمال: شراكة تعافت”. وعملت مستشارة لوكالات الأمم المتحدة وشركات بشأن توسعها المستدام في البلدان الصاعدة والنامية.
-- تشكيل أوكوس يسمح لبريطانيا بتعزيز وضعها كقوة نووية، والعودة إلى فضاء إمبراطوريتها القديمة
-- بالنسبة للولايات المتحدة، المحيط الهادي أمريكي أو لا يكون
-- أوكوس بالنسبة لإنجلترا بوريس جونسون،وصفة الطبيب لأمّة في مرحلة انتقالية ما بعد أوروبا
يثير المخفيّ من تشكيل تحالف اوكوس بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا أسئلة محرجة للغاية حول الدبلوماسية الفرنسية ومستقبل فرنسا في منطقة المحيطين الهندي والهادي واستقلالية سلطاتها السيادية. أسئلة ستطرح في الحملة الانتخابية الرئاسية. يكشف تحقيق أجراه عديد الباحثين حول إلغاء عقد الغواصات الفرنسية لأستراليا حقائق جديدة، لكنها لا تشكل أي مفاجآت حقيقية إذا وضعنا أنفسنا في سياق تاريخي أقل إيجازًا. في الواقع، ليس خافيا أن قيادات البلدان الثلاثة، ولا سيما الولايات المتحدة وأستراليا، على ارتباط وثيق. ان كانبرا حليف رسمي لواشنطن وتستضيف جنودها، وصناعة الأسلحة واجتماعات مؤسسات الفكر والرأي، هي نتيجة طبيعية لهذا الوضع.
كما أن الرغبة الصينية في الخروج من البحيرة المغلقة، التي هي بحر الصين، ومواجهة “المنع” الأمريكي من الوصول إلى المحيط الهادي ليست جديدة أيضًا. وتجلى ذلك أولاً من خلال المواقف التي اتخذت على جزر بحر الصين، وبشكل متزايد من خلال التأثير متعدد الأبعاد على جزر المحيط الهادي، ولا سيما في فانواتو، حيث واجه هذا الاختراق بشكل مباشر الوجود الأسترالي.
وما يضيف الزيت على النار، ارتهان أستراليا للتجارة القادمة من الصين، وقد رسّخت المصالح الخاصة والحكومية لامبراطورية الوسط نفسها في وسائل الإعلام الأسترالية، وفي العقارات والتمويل والأوساط الأكاديمية، من بين قطاعات أخرى. وعزز وصول أغلبية محافظة في أستراليا إلى السلطة عام 2018 إرادة المقاومة. ووفق تحقيقات الباحثين، أدت مجموعة من الظروف إلى اختيار الغواصات الأمريكية الصنع التي تعمل بالطاقة النووية منذ مارس 2021. وقد تم استبعاد هذا الحل، الذي تم النظر فيه لأول مرة مع فرنسا، بسبب عدم قدرة أستراليا على احتضان الآثار المترتبة على هذه التكنولوجيا. غير ان المسألة الصينية، وتشابك السياسات الخارجية والاستخبارات والقوات المسلحة للدول الثلاث، والمجتمع اللغوي والثقافي، والفرصة المناسبة للغاية التي يقدمها تحالف اوكوس للمملكة المتحدة، كل هذه العوامل، اصطفت لاستبعاد فرنسا من عقد، كان بالمناسبة، مشروطا بالشراكة مع شركة لوكهيد مارتن الأمريكية.
أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن علويّة المحيط الذي تبحر فيه سفنها منذ نهاية القرن الثامن عشر، قد أعيد تعريفها في ظل إدارة أوباما من قبل عضو بارز في النخبة الحكومية. بحّار، حاصل على درجة الدكتوراه من أكسفورد، وعضو في جميع مؤسسات الكوكب “السياسة الخارجية”، وموظف حكومي رفيع المستوى تولى مناصب متعددة، أمضى كورت كامبل حياته المهنية في خدمة المصالح الأمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وبالنسبة لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، فهو صاحب فكرة “الانعطاف نحو آسيا”، الذي لا يعني فك ارتباط تجاه أوروبا، وانما تجاه الشرق الأوسط الذي يريد أوباما التحرر من مستنقعه.
اذن، لعب مكتبه دورًا رئيسيًا في هزيمة فرنسا، بالمعنى الدقيق للكلمة، اي التراجع عما تم إنجازه. لكن هنا مرة أخرى، وحده سوء فهم للتاريخ الطويل، يمكن أن يفسّر عمى حكومة إيمانويل ماكرون.
عودة إلى المستقبل
غالبًا ما يصطدم الجيوسياسيون الأوروبيون، والفرنسيون على وجه الخصوص، بالنزعة المركزية الأوروبية عندما يفكرون في السياسة الخارجية الأمريكية. والتاريخ، مع ذلك، شفّاف. تم التكامل الإقليمي للولايات المتحدة، الذي انتهى في القارة عام 1848، من الشرق إلى الغرب. وترتب على ذلك أن رئيس الدولة الجالس في واشنطن يدير ظهره إلى أوروبا وتتجه نظرته إلى آسيا. وإذا لم تكن الحقيقة التاريخية كافية، فيمكنه أن يتذكر كلمات الرئيس الأول للاتحاد، الشخص الذي أعطى اسمه للعاصمة، والذي أمر مواطنيه قبل تقاعده بعدم التورط في منافسات وطموحات وأهواء أوروبا. النتيجة الطبيعية للأوامر الواردة في خطاب الوداع لجورج واشنطن هي عقيدة مونرو، التي تم الإعلان عنها عام 1823، والتي تحتفظ بأمريكا اللاتينية للولايات المتحدة، وبالتالي تستحوذ على ساحل المحيط الهادئ بأكمله. بعبارة أخرى، كانت نقطة انطلاق غزو المحيط الشاسع الذي شغل الولايات المتحدة حتى عام 1945. ومن جزيرة إلى أخرى، ستشمل الأراضي التي تم الحصول عليها الفلبين وغوام وميكرونيزيا، وساموا الأمريكية وهاواي. واهتمت الدبلوماسية الديناميكية بالباقي. كانت القوة التي يجب طردها هي إسبانيا أولاً، ولكن اليابان بشكل متزايد، والتي وحدها أجبرت الولايات المتحدة على دخول الحرب في نهاية عام 1941.
إن حرب المحيط الهادئ، كما نسمع كثيرًا، ليست حربًا للدفاع عن الديمقراطيات من قبل منقذ شجاع، ولكنها حرب غزو الى حد تطوير وإسقاط أول قنبلتين نوويتين، دون أي فائدة عسكرية، لإذلال دولة مهزومة أصلا، واحتلالها طيلة عشر سنوات، وبالتالي، إعادة بناء مؤسساتها.
أن تكون الهند الصينية الفرنسية موالية للمارشال بيتان أمرًا عمليًا للغاية: فقد جعل من الممكن إبطال الوجود الفرنسي على طول ساحل مرغوب فيه للغاية، والانتصاب هناك. لقد دفعت الولايات المتحدة ثمناً باهظاً لمحاولة السيطرة على فيتنام، لكن مركزية بحر الصين في المناقشات الحالية، وتشكيل اوكوس، يوضح مدى البعد الاستراتيجي لهذا الساحل. فبالنسبة للولايات المتحدة، المحيط الهادي أمريكي أو لا يكون. وبما أن روسيا والصين، على ضفافه، فهو في قلب الحرب الباردة الجديدة.
معنى البريكسيت
لا ننسى أن البريكسيت تم التصويت عليه بأغلبية أقل من 2 بالمائة.
ولكن مهما كانت الفرضيات اللاحقة حول دوافع هذا التصويت، فإن اختيار الخروج هو الذي فاز.
قد يجادل البعض بأن تكلفة عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي كانت سبب نفورها الرئيسي من المؤسسة. هذا الاعتبار غير مقبول بالنسبة لثاني أكبر مركز مالي في العالم. إذا ما هو؟
في مؤتمر شهير حول التكامل الأوروبي في مايو 1962، أشار الجنرال ديغول بمهارة، من بين بضع ملاحظات اخرى، إلى أن إنجلترا “كدولة عظمى وأمّة مخلصة لنفسها، لن توافق أبدًا على الانحلال في بناء طوباوي».
وبقطع النظر عن تزايد تدخلات الاتحاد الأوروبي في الشؤون البريطانية، فإن الخطر الذي يمثله الاندماج السياسي على المقعد الدائم للمملكة المتحدة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كان أمرًا لا يمكن تصوره. لأنه حتى لو بقيت مناقشة مقعد أوروبي بالتناوب بين الدول نظرية، ورفضتها باريس، فإن لندن لم تفكر في الدخول في مثل هذا النقاش. في السياسة الدولية، حيث تقوم الثقة على اليقين، فإن زرع الشك يقول الكثير.
من هنا، فأن تشكيل اوكوس يسمح للمملكة المتحدة بتعزيز وضعها (وتقنيتها) كقوة نووية، وتحالفها مع القوة العظمى الأمريكية، وعودتها إلى فضاء إمبراطورتيها القديمة، الذي بات اليوم مركز اللعبة. ومن أجل هذه العودة، المملكة المتحدة مستعدة لتقديم خدمات، وقد أثبتت ذلك من خلال لعب دور الوسيط بين أستراليا والولايات المتحدة في تفكيك العقد الفرنسي. بالنسبة لإنجلترا بوريس جونسون، فإن أوكوس، كما يقول الأمريكيون، “فقط ما أمر به الطبيب”، أي وصفة الطبيب لأمّة في مرحلة انتقالية ما بعد أوروبا.
وفاء
في ضوء التاريخ، يجوز التساؤل عمّن خان من في هذا الصراع -المرآة. ولا يزال صوت الجنرال ديغول، وهو يذكّر بفكرة الوفاء التي تدين بها الأمة لنفسها، يتردد. لأن الدبلوماسية الفرنسية لا تجهل تاريخ هذه المنطقة، وعلى علم بالدعم الذي قدمته أستراليا، بتكتم، إلى انفصاليي الكاناك في العقود الأخيرة، باسم مبدأ ويلسون المقدس حق الشعوب في تقرير المصير، وهو مبدأ كان من أولى وظائفه الحد من الوجود الفرنسي في الشرق الأوسط خلال الحربين العالميتين. كما ان فرنسا على دراية باللعبة المزدوجة الأسترالية بشأن القوة النووية، التي تم توظيفها سابقًا لشيطنة التجارب النووية الفرنسية. من مؤسسي معاهدة راروتونغا بشأن منطقة خالية من الأسلحة النووية في جنوب المحيط الهادي، تشرع أستراليا اليوم في مسار غامض إلى حد ما تجاه معاهدات عدم الانتشار.
تدرك فرنسا أيضًا أنها مُدرجة في فضاء يغلب عليه الطابع الأنجلو ساكسوني حيث تتم محاربة لغتها، وهي أداة قوة. فكيف يمكن أن المناقشات السرية بين “الحلفاء” الأنجلو-ساكسون الثلاثة في قمة مجموعة السبع لم تنكشف، هل كان هذا قبل يونيو 2021 بوقت طويل؟
أخيرًا، يطرح سؤال حاسم: ما هي الفوائد التي جنتها فرنسا من خدمتها الجيدة والمخلصة داخل الحلف الأطلسي، إن لم تكن الخسارة المتزايدة لاستقلاليتها في مسائل السياسة الخارجية، والغرق في مستنقع منطقة الساحل المكلف من حيث قوات النخبة، والارتباط بكارثة أفغانستان، وإلغاء عدد من عقود التسليح الضخمة، والتي، علاوة على ذلك، مشروطة بموافقة واشنطن؟ بين الخضوع، والأمّة “الوفيّة لذاتها”، اختارت الولايات المتحدة بكل وضوح.
إذا كانت حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية، في هذا الوقت، يهيمن عليها، إعلاميّا، مرشح متهم بلعب دور استاذ التاريخ، فلا شك أنه لم يتم تعلّم بعض الدروس. من المحيطين الهندي والهادي إلى أوكرانيا، يفرض شرط السيادة نفسه على عالم اعتقد أنه صار جسما واحدا في العولمة.
*تخرجت من كلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا، في مسيرتها 25 عامًا من العمل في الشؤون المالية والدبلوماسية المتعددة الأطراف والاستشارات وتعليم العلاقات الدولية. من بين كتبها، “الأمم المتحدة والأعمال: شراكة تعافت”. وعملت مستشارة لوكالات الأمم المتحدة وشركات بشأن توسعها المستدام في البلدان الصاعدة والنامية.