زلزال سياسي صغير في البرتغال:

أسباب اختراق أندريه فينتورا، زمور البرتغالي...!

أسباب اختراق أندريه فينتورا، زمور البرتغالي...!

-- نجاح فينتورا في التشريعية، ليس مفاجأة، ونقاطه المشتركة مع المرشح الفرنسي اليميني المتطرف كثيرة
-- نجح أنطونيو كوستا في تنفيذ سياسة العدالة الاجتماعية دون الخروج عن صرامة مالية معينة


      تم لصق صورته العملاقة بمهارة على درابزين حديقة ساو بينتو، المتنزه المجاور لتجمع الجمهورية في لشبونة. لقد فاز أندريه فينتورا برهانه، وحقق حزبه اليميني المتطرف، شيغا  “كفي” اختراقا تاريخيا في الانتخابات التشريعية يوم الأحد 30 يناير.    قبل أيام قليلة، سار المارة أمام ملصقات “زمور البرتغالي” بلا مبالاة. غير أن الناخبين منحوا بنسبة 7 فاصل 2 بالمائة أصواتهم لهذا النجم السابق للشاشة الصغيرة، والذي اشتهر بالتعليق لقناة “سي ام تي في” الخاصة على مباريات بنفيكا، نادي كرة القدم بالعاصمة، ثم الأخبار الإجرامية، أثناء كتابته عمودا في كوريو دا مانها، لو فيغارو المحلية.
زلزال سياسي صغير

   نجح فنتورا في الفوز باثني عشر مقعدًا، مقابل مقعد واحد لصالحه في الغرفة المنتهية ولايتها. زلزال صغير في البرتغال، بعد نصف قرن تقريبًا من ثورة القرنفل ونهاية دكتاتورية أنطونيو دي أوليفيرا سالازار.    هذه هي المفاجأة الكبيرة الأخرى لهذه الانتخابات المبكرة، والتي نجمت عن رفض اليسار المتطرف، في أكتوبر، التصويت لميزانية 2022 التي وضعتها حكومة الاشتراكي أنطونيو كوستا.

وخلافا لاستطلاعات الرأي التي أكدت منافسته الشرسة مع حزب يمين الوسط الرئيسي الحزب الديمقراطي الاجتماعي، فاز الحزب الاشتراكي، ورئيس الوزراء المنتهية ولايته بالأغلبية المطلقة “117 نائبا” بنسبة 41 فاصل 7 بالمائة من الأصوات. ولم يصل الحزب الديمقراطي الاجتماعي إلى 30 بالمائة وانهار اليسار المتطرف.

ليست مفاجأة
   «مفاجأة نتيجة هذه الانتخابات تمثلت في الطبيعة المثيرة للتحول من اليسار الراديكالي إلى الحزب الاشتراكي. لكن ظهور شيغا لم يكن مفاجئًا للغاية”، يؤكد أستاذ العلوم السياسية أنطونيو كوستا بينتو، الأستاذ بجامعة لشبونة. ويذكّر هذا الأخير أن أندريه فينتورا حصل على ما يقرب من 12 بالمائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية في يناير 2021، بفارق نقطة واحدة عن مرشحة الحزب الاشتراكي التي جاءت في المركز الثاني خلف رئيس الدولة مارسيلو ريبيلو دي سوزا.
   ورغم تحقيق شيغا لنتائج أقل في الانتخابات البلدية في سبتمبر الماضي، “إلا أنه أظهر، هنا مجددا، قدرة اليمين المتطرف على التعبئة بقوة بين ناخبي الحزب الديمقراطي الاجتماعي والحزب الديمقراطي المسيحي، “الذي اختفى عمليًا من المشهد السياسي”، يحلل السيد بينتو.
   في سن التاسعة والثلاثين، دخل أندريه فينتورا السياسة لأول مرة تحت ألوان الحزب الديمقراطي الاجتماعي، لمحاربة الشيوعيين في بلدية لوريس، في ضواحي لشبونة.
ثم أسس شيغا عام 2019، دون الاعتماد على أيديولوجية متماسكة للغاية. وعشية الانتخابات التشريعية، أشارت صحيفة “فيساو” الأسبوعية، إلى أن برنامجه “يتكون من تسع صفحات” إجمالا.

مناهضة النظام
  وبحسب أنطونيو كوستا بينتو، فإن “فينتورا هو النموذج المبدئي لزعيم اليمين الراديكالي”. يحشد رئيس شيغا حول مواضيع كلاسيكية: محاربة الفساد، مناهضة الاشتراكية، ومناهضة “النظام”.
ومثل الفرنسي إريك زمور، يلاحظ هذا الخبير، يتغذى “على مواضيع القانون والنظام والدفاع عن الشرطة ضد الجرائم الصغيرة، والخلط أيضًا بين المجمّعات السكنية والعنف».
   ومثل مؤسس ريكونكت في فرنسا، “يستغل التاريخ وفكرة الهوية الوطنية”، متهمًا اليسار بالتشكيك في ماضي البرتغال المجيد، والاستعمار، والاكتشافات العظيمة. وبينما يعود الفرنسي إلى نظام فيشي، يتحدث البرتغالي بحنين إلى سالازار، لكن دون الإصرار كثيرًا، حيث تظل الديكتاتورية مرتبطة، حتى في صفوف اليمين، بالتخلف والفقر.
   أخيرًا، مثل زمور، يجب على فينتورا الوقوف بانتظام امام العدالة. لديه عادة مهاجمة الغجر والمهاجرين بعنف، الذين يصفهم بـ “قطاع الطرق”. ان “القواسم المشتركة بين الرجلين، هي أن يكونا أكثر حداثة وراهنيّة من مارين لوبان، وأن يكونا قادرين على حشد السخط والكفر بالطبقة السياسية على خط شعبوي”، تلخص باتريشيا ليزا، أستاذة العلوم السياسية البرتغالية في معهد رويال إلكانو في مدريد.

لهذا نجح الاشتراكيون
   في المقابل، تمكن رئيس الوزراء أنطونيو كوستا، الذي يتولى السلطة منذ عام 2015، من الفوز بأغلبية مطلقة في البرلمان، مدعومًا بسجله الجيد.
   لم يسبق أن بدت الأحزاب الاشتراكية الفرنسية والبرتغالية بعيدة كل البعد عن بعضها البعض كما حدث يوم الأحد، 30 يناير. في أدنى المستويات في الاستطلاعات، احتلت مرشحة الحزب الاشتراكي، آن هيدالغو، المركز الخامس في “الانتخابات التمهيدية الشعبية”، وهي استشارة للمواطنين تهدف إلى تقديم مرشّح واحد عن اليسار. في نفس الوقت، فاز رئيس الوزراء البرتغالي المنتهية ولايته، أنطونيو كوستا، الذي تعرفه هيدالغو جيدًا، بأغلبية مطلقة من المقاعد في البرلمان “117 نائبًا من أصل 230”. لذلك سيكون قادرًا على الحكم دون دعم أحزاب اليسار الراديكالي، على عكس السنوات السابقة.

   لدى الحزب الاشتراكي البرتغالي ما يحسده عليه نظيره الفرنسي، الذي في طريقه للاندثار. “لقد سبق ان حصل على هذه الأغلبية عام 2005، لكنه كان يجسد حينها التناوب. وهذه المرة، هو في السلطة، مما يجعل الإنجاز أكبر وأقوى”، يقول إيف ليونارد، الأستاذ في معهد العلوم السياسية ومؤلف كتاب “تاريخ البرتغال المعاصر” “منشورات شانديني”.
 ومع ذلك، كان الرهان محفوفًا بالمخاطر بالنسبة لأنطونيو كوستا: لم ينصع لمطالب الحركتين اللتين تدعمانه، الكتلة اليسارية والتحالف الشيوعي –الخضر بعد رفض هؤلاء، في أكتوبر، ميزانية 2022، التي اعتبروها منقوصة اجتماعيًا، مما عجّل بإجراء انتخابات جديدة.

   في الواقع، حيّا البرتغاليون بجدية السياسة التي انتهجها الاشتراكيون منذ عودتهم إلى السلطة عام 2015. لقد قطعوا أولاً مع سياسة التقشف للحكومة السابقة، ووضعوا حداً لتخفيضات الميزانية، ورفعوا مستوى الخدمات العامة والحد الأدنى الاجتماعي -ارتفع الحد الأدنى للأجور تدريجياً من 590 يورو عام 2015 إلى 775 يورو عام 2021. “لقد نجح أنطونيو كوستا في تنفيذ سياسة العدالة الاجتماعية دون الخروج عن صرامة مالية معينة”، يوضح إيف ليونارد.

المعجزة البرتغالية
   ونتيجة لذلك، قدمت البرتغال فائضًا في الميزانية عام 2019، وهو الأول منذ ثورة القرنفل عام 1974 ونهاية الديكتاتورية السلازارية. في الوقت نفسه ، تتالت سنوات النمو، وانخفضت البطالة إلى النصف “12 فاصل 4 بالمائة 2015 إلى 7 فاصل 2 بالمائة 2020”. نتائج تتجاوز توقعات شركائها الأوروبيين، الى درجة أننا نتحدث عن “معجزة برتغالية”. تمت الإشادة بإدارته لأزمة كوفيد-19، استفاد أنطونيو كوستا أيضًا من ضعف المحافظين، الذين قوضهم صعود حزب شيغا اليميني المتطرف، الذي احتل المركز الثالث في الاقتراع ودخل البرلمان.