الأزمة الأوكرانية -الروسية:

«بوتين يريد استعادة الإمبراطورية القيصرية»...!

«بوتين يريد استعادة الإمبراطورية القيصرية»...!

-- يعتبر بوتين وجود الغرب في هذا «الفضاء الحضاري» إهانة لروسيا، وأن «تغريب» هذا الفضاء عمل عدواني
-- فكرة أن الحضارة الروسية تتجاوز الحدود القانونية لروسيا هي فكرة أساسية لمفهوم بوتين عن الدولة
-- بالنسبة لروسيا، الحرب هي أداة سياسية، وهدفها هو تحييد أوكرانيا وخضوعها
-- يتهم بوتين البلاشفة بإنشاء أوكرانيا، ورغم أنه كان نتاجًا للاتحاد السوفياتي وقام بتحديث أساليبه، إلا أن مفهومه عن روسيا ليس سوفياتيًا
-- ما يلفت انتباه الكرملين: تهديد أمريكا بزيادة قدراتها العسكرية، وقــدرات الناتـو في وســط وشـــرق أوروبــا، وإعادة تسـليح أوكرانيا


    في 9 يناير، يلتقي الروس والأمريكان في جنيف لمناقشة الموضوع الأوكراني. ماذا يمكن أن نتوقع من هذه القمة عالية المخاطر؟ حديث مع جيمس شير، العضو الفخري لمركز الدفاع والأمن، تالين، والباحث في تشاتام هاوس، لندن.

   *ماذا سيحدث إذا فشلت المفاوضات في 10 يناير؟
- لن يدع الكرملين المحادثات تطول إذا رأى أنها لن تؤدي إلى أي مكان. وفي هذه الحالة، يكون الهجوم محتملاً للغاية.وإذا كان قادة الدولة الروسية يعتقدون أن القوة العسكرية يمكن أن تحطم أوكرانيا وتشل الغرب وتزعزع استقراره دون مخاطر جدية على روسيا، فلن يوقفهم شيء. إما أن يسلّم الغرب بمعظم مطالب روسيا، أو يصبح الهجوم حتميًا تقريبًا.
لكن هذه مجرد تخمينات، وحتى الخبراء الروس الأكثر اطلاعا منقسمون جدا حول هذه القضية ...    *كتب فلاديمير بوتين في مقال نشر في يوليـــو “نحن شعب واحد” في إشارة إلى روسيا وأوكرانيا.

 ما رأيك في هذه الجملة؟
   - بداية، بوتين ليس أول من تحدث عن تاريـــخ مشترك. في القرن الثامن عشر، أطلقت كاترين العظمى حملة “نوفوروســـــيا” (روسيا الجديدة) “لاستئصال ذاكرة” أوكرانيا.
 وأصبحت إعادة كتابة التاريخ، وبناء أسطورة “الشعب الثلاثي” (الروسي والأوكراني والبيلاروسي) مهمة جادة في عهد نيكولاس الأول واستمرت في عهد الإسكندر الثاني.
   بوتين، هو وريث هذا التقليد، ويؤمن به بشغف، والمسألة ليست انتهازية. في تكريم لأنتون دينيكين -الجنرال الذي نظم “الإرهاب الأبيض” في أوكرانيا بعد الثورة البلشفية -أعلن أن “فصل روسيا عن روسيا الصغيرة أوكرانيا كان جريمة”. ويتهم بوتين البلاشفة بإنشاء أوكرانيا.
 ورغم أنه كان نتاجًا للاتحاد السوفياتي وقام بتحديث أساليبه، إلا أن مفهومه عن روسيا ليس سوفياتيًا. ان بوتين يريد إعادة تأسيس الإمبراطورية القيصرية.

   *في المقال نفسه، كتب: “تزداد قناعتي بأن كييف ليست بحاجة إلى دونباس”.
 هل يريد حقًا ضم شرق أوكرانيا، كما فعل مع القرم؟
   - في نفس المقال، كتب أيضًا أن أوكرانيا يجب أن تحافظ على استقلالها في “التعاون” مع روسيا ...
 أو لا تحافظ على الإطلاق. بوتين لا يريد دونباس، إنه يريد أوكرانيا.
 وإذا حصل عليها، فسيحتفظ بجميع سمات السيادة الأوكرانية، لكنها ستُفرغ من جوهرها.
   ففكرة أن الحضارة الروسية تتجاوز الحدود القانونية لروسيا، هي فكرة أساسية لمفهومه عن الدولة.

يعتبر بوتين وجود الغرب في هذا “الفضاء الحضاري” إهانة لروسيا، وان “تغريب” هذا الفضاء عمل عدواني.
 وفي هذا السياق، سيجد أي سبب للهجوم، إذا شعر أن الظروف مناسبة لشنّه. إن محاولة عدم إعطائه مبرر هو سباق مجنون -وعديم الجدوى. بالنسبة للغرب، كل ما يهم هو الردع.

   *هل يخشى بوتين العقوبات الاقتصادية؟
   - إنه لا يحبها، والعقوبات القائمة تسببت في أضرار. لكن مع ذلك يمكن تحمّلها.
عندما حذر جو بايدن من أن الخطوات التالية ستكون مختلفة جوهريًا، فإن السؤال الوحيد المهم هو: “هل يعتقد الكرملين بذلك؟”.
 بعض العقوبات الجديدة التي يلمّح البيت الأبيض إليها شبيهة إلى حد كبير.
 والبعض الآخر غير عملي، مثل فصل روسيا عن نظام الدفع الدولي سويفت.

 أما بالنسبة للتخلي عن خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، فمن غير المرجح.    بالطبع، قد تضر إجراءات مالية أخرى بروسيا بشكل خطير، لكن مرة أخرى، السؤال هو: “هل يعتقد الكرملين بذلك؟”.
 قد تؤدي التصريحات بأن واشنطن ستتصرف بالتنسيق مع الحلفاء إلى جعل هذا التهديد أقل مصداقية -بالنظر إلى الانقسامات الأوروبية بشأن هذه المسألة.    عنصر واحد فقط يلفت انتباه الكرملين: التهديد الأمريكي بزيادة قدراتها العسكرية، وقدرات الناتو، في وسط وشرق أوروبا وإعادة تسليح أوكرانيا. يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه العقوبات “القاتلة” ستدفع الكرملين إلى تمديد الحرب التي بدأها هو نفسه.
 يمكن ان نقتبس بتصرف من الاستراتيجي الأمريكي إدوارد لوتواك، “إذا كان من الممكن استخدام العقوبات كسلاح، فيمكن أيضًا استخدام الأسلحة كسلاح».

   *عام 2014، لم تمنع تحذيرات أوباما بوتين من ضم شبه جزيرة القرم. هل يمكن أن يتلعثم التاريخ؟
   - بعد الحرب ضد جورجيا، كانت أولوية أوباما هي “إعادة ضبط” العلاقات مع روسيا.
 ما هي مصداقيته حينها؟
على العكس من ذلك، جاء بايدن إلى السلطة بمصداقية كبيرة. لكنها بدأت -في نظر الروس، وأيضًا في نظر بعض حلفائه في الناتو -بسلسلة من الزلات. وفي ظل هذه الظروف، فإن الاعتقاد بأن الحل الوسط سيجعل من الممكن تجاوز المأزق الحالي، أو على الأقل نزع فتيل الوضع، هو خطأ تقديري فادح للإدارة الأمريكية.

وبينما يحمل الكرملين خطابًا صارخًا وواضحًا وغير مرن، فإن واشنطن تعرض خطابًا آخر –غير حاسم، ومرن.
ولمّا كان البيت الأبيض لا يفهم الخصم ودوافعه، فإن القليل من رسائله تؤثر فيه وتصل إلى هدفها.
 “المشكلة مع الليبراليين أنهم لا يستطيعون قبول فكرة أن هناك عدوًا حقيقيًا”، يقول مايكل هوارد، المؤرخ العسكري بجامعة أكسفورد.

ويبدو أن هذه هي المشكلة.
   *هل “شبه ضم” بيلاروسيا، الذي سيسمح لبوتين بمهاجمة أوكرانيا من الشمال، يضعف الأوكرانيين أكثر؟
   - نعم، لكن حتى بدون هذه الجبهة، يمكن لروسيا هزم القوات الأوكرانية.
 ثم، يجب أن يكون مفهوماً أن هيئة الأركان العامة الروسية تريد سحق أوكرانيا -وليس احتلالها. بالنسبة لروسيا، الحرب هي أداة سياسية، وهدفها هو تحييد أوكرانيا وخضوعها، وأيضًا حلف شمال أطلسي مجزأ، ونهاية كل ردع كبير في أوروبا، وحلّ ما تسميه روسيا “الغرب الجماعي”.
إن السؤال الرئيسي هو: “كم من الوقت سيستغرق الهجوم؟” إذا لم يؤت ثماره بسرعة، فقد يصبح الوضع محفوفًا بالمخاطر بالنسبة لموسكو.

    إن نشوب حرب طويلة من شأنه أن يضع في الاختبار القدرة على الصمود وقدرات التعبئة العميقة لأوكرانيا.
ورغم أن هذا البلد مقسّم، فإن الغالبية العظمى من الأوكرانيين (70 بالمائــــــــة على الأقل) يؤيدون استقلال بلادهم، وسيقاوم الكثيرون إذا تعرضــــــوا للهجوم.
 ولا ننســـــى أن أوكرانيا قد قطعت مع حروب المقاومة، ولديها قوات خاصة من الدرجة الأولى.

   *بعد أن أكد الأمريكيون والأوروبيون أنهم لن يتدخلوا عسكريًا، هل بوتين في موقع قوة؟
     - يلعب بوتين -كعادته -لعبة محسوبة. الرهانات أعلى، والمخاطر أيضًا. بالتأكيد، حقيقة أن سبع سنوات من الجهود “الصراع في دونباس” لم تزعزع استقرار أوكرانيا، وأن زيلينسكي ليس المهــــرج الذي تخيّله، وأن الغرب لم يضجر من أوكرانيا، يثير لدى الرئيس الروسي ســـخطًا حقيقيًا.
 لكنه مع ذلك عقلاني، يسيطر على نفســــــــه أكثــــر مما يبدو عليه أحيانــــــًا، وبالتأكيد ليس متهورًا.
إذا شعر أنه لا يملك الوسائل العسكرية لتحقيق أهدافه بتكلفة مقبولة، فسيواصل القتـــــال بوســـائل أخرى -بما فيها الأكثـــــر حقارة -لكن الحرب التي نخشـــــاها جميعًا لن تحدث.