يتوهّمون بأنه يمكنهم الاعتماد على الولايات المتحدة لحمايتهم
أكراد سوريا أرادوا حكماً ذاتياً فسقطوا في حرب لا تنتهي
بعد فترة قصيرة من بدء الحرب السورية قبل 10 سنوات، أعلنت الأقلية الكردية التي تسيطر على شمال شرق البلاد عن منطقة حكم ذاتي، حلمت بأن تكون “مدينة فاضلة” مستقلّة متعدّدة الأعراق وتساوي بين الجنسين.
لكن بدلًا من ذلك، غرقت المنطقة بحرب لا نهاية لها، خاضعة لأهواء جيرانهم الأقوياء أي للحكومة السورية في دمشق وتركيا شمالًا. لكنّ التهديد الأخير للحكم الذاتي الكردي تمثّل في عودة تنظيم “داعش”، وهو تهديد مألوف، وفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
هجوم سجن الحسكة
وذكرت الصحيفة أن الجماعة الإرهابية عادت لتطلّ برأسها مرة أخرى مؤخرًا، بعد ثلاث سنوات من طرد القوة العسكرية الرئيسية في هذه المنطقة، “قوات سوريا الديمقراطية” التي يقودها الأكراد، مسلحي التنظيم من آخر رقعة من الخلافة المعلنة في سوريا والعراق بمساعدة التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة.
ففي 20 يناير -كانون الثاني الماضي، هاجمت عناصر انتحارية ومسلّحة من “داعش” سجن الحسكة في محاولة لإطلاق سراح حوالي 4 آلاف مقاتل من زملائهم المحتجزين هناك.
وقالت الصيحفة إن الهجوم كان دليلاً على عودة التنظيم إلى المنطقة التي تشكّل جزءاً من منطقة الحكم الذاتي، وقاتلت “قوات سوريا الديمقراطية” بدعم من القوة العسكرية الأمريكية، لمدة أسبوعين تقريباً قبل أن تستعيد السيطرة على السجن.
ومع ذلك، على الرغم من الشراكة العسكرية الوثيقة مع الولايات المتحدة التي استمرت لسنوات، فإن الأكراد السوريين يواجهون مستقبلاً محفوفاً بالمخاطر، وفقاً للصحيفة.
منطقة الحكم الذاتي الكردية
في عام 2012، تم إنشاء منطقة الحكم الذاتي الكردية في سوريا التي تضمّ ما يقارب من ثلث البلاد شرق نهر الفرات، بعيدًا عن سيطرة نظام بشار الأسد بعد انتفاضة شعبية في موجة “الربيع العربي».
وفي واحدة من أكثر ساحات المعارك تعقيداً في العالم، تتواجد القوات الأمريكية في المنطقة مع انتشار للقوات الروسية المتحالفة مع حكومة الأسد، التي سمحت لها قوات الدفاع والأمن بالدخول، كحماية ضد التوغل التركي، قالت الصحيفة.
وفي ظل هذا التعايش المضطرب، تنقسم المدن الكبرى في المنطقة بين سيطرة الحكومة السورية والسيطرة المحلية. ويصطف السكان الذين يدرسون أو يعملون في المنطقة التي تسيطر عليها الحكومة عند نقاط التفتيش، بانتظار السماح لهم بالمرور. كما أن الكثيرين يخشون الاعتقال لدرجة لا تسمح لهم بالمغامرة.
ويسمّي الأكراد المنطقة بـ “روج آفا”، والتي تعني “الغرب”، في إشارة إلى كردستان الغربية وحلم طويل الأمد بتأسيس دولة مستقلة تمتد على المناطق الكردية في سوريا والعراق وإيران وتركيا.
سلام اجتماعي وتعايش
ووفقا للإدارة الإقليمية، يمثّل الأكراد ما لا يقل عن 55% من سكان المنطقة المتمتّعة بالحكم الذاتي البالغ عددهم 4.6 مليون نسمة. كما تعيش أعداد كبيرة من العرب والمسيحيين الآشوريين، إلى جانب مجموعات أقلّ من التركمان والأرمن والشركس والأيزيديين.
وقال رئيس قسم العلاقات الدولية في إقليم كردستان عبدالكريم عمر للصحيفة: “كانت هناك حروب طائفية في سوريا والعراق. ولكن في منطقتنا، حافظنا على السلام الاجتماعي والتعايش».
وتعتمد الإدارة الإقليمية على شبكة من المجالس متعدّدة الأعراق والديانات. وكل لجنة رئيسية يرأسها رجل وامرأة. كما تلعب النساء دوراً بارزاً كمقاتلات، بما في ذلك في الخطوط الأمامية. وقالت الصحيفة إن “هذه الخطوات نحو ضمان التنوّع والمساواة بين الجنسين بعيدة كل البعد عن معظم البلدان في الشرق الأوسط».
التهديد التركي
لكن خلال عمرها القصير، واجهت المنطقة التي يقودها الأكراد تهديدات أمنية واقتصادية مستمرّة من جميع الأطراف تقريبًا، بما في ذلك من الحكومة السورية وأكراد العراق المجاور في الشرق. لكن التهديد التركي هو الذي يلوح في الأفق.
وغزت تركيا، التي حاربت المسلحين الأكراد في الداخل منذ عقود، المناطق التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” التي يقودها الأكراد لإبعادها عن الحدود. وتعتبر أنقرة “قوات سوريا الديمقراطية” تهديدًا أمنيًا، إذ تنظر إليها على أنها مجموعة “إرهابية ترتبط بشكل مباشر بحزب العمال الكردستاني الذي يقود تمرداً ضد الدولة التركية منذ عقود».
وفي المقابل، يرتبط أكراد العراق بعلاقات اقتصادية وثيقة مع تركيا. وفي الشهر الماضي، أغلق الحزب الكردي المهيمن في العراق حدود إقليم كردستان العراق مع المنطقة التي يقودها الأكراد في سوريا، ما أدى إلى أزمة محروقات ومواد غذائية.
وألقى مظلوم كوباني، قائد قوات الأمن في المنطقة، باللوم على الضغوط التركية في إغلاق العراقيين للحدود. وكوباني مدرج على قائمة المطلوبين في تركيا، ويقيم في قاعدة مشتركة مع القوات الأمريكية، اختارها لردع تركيا عن شنّ غارة بطائرة بدون طيار لقتله.
وقال كوباني عن جيرانه الأكراد العراقيين: “كلانا كردي، وعلينا أن نساعد بعضنا البعض. لكن لديهم مصالح مع تركيا».
الشراكة مع واشنطن
وخلال الحرب مع “داعش” قبل سنوات، أقامت “قوات سوريا الديمقراطية” شراكة مهمة مع التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي كان يقاتل المسلحين في سوريا والعراق. وكانت الميليشيا تعتبر القوة البرية الأكثر قوة عندما يتعلّق الأمر بقتال الجماعة المتطرفة.
ودفع هجوم السجن الأخير الجيش الأمريكي إلى القتال في معركة هي الأشد في السنوات الثلاث الأخيرة منذ نهاية داعش. وقال كوباني للصحيفة إنه “بعد الهجوم على السجن، لم يعد وجود 700 جندي أميركي كافيًا. إننا بحاجة إلى المزيد من القوات الأمريكية». وقالت “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تضم حالياً ما بين 80 ألفاً إلى 100 ألف مقاتل، إنها فقدت حوالي 13 ألف عضو في الحرب لطرد “داعش” من المنطقة منذ عام 2014، و43 آخرين في معركة سجن الحسكة.
وختمت الصحيفة بأن “الأكراد السوريين يتوهّمون بأنه يمكنهم الاعتماد على الولايات المتحدة لحمايتهم على المدى الطويل، لكنّ الشيء الوحيد المؤكد هو أن مستقبل روج آفا يعتمد بالكامل على قوى خارجة عن سيطرتها، وأنه في هذا المجتمع العسكري، سيخوض جيل جديد الحرب».