الشركات والحكومات ستراجع اعتمادها على دول أخرى

هل تقضي الحرب الروسية-الأوكرانية على العولمة؟

هل تقضي الحرب الروسية-الأوكرانية على العولمة؟


سلط المعلق في صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية كريس غيلز الضوء عل احتمالات أن تكون الحرب الروسية-الأوكرانية بداية النهاية لعصر العولمة، فكتب أن عمال المرفأ في لوس أنجلس قلما كانوا بهذا الانشغال، وكان فبراير (ِشباط) الشهر الأكثر نشاطاً في أكبر المرافئ الأمريكية منذ إنشائه قبل 115 عاماً، مما يعكس رقماً قياسياً في حجم التجارة العالمية.

ومع ذلك، يسجل هذا التصاعد في النشاط في الوقت الذي يتخوف السياسيون والاقتصاديون والمستثمرون، من أن تكون العولمة قد بلغت ذروتها بعد 30 عاماً من النمو. حتى أن البعض يتنبأ بأن أحجام التجارة يمكن أن تشهد تراجعاً حاداً كانعكاس لتزايد النزاعات بين الدول القوية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وفي الوقت الذي تكافح الشركات، لتوفير مرونة أكبر في ما يتعلق بسلاسل الإمداد العالمية.
وليست المرة الأولى التي تتسبب أزمة معينة بتغييرات كبيرة في الأنماط التجارية. إن النمو التجاري تباطأ كثيراً بعد الأزمة المالية عام 2009-2008، ليتحول من الصعود بسرعة الضعفين عن إجمالي الناتج العالمي المحلي، إلى معدل مماثل. إن مرحلة أولى من العولمة المرتبطة بالثورة الصناعية والمدعومة من نظام العملة القائم على معيار الذهب، قد أُخمدت بسبب الحرب العالمية الأولى. ولم تعد حصة إجمالي الناتج المحلي العالمي، إلى مستوى 1914، إلا في أواسط السبعينات.

يكمن التحدي الذي يواجه مؤيدي العولمة في تحديد مدى الانعكاسات المحتملة، بما في ذلك التأثير على المنافسة وسلاسل الإمداد والضرر الذي سيلحق بالاقتصادات النامية. ويتوقع أن تثير الضغوط الجيوسياسية نقلة كبيرة نحو وضع حد للعولمة، مع تعزيز التجارة في الوقت الذي تتعافى فيه الدول من الوباء كما ثبت مؤخراً، قبل ان تبرز عوائق جديدة.
ويقول لاري فينك الرئيس التنفيذي لشركة "بلاك روك" التي تشرف على أصول 10 تريليونات دولار من التجارة العالمية، إن النزاع الأوكراني "قد وضع حداً للعولمة التي خبرناها في العقود الثلاثة الأخيرة". فالشركات والحكومات ستراجع اعتمادها على دول أخرى وتسعى إلى "تعاملات داخل حدودها أو بالقرب منها" وفق ما أضاف.

ويشير شاميك دهار كبير الاقتصاديين لدى شركة بي. إن. واي. ميلون لإدارة الاستثمارات، إلى أن الأنماط التجارية ستتشكل بناء على عودة سياسات القوى الكبرى وإنشاء التكتلات التجارية الصديقة. وقال إنه حتى ولو كانت الحرب الروسية قصيرة "فإن الهيكل الإقتصادي الحالي يعاني تهميشاً متزايداً بالنسبة إلى المسائل الكبرى المتعلقة بالاقتصاد السياسي" في الوقت الذي ستتجه فيه الحكومات إلى "تعزيز المصالح الأمنية على حساب الامتيازات القائمة". ويعتبر إيريك نيلسن المستشار الاقتصادي لشركة يونيكريديت، أنه من غير الممكن تفادي "الاتجاه نحو فترة لا عولمة فيها" وهي عملية ستشهد ارتفاع التكاليف والأسعار للسلع والخدمات.

وعموماً، كان المسؤولون الماليون أكثر تحفظاً في إطلاق تحذيراتهم، لكن أندرو بايلي حاكم مصرف إنكلترا قال الأسبوع الماضي، إن العالم يقف عند مرحلة "أكثر تحدياً" في ما يتعلق بتجزئة التجارة، مما كان عليه الوضع خلال الأزمة المالية العالمية، عندما تفادت الدول إلى حد كبير فرض تعريفات جمركية وإجراءات أخرى.