المطلوب تغييرات عميقة في جميع المجالات

ألمانيا: حكومة أولاف شولتز في اختبار السلطة...!

ألمانيا: حكومة أولاف شولتز في اختبار السلطة...!

-- التغييرات التي تطال الأحزاب السياسية بعيدة كل البعد عن فتح الطريق أمام «التقدم» بشكل تلقائي
-- بداية هذه الحقبة الجديدة من التقدم تعد بأن تكون معقدة نوعًا ما، إن لم تكن قاسية
-- تصريحات ملتبسة خلقت شكوكًا بين الحلفاء حول موقف ألمانيا من المسألة الأوكرانية
-- حزبان من الائتلاف، يجدان صعوبة في التعامل مع الحقائق السياسية الحالية ومسؤولياتهما الجديدة


«فلنجرؤ على تحقيق المزيد من التقدم” -شعار الحكومة الألمانية الجديدة هذا يتحدث عن طموح كبير؛ طموح لقيادة البلاد، طيلة عقد على الأقل، نحو تغييرات عميقة في جميع المجالات، تعتبر ضرورية لمواجهة تحديات القرن المتعددة.
   لا يمكن وضع هدف أعلى. ومع ذلك، فإن بداية هذه الحقبة الجديدة من التقدم تعد بأن تكون معقدة نوعًا ما، إن لم تكن قاسية. بعد تغيير الأغلبية في البوندستاغ، وتشكيل الحكومة الجديدة، فإن التغييرات التي تطال الأحزاب السياسية بعيدة كل البعد عن فتح الطريق أمام “التقدم” بشكل تلقائي.
   من ناحية، أُجبر حزب الخضر على منح نفسه فريقًا قياديًا جديدًا، إذ لا يسمح قانونه الداخلي لرؤساء الحزب “رجال ونساء” بالانتماء للحكومة. وآنالينا بربوك وروبرت هابيك، الرئيسان المشاركان اللذان قادا الحملة التشريعية، هما الآن جزء من الحكومة الفيدرالية، أحدهما كوزير للخارجية والآخر كوزير للاقتصاد والمناخ ونائب المستشار. تم استبدالهما على التوالي في 29 يناير ريكاردا لانج وأوميد نوريبور.

وهذا الاستبدال ليس مجرد تغيير في الأشخاص بل سيغيّر سلوك الحزب الذي خرج من 16 عاما في المعارضة.
   من ناحية أخرى، فإن الحزب الاشتراكي الديمقراطي، حزب المستشار أولاف شولتز، وبدرجة أقل، الحزب الليبرالي الديمقراطي بزعامة وزير المالية كريستيان ليندنر، يجدان صعوبة في التعامل مع الحقائق السياسية الحالية ومسؤولياتهما الجديدة. وزير المالية، الذي يريد أن يكون وصيا على انضباط الميزانية، يواجه مطالب بإنفاق إضافي من جميع الجهات. تم التصويت للتو على ميزانية إضافية قدرها 60 مليارًا لعام 2022. لكن المناقشات بشأن ميزانية 2023 ستكون صعبة للغاية وتتزامن مع المناقشات المعقدة داخل الاتحاد الأوروبي، تحت الرئاسة الفرنسية، حول إصلاح اتفاقية الاستقرار.

بين الانضباط والمرونة
   في الوقت الحالي، لا يُقال الكثير عن ذلك، لأن أيام الحقيقة للسيد ليندنر لن تأتي الا في شهر يونيو، عندما يتعين على الحكومة تمرير مشروع قانون المالية 2023 بينما سيتم تطبيق القاعدة الدستورية المتمثلة في “فرملة العجز” مرة أخرى، بعد أن تم تعليقها أثناء الوباء.  في نفس الوقت، ترغب الرئاسة الفرنسية في عرض نتائج جهودها على المستوى الأوروبي. ومع ذلك، يجد الوزير نفسه محاصرًا بين منصبه كوصي على الانضباط المالي، الذي دافع عنه حزبه كحزب معارض خلال الحملة الانتخابية، وضرورات المرونة التي تمليها الحقائق السياسية اليوم.

    إن التوازن الذي يجب أن يكتشفه بين هذين الطموحين، وهو طموح تنظيم التسويات المقبولة للشركاء الأوروبيين وشركاء التحالف، والبقاء مخلصًا لمواقف حزبه، الذي لا يزال الى الآن زعيمه بلا منازع، سيقرر وزنه السياسي الحقيقي وثقل حزبه داخل “تحالف التقدم” هذا.
    في المقابل، يتعرض السيد شولتز والحزب الاشتراكي الديمقراطي، لضغوط في الوقت الحاضر. تهديدات الحرب التي أثارتها تجمعات الجيش الروسي على حدود أوكرانيا، إلى جانب مطالب “الضمان” المقدمة إلى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بهدف حرمان أوكرانيا إلى الأبد من الحق في أن تصبح عضوًا في الحلف، طلب لا يمكن للحلف والولايات المتحدة الا رفضه، تضع موقف المستشار وحزبه تجاه روسيا في اختبار.
    صمته لفترة طويلة جدًا “أين المستشار؟” ، وملاحظاته الملتبسة إلى حد ما في البداية، لا سيما فيما يتعلق بدعم أوكرانيا في مجال التسلح وخط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” “منشأة تابعة لشركة حكومية روسية غازبروم والعديد من الشركات الأوروبية الخاصة ، وأساسا الألمانية منها، التي تنقل الغاز من سيبيريا، عبر سانت بطرسبرغ وبحر البلطيق، مباشرة إلى ألمانيا ، متجنبة أوكرانيا وبولندا” ، لم تخلق فقط شكوكًا بين الحلفاء حول موقف ألمانيا من هذه المسألة ؛ بل هي تمظهر لمشكلة داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي نفسه، الذي لا يتزعّمه المستشار. وقد وجد الرئيس المشارك الجديد للحزب، لارس كلينجبيل، نفسه مضطرًا لجمع عدد من كبار السياسيين في الحزب الاشتراكي الديمقراطي في 31 يناير لضمان أن يتحدث حزب المستشار بصوت واحد.

التشكيك في سلطة المستشار
    تصريحات المستشار السابق للحزب الاشتراكي الديمقراطي جيرهارد شرودر، وهو صديق شخصي لفلاديمير بوتين، والآن أحد أعضاء لوبي غازبروم، ورولف موتزينيتش، زعيم المجموعة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي في البوندستاغ، الذي عبّر عن بعض التفهم لمطالب موسكو -كما فعل رئيس البحرية قبل إقالته بسرعة كبيرة من منصبه -ساعدت في إثارة الشكوك حول سلطة أولاف شولتز. ورد رئيس الحكومة في مقابلة تلفزيونية في 31 يناير: “لا يوجد سوى مستشار واحد، هو أنا”. وقال لارس كلينجبيل، زعيم الحزب، في نفس اليوم: “يمكن للجميع المشاركة في النقاش، لكن قيادة الحزب هي التي تقرر سياستها”... تحذيرات علنية غير عادية.

    أخيرًا، استقبل الرئيس الأمريكي المستشار في واشنطن في نفس الوقت الذي كان فيه إيمانويل ماكرون ينجه إلى موسكو وكييف. واختارت وزيرة الخارجية السفر إلى أوكرانيا على “خط التماس” مع الجزء الأوكراني الذي تحتله قوات المتمردين بدعم وقيادة موسكو. واستقبل أولاف شولتز، عقب لقائه جو بايدن، الرئيس الفرنسي في برلين عائدا من موسكو وكييف. ومن المقرر أن يسافر أولاف شولتز إلى كييف وموسكو بنفسه. وعليه أن يوضح، أخيرًا، موقف ألمانيا، وتأكيد التنسيق الوثيق مع باريس في هذه الخطوات.

    لكن داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، لا يزال عدد “الذين يتفهمون روسيا” كبيرًا. وهذا ينطبق أيضًا على مجموعة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في البوندستاغ، ولا تزال المعارضة المبدئية لأي تسليم للأسلحة إلى “مناطق الأزمات” قائمة. وهذا ينطبق أيضا على الخضر. كما أن أنصار خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2”، باعتباره “مشروعًا صناعيًا خاصًا”، والذي لا ينبغي الخلط بينه وبين المشاكل السياسية الحالية مع روسيا، ما زالوا موجودين أيضًا، بينما تحدث حزب الخضر والليبراليين في الحزب الليبرالي الديمقراطي دائمًا ضد هذا المشروع.
    لن يكون أمام أصدقاء روسيا من الحزب الاشتراكي الديمقراطي من خيار سوى الرضوخ في هذه المسألة. وبدلاً من أن يتخذ المستشار القرار في يده رغم المعارضين داخل حزبه، سيتعين عليه فقط تأكيد ما سيعلنه الحلفاء، وخاصة الولايات المتحدة: في حال حدوث غزو عسكري روسي لأوكرانيا، سيبقى خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2”، الذي لم يفتح بعد، مغلقا. هذا ليس نوع الزعامة السياسية التي وعد بها المستشار.

فريق جديد على
 رأس حزب الخضر
   إلى جانب هذه المشاكل الحالية والعاجلة التي تهم الحزب الاشتراكي الديمقراطي أكثر من الحزب الليبرالي الديمقراطي أو حزب الخضر، يواجه فريق الإدارة الجديد للخضر تحديًا كبيرًا. إنه تعويض رئيسين مشاركين تحمّلا مسؤولية وزارتين من أصعب الوزارات. لن يؤدي التحول البيئي للاقتصاد، الذي تديره وزارة روبرت هابيك، إلى النتائج المرجوة والمخططة قبل عدة سنوات؛ وسيخلق أولاً مشاكل وتكاليف هائلة. وبدون دعم قوي ومتواصل من قبل حزبه، سيفشل الوزير ونائب المستشار.
   في السياسة الخارجية، تدل الأزمة الحالية على الصعوبات التي تواجهها الوزيرة أنالينا بربوك في مواجهة مستشار له رأي، لكنه يجد صعوبة في اتخاذ موقف يؤطره الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي يطالب بأن تكون المستشارية في قلب السياسة الخارجية للبلاد. لكن من جانبهم، على الخضر تأكيد موقعهم داخل هذا التحالف وتنظيم أنفسهم لتحقيق النجاح -مع الاستجابة لمطالب أعضائهم ونشطائهم من الشباب الراديكاليين.

   هذه هي مهمة ريكاردا لانغ وأوميد نوريبور، الرئيسان المشاركان الجديدان للخضر، وهما ليسا نكرة. ريكاردا لانغ، 28 عامًا، تمثل، بالطبع، شباب حزب الخضر، وقد كانت رئيستهم. خبرتها في المقام الأول في مجال القضايا الاجتماعية، ولكن دورها الأهم سيكون ربط الناشطين الشباب للخضر، الذين يتظاهرون من أجل مطالبهم فيما يتعلق بحماية المناخ (“أيام الجمعة من أجل المستقبل”، اتفاقيات باريس)، والناشطات النسويات أيضًا، بإجراءات “حكومة التقدم” الجديدة. انها مطالبة بمنع الانفصال بين “قاعدة” نشطاء حزب الخضر، والتي هي، بحكم تعريفها، متنوعة ولا تحترم السلطات، وبين قادة حزبهم في الحكومة، الذين سيُدعون بالضرورة إلى الدفاع عن حلول وسط وتسويات.

   أوميد نوريبور، والذي شغل دور المتحدث باسم السياسة الخارجية لمجموعة الخضر في البوندستاغ، يمثل الجانب الدولي للخضر وجانب “تنوع المجتمع”. من دون أن يكون “ألمانيًا بيو” فهو أحد “مؤسسي” الحزب ومقربًا من الوزيرة بربوك. وكلاهما مكلف أيضًا بتمرين “استخلاص العبرة والتجربة” من الحملة الانتخابية لعام 2021، التي كانت ناجحة، بما انها قادت حزب الخضر إلى أفضل نتيجة له والوصول إلى السلطة في برلين، لكنها فشلت في إيصال أنالينا بربوك إلى المستشارية، وهو الهدف المعلن للحملة ولم يكن يبدو مستحيلًا على الإطلاق في ربيع وصيف عام 2021. وقد أعلن زعيم الحزب الجديد أن لحزب الخضر طموح، في 2025، أن نهدف إلى المركز الأول مرة أخرى -وبالتالي، الإطاحة بالمستشار الذي نصّبوه للتو.
    إنها مشاريع طموحة جدا لفريق الخضر الجديد. إن “ريكاردا وأوميد” لن يعملا مثل “أنالينا وروبرت”، فالمطلوب من هذا الفريق تحويل حزب معارض إلى حزب حكومي على المستوى الوطني وفي نفس الوقت استئناف المنافسة مع حزب المستشار، والذي تفوق عليه حزب الخضر لفترة طويلة عام 2021، حتى يتجاوزه مجددا.

عودة فريدريك ميرز إلى المسيحي الديمقراطي
    في نفس الوقت، في 29 يناير أيضًا، انتخب 1001 مندوبًا إلى مؤتمر الاتحاد المسيحي الديمقراطي، وهو الآن حزب المعارضة الرئيسي، فريدريش ميرز رئيسا جديدا لهم بنسبة 95 بالمائة تقريبًا من الأصوات، عبر الإنترنت وتم تأكيد النتيجة بالمراسلة بعد بضعة أيام. وكان أرمين لاشيت، المرشح الفاشل لمنصب المستشارية، قد استقال من هذا المنصب. بالنسبة للسيد ميرز، هذه هي المحاولة الثالثة منذ عام 2018 عندما استقالت أنجيلا ميركل من منصب زعيمة الحزب. وكان قد انتقد بشدة سياسة المستشارة، ووصف عام 2019 صورة حكومة ميركل 4 بأنها “كارثة».
   صحيح أنه ترك السياسة عام 2009 ليبني ثروته، من بين أمور أخرى، مع شركة التأمين أكسا، ولكن قبل كل شيء كمستشار إداري ومع صندوق الاستثمار الأمريكي بلاك روك.  لقد أقيل من منصبه كزعيم للمجموعة البرلمانية الاتحاد المسيحي الديمقراطي - الاتحاد المسيحي الاجتماعي من قبل أنجيلا ميركل عام 2002... وها هو يعود.

   أحاط نفسه بفريق من نواب الرئيس الشباب، وسيستأنف، في 15 فبراير، رئاسة المجموعة البرلمانية في البوندستاغ، مستبعدا، كما فعلت السيدة ميركل معه عام 2002، الرئيس الحالي، رالف برينكهاوس، الذي لا يرغب في المغادرة.
    مع فريدريش ميرز، الخطيب الممتاز، وكتلة الاتحاد المسيحي الديمقراطي - الاتحاد المسيحي الاجتماعي، هناك معارضة حقيقية في البوندستاغ. وكقائد لهذه المعارضة، سيستغل السنوات الأربع، حتى الانتخابات المقبلة، لمداواة جراح آخر عامين أو ثلاثة أعوام من النهاية البطيئة للميركلية التي خلفتها الصراعات الداخلية.

   وبهذا المزيج من الكبار والصغار، أصبح الاتحاد المسيحي الديمقراطي اليوم ورشة للتجديد السياسي. السيد ميرز، الذي يحظى بتقدير كبير من الجناح المحافظ في حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الذي إما تجنب أو رفض “الدمقرطة الاشتراكية” لحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي تحت قيادة أنجيلا ميركل، سيطلق تجديدًا لبرنامج الحزب.
   وقد عيّن كارستن لينيمان، 44 عامًا، رئيسا للجنة البرنامج، وهو أحد نواب رئيس الحزب الجدد وكان منذ سنوات الممثل الرشيق للشركات الصغرى والمتوسطة في الاتحاد المسيحي الديمقراطي، القلب “البرجوازي” الكلاسيكي للحزب.

    نائب آخر لرئيس الاتحاد الديمقراطي المسيحي تجدر الإشارة إليه: أندرياس يونغ، من ولاية بادن فورتمبيرغ، شديد الالتزام بالعلاقات الفرنسية الألمانية. في الواقع، انه بمعية النائب الفرنسي كريستوف أرند، الرئيس المشارك لمكتب الجمعية البرلمانية الفرنسية الألمانية، البرلمان ثنائي القومية الوحيد. اما الأمين العام الجديد، ماريو زاجا، فهو ممثل شاب لـ “اللجان الاجتماعية” في الاتحاد المسيحي الديمقراطي، تياره النقابي. كما سيتحرك المسيحيون الديموقراطيون الألمان أيضا.
   يبقى أن نلاحظ أنّ اليمين المتطرف لحزب البديل من أجل ألمانيا يغرق بشكل متزايد في التطرف الفاشي. رئيسه المشارك، يورغ ميوثن، وهو عضو في البرلمان الأوروبي، زاد منسوب الاضطرابات السياسية في ألمانيا من خلال استقالته من منصبه وترك الحزب، الذي يقول إنه يشكل خطرًا على الديمقراطية في ألمانيا.
مستشار سابق لحلف الناتو.