شخصيتان تختلفان في الأصل:

نيكسون -ترامب: المعركة نفسها ، و الكراهية نفسها، و المصير نفسه ...؟

نيكسون -ترامب: المعركة نفسها ، و الكراهية نفسها، و المصير نفسه ...؟

-- أمريكا نيكسون دولة في حالة تحوّل، ظلت متوازنة ومتماسكة، أما أمريكا ترامب تكرّس فيه الطلاق بين الشعب والنخب
-- نفذ نيكسون سياسته، ولا يملك ترامب سياسة، ويعمل يوما بيوم
-- امتلك نيكسون رؤية حقيقية، بينما لا نعرف إلى أين يتجه ترامب
-- يتمتع ترامب بميزة كبيرة على نيكسون: إنه ملياردير ويرفض الاستسلام
-- المفارقة، أن ترامب الملياردير أصبح رسول الناس البسطاء والمتحدث باسم صغار العمال البيض
-- الديمقراطيون ما زالوا يعتقدون أنهم يستحقون السلطة، وأن الجمهوريين يقتحمون البيت الأبيض


   مرشح يدافع عن الأغلبية الصامتة “تلك التي لا تصيح”. جمهوري يرجّ حزبه، رئيس ضايقته الجامعات الكبرى وحاصرته الصحافة. رجل كاريكاتير، مهان، مكروه. لا يتعلق الأمر “فقط” بدونالد ترامب. قبل ما يقرب من خمسين عامًا، واجه ريتشارد نيكسون تقريبًا العداء نفسه الذي يواجهه امبراطور العقارات اليوم. وفي بحث منعش بعيدا عن صناعة الأصنام، يروي الدبلوماسي السابق جورج عياش قصة “تريكي ديكي” “ريتشارد المحتال”، لقبه”، المكروه منذ انتخابه الأول.

  يشرح عياش، بدقّة الجرّاح، الطريقة التي تم بها مطاردة نيكسون منذ عام 1945. لقد صمد الوحش الجريح، وانتُخب، ثم أعيد انتخابه، ونفّذ السياسة الخارجية الأكثر طموحًا في القرن العشرين. ثم اندلعت ووترغيت، وطرد نيكسون من البيت الأبيض وضُربت مصداقية رجل وحصيلته بشكل دائم.
    ولئن تم ذكره مرة واحدة فقط، في الخاتمة، يرى دونالد ترامب ظله يحوم على امتداد الكتاب بأكمله: المعاملة الإعلامية نفسها ، و السمعة المشوهة نفسها، والنعوت المستخدمة نفسها  .
   قبل أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ينظر جورج عياش إلى الوراء إلى هذين المصيرين المتقاطعين، في حوار لمجلة لوبوان الفرنسية، اجراه فلوران باراكو.

  * لماذا الاهتمام بسقوط ريتشارد نيكسون؟ لقد سقط لأنه سرق مقر الحزب الديمقراطي، القضية محسومة!
  - ووترغيت نهاية القصة. أردت أن أعود إلى البداية وأن أفهم كيف خسر هذا الرجل مصداقيته تمامًا لدرجة أنه أصبح مكروهًا. لقد حاولت البحث في أصول هذا التشويه، وتوصلت إلى استنتاج مفاده أنه قبل ووترغيت بفترة طويلة، كان نيكسون موضوع حملات متكررة من التشهير والكذب الصريح. كل ذلك لجعله شخصية بغيضة.

   إنه مذنب بارتكاب ووترغيت، ولا شك، وأنا أكتبه، لكن اللعبة كانت موجودة في حملة صحفية استمرت 25 عامًا -من البداية صورت واشنطن بوست نيكسون وهو يخرج من المجاري في رسومها الكارتونية.
  *ما نراه في كتابك، أن سقوطه منتظر منذ الأربعينيات ...
  - البداية كانت مع حملته الأولى. عام 1945، عندما ترشح للانتخابات في ولاية كاليفورنيا، اتّهم بتزوير الانتخابات، والتصقت به التهمة رغم أنه لم يغش أبدًا! لقد كان وقحًا، واستخدم وسائل متطرفة، لكنه لم يكن الوحيد. ... ولم يُغفر له ذلك أبدا.

   ثم تأتي قضية هيس (اتهم الجير هيس بأنه جاسوس سوفياتي، وكان نيكسون، عضو اللجنة، من أشد خصومه ونجح في إدانته، المحرر). لم يغفر له الليبراليون أبدًا، وإلى جانب ذلك، من المثير للاهتمام، أن نرى أنه بعد ووترغيت، تم طرد نيكسون من سلك المحاماة في نيويورك -وهو أمر طبيعي تمامًا -لكن محاماة ماساتشوستس أعادت هيس إلى وضعه السابق مادحة استقامته –بينما هو خان بلده.
   لطالما كان هناك معيار مزدوج مع نيكسون: ما غفر لكينيدي، لم يسمح به لنيكسون. على سبيل المثال، خلال أزمة الصواريخ الكوبية أو خليج الخنازير، دعا كينيدي المراسلين لحجب المعلومات -فالأمن القومي كان على المحك. وسيرغب نيكسون في فعل نفس الشيء بالنسبة لفيتنام، لكن الصحف لم تتبعه.

   *لقد وجدتم هذه الجملة للكاتبة، إديث إيفرون: “إذا كان ريتشارد نيكسون هو رئيس الولايات المتحدة اليوم، فذلك رغم انف محطات التلفزيون أي بي سي وسي بي اس وان بي سي. لقد بثوا ضده مجتمعين كل يوم ما يعادل افتتاحية نيويورك تايمز، خمسة أيام في الأسبوع، خلال الحملة الانتخابية التي استمرت سبعة أسابيع”. هذا يذكرنا بالمستأجر الحالي للبيت الأبيض ...

   - كانت تلك الحملة الإعلامية قوية الى درجة أنه فاز بفارق ضئيل جدا، ولم يمنح مهلة، وستنسب اليه كل الرذائل التي تتحمل مسؤوليتها الإدارة الديمقراطية السابقة. قبل حلف اليمين، في يناير 1969، اتهم بحرب فيتنام، رغم أنه لا علاقة له بها منذ أن بدأها كينيدي وعززها جونسون. لكننا نقرأ على الطريق “نيكسون قاتل”. وهنا يكون التقارب مع دونالد ترامب واضحًا: لم تطأ قدمه البيت الأبيض ويريدونه أن يغادره... اذن كل شيء مباح.
  ان الديمقراطيين ما زالوا يعتقدون أنهم يستحقون السلطة، وأن الجمهوريين يقتحمون البيت الأبيض. لم يتخطوا أبدًا تجربة روزفلت الذي بقي في السلطة 12 عامًا، ورسّخ الاعتقاد بان الجمهوريين غير شرعيين تمامًا. عام 1950، لم يتمكنوا من فعل ذلك ضد أزينهاور، الذي كان بطلًا في الحرب، لذلك هاجوا ضد نيكسون.

  *بالضبط، لنتحدث عن ترامب. إنه غائب تمامًا عن عملك، ولكنه موجود في كل صفحة، لأن الموازاة في المعاملة الإعلامية واستقبال قسم كامل من النخب هو نفسه الذي عاشه ريتشارد نيكسون.
   - بل أود أن أقول إن منتقدي ترامب حرقوا مراحل: منذ البداية، في الأسبوع الأول من ولايته، أعلن الأطباء النفسيون أنه مريض. كانت هناك المظالم نفسها  لنيكسون، لكن لاحقًا. وقد تم الاستنجاد بالطب النفسي للعودة الى التصويت الديمقراطي.

   *نرى أن لديهما نفس الناخبين، ونفس الخطاب المعادي للنخبة... هل تأتي الكراهية من هناك؟
   - الأصل مختلف. بالنسبة لنيكسون، كان الأمر نفورا شخصيا، إن الشخصية هي التي تزعج. كانت أمريكا نيكسون بالتأكيد دولة في حالة تحوّل، لكنها ظلت متوازنة ومتماسكة. اما ترامب فقد وصل إلى بلد تكرّس فيه الطلاق بين الشعب والنخب -دعونا لا ننسى أن هيلاري كلينتون وصفت ناخبي ترامب بـ “البائسين».

   لقد أصبح ترامب رسول الناس البسطاء -مفارقة، لأنه ملياردير -والمتحدث باسم العمال البيض الصغار، الذين تخلى عنهم الديمقراطيون. انه مجسّد لهذا الانقسام. ويتمتع ترامب بميزة كبيرة على نيكسون: إنه ملياردير ويرفض الاستسلام، في حين كان نيكسون شيئًا صغيرًا يسعى باستمرار إلى انتزاع الاعتراف به.

   *لكن في ممارسة السلطة، هناك خلافات: نيكسون تجاهل الصحافة، وترامب يواجهها!
   - إنها ليست نفس الاستراتيجية. ريتشارد نيكسون سياسي كلاسيكي، قاد سياسته. في حين لا يملك ترامب سياسة، إنه يعمل يومًا بيوم: إنها براغماتية مدفوعة إلى أقصى حدودها، وهو يحتاج إلى الصحافة لتأجيج الخلافات، ويغرد، ويتواصل من فراغ ليكون موجودا.

  *هل هذا هو سبب إعادة انتخاب نيكسون بانتصار ساحق عام 1972، خاليًا من أي تزوير مرتبط بووترغيت، بينما ترامب في ورطة اليوم؟
  - فعلا. كان حصاد ترامب مشرفًا نسبيًا قبل كوفيد. من ناحية أخرى، كان لنيكسون سجل حافل رائع، خاصة في السياسة الخارجية -حتى لو كانت الصحافة، مرة أخرى، تنسب الفضل لكيسنجر. لقد كانت لديه رؤية حقيقية، بينما لا نعرف إلى أين يتجه ترامب.

  *كيف ترى هذه الحملة الرئاسية الغريبة بين رئيس يكرهه جزء من أمريكا ومرشح ديمقراطي يجد صعوبة في إثارة الحماس؟
  - سيتم التصويت لمرشح بالغريزة. يجب القول إن نائب الرئيس الديمقراطية كامالا هاريس أكثر إثارة للاهتمام من جو بايدن. وإذا فاز أحدهما بهامش كبير، المرجح بايدن ، فلن تكون هناك مشكلة. اما إذا كانت النتيجة متقاربة جدا، وأخذت الصحافة رغباتها في انتصار بايدن على أنها واقع، فستكون هناك مشاكل وحتى الذهاب إلى المحكمة، ويمكن أن يتخذ القرار من قبل المحكمة العليا، التي اغلب أعضائها من الجمهوريين.
   ان ما نراه هو أن طريقة الانتخاب هذه في نهايتها. ولم يعد النظام مناسبًا، وقد يكون هو الضحية الرئيسية لهذه الانتخابات.
«سقوط نيكسون” منشورات بيرين، أكتوبر 2020، 352 صفحة.