بعد أزمة سجن غويران.. روسيا تكثّف غاراتها على «خزان» داعش
هل تنتهي معضلة «الدواعش الأجانب» بعد مجزرة الحسكة؟
جدَّدت الولايات المتحدة مطالبتها للدول الأوروبية خاصةً حلفائها بـ”استعادة عاجلة” لرعاياها الموقوفين في سوريا بتهمة الانضمام لتنظيم “داعش” الإرهابي، وهو ما عدَّه محللون خطوة مهمّة بعد مجزرة سجن غويران في الحسكة ومخاطر الأزمة على المنطقة.
ويوم الأحد، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، ذات الغالبية الكردية، انتهاء عمليات التمشيط في سجن غويران على أثر معارك عنيفة استمرّت أيامًا وأوقعت 373 قتيلًا بينهم 268 داعشيًّا، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي أشار إلى أنّ السّجن يضم نحو 3500 سجينٍ من عناصر وقيادات التنظيم.
وتؤكّد السلطات الكرديّة أن أكثر مِن 50 جنسية تدير السّجون، ودائمًا ما تؤكّد أنّها لا تملك الوسائل لحراسة معتقلي التنظيم أو محاكمتهم، لكن غالبية الدول المعنية ترفض استعادة رعاياها وتفضّل إبقاءهم في عهدة السلطات الكردية.
نتائج ضعيفة
جاسم محمد، رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والتطرّف (مقرّه ألمانيا)، قال إنّ الضغوط الأميركية مستمرّة منذ عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب لكن دول أوروبا ما زالت تتحجج بأنّها غير قادرةٍ على استعادة المُقاتلين أو عائلاتهم وأطفالهم، وتُشير إلى أنّها تقوم بدراسة كُلّ حالة على حدة.
وأضاف جاسم محمد، في حديث مع “سكاي نيوز عربية”، أن “أوروبا تتحجّج بعدم وجود نتائج حول الفحوصات الجنائية والتحريات للتأكّد من نسب الأطفال وعائلاتهم وأيضًا ضرورة توفّر المعلومات حول المقاتلين الأجانب قبل استعادتهم».
وأوضح أنّ الضّغوط الأميركية يُمكن أن تأتي بنتائج لكن أتوقّع أن تكون “ضعيفة جدًّا” باستعادة بعض الأطفال ربما أو بعض النّسوة ليس أكثر، مشيرًا إلى أنّ عام 2021 لم يشهد إلا عودة بضع نساء إلى بلجيكا وألمانيا وفرنسا.
وأكّد على أن هذا الملف يدور في محلّه دون إحراز أي تقدّم، وبدون شكّ عدم استعادة هؤلاء المقاتلين وعائلاتهم وأطفالهم يزيد مِن حدة التوتر والتطرف والإرهاب في المنطقة، وعلى أوروبا الاستجابة إلى مطالب المجتمع الدولي وأميركا باستعادة مقاتليهم.
ضغوط إيجابية
الأكاديمي المُتخصّص في الشؤون الدولية، سمير الكاشف، قال إنّ عودة الدواعش معضلة كبيرة لأوروبا خاصّة أن أحد أسباب هروبهم من بلدانهم هو افتقارهم للإحساس بالهوية والانتماء، وهو ما تخشى الدول انعكاساته عليها حال عودتهم بأن يكونوا قنابل موقوتة قد تنفجر بوجهها بأي وقتٍ خاصّة فرنسا التي ذاقت الأمرين من ذئاب “داعش” المنفردة.
وأضاف الكاشف، في تصريحات لـ”سكاي نيوز عربية”، أن المخاوف الأوروبية لا تقتصر على الأفراد في حدّ ذاتهم بل مِن تهديدات أمنية؛ تتمثّل في نشر التطرّف وتسريع وتيرة الاستقطاب والتجنيد بهدف تنظيم هجمات إرهابية.
وأشار إلى أن الضغوط الأميركية إيجابية حتى لو كانت نتائجها غير أكيدةٍ خاصّة أنّه في حال كان قد تمكّن عناصر “داعش” من الفرار من سجن غويران وهم بالمئات، فكانت بمثابة عودة قوية للتنظيم وكارثة للمنطقة التي ما زالت تأنّ تحت ضربات فردية للتنظيم بين الحين والآخر.
«داعش” لا يزال
يمثّل تهديدًا
والاثنين، قال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، في بيان، إن واشنطن تشيد بقوات سوريا الديمقراطية وبـ”ردّهم البطولي والفاعل” على الهجوم الذي قال إن المعارك التي دارت خلاله “قتل فيها مسؤولون كبار في داعش أو قبض عليهم».
والهجوم هو الأوسع نطاقًا لـ”داعش” السّاعي إلى تحرير مناصرين له، منذ هزيمته في سوريا عام 2019 في مواجهة قوّات كردية.
وأضاف برايس أنّ “التكتيكات العنيفة واليائسة للدولة ضد داعش تذكّر العالم بأن التنظيم الإرهابي ما زال يشكّل تهديدًا يمكن ويجب إلحاق الهزيمة به”، مشدّدًا على أن “هذه المعركة تذكّر بأن الهزيمة الدائمة لـ”داعش” تستوجب دعمًا من المجتمع الدولي».
ودعت الولايات المتحدة شركاءها في التحالف لمكافحة الإرهابيين إلى “تحسين” ظروف اعتقال مقاتلي التنظيم والحرص على أن تكون “آمنة وإنسانية” وعلى “الاستعادة العاجلة لرعاياهم ولغيرهم من الموقوفين في شمال شرق سوريا».
وفي 2020، لجأت أميركا إلى حق النقض في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قانون يخصّ مصير المقاتلين الأجانب، اعتراضًا على عدم تضمّنه فقرة تطالب بإعادتهم إلى بلدانهم.
وحسب بيانات مجلس الشؤون الخارجية التابع للاتحاد الأوروبي، انضمّ نحو 42 ألف شخص لتنظيم “داعش” الإرهابي، بين عامي 2011 و2016، بينهم أكثر من 5 آلاف شخص جاؤوا من دول أوروبية بينهم 4 آلاف شخص مِن دول أوروبا الغربية، وقد عاد ثلثهم إلى دولهم الأصلية، بينما تباين مصير البقية بين قتيل ومُختفٍ وسجين في العراق أو شمالي سوريا.
ولا يزال بين 500 و550 أوروبيًّا، بين رجل وسيدة، في كنف “داعش” في الجارتين سوريا والعراق، وفق أحدث بيانات “ذا إجمونت”، المعهد الملكي للعلاقات الدولية، ومقره بروكسل، علاوةً على ذلك، لا يزال يوجد بين 700 و750 طفلًا محتجزين في المعسكرات.
وتتصدّر فرنسا الدول الأوروبية التي غادرها أشخاص من أجل الانضمام لـ”داعش”، في شمالي سوريا والعراق، إذ بلغ عدد الفرنسيين في التنظيم الإرهابي نحو 130 شخصًا بالغًا، وأكثر من 300 طفل، بعدها تأتي ألمانيا بـ124 بالغًا و138 طفلًا، ثم كلّ من بلجيكا وهولندا والسويد، على الترتيب.
روسيا تصعد
صعّدت روسيا من غاراتها على خلايا تنظيم “داعش” الإرهابي بعد هجومه على سجن الصناعة بحي غويران في الحسكة شرقي سوريا، مستهدفة بشكل خاص مواقعه في البادية السورية، والتي توصف بأنها الخزان المالي والبشري للتنظيم.
واستهدفت المقاتلات الروسية يوم أمس الأول الاثنين مواقع يتحصّن بها مقاتلو “داعش” في البادية، فنفّذت 8 ضربات عند مثلث (حلب – حماة – الرقة) والحدود الإدارية بين الرقة ودير الزور، دون ورود معلومات عن خسائر.
وخلال الـ48 ساعة الماضية، نفّذت 28 غارة جوية، استهدفت مواقع “داعش” التي يتحصّن بها في باديتي الرصافة في الرقة وأثريا بريف حماة، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، والذي أشار إلى أن الغارات الروسية وصلت لأكثر من 674 غارة في البادية منذ مطلع يناير الجاري.
وقال مدير المرصد، رامي عبد الرحمن، لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن روسيا شنّت أكثر من 12 ألف غارة على البادية في 2021، قتلت فيها أكثر من 500 داعشي.
وعن سبب تحصّن التنظيم الإرهابي في البادية، قال عبد الرحمن إنها “منطقة جغرافية صعبة وصحراء شاسعة تشكّل نحو نصف الأراضي السورية، ولذا يختبئ بها داعش في شكل خلايا ومجموعات صغيرة تنفّذ هجمات على قوات النظام أو الميليشيات المسلحة الموالية له في البادية».
ونفى مدير المرصد أن يكون “داعش” انتهى وجوده سنة 2019 -العام الذي تمّ إعلان هزيمته في سوريا- قائلا إن ما جرى هو إنهاء سيطرته على مناطق مأهولة بالسكان، بينما لا يزال يواصل عملياته في مناطق واسعة. وعن جغرافية البادية، يقول الصحفي الكردي السوري زانا عمر، لموقع “سكاي نيوز عربية”، إنها تتميز بجغرافيا صعبة وخالية من السكان تقريبا، وتضاريسها تساعد “داعش” على تغطية نفسه بالتمويه وشنّ هجمات سريعة على نقاط وحافلات الجيش السوري العابرة في تلك المناطق.
وتمتد البادية بين ريفي حماة وحمص الشرقيين إلى الحدود العراقية، ومن ريفي دير الزور والرقة شمالي سوريا إلى الحدود الأردنية-السورية، ومساحتها أكثر من 75 ألف كيلومتر مربع من مساحة سوريا البالغة نحو 185 ألف كيلومتر، وهي مفتوحة على الصحراء العراقية التي توجد فيها خلايا التنظيم بشكل كثيف، حسب عمر.
ويقدّر عمر حصيلة الخسائر البشرية خلال الفترة من 24 مارس 2019 حتى منتصف يناير 2021، بـ1636 قتيلا من الجيش السوري أو الميليشيات التابعة له من جنسيات سورية وغير سورية، بينهم 3 روس على الأقل، و163 من الميليشيات التابعة لإيران، قُتلوا في تفجيرات وكمائن لـ”داعش” غرب الفرات وبادية دير الزور والرقة وحمص والسويداء وحماة وحلب.
وعن مصادر قوة “داعش”، يقول عمر إنها في “حصوله على إمدادات لوجستية، فصحراء البادية تشكّل خط إمداد لخلايا التنظيم في شرق الفرات (مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية والتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب)، خاصة ما يعرف بصحراء الرصافة التي شهدت أكثر من مرة تحرك خلايا التنظيم من غربي الفرات إلى شرقه».
ولفت عمر إلى أن وجود “داعش” في هذه المناطق يرجع لوقت مبكر جدا من مراحل الحرب السورية، خصوصا عند السيطرة على مدينة تدمر في 2015، وعند بداية الانهيار سنة 2019، حيث أرسل عناصره وأمواله إلى البادية التي يصفها بأنها باتت خزان التنظيم المالي والبشري لدعم نشاطه في شرقي وغربي الفرات والعراق.