من هي القوة الحاسمة وراء خلع الشيخة حسينة في بنغلاديش؟

من هي القوة الحاسمة وراء خلع الشيخة حسينة في بنغلاديش؟


عزت وسائل إعلام عديدة إطاحة حكومة رئيسة الوزراء البنغالية الشيخة حسينة، بشكل شبه كامل إلى الانتفاضة التي قادها الطلاب، ولم يتم تسليط الضوء على الدور الذي لعبه الجيش في هذه العملية، بما في ذلك إرسال «المرأة الحديدية» إلى الهند، أو عودة المؤسسة العسكرية باعتبارها الحكم الأخير في السياسة الوطنية في البلاد.  
وكتب براهما تشيلاني في مجلة «ذا هيل» الأمريكية، أنه في الواقع، فإن تغيير النظام في ثامن أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، يرقى إلى مستوى انقلاب عسكري هادئ تستر بواجهة مدنية.

تعطيل العقوبات
ومن خلال تنصيب حكومة مدنية مؤقتة مكونة من «مستشارين رئيسيين» فقط، لم يتمكن قادة الانقلاب من تعطيل العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة فحسب، بل ساعدوا أيضاً في تعزيز سردية إعلامية غربية رومانسية عن «ثورة» يقودها الطلاب. 
ولم يساعد تعيين محمد يونس «كبير المستشارين» أو رئيس الإدارة المؤقتة، إلا في جعل الحكم العسكري، مقنعاً. حصل يونس البالغ من العمر 84 عاماً، وهو صديق قديم لبيل وهيلاري كلينتون، على جائزة نوبل للاقتصاد لعام 2006 لريادة القروض الصغيرة، أو منح قروض صغيرة للأسر الريفية لمساعدتها في تخفيف حدة الفقر. ومع عدم تحديد مدة ونطاق صلاحيات الإدارة المؤقتة، يعمل مستشاروها بشكل أساسي بتوجيه من القادة العسكريين، وخصوصاً قائد الجيش الجنرال وقر الزمان، ليكون بذلك السلطة، التي تقف خلف العرش. ومن بين المستشارين طالبان قادا الاحتجاجات، وزعيم إسلامي متشدد وجنرالان متقاعدان، أحدهما مكلف باستعادة القانون والنظام في البلاد.  

العامل الحاسم
ويضيف الكاتب أن أعمال العنف التي قادها الطلاب والاحتجاجات المدعومة من الإسلاميين، ضد الشيخة حسينة، التي كان نظامها علمانياً لكنه بات استبدادياً على نحو متزايد، ساعدت على طردها من منصبها. لكن العامل الحاسم الذي أنهى حكمها، كان افتقارها إلى دعم الجيش القوي في البلاد. ومع تفاقم الاحتجاجات في شوارع دكا، فإن رفض الجيش أمراً من الحكومة بالإغلاق، وضع أمن الشيخة حسينة على المحك، مما جعل قرار الجيش بخروجها من البلاد، يمضي قدماً.      
وبمجرد أن غادرت الشيخة حسينة البالغة من العمر 76 عاماً إلى الهند على متن طائرة نقل عسكرية، نهب المتظاهرون المقر الرسمي المترامي الأطراف لرئيسة الوزراء. ويبدو أن دفع الشيخة حسينة إلى المنفى لم يكن قراراً عسكرياً وليد اللحظة، بل كان محورياً في خطة مدروسة. وكانت التكاليف الدولية لقتل رئيسة وزراء حالية في انقلاب، أو وضعها في السجن من دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، تعتبر باهظة جداً، مما جعل نفيها القسري خياراً أفضل لقيادة الجيش.
وليس لبنغلاديش أي خصم إقليمي، ومع ذلك فهي تحتفظ بجيش كبير نسبياً يضم أكثر من 200 ألف فرد. وبما أن الدفاع الخارجي لا يشكل مسؤولية كبرى، فقد اتبع الجيش منذ فترة طويلة مكائد سياسية. وعندما لم يكن يحكم مباشرة، كان يعمد إلى ممارسة السلطة السياسية من خلال حكومات موالية له يقودها مدنيون.  

تحت الرقابة
وأبقت الشيخة حسينة الجيش والمتشددين الإسلاميين تحت الرقابة، إلى أن استخدم قائد الجيش الانتفاضة التي قادها الطلاب لهندسة عزلها من منصبها، من طريق السماح للعنف الذي مارسه مثيرو الشغب بتجاوز حدود الشرطة والقوات شبه النظامية. وكانت الشيخة حسينة عينت وقر الزمان قائداً للجيش قبل أسابيع فقط من خلعها، بعدما كانت مطمئنة إليه  كونه متزوجاً من ابنة عمها.    
ومع تركيزها على الربح والسلطة، تتمتع المؤسسة العسكرية بتاريخ طويل من الانتهاكات، فضلاً عن ارتباطها بالإسلاميين، ومثلها كمثل المؤسسة العسكرية في باكستان، التي انفصلت عنها بنغلادش عام 1971 بعد مقتل ما يصل إلى ثلاثة ملايين بنغالي في الإبادة الجماعية الباكستانية، تحتفظ القوات المسلحة البنغالية بمصالح تجارية واسعة النطاق، تمتد من العقارات والفنادق إلى الخدمات المصرفية والتصنيع وبناء السفن. وبعد الانقلاب الصامت الذي وقع هذا الشهر، لن تصبح عملية التحول الديمقراطي أكثر صعوبة فحسب، بل إن الرقابة المدنية الضعيفة فعلاً على المؤسسة العسكرية قد تتبخر.
وعلى رغم ذلك، فإنه مع وجود إدارة مؤقتة صديقة للولايات المتحدة حلت محل حكومة الشيخة حسينة، والتي استهدفتها إدارة الرئيس جو بايدن علناً بسبب تراجعها عن الديمقراطية، ليس لدى واشنطن سبب وجيه لفرض قيود على مساعدات تتعلق بالانقلاب.