هل يصير الغاز الطبيعي ضحية للصراعات الجيوسياسية؟
عن الدور الجيوسياسي للغاز الطبيعي، كتب كبير الاقتصاديين في مركز “سميث ريسريتش آند غرايدنغز” الذي يتخذ الولايات المتحدة مقراً له، سكوت ب. ماكدونالد، أن أسواق الغاز شهدت في عام 2021 مزيجاً من التقلبات الجيوسياسية، والطقس السيئ، وخطط الانتقال الرديء إلى الطاقة الخضراء. ومن المتوقع حصول الكثير من هذا خلال عام 2022. وعلى رغم أن الولايات المتحدة هي منتج ومصدر رئيسي للغاز الطبيعي، فإن ارتفاع أسعار هذه المادة يظهر في فواتير التدفئة، التي تغذي التضخم-الذي بلغ 7.5 في المئة في يناير -كانون الثاني، وهو المستوى الأعلى في السنوات الأربعين الماضية.
وقال الكاتب إن مخاطر الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والنزاع المحتمل بين الجزائر “وهي مزود رئيسي لأوروبا بالغاز” والمغرب، وتدني الإستثمارات في اكتشافات جديدة وفي تحديث البنى التحتية، كل ذلك ترك الباب مفتوحاً أمام سنة أخرى من التقلبات التي ستتميز بإمدادات محددة وأسعار مرتفعة. وبينما جعل العام 2021، صانعي القرارات السياسية والشركات يستنفرون، فإن 2022، سيكون العام الذي تربط فيه الأحزمة إلزامياً.
خريطة الطاقة
واحتل الغاز الطبيعي حيزاً كبيراً من خريطة الطاقة العالمية. وهو بمثابة مصدر انتقالي رئيسي للكثير من الدول. إذ إنه أنظف من الفحم والنفط وسيساعد في الانتقال إلى الطاقة الخضراء. والغاز هو جزء أساسي من مشهد الطاقة في الولايات المتحدة، ويشكل ما يفوق الأربعين في المئة بقليل من إمدادات الكهرباء الأمريكية، أي قبل الفحم والنفط والطاقة النووية وبدائل أخرى.
واستناداً إلى الوكالة الدولية للطاقة، فإن الغاز الطبيعي يولد نحو ربع الطاقة الكهربائية في العالم، الذي يعتمد على الكهرباء في التدفئة المنزلية، والتصنيع وإنارة البلديات.
ويتمحور سوق الغاز حول مجموعة من المنتجين والمصدرين والمتعطشين إلى استخدامه، وتحديداً أوروبا وآسيا. وكون الصين والهند من الدول المستوردة حصراً للغاز، فإن آسيا هي مستهلك كبير، بما يقدر بـ345.4 مليار متر مكعب عام 2020، وتأتي أوروبا في المركز الثاني بـ114.8 مليار متر مكعب. والدول الثلاث الأكثر استيراداً للغاز، هي ألمانيا واليابان والصين.
وفي عام 2022، تؤدي الإضطرابات الجيوسياسية إلى زيادة التوتر في أسواق الغاز. وكان الضغط الأساسي هو الحشد الروسي على حدود أوكرانيا. ويسود القلق من أنه في حال تدخلت موسكو عسكرياً في أوكرانيا، فإن مثل هذا العمل سيؤدي إلى وقف تدفق الغاز من روسيا إلى أوروبا.
40% من إمدادات أوروبا
ونظراً إلى أن الغاز الروسي يشكل 40 في المئة من إمدادات أوروبا من الغاز، فإن أي مواجهة عسكرية رئيسية لن تساعد في استقرار الإمدادات والأسعار. كما أنها ستتسبب بأزمة طاقة في أوروبا، خصوصاً في ألمانيا، التي تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي. وهناك جدل دائر حول ما إذا كانت روسيا ستوقف ضخ الغاز إلى أوروبا في حال الحرب مع أوكرانيا. وبينما أوروبا تعتمد على روسيا في استيراد الغاز (والنفط)، فإن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في أوروبا، تلقت 72 في المئة من صادرات الغاز الروسي عام 2020 “وفقاً لمنظمة الطاقة العالمية».
واستوردت آسيا 11 في المئة من الغاز الروسي، بينها 5 في المئة للصين “على رغم أن هذه النسبة ستزداد”. وتبقى ألمانيا الوجهة الرئيسية للغاز الروسي.
وقود انتقالي أساسي
من الممكن الجدال بأن الغاز بات ضحية النجاح الذي لقيه، من حيث كونه وقوداً انتقالياً أساسياً، ولتزايد الطلب عليه. إن المشكلة الآن هي أن الطلب أقل من المعروض، ويمكن أن يسوء الوضع أكثر نتيجة الطموحات الجيوسياسية لبعض الدول.
وفي عصر تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية في الأسواق العالمية، فإن ذلك قد يترك تأثيراته في الداخل الأميركي، بينما الهجمات السيبرانية والطقس السيئ “على غرار العاصفة يوري التي ضربت تكساس في فبراير 2021”، يمكن أن يؤدي إلى عرقلة الإمدادات.
ومن الحكمة أن يتذكر صانعو القرار في الولايات المتحدة وأوروبا كلمات بنيامين فرانكلين: “من خلال الإخفاق في الاستعداد، فإنك تستعد للفشل».