أوكرانيا وروسيا وإسرائيل وإيران.. ورحلة البحث عن المغزى

أوكرانيا وروسيا وإسرائيل وإيران.. ورحلة البحث عن المغزى


قال الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي جورج فريدمان إن الهجوم الأوكراني بالطائرات المسيّرة على روسيا مطلع هذا الشهر، والهجوم الإسرائيلي على إيران ، يتقاسمان عدداً من النقاط المثيرة للانتباه.
وأوضح الكاتب في تحليله بموقع «جيوبولتيكال فيوتشرز» البحثي الأمريكي أن الهجومين شُنّا في سياق مفاوضات بين الولايات المتحدة والدول المستهدَفة، روسيا وإيران، لم تُسفِر عن أي نتائج قبل انتهاء المهلة التي حدّدتها واشنطن. واعتمد الهجومان بشكلٍ كبير على عمليات استخباراتية سرية بالغة التعقيد.
وأضاف الكاتب «لا يبدو أن الولايات المتحدة شاركت مباشرةً في أي من الهجومين، غير أنه في حالة إسرائيل، أُبلغَت واشنطن مسبقاً ومَنحَت إسرائيل موافقتها، بل وشاركت في تشكيل العملية بمنع اغتيال قائد إيران. أما في حالة أوكرانيا، فما تزال التفاصيل غير واضحة، لكن من المستبعد أن تكون واشنطن غافلةً عن الخطة».
وتابع الكاتب «كانت الغاية من  الهجومين تحقيق هدف مزدوج، وهو تدمير أصل إستراتيجي، طائرات روسية بعيدة المدى ومنشآت نووية إيرانية، وإرباك العدو عن طريق اختراق عمقه بعناصر خفية، ما يثير القلق بشأن احتمال وجود عناصر أخرى ما زالت فاعلة».
واقتصر الرد في الحالتين على ضربات مكثفة باستخدام الطائرات دون طيار. ولم يتْبَع أي من الهجومين غزو بري أو عسكري تقليدي.

البحث عن مغزى
ورغم وضوح أوجه الشبه بين الهجومين، يقول الكاتب، إن مغزى أوجه الشبه تلك لا يبدو واضحاً بالقدر ذاته، ويستدعي التريث والتحليل. 
من منظور السياسة الأمريكية، تكشف هذه العمليات عن عدة مؤشرات. أولها أنَّ واشنطن ما متورطة بشدةٍ في هذه الصراعات، أيْ أن رغبتها في تقليص المشاركة العالمية لا تعني تخليها تماماً عن دورها الدولي. فللولايات المتحدة مصالح حيوية في أوروبا، والشرق الأوسط، لكنها باتت تفضّل نهجاً محدوداً في التدخل المباشر. 
ففي حالة إسرائيل، فكانت أمريكا مطّلعة على العملية مسبقاً ووضعت لها قيوداً، أما في حالة أوكرانيا، فلم تعلن علمها المسبق، لكن بالنظر إلى حجم العملية وما أُفصِحَ عنه من دعم استخباراتي عام، فإن هذا النفي لا يبدو مقنعاً.
وفي كلتا الحالتين، كانت للولايات المتحدة مصلحة إستراتيجية تسعى لتحقيقها بالوسائل الدبلوماسية. وفي الحالتين أيضاً، شكّل العجز عن التوصل إلى تفاهم قابل للتطبيق ضمن إطار زمني محدد مقدمةً للهجمات.  ومن ثمَّ نلاحظ أمرين من الجانب الأمريكي، هناك اهتمام حقيقي بالتوصل إلى تسويات مع دولتين مختلفتين كل الاختلاف، وهما إيران وروسيا. وإذا فشلت تلك الجهود، فإن واشنطن توافق على تنفيذ إجراءات كبيرة من قِبل الدول المعنية بالمخاطر مباشرةً، وتشاطرها المعلومات الاستخباراتية وتزوّدها بالأسلحة، دون أن تتورط بنفسها في القتال علناً. 
  الاعتماد على العمليات السرية
من وجهة النظر العسكرية، يضيف الكاتب، تُعدُّ زيادة الاعتماد على العمليات الخفية تطوراً مهماً «لست متأكداً من حجم الدور الذي أدّته العناصر الميدانية مقارنةً باستخبارات الإشارات. 
وقد تكون التأكيدات على أهمية الاستخبارات البشرية في تحديد الأهداف الجوية مجرد محاولة للتغطية على هشاشة التكنولوجيا المعاصرة، كسهولة تتبّع موقعك عبر جهاز الكمبيوتر المحمول. وفي كل الأحوال، بات من الواضح أن طبيعة الحروب تشهد تحوّلاً متسارعاً، وأن نمط الحروب التقليدية الشاملة يفقد صلاحيته شيئاً فشيئاً».
ومضى الكاتب يقول: «اتّبعتُ هذا المنهج في تحليل ما يجري في الشرق الأوسط لأن الصدام كان متوقّعاً، ولم يُفضِ إلى نتائج كبيرة. إن استحالة إخفاء تطوير الأسلحة النووية، سواء من قِبل إيران أو سواها من الدول، تُعزى إلى الإشعاع النووي الذي يستحيل التستر عليه.
 فلم يكن من الممكن أن تمر هذه الأنشطة دون رصد، أو أن تسمح إسرائيل أو الولايات المتحدة بتشغيل تلك المنشآت». 
ورأى الكاتب أن الوضع في أوكرانيا يبدو لافتاً للأنظار بقدرٍ أكبر. فقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عزمه على الردّ على الهجوم الأوكراني، الذي تمثَّلَ في عملية سرية ضخمة ومتكاملة. فإيصال طائرات مسيّرة إلى عمق سيبيريا لا يمكن أن يتم عن طريق رسالة هاتفية هكذا ببساطة. 

تحولات في طبيعة الحروب
وبعد هذا الإخفاق الاستخباراتي والأمني الكبير، يُفترَض أن يتحرك بوتين، لكنه حتى هذه اللحظة لم يفعل. والسبب، في أي الكاتب، هو أن بوتين لا يعلم بعد إذا كان الأوكرانيون قد دسوا مفاجآت أخرى في الداخل الروسي. وعلى عكس إيران، حيث كانت النتيجة محسومة سلفاً، فإن مستقبل التحرك الروسي لا يزال محتملاً ومتوقعاً.
واختتم الكاتب تحليله بالقول: «في تقديري الشخصي، لا تكمن الأهمية الكبرى في النتائج الجيوسياسية لهذه التطورات، بل فيما تعكسه من تحوّلات في طبيعة الحروب وتصرفات الولايات المتحدة التي لا تفتأ تتغير وتتبدل».