محمد بن راشد: التنمية هي مفتاح الاستقرار .. والاقتصاد أهم سياسة
في جبال الهيمالايا:
«دبلوماسية العضلات» الصينية تثير قلق نيبال وبوتان
مطالبات إقليمية جديدة، أوامر قضائية بشأن تسليم التبتيين في المنفى، التهديد بالسيطرة على الأنهار المشتركة ... تمارس الصين ضغوطًا متزايدة على ولايتي بوتان ونيبال في جبال الهيمالايا.
في صعوبة واضحة على المستوى الدبلوماسي* قبل أقل من شهرين من حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في بكين المقرر عقدها في الفترة من 4 إلى 20 فبراير، وفي مواجهة مستمرة مع وباء كوفيد-19 المخيف**، واقتصاد راكد، بعيدًا عن انتظارات ديناميكيته السابقة، تمرّ الصين بغروب 2021 بعصبية ملحوظة.
بالتأكيد، أن حالتها في منطقة آسيا والمحيط الهادي ليست معزولة. ولن يكذبنا ما يتعرض له سكان بورما مجددا من عنف العسكر، ولا عودة 38 مليون أفغاني تحت الحكم الظلامي لحركة طالبان منذ أربعة أشهر بينما يبدو أن المجاعة تلوح في الافق، أو الحشود التي تصرخ من بانكوك إلى هونغ كونغ مطالبة بعلوية الديمقراطية ذاك المطلب المرفوض. هناك أيضًا، ودائما في القوس الآسيوي الشاسع الغارق في التنوع والتعقيدات والعذابات، أمم وعواصم وشعوب أخرى بعيدة عن أضواء وسائل الإعلام وعناوين الأخبار، يقضّها القلق بشأن العام القادم: منطقة جبال الهيمالايا المهيبة، على وجه الخصوص.
فرصة في مقال نهاية العام هذا، لإلقاء نظرة موجزة على حالة مملكة بوتان -مروجة السعادة الوطنية الخام رغم كل ما تثيره أفعال جارتها في الشمال من حزن -ثم جارتها في الغرب، نيبال -هذه الوجهة الأخرى في جبال الهيمالايا المحصورة بين العملاقين الصيني والهندي -والحياة اليومية للمجتمع التبتي المنفي في سفوح سلسلة الجبال هذه، والذي يبدو أن مصيره على المدى القصير يزداد قتامة بما أن الجمهورية الشعبية تعمل من أجل عصره بألف طريقة.
ضريح سايكتنغ: بوتان
قلقة بشأن المطالب
الصينية الجديدة
في صيف عام 2020، في مملكة بوتان الصغيرة الواقعة على جبال الهيمالايا ، التي ظلت في منأى عمومًا عن الاضطرابات، ونجت حتى الآن من وباء كوفيد-19 ، الأخبار الواردة من الجارة الشمالية الصين، تربك وتثير بعض المخاوف من جانب تيمفو. فبالإضافة إلى مطالبها الإقليمية التقليدية في بوتان -عدة مئات من الكيلومترات المربعة في شمال وغرب المملكة -قدمت بكين لأول مرة مطالب سيادية جديدة، مطالبة بالملاذ الاستثنائي للحياة البرية في ساكتنغ (750 كيلومتر مربع)، في الطرف الشرقي من البلاد.
تتعلق بمساحة لم ينازعها فيها الجار الصيني أبدًا حتى تلك اللحظة، فإن هذه المبادرة تقلق حكومة بوتان بشكل مشروع. ولئن لا ترتبط هذه الأخيرة بعلاقات دبلوماسية مع الصين، إلا أن تيمفو وبكين قادتا منذ منتصف الثمانينات سلسلة لا نهاية لها من المفاوضات أو المناقشات -24 جولة تحديدا -حول نزاعاتهما الإقليمية... عبثا حتى اليوم. ومع ذلك، أوضح اتفاق صيني -بوتاني عام 1998 أن الطرفين “لن يلجأ إلى إجراء أحادي الجانب لتغيير الوضع الراهن على الحدود “المشتركة”. يشار أيضًا أنه قبل ضم التبت من قبل الصين، قبل 70 عامًا، في ذلك العام (1951)، لم يكن لمملكة بوتان حدود برية مع الصين.
ولم يفت المراقبين ملاحظة أن هذا الموقف الجديد للسلطات الصينية يستهدف باستغراب محيطا مجاورا هو بحد ذاته حساس للغاية، بالنسبة للمملكة والصين الشعبية والهند: هضبة دوكلام، تقريبًا عند الاقتران المثالي للأراضي البوتانية والهندية والصينية. كانت الهضبة مسرحًا في صيف عام 2017 (ثم مرة أخرى عام 2020) لاشتباكات عنيفة بين القوات الصينية وقوات الحدود الهندية، والتي تدخلت ردًا على هذه الأخيرة بناءً على طلب بوتان بموجب أحكام معاهدتين بين الهند وبوتان.
نيبال تواجه أوامر
قضائية صينية بشأن
تسليم التبتيين في المنفى
تقع أيضًا على الجانب الجنوبي من الصين المجاورة، نيبال ، مملكة سابقة في الهيمالايا، لا يمكنها الهروب، بسبب الجغرافيا أو التاريخ، من الاضطرابات السياسية التي تتتالى على فترات منتظمة في الشمال، ولا من القرارات الصارمة التي اتخذها النظام الشيوعي. للتذكير، لئن سار على خطى الدالاي لاما الرابع عشر عند رحيله الى الهند عام 1959 عشرات الآلاف من التبتيين الذين وجدوا فيها ملاذا كريما امنا، بعد رحلة ملحمية، في أرض غاندي ونهرو، فان البعض اختار أيضًا المنفى في بوتان ونيبال، حيث يعيش 20000 من التبتيين عام 2021. وقد جف التدفق بنسب مرتفعة في العقود الأخيرة، مما دفع مؤخرًا إذاعة آسيا الحرة للتعبير عن قلقها من الظاهرة.
كان ذلك قبل عامين، في خريف عام 2019، قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة إلى العاصمة النيبالية -وهي أول زيارة يقوم بها رئيس دولة صيني منذ ربع قرن. واتفقت بكين وكاتماندو –بإلحاح من الأولى أكثر من الثانية -على إبرام معاهدة ثنائية (معاهدة المساعدة القانونية المتبادلة بشأن المسائل الجنائية) “تعيد صياغة” إدارة المراقبة على طول (1389 كم) حدودهما الجبلية المشتركة. انه إطار قانوني جديد يُلزم، من بين أحكام أخرى، كل طرف بتسليم الطرف الآخر الموقّع في غضون سبعة أيام أي شخص يُقبض عليه لعبوره الحدود بشكل غير قانوني. ووفقًا لمنظمات حقوق الإنسان، فإن هذا الإطار الدقيق موجه بشكل خاص إلى التبتيين الذين يسعون إلى الفرار من الأراضي الصينية والوصول إلى نيبال.
ومنذئذ، تعمل بكين على إقناع كاتماندو بإبرام معاهدة لتسليم المجرمين بين البلدين. ومن الواضح أنه بهدف إعادة أكبر عدد من التبتيين الذين يعيشون بشكل غير قانوني في نيبال إلى جمهورية الصين الشعبية، والذين يبلغ حجمهم بضعة آلاف من الأفراد. وتحت ضغط الأمم المتحدة وأوروبا والولايات المتحدة للامتناع عن مثل هذا المشروع، لم تتبنّى الحكومة النيبالية حتى الآن الاقتراح الصيني. ولكن في مواجهة ضغوط، وحتى الأوامر الصادرة عن القوة المؤثرة في الشمال، وحججها المالية المثيرة (تمويل مشاريع الطاقة الكهرومائية المتعددة، والبنى التحتية للطرق، والمطارات أو الاتصالات السلكية واللاسلكية)، إلى متى ستظل هذه الجمهورية الهشة والفقيرة وغير الساحلية، قادرة على المقاومة دون إغضاب بكين؟
قانون السيطرة على
الأنهار الجديد في الصين
في يناير المقبل، سيدخل قانون جديد تم تبنيه في أكتوبر الماضي حيز التنفيذ في جمهورية الصين الشعبية، من المفترض أن يعزز الأمن على الحدود البرية للبلاد -22000 كم مع 14 دولة مختلفة. وتنص المادة 4 من هذا التشريع الجديد على أن السيادة والأمن القومي “مصونان ومقدسان”. بعد ذلك بقليل في هذا النص، تشير المادة 10 إلى بناء دفاعات حدودية، وحتى مفهوم السيطرة على الانهار، وهو الأمر الأكثر لفتا للانتباه.
إن التنفيذ الوشيك لهذا الإطار التشريعي الصيني الجديد -وهو سابقة في هذا الموضوع الحساس -لم يمر بطبيعة الحال دون أن يلاحظه جميع جيران بكين في جنوب آسيا، في بوتان، ونيبال، ولكن خاصة في الهند. على وجه الخصوص، في سياق التوتر الحدودي الكبير الذي يسود منذ ما يقرب من عامين على جانبي خط السيطرة الفعلية، الحدود التي تفصل بين الأراضي الهندية والصينية، ولا سيما الاشتباكات العنيفة بين جيشي البلدين في يونيو 2020 في شرق لاداخ الهندية، في وادي جالوان، على بعد 200 كيلومتر شمال شرق ليه.
حقيقة أن هذا القانون يتناول المسالة الحيوية، التحكم في الانهار، لا بد ان يثير قلق السلطات الهندية. لأنه إذا كان نهر براهمابوترا المقدس الطويل (ابن براهما للهندوس) يعبر ويسقي كامل شمال شرق البلاد قبل ان ينضم إلى نهر الغانج ثم يدخل بنغلاديش، فإنه يأخذ أولاً منبعه في التبت، وهي منطقة ينطبق فيها القانون الصيني.
مساحة شاسعة حيث تخلق مشاريع البناء العملاقة المتعددة التي صممتها سلطات بكين (أكثر من 25 سدا ومنشآت كهرومائية أخرى) بعض الهواجس المشروعة حول اتجاه مجرى النهر، وعلى وجه الخصوص بالنسبة لسكان شمال شرق الهند الذين يعتمدون في حياتهم اليومية على كرم مسار براهمابوترا. كرم حاسم في كثير من النواحي، وضروري، والذي يمكن تقليله أو تبديده في المنبع بسبب حمّى البناء هذه. يمكننا أن نراهن أن هذا القانون مستوحى قبل كل شيء من منطق تعظيم الموارد الهيدروليكية الثمينة المتاحة، وليس من أي دافع خفي سياسي أو استراتيجي تجاه دول مجاورة معينة.
* لا سيما مع “المقاطعة الدبلوماسية” للحدث التي أعلنت في الأيام الأخيرة من قبل العديد من الدول والديمقراطيات الغربية الكبرى ، منها الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة.
** من حيث بدأ الوباء (من ووهان، مع عدم وجود مريض في ديسمبر 2019). حتى الآن، تسجل الدولة الأكثر كثافة سكانية في العالم “رسميًا” 111840 حالة فقط وأقل من 5000 حالة وفاة، أي أن عدد القتلى أقل بـ 24 مرة من فرنسا.
* توقع نمو الناتج المحلي الإجمالي أقل من + 5 بالمائة في الربع الأخير من عام 2021.
* 38400 كيلومتر مربع ، 857000 نسمة ، العاصمة ثيمفو. النظام: ملكية دستورية.
* منذ بداية انتشار الوباء قبل نحو عامين، سجلت المملكة 2641 حالة إصابة و3 وفيات.
* طيلة ربع قرن، حثت بكين ثيمفو على الموافقة على صفقة مقايضة الاراضي.
* ما وصفته صحيفة واشنطن بوست في عمود في صيف 2021 بـ “دبلوماسية العضلات”، التي تذكرنا بدبلوماسية الزوارق الحربية البريطانية قبل قرنين من الزمان.
*تحديدا ولاية أروناتشال براديش الهندية، حيث للصين أيضًا أطماع إقليمية قديمة تتجدد بانتظام.
* معاهدة السلام والصداقة الدائمة لعام 1949. ومعاهدة الصداقة بين الهند وبوتان لعام 2007.
* أصبحت جمهورية في ربيع 2008 بإلغاء النظام الملكي. 147200 كيلومتر مربع، 30 مليون نسمة، العاصمة: كاتماندو.
* نلاحظ بالمناسبة أن شي كان في رحلة إلى التبت في يوليو الماضي، هي الأولى من نوعها لرئيس دولة صيني منذ ثلاثة عقود.
*حيث نلاحظ تلازم اعتماد هذا النص الصيني الجديد مع التوقيع في 14 أكتوبر على “مذكرة تفاهم” بين بكين وتيمفو بشأن حل النزاع الحدودي.
*متخصص في آسيا، باحث في مركز الدراسات والبحوث حول الهند وجنوب آسيا وشتاتها (جامعة كيبيك في مونتريال)، من مؤلفاته “ما العمل مع كوريا الشمالية؟” (2019) و “أيام كيم جونغ أون الأخيرة (في السلطة)” (2019). كما قام بنشر “من المأزق الأفغاني إلى التيه الكوري الشمالي: يوميات جيوسياسية 2012-2015” (2016)