رئيس الدولة والرئيس الروسي يبحثان سبل احتواء التصعيد في المنطقة والاحتكام إلى الحوار
من دون لكمات مضادة... هذا ما يحصل
ما جناه الرئيس الأمريكي بايدن من إيران في 2021
لم يتفاجأ الباحثان البارزان في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات بهنام بن تالبلو وأندريا ستريكر من فشل انطلاقة الجولة السابعة من المحادثات النووية التي بدأت أواخر نوفمبر -تشرين الثاني الماضي.
طهران مرتاحة بشكل متزايد مع تقليص الرقابة الدولية على نشاطاتها الذرية وتحقيق تقدم نووي ميداني لا يمكن التراجع عنه تقدمت إيران بمطالب قصوى وألغت الاتفاقات الأولية التي توصلت إليها خلال جولات سابقة من المحادثات. بذلك، باتت واشنطن تواجه اليوم تحدياً صعباً في احتواء برنامج طهران النووي المتوسع في وقت تعيد ضبط سياستها الإيرانية.
تعجيل لا تأسيس
كتب الباحثان في موقع “ذا ديسباتش” أن طهران مرتاحة بشكل متزايد مع تقليص الرقابة الدولية على نشاطاتها الذرية وتحقيق تقدم نووي ميداني لا يمكن التراجع عنه. وقد يميل النظام لدفع تخصيب اليورانيوم إلى نسب ذات غايات عسكرية. إن جرأة طهران الأحدث تنبع بشكل كبير من الإشارات التي أرسلتها واشنطن على مدار 2021 ومفادها أن الولايات المتحدة لا تريد محاسبة النظام.
تظهر نظرة فاحصة إلى التقدم الإيراني النووي الذي تحقق خلال السنتين والنصف الأخيرة أن الانتهاكات النووية الأكثر فظاعة حدثت تحت أنظار بايدن. يعترف الكاتبان بأن انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي أمّن وسيلة وحجة للتصعيد النووي. لكن الانسحاب عجّل فقط الأمر الواقع لقدرة إيران التخصيبية المتزايدة. هو لم يؤسسها. لقد سمح اتفاق 2015 أساساً بتوسع إيراني نووي بارز بعد 2026.
تصعيد خجول
تجلت ردود إيران الأساسية على حملة الضغط الأقصى في استيعاب ما أملت أن تكون محاولة قصيرة الأمد لفرض عقوبات أحادية الجانب. في مايو (أيار) 2019، أطلقت إيران سياسة تصعيد متدرج انتهكت من خلالها تدريجياً وعلنياً حدود الاتفاق النووي. واعتنق النظام أشكالاً أخرى من التصعيد خصوصاً في المجالات الإقليمية والبحرية على أمل توليد ما يكفي من الخوف والنفوذ لدفع ترامب إلى إنهاء سياسته الضاغطة. بالرغم من المخاوف المبكرة بشأن احتمال استخدام إيران الانسحاب لتصنيع سلاح نووي، اعترف حتى خبراء الحد من الانتشار الذين يؤيدون الاتفاق النووي بأن إيران لم تكن توسع برنامجها النووي بمقدار إمكاناتها. كان التقدم النووي الذي حققته حتى أواخر 2020 ضئيلاً بالمقارنة مع المخاطرة النووية التي اتخذتها لاحقاً.
حساسيات متضاربة
تابع الباحثان أنه خلال حملته الرئاسية، ســـــعى المرشـــــح جو بايدن إلى سياسة متناقضة بشكل حاد مع سياسة إدارة ترامب التي انتقدها باعتبارها محفوفة بالمخاطر وقابلـــــة لإشــــعال الحـــرب. عبر التعهد بإعــــادة إحيـــــاء الاتفاق النووي من حيث تركه ترامب، أرسل فريق بايـــــدن إشارة ضمنية إلى أنـــــــه لن يطرح القوة العسكرية على الطاولة كأداة لمواجهة انتشار الأسلحة النووية. بعد أسابيع من انتخاب بايدن، وافق مجلس صيانة الدستور على قانون برلماني جديد يفوض تصعيد النشاطات النووية الإيرانية. كان من شأن كلا الحدثين أن ينذر بالحساسيات المتضاربة التي كانت تقــــود واشنطن وطهران في 2021: النفـــــور من المخاطرة وضبط النفس لدى الأمريكيين، والتصعيــــد وتحمــــل المخاطر لدى الإيرانيين.
انطلاق التصعيد الجدي
بدءاً من يناير (كانون الثاني) 2021، استأنفت إيران تخصيب اليورانيوم إلى نسبة نقاء 20% وهي نسبة تعد مرتفعة جداً على المستوى التقني. وكانت إيران قد أوقفت هذا النشاط في 2014. واستأنفت أيضاً التخصيب في منشأة فوردو العالية التحصين والتي فشل الغرب في إغلاقها خلال جولات سابقة من المحادثات النووية. وفي فبراير (شباط)، انسحب النظام من اتفاق تفتيش مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يعطيها رقابة أعظم على نشاطاتها النووية وهددت بمحو تسجيلات الوكالة في المنشآت ذات الصلة. في أبريل (نيسان)، بدأت إيران تخصب اليورانيوم بنسبة نقاء وصلت إلى 60% في سابقة تاريخية بالنسبة إلى النظام، وقد وضعته على بعد مرمى حجر من نسبة الـ90% أي المستوى المثالي لتصنيع الأسلحة الذرية.
في 2021 أيضاً، بدأت إيران بتشغيل أجهزة طرد مركزي متطورة أكثر فاعلية من تلك القديمة التي سمح بها الاتفاق النووي. وهذه الآلات المتطورة أساسية لصنع قنبلة نووية بطريقة سرية. في أغسطس (آب)، أنتجت إيران 200 غرام من معدن اليورانيوم المخصب بنسبة 20%. يمكن استخدام هذا المعدن في جوهر صناعة السلاح النووي. وصعدت إيران أيضاً إنتاج أجزاء من أجهزة الطرد المركزي المتطورة قبل أيام من استتئناف المحادثات النووية الأخيرة. في اليوم الثالث من المفاوضات، بدأت طهران بتخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو مستخدمة سلسلة من أجهزة الطرد المتطورة المعروفة باسم آي آر 6 التي يمكنها تخصيب اليورانيوم بسرعة أكبر بخمس مرات من سرعة الجيل الأول من تلك الآلات.
كيف كان رد بايدن؟
تفرض هذه الخطوات تداعيات على برنامج مستقبلي للأسلحة النووية وتقدم مزايا تقنية وهندسية لإيران لا يمكن إلغاؤها بصرف النظر عن أي اتفاق. وأوضح الباحثان أن رد الولايات المتحدة على تقدم إيران كان شبه غائب. إلى جانب شركائها الأوروبيين، فشلت واشنطن في دعم وحماية الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى حين شبه مديرها العام خفض طهران إمكانية مراقبة برنامجها بأنه وضع الوكالة في موقع “الطيران وسط سماء كثيفة الغيوم».
في كل اجتماع دوري لمجلس المحافظين هذه السنة، فشل الأفرقاء في إدانة طهران لانتهاكها ضمانات عدم الانتشار. علاوة على ذلك، وفي غياب إنفاذ صارم للعقوبات الأمريكية والغرامات الإضافية على الصادرات النفطية الإيرانية، واصلت طهران بيع النفط إلى الصين مما وفر لها حافزاً مالياً أعظم لمقاومة المناشدات الديبلوماسية الداعية إلى ضبط النفس. وأضاف الباحثان أنه في 2021، قاومت إدارة بايدن اتخاذ موقف متشدد ضد الإرهاب المدعوم إيرانياً. لقد رفعت واشنطن الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران عن لائحة الإرهاب، وردت بشكل شبه صامت على محاولة اختطاف مواطنة أمريكية تعيش في الولايات المتحدة، وسحبت صواريخ دفاعية من الشرق الأوسط في وقت كانت القدرات الصاروخية الإيرانية تتطور بسرعة.
هذا ما يحصل
طوال 2021، واصلت إدارة بايدن تشويه فكرة الضغط على إيران ولم تظهر مؤشراً جدياً إلى “خطة باء” ما عدا إلقاء اللوم على ترامب. بعبارة أخرى، عززت حملة بايدن ولاحقاً كلمات وأفعال الإدارة انطباعاً لدى القادة الإيرانيين بأن أمريكا كانت غير مرتاحة مع التصعيد وتواقة لأي اتفاق حتى ولو كان أقل تشدداً من الأساسي. وعزز الانسحاب الفاشل لبايدن من أفغانستان وجهة النظر هذه. ففي سبتمبر (أيلول)، قال قائد الحرس الثوري الإيراني إن “أمريكا اليوم ليست أمريكا السنوات العشر، العشرين أو حتى الثلاثين الماضية”. من دون لكمات مضادة من واشنطن، أثبت النظام الإيراني مرة جديدة أنه يصعب التخلص من العادات القديمة: وضع النظام كل تنازل في جيبه وواصل التصعيد.
أشار الكاتبان إلى أن الجدول الزمني للتقدم النووي الإيراني أوضح كيف واجهت السياسة الأمريكية بإدارة الخد الآخر دعوة للمزيد من التصعيد. مع ذلك، لا يزال اقتصاد طهران المتعثر بفعل عقوبات ترامب عرضة للعطب في حال إعادة فرض الضغوط الدولية. لتغيير حسابات إيران، يجب على واشنطن والعواصم الأوروبية قلب السيناريو.
خطوات مقترحة
تقتضي الخطوة الأولى الدعوة إلى اجتماع خاص لمجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإدانة التقدم في برنامج إيران النووي وانتهاكات طهران اتفاقات الضمانات ورسم موعد نهائي لعودتها إلى الامتثال لموجباتها. إذا أخفقت إيران في الالتزام بهذا الموعد فسيتوجب على المجلس نقل الملف إلى مجلس الأمن. حين يصل الملف إلى المجلس، ينبغي على واشنطن ومجموعة الثلاث الأوروبية إطلاق آلية الزناد وفرض عقوبات دولية على طهران سبق أن تم تعليقها بموجب القرار الأممي 2231 الذي كرس الاتفاق. قد تقوم روسيا والصين باستخدام حق النقض ضد العقوبات الجديدة على إيران، لكنْ ثمة بند في الاتفاق النووي يحرمهما من منع إعادة العمل بقرارات سابقة وبعقوباتها.
وحض الكاتبان الولايات المتحدة وأوروبا على التصرف أيضاً بشكل منفرد لدعم الضغط الدولي. ينبغي عليهما الإعداد لمجموعة جديدة من العقوبات التي يمكن إطلاقها في غياب ضبط النفس الإيراني والتراجع عن خطواتها. كذلك، على أمريكا تعزيز ردعها العسكري ضد إيران. يجب عليها التعبير عن إرادة غير ملتبسة باستخدام القوة لمنع طهران من تطوير سلاح نووي. بإمكان الإدارة محاولة تغيير الانطباع الإيراني عن الإرادة الأمريكية عبر الرد بالقوة على هجمات الدرونز والصواريخ التي تشنها ميليشيات مدعومة من إيران في العراق وسوريا وعبر تمكين “قوة المهام الـ59” المؤسسة حديثاً والتابعة للقيادة المركزية البحرية والتي يمكن أن تصبح أداة فعالة ضد التصعيد الإيراني البحري. في نهاية المطاف، من غير المرجح أن يغير النظام الإيراني سلوكه إلا حين يدرك أن المزيد من السلوك الخبيث سيستدعي الدمار.
استذكر الباحثان تصريحاً لبايدن في مناظرة نواب الرؤساء سنة 2012 حين قال عن إيران إن “الوقائع مهمة”. وعلقا كاتبين أنه يجب على إدارة بايدن الاعتراف بواقع أن سياسته الإيرانية تخاطر بولادة دولة إيرانية على العتبة النووية. على واشنطن اعتناق سياسة الضغط قبل فوات الأوان.