إحدى أهم الشهادات عن أحداث الحرب العالمية الأولى وأهوالها

(All Quiet on the Western Front).. يدحض العديد من الأكاذيب التاريخية

 (All Quiet on the Western Front).. يدحض العديد من الأكاذيب التاريخية

يقدم المخرج السينمائي، إدوارد بيرغر، النسخة الألمانية الأولى عن رواية الجندي السابق إيريك ماريا ريمارك "كل شيء هادئ على الجبهة الغربية" (All Quiet on the Western Front)، وهي إحدى أهم الشهادات عن أحداث الحرب العالمية الأولى وأهوالها، وقد كتبت باللغة الألمانية عام 1929، وأخرجها لويس مايلستون بنسخة أميركية صدرت في 1930.

يحمل فيلم بيرغر الذي عُرض لأول مرة في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي عنوان الرواية ذاته (أطلقت "نتفليكس" على الفيلم بالعربية اسم "كل شيء هادئ في الميدان الغربي")، ليغدو واحدًا من أضخم إنتاجات "نتفليكس" عن فئة الأفلام المناهضة للحروب، إذ يروي على مدار ساعتين ونصف، قصة مجند شاب اسمه باول بويمر (فيليكس كامير)، ينضم إلى الجيش الألماني خلال الحرب العالمية الأولى، مدفوعًا بالحماس الصادق لخدمة وطنه، إلى درجة تدفعه إلى تزوير عمره، حتى يضمن قبوله من قبل الإدارة العسكرية.

لن يمضي وقت طويل، قبل أن يرى بويمر، ومن معه على الجبهة، الوجه الحقيقي للحرب، وسرعان ما تتبدد براءته أمام المذابح التي يشهدها، ويُجبر على ارتكابها، مفارقًا الحياة في إحداها بسبب تعنت القيادات العسكرية وطموحها الزائف بالنصر.

تشتهر رواية ريمارك المناهضة للحرب، بكونها واحدة من أكثر الروايات إزعاجًا لما تحتويه من حقائق مؤلمة عن الحرب العالمية الأولى، لدرجة أن الرايخ الثالث أمر بحرق كل نسخة من الكتاب لتشويهه المجهود الحربي الألماني، وتثبيط عزيمة باقي الجنود.ومع أن حضور الرواية طاغ، إلا أن بيرغر يروي قصته بقليل من الكلمات وكثير من الصور والرموز المؤثرة، فيفتتح فيلمه بمناظر طبيعية لسماء وجبال وغابات أوروبا الغربية الساكنة، ثم ينتقل بعدها ليصور مشهدًا ضبابيًا كثيفًا، تتوارى خلفه جثث الجنود المتراكمة في إحدى ساحات القتال.

يخترق رصاص المعركة سكينة المشهد، متسببًا بموت الجندي هاينريش وما يليه من تكدس التوابيت السوداء عقب انتهاء المعركة، بينما تعود ثياب الجنود دون أجسادهم إلى شمال ألمانيا، حيث تُنظف وتقطب وتقدم إلى جنود مستجدين، من بينهم بطل الفيلم، باول، الذي سرعان ما يرتدي بزة زميله الراحل بعد نزع لصاقة الاسم عنها، وتبدأ بعدها رحلته الشاقة في القتال وتكوين بعض الصداقات، وإنهاء أخرى تحت قوة السلاح.وبينما تشتعل المعارك بين الجنود الفرنسيين والألمانيين، تدير القيادات العليا اجتماعات سرية على طاولة حوار يقودها نائب المستشار الألماني ماتياس إرزبيرغر (دانيال برول)، وهو شخصية حقيقية من الحرب العالمية الأولى، لعبت دورًا محوريًا في عملية السلام مع الفرنسيين.

ومع أن الرواية الأصلية تبتعد عن السياسة، محاولة التركيز على المعاناة الجسدية والنفسية للجندي خلال المعركة وخارجها، إلا أن فيلم بيرغر يرسم أبعادًا أخرى لتلك الحرب، مشيرًا إلى أنها كانت سببًا رئيسيًا في صعود هتلر والنزعات النازية المتشددة التي اعتبرت الهدنة هزيمة مذلة للألمانيين ومدعاة خجل، فضلًا عما خلفته من صراعات لا زالت تعصف بالاستقرار السياسي حتى يومنا هذا. يقول إدوارد بيرغر في مقابلة له عقب عرض العمل: "يأتي الفيلم في توقيت مثالي نظرًا لكل ما يحدث في أوروبا اليوم".

تتركز الساعة الثانية من الفيلم على إصرار إرزبيرغر على دخول الهدنة إلى حيز التنفيذ قبل هدر المزيد من الدماء على الجانبين، وصراعه مع القادة الفرنسيين الذين يرفضون أي مساومة تحفظ للألمانيين ماء وجوههم من ناحية، ومع القادة الألمانيين أنفسهم الذين يرسلون الجنود ليموتوا في الخنادق، بينما يلازمون قصورهم التي بالكاد نلمح من شرفاتها دخان المعركة.

أما الكارثة الكبرى، فيتسبب بها أحد الضباط العسكريين المتشددين، بمنع جنوده المنهكين من العودة إلى المنزل، وجرهم إلى معركة استرداد الشرف قبيل بدء الهدنة بخمس دقائق فقط، متسببًا في مقتل عدد هائل منهم، تحت شعار طنان: "ما الجندي بلا الحرب؟".

ومع أن معركة اللحظات الأخيرة التي نراها في الفيلم لم توثق تاريخيًا، إلا أن بعض المؤرخين يعتقدون أن تواريخ وفاة العديد من الجنود الألمانيين قد تعرضت للتلاعب، خاصة أولئك الذين سُجلت وفاتهم في اليوم السابق للهدنة، حتى يتجنب القادة العسكريون غضب ذويهم.

يصور الفيلم كيف تتشكل علاقات الصداقة بين الجنود في ذات الخندق، وكيف تتغلب عواطفهم على غريزتهم في البقاء على قيد الحياة، فيتشاركون الضحكات والطعام الشحيح، وحتى التخيلات عن حياة ما بعد الحرب للحظات قصيرة فقط، تنير كابوسهم القاتم، قبل أن يعودوا إلى الساحات المظلمة مجددًا، حيث يُقتل الرجال فرديًا وجماعيًا بالطعن وبتر الأطراف والدهس بالدبابات، إلى جانب الاختناق بالغاز والحرق، وغيرها من أساليب القتل المروعة.

يعرض المخرج مشاهد الموت والتعذيب بوضوح شديد، مؤكدًا ضرورة تصوير العنف لإيصال رسالة الفيلم وتحقيق غايته النهائية.تتسرب العواطف من بين الأسلاك الشائكة أيضًا، ويتفاعل الجنود مع من قيل لهم إنهم "أعداؤهم" الطبيعيون على الطرف الآخر، فبويمر الذي أمضى قرابة السنة متشبثًا بكرهه للفرنسيين، ينهار في نهاية الفيلم عند قتله لأحد جنودهم ومراقبته وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، عالمًا أنه تسبب في تلك المعاناة المجانية، لكنه سرعان ما يتحول إلى آلة قتل مجددًا مع الإعلان عن دخول معركة أخرى بعدما استنزفت الحرب آخر مشاعره وتركته خاويًا.

يؤكد بيرغر على الطبيعة الهوسية للحرب، التي تجعل الجنود مدمنين على القتال وهاربين منه في آن، إذ يتساءل كات بعد انتهاء معركة دموية كاد أن يفقد حياته فيها عن موعد المعركة المقبلة لأنه "يشعر بالملل".يدحض الفيلم العديد من الأكاذيب التاريخية أيضًا، مستندًا إلى مراجع توثيقية، منها كتاب بيتر جاكسون الشهير عن الحرب العالمية الأولى؛ "لن يتقدموا في السن"، مؤكدًا الدور الحاسم الذي لعبته الأسلحة الحديثة التي كانت بحوزة الجيش الفرنسي حينها في هزيمة الألمانيين، ومنها البنادق الآلية وقاذفات اللهب والدبابات حديثة الصنع التي جابهها الجنود الألمانيون بإطلاق النار لجهلهم ماهيتها، وهو ما يمكن أن يكون صحيحًا نظرًا لتاريخ تصنيعها.

يشير الفيلم أيضًا إلى أن الجنود الألمانيين تعرضوا للخداع من قادتهم حين لم تُنقل لهم حقيقة الاضطرابات العسكرية على الجبهة الغربية، كما يوضح اسم الفيلم المأخوذ عن تقرير عسكري حقيقي يصف الجبهة بـ "الهادئة"، ما تسبب بالعديد من حوادث الانتحار والانهيارات النفسية بين صفوف الجنود، وظهور أولى أعراض ما سمي بـ "صدمة القصف"، التي باتت تعرف اليوم باضطرابات ما بعد الصدمة.يصور بيرغر تلك المرحلة السوداء من تاريخ العالم بدقة شديدة، فيعيد تشكيل الخنادق والممرات وعنابر الإسعاف وحتى حفرة المرحاض التي كانت مكان تجمع للجنود آنذاك، فضلًا عن التقنيات المعاصرة التي يستخدمها في رسم مشاهد المعارك والقتال، مصحوبة بأداء مذهل ونغمة موسيقية مرعبة من الملحن فولكر بيرتلمان، يتخللها قرع طبول متقطع ينذر بالخطر القريب، مقدمًا إبهارًا بصريًا وسمعيًا لا يقل عما قدم سابقًا في أعمال أيقونية عن الحرب، مثل The thin red line وFull metal jacket.يكتب بيرغر التاريخ من وجهة نظر "الخاسرين" هذه المرة، معيدًا تمثيل الحرب الدموية، ليخرج باستنتاجات قد تساعدنا على فهم لمَ جرى كل هذا، وربما تجنب أخطار مماثلة قد تواجه البشرية في مسيرتها الطويلة.

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot
https://ejournal.unperba.ac.id/pages/uploads/sv388/ https://ejournal.unperba.ac.id/pages/uploads/ladangtoto/