ناشونال انترست: هل تتغلب آسيا الوسطى على أكبر تحد منذ 30 عاماً؟

ناشونال انترست: هل تتغلب آسيا الوسطى على أكبر تحد منذ 30 عاماً؟


عن تطورات الأزمة الكازاخية وتداعياتها على آسيا الوسطى، كتب أكرم عمروف في مجلة “ناشيونال انترست” الامريكية، أن آسيا الوسطى تعتبر عادة على هامش السياسات العالمية. وفي العقود الماضية، ورغم التطورات في أفغانستان، فإن النشاطات الداخلية لم تكن تحظى بالكثير من الاهتمام. ولكن حدثين رئيسيين غيرا هذه المعادلة، وجذبا الانتباه مجدداً إلى أهمية فهم آسيا الوسطى. أولاً، كان النقاش حول اقتراح روسيا مسودة اتفاق “حول إجراءات لضمان أمن الإتحاد الروسي والدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي” بعد المواجهة المتصاعدة بين الغرب وروسيا، ليكون التركيز الرئيسي على الوضع في أوروبا الشرقية، خاصةً في أوكرانيا.

ومع ذلك، فإن معظم هذا النقاش تجاهل دور آسيا الوسطى في النزاع الدائر بين روسيا من جهة والولايات المتحدة والدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، من جهة ثانية. ومن الملاحظ، أن الاقتراح الروسي نص على أن “على الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي ألا تجري نشاطاً عسكرياً في أوكرانيا، وفي دول أوروبا الشرقية الأخرى، أو في جنوب القوقاز، أو في آسيا الوسطى”. وعلاوة على ذلك، نصت المسودة على اقتراح معاهدة منفصلة بين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي حول الضمانات الأمنية، تطلب من واشنطن “ألا تنشئ قواعد عسكرية في أراضي جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابق، أو تستخدم بناها التحتية لأي نشاطات عسكرية أو تطوير تعاون عسكري ثنائي معها”. ومن المستغرب، أن أياً من دول آسيا الوسطى لم تبد موقفاً رسمياً من هذه الوثائق أو اقترحت إجراء مناقشات في شأنها.

وبكلام آخر، تطالب روسيا الغرب بتسليم الفضاء السوفييتي السابق، بما فيه آسيا الوسطى، بوصفه منطقة نفوذ حصري لموسكو. وتصاعد مستوى التنافس بين روسيا والغرب على نحو كبير في العقد الماضي، مع انعكاس سلبي على آسيا الوسطى. على مدى سنوات، استفادت دول المنطقة من سياسات متوازنة بين الشرق والغرب. ورغم ذلك، فإن التصعيد الحالي بين روسيا والغرب سيترك تأثيرات إقليمية واضحة. إن التغلب على عواقب هذه الأزمة يعتمد على استعداد آسيا الوسطى للتنسيق الإقليمي والدعم المتبادل لمقاومة أي محاولات للحد من سيادتها. ثانياً، أساءت الإضطرابات المفاجئة في كازاخستان إلى سمعتها بوصفها بلداً مزدهراً و”القائد” التقليدي للمنطقة نظراً لحجم اقتصادها ومستوى دخل الفرد فيها، وغناها بالثروات الطبيعية.

إن الوضع الحالي أظهر أن المؤسسات السياسية الإقليمية تبقى ضعيفة رغم أنها تجاوزت 30 عاماً من الإستقلال، وأنها لم تتطور إلى مؤسسات محترفة قادرة على منع أو التعامل مع أزمات مماثلة. وعلى سبيل المثال، فإن البرلمان الوطني في كازاخستان، مثله مثل أي مؤسسات وجدت بشكل مصطنع، لم يتخذ أي موقف من إعلان حالة الطوارئ، رغم أنه يدعي أنه يمثل مصالح الشعب. إن غياب آليات واضحة لانتقال السلطة، والتنافس داخل النخب، والفساد المستشري، والمحسوبية، وغياب المحاسبة، عوامل أدت إلى اضطرابات شعبية في غرب كازاخستان، انتشارت بسرعة في مقاطعات أخرى من البلاد.
أدى إخفاق الحكومة في توفير الأمن والسلام لمواطنيها إلى فوضى ومذابح في ألماتا، كبرى مدن البلاد. ولذلك، ناشد الرئيس قاسم جومارت توكاييف معاهدة منظمة الأمن الجماعي، “مساعدة كازاخستان للتغلب على هذا التهديد الإرهابي”، ولبي النداء خلال ساعات، بنشر قوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي في كازاخستان.

وستكون لهذين الحدثين تداعيات في آسيا الوسطى.
أولاً، آسيا الوسطى تواجه للمرة الأولى أكبر تحد لتنميتها المستدامة وسيادتها. وبصرف النظر عن المفاوضات الروسية الأطلسية، فإن اللجوء إلى قوات أجنبية مسلحة في أزمة داخلية يشكل خطراً مباشراً على استقلال دولها.
ثانياً، إن الوضع في كازاخستان أظهر عجز المؤسسات السياسية عن التعامل مع أزمات داخلية.

اضطراب إقليمي
ثالثاً، إن آسيا الوسطى تواجه فصلاً جديداً من الاضطراب الإقليمي بعد فترة من التقارب والعلاقات الجيدة.
وفي ظل العلاقات التقليدية الوثيقة التي تقيمها آسيا الوسطى مع روسيا، والصين المجاورتين، والرغبة في الحفاظ على علاقات ذات منفعة متبادلة مع الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وتركيا وبلدان إقليمية أخرى مهمة، فإن على دول آسيا الوسطى تفادي التورط في التنافس الدولي.
ودون إصلاحات مؤسساتية عميقة، وتحول اقتصادي، واستثمارات في رأسمال البشري، وتحسن مهم في التعليم، وتحسن الشفافية السياسية، فإن آسيا الوسطى يمكن أن تواجه مستقبلاً مظلماً، ومن شأن تطبيق هذه الإصلاحات تحقيق السلام الإقليمي، والاستقلال، والمرونة، والإزدهار.