رئيس الدولة ومحمد بن راشد يبحثان جهود تعزيز التنمية الوطنية والازدهار الذي يحققه الاقتصاد الوطني
بايدن في جولة أوروبية ثانية
إلى أي مدى ترتهن أوروبا وفرنسا حقًا إلى العمّ سام...؟
انطلق جو بايدن في جولة أوروبية كبرى. عند انتخابه أثار الآمال في استعادة شهر العسل بعد رئاسة ترامب، لكن الأشهر العشرة الأولى من حكمه أضعفت تلك الآمال.
سيريل بريت، الأستاذ المحاضر في معهد الدراسات السياسية في باريس، وجيرالد أوليفييه الباحث المشارك في معهد الاستشراف والأمن بأوروبا، يفككان لموقع “اتلنتكو” طبيعة وواقع العلاقة الإشكالية بين أوروبا والولايات المتحدة وكيف يجب أن تكون. وفي ما يلي ترجمة لهذا الحوار المزدوج مع الباحثين:
*بدأ جو بايدن جولة دبلوماسية جديدة في أوروبا. وكما كتب جيل باريس في صحيفة لوموند، “ بشّر جو بايدن بعودة الزعامة الأمريكية، لكنها عودة بطيئة في الظهور”.
هل هذه فرصة للاتحاد الأوروبي لقبول فكرة الانسحاب الأمريكي اللامبالي من القارة العجوز؟ وما مدى قوة خيبة الأمل بعد 10 أشهر من رئاسة بايدن؟
- سيريل بريت: في عام واحد، انتقل الأوروبيون من الحماس المفرط إلى المرارة اليائسة من رئاسة بايدن. في خريف عام 2019، تمنى الأوروبيون بكل جوارحهم انتخاب جو بايدن ضد الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب.
وأفسح الأمل الطريق الى الارتياح والانفراج خلال الفترة الانتقالية بين نوفمبر ويناير، اذ سبق ان وعد المرشح بايدن باحترام حلفائه الأوروبيين والآسيويين طوال حملته الانتخابية.
لقد كنت أشرت إلى ان الآمال المعلقة على جو بايدن مبالغ فيها. صحيح ان جو بايدن ألطف بكثير من دونالد ترامب، وتعلقه بالرابط الأطلسي حقيقي، ومع ذلك، مثل أي رئيس أمريكي، فإن هدفه الأساسي هو الدفاع عن المصالح القومية الأمريكية وتعزيزها، وليس مصالح الأوروبيين.
ستكون جولة بايدن الخريفية في أوروبا مختلفة تمامًا عن جولته الربيعية حيث التقى برؤساء دول وحكومات الناتو والاتحاد الأوروبي. اليوم، رأى الأوروبيون أن عودة الولايات المتحدة للشؤون العالمية ستركز على آسيا وستعطي الأولوية للتنافس مع الصين. وعليهم أن يقرروا مواجهة ما هو واضح: رئاسة بايدن لا تنوي الاستثمار أكثر من اللازم في المجالات والقضايا التي تهم الأوروبيين بشكل أساسي: العلاقات مع روسيا ، وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وزعزعة الاستقرار في شمال أفريقيا ... ومع ذلك، فإن نهاية شهر العسل تأتي في وقت لا يفضي إلى مثل هذا الوعي: فمن ناحية ، الانتقال الحكومي الجاري في برلين، يترك ألمانيا بلا صوت حقيقي على الساحة الدولية، ومن ناحية أخرى، تدخل فرنسا في انتخابات وبالتالي ستكون أقل انفتاحا على الخارج ، وأخيراً تواصل العديد من الحكومات الأوروبية رعاية أوهام أطلسية لا أساس لها من الصحة، مثل بولندا.
إن خيبة الأمل اليوم قوية في باريس أو برلين، لكن لا يمكن أن تُترجم إلى وعي أوروبي عام.
- جيرالد أوليفييه: عندما يتحدث بايدن عن عودة الولايات المتحدة إلى الساحة الدولية، فإنه يتحدث في الحقيقة عن عودة إلى الهيئات الدولية. وتعني خاصة العودة إلى اتفاقية باريس للمناخ، وإمكانية إعادة الاتفاق النووي مع إيران، أو حتى إعادة دمج الولايات المتحدة في منظمة الصحة العالمية.
يريد بايدن أن تعود الولايات المتحدة إلى اللعبة الدولية وتؤكد دبلوماسيتها بدلاً من قوتها العسكرية. هذه العودة إلى الساحة الدبلوماسية مصحوبة بانسحاب مستمر من الميدان العسكري. والخروج المتسرع من أفغانستان مثال على ذلك. لم تعد الولايات المتحدة تنوي أن تكون شرطي العالم وترسل جنودها للقتال بعيدًا عن الأمريكيتين.
لقد حان الوقت لكي يدرك الأوروبيون، أن الحرب الباردة قد انتهت منذ ثلاثين عامًا، وأنه في الوقت الذي تنسحب فيه الولايات المتحدة من بعض المسارح، فإنه بات عليهم انتهاز الفرصة للابتعاد والتحرر من الولايات المتحدة. أي ان يقوم الأوروبيون أخيرًا ببناء أوروبا الدفاع التي يتحدثون عنها منذ ثلاثين عاما. لكن التجارب السابقة، تشير إلى أنه لن يتحقق شيء من هذا، فحماية الناتو عمليّة للغاية، ورخيصة جدًا حتى يتخلوا عنها.
جدد الرئيس الأمريكي جو بايدن أيضًا التزام الولايات المتحدة في إطار المادة 5 من ميثاق الناتو، وهو التزام شكك فيه دونالد ترامب لبعض الوقت، ويشعر الأوروبيون بالاطمئنان التام.
*إلى أي مدى يمكن للاتحاد الأوروبي أن يستغني عن الولايات المتحدة؟
سيريل بريت: الولايات المتحدة حليف مثالي للأوروبيين لمواجهة مختلف التحديات المعاصرة. إن تداخل الاقتصادات الأوروبية والأمريكية، وقرب الأنظمة السياسية، والافتتان الثقافي المتبادل، والتبادل المتعدد بين المجتمعات المدنية، قد خلقت روابط قوية للغاية بين ضفتي الأطلسي على مدى قرنين من الزمان.
في المقابل، فإن النزوع الأطلسي المفرط، يبالغ في تقدير “الحاجة إلى أمريكا” من قبل الأوروبيين. اعتمد الأوروبيون بشكل كبير على الولايات المتحدة في الثورة الرقمية ويستمرون في الاعتماد على شركات “غافام” في العديد من البنى التحتية والخدمات في هذا المجال. وبالمثل، في المجال العسكري، وضعت العديد من الدول الأوروبية ثقتها في الحماية الأمريكية أكثر تقريبًا من ثقتها في قواتها المسلحة... وهذا هو الحال أيضًا بالنسبة لألمانيا وبولندا وجمهورية التشيك.
وعندما يتعلق الأمر بـ “الحاجة لأمريكا”، يجب التمييز بين الارتهان والاعتماد غير العقلاني وأوجه التقارب الحقيقية. يحتاج الأوروبيون اليوم إلى الولايات المتحدة في العديد من المجالات التكنولوجية والعسكرية والمالية، لكنهم أيضًا بحاجة ماسة إلى إدراك عدم تناسق العلاقة مع واشنطن. كانت أولويات أمريكا منذ رئاسة أوباما في آسيا، وليس أوروبا، وإن انتظار كل شيء من واشنطن هو أقصر طريق إلى المرارة الجيوسياسية.
- جيرالد أوليفييه: لا يستطيع الاتحاد الأوروبي الاستغناء عن الولايات المتحدة، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية. وبصرف النظر عن دول الاتحاد الأوروبي، فإن الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الرئيسي للعديد من الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا.
ان السوق الأمريكية والسوق الأوروبية هما أكبر سوقين عالميين، بين أغنى كتلتين على هذا الكوكب.
إنها علاقة اقتصادية مميزة وأساسية، مقترنة بعلاقة ثقافية واستراتيجية.
أما على الجبهة الدفاعية، فإن الاعتماد على الحماية الأمريكية أرخص بكثير بالنسبة للدول الأوروبية من تمويل الحماية الخاصة ذاتيّا. فرنسا هي القوة العسكرية الحقيقية الوحيدة في أوروبا القارية “باستثناء روسيا بالطبع، لكن هذه الأخيرة تحتل الفضاء الأوراسي».
*اقتصاديًا، بفضل سوقه الداخلي، ما مدى حاجة الاتحاد الأوروبي إلى العالم الخارجي والولايات المتحدة على وجه الخصوص؟
- سيريل بريت: التجارة ليست فقط ركيزة أساسية للعلاقة عبر الأطلسي، وانما أيضًا أحد محركات الاقتصاد العالمي لأنها تمثل أكثر من 40 بالمائة من التجارة العالمية عام 2021. كما أنها توفر 8 ملايين فرصة عمل، وفي غاية التنوع. ولضمان استقلاليتها الاستراتيجية في المجالات العسكرية والطبية وتكنولوجيا المعلومات، لا تحتاج أوروبا إلى التخلي عن صادراتها ووارداتها إلى الولايات المتحدة بشكل عام، وبدل ذلك، يجب أن تحمي بعض مصالحها الرئيسية. وفي المسائل الرقمية، يجب عليها اللحاق بحزم عن طريق الضرائب المفروضة على “غافام”، ولكن قبل كل شيء الاستثمار الداخلي. أما في المجال القانوني، يجب على الأوروبيين أيضًا مواجهة الطموح الأمريكي لفرض جميع معاييرهم خارج أراضيهم. ويحتاج الأوروبيون إلى استراتيجيات قطاعية مستهدفة، وليست حمائية واسعة النطاق –لان هذه الاخيرة ستكون على حسابهم اذ تحرمهم من سوق يتمتعون فيها بمواقع قوية.
- جيرالد أوليفييه: نحن في عالم معولم، بلد يطمح إلى موقع قوة لا يمكن أن يرضى بالعلاقات الإقليمية. الولايات المتحدة وأوروبا شريكان رئيسيان. الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأكبر لأوروبا. إنها زبون رئيسي لألمانيا، خاصة في صناعة السيارات والإلكترونيات. أوروبا والولايات المتحدة هما الأكثر تطوراً وأغنى كتلتين في العالم، لذلك فهما بحاجة إلى علاقة عمل سلمية ومفتوحة. تمثل أوروبا أيضًا كمية كبيرة من الصادرات الأمريكية. فرنسا هي الزبون الخامس للولايات المتحدة فقط، لكنها تظل من الشركاء المهمين للغاية.
*عسكريا، ما هي حاجة أوروبا للولايات المتحدة؟ هل يجب تمييز قدرتها على الرد على التهديدات على أراضيها، على سبيل المثال ضد روسيا، من قدرتها على الانتشار في مسارح العمليات الخارجية؟
- سيريل بريت: في هذا المجال، يحتاج الأوروبيون خاصة إلى تطوير أهدافهم الاستراتيجية، وقدراتهم الخاصة، وعملياتهم الخاصة. إن قدرات الانتشار والامتداد الخارجي لأمريكا لا تضاهى من حيث الكم والنوع. لكن الأوروبيين عالقون في حلقة مفرغة: فكلما زاد اعتمادهم على الولايات المتحدة قلّ اعتمادهم على أنفسهم.
- جيرالد أوليفييه: عسكريا، أوروبا بحاجة إلى الولايات المتحدة بنسبة 100 بالمائة. لا يوجد جيش أوروبي، وقدرات الانتشار الأوروبية محدودة للغاية. وللولايات المتحدة نوع من الاحتقار للجيوش الأوروبية، باستثناء الجيش الفرنسي. ومهما كانت العلاقات بين فرنسا والولايات المتحدة، هناك احترام حقيقي من جانب الجيش الأمريكي تجاه نظيره الفرنسي، لأنه يدرك درايته وخبراته على الأرض وقدراته على التكيف.
إذا اعتبرنا أنه لا يزال هناك فضاء يمكننا تسميته بـ “العالم الغربي”، الذي تشترك دوله في قيم معينة مثل الارتباط باقتصاد السوق، واحترام الحريات الفردية، وفكرة حكم الشعب من قبل الشعب، على عكس الدول السلطوية أو الشمولية، مثل روسيا أو الصين، يمكننا إذن تصور مقاربة مشتركة بين الولايات المتحدة وأوروبا في مواجهة هؤلاء الخصوم. وهذا بالضبط ما تريده الولايات المتحدة، الا ان أوروبا لا ترى الأشياء بنفس الطريقة، وتعتبر، على سبيل المثال، الصين كشريك في المستقبل، يمكن أن يسمح لها بكسب مال وفير، وبالتالي لا تعتبرها خصمًا وجوديًا. في المقابل، ما يُعاب على الولايات المتحدة، هو ميلها إلى عدم أخذ الدول الأوروبية في الاعتبار. في مطلع الالفين، أنشأت الولايات المتحدة تحالفًا سياسيًا وعسكريًا مع أستراليا والهند واليابان، وعينها على منطقة المحيطين الهندي والهادئ. هذا التحالف الرباعي لا يزال قائما. وكان المنطق يُملي أن تُدعى فرنسا، وهي قوة شرعية في المحيطين الهندي والهادئ بحكم مواقعها ما وراء البحار، لتكون شريكًا في هذا التحالف... لم يحدث ذلك. نفس الشيء الآن مع اوكوس! لقد انسحبت الولايات المتحدة إلى العالم “الأنجلو ساكسوني” متجاهلة شركاءها الشرعيين في أوروبا القارية. وهذا خطأ استراتيجي يخفي أيضًا المنافسات الاقتصادية. كان على الأمريكيين أن يدرجوا فرنسا في هذه الاتفاقية لكنهم لم يفعلوا ذلك، لأن فرنسا منافس في سوق مبيعات الأسلحة، وهي قوة نووية مستقلة، ونادرًا ما يسير الفرنسيون على إيقاع الخطوة الأمريكية….
عن اتلانتيكو
سيريل بريت، الأستاذ المحاضر في معهد الدراسات السياسية في باريس، وجيرالد أوليفييه الباحث المشارك في معهد الاستشراف والأمن بأوروبا، يفككان لموقع “اتلنتكو” طبيعة وواقع العلاقة الإشكالية بين أوروبا والولايات المتحدة وكيف يجب أن تكون. وفي ما يلي ترجمة لهذا الحوار المزدوج مع الباحثين:
*بدأ جو بايدن جولة دبلوماسية جديدة في أوروبا. وكما كتب جيل باريس في صحيفة لوموند، “ بشّر جو بايدن بعودة الزعامة الأمريكية، لكنها عودة بطيئة في الظهور”.
هل هذه فرصة للاتحاد الأوروبي لقبول فكرة الانسحاب الأمريكي اللامبالي من القارة العجوز؟ وما مدى قوة خيبة الأمل بعد 10 أشهر من رئاسة بايدن؟
- سيريل بريت: في عام واحد، انتقل الأوروبيون من الحماس المفرط إلى المرارة اليائسة من رئاسة بايدن. في خريف عام 2019، تمنى الأوروبيون بكل جوارحهم انتخاب جو بايدن ضد الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب.
وأفسح الأمل الطريق الى الارتياح والانفراج خلال الفترة الانتقالية بين نوفمبر ويناير، اذ سبق ان وعد المرشح بايدن باحترام حلفائه الأوروبيين والآسيويين طوال حملته الانتخابية.
لقد كنت أشرت إلى ان الآمال المعلقة على جو بايدن مبالغ فيها. صحيح ان جو بايدن ألطف بكثير من دونالد ترامب، وتعلقه بالرابط الأطلسي حقيقي، ومع ذلك، مثل أي رئيس أمريكي، فإن هدفه الأساسي هو الدفاع عن المصالح القومية الأمريكية وتعزيزها، وليس مصالح الأوروبيين.
ستكون جولة بايدن الخريفية في أوروبا مختلفة تمامًا عن جولته الربيعية حيث التقى برؤساء دول وحكومات الناتو والاتحاد الأوروبي. اليوم، رأى الأوروبيون أن عودة الولايات المتحدة للشؤون العالمية ستركز على آسيا وستعطي الأولوية للتنافس مع الصين. وعليهم أن يقرروا مواجهة ما هو واضح: رئاسة بايدن لا تنوي الاستثمار أكثر من اللازم في المجالات والقضايا التي تهم الأوروبيين بشكل أساسي: العلاقات مع روسيا ، وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وزعزعة الاستقرار في شمال أفريقيا ... ومع ذلك، فإن نهاية شهر العسل تأتي في وقت لا يفضي إلى مثل هذا الوعي: فمن ناحية ، الانتقال الحكومي الجاري في برلين، يترك ألمانيا بلا صوت حقيقي على الساحة الدولية، ومن ناحية أخرى، تدخل فرنسا في انتخابات وبالتالي ستكون أقل انفتاحا على الخارج ، وأخيراً تواصل العديد من الحكومات الأوروبية رعاية أوهام أطلسية لا أساس لها من الصحة، مثل بولندا.
إن خيبة الأمل اليوم قوية في باريس أو برلين، لكن لا يمكن أن تُترجم إلى وعي أوروبي عام.
- جيرالد أوليفييه: عندما يتحدث بايدن عن عودة الولايات المتحدة إلى الساحة الدولية، فإنه يتحدث في الحقيقة عن عودة إلى الهيئات الدولية. وتعني خاصة العودة إلى اتفاقية باريس للمناخ، وإمكانية إعادة الاتفاق النووي مع إيران، أو حتى إعادة دمج الولايات المتحدة في منظمة الصحة العالمية.
يريد بايدن أن تعود الولايات المتحدة إلى اللعبة الدولية وتؤكد دبلوماسيتها بدلاً من قوتها العسكرية. هذه العودة إلى الساحة الدبلوماسية مصحوبة بانسحاب مستمر من الميدان العسكري. والخروج المتسرع من أفغانستان مثال على ذلك. لم تعد الولايات المتحدة تنوي أن تكون شرطي العالم وترسل جنودها للقتال بعيدًا عن الأمريكيتين.
لقد حان الوقت لكي يدرك الأوروبيون، أن الحرب الباردة قد انتهت منذ ثلاثين عامًا، وأنه في الوقت الذي تنسحب فيه الولايات المتحدة من بعض المسارح، فإنه بات عليهم انتهاز الفرصة للابتعاد والتحرر من الولايات المتحدة. أي ان يقوم الأوروبيون أخيرًا ببناء أوروبا الدفاع التي يتحدثون عنها منذ ثلاثين عاما. لكن التجارب السابقة، تشير إلى أنه لن يتحقق شيء من هذا، فحماية الناتو عمليّة للغاية، ورخيصة جدًا حتى يتخلوا عنها.
جدد الرئيس الأمريكي جو بايدن أيضًا التزام الولايات المتحدة في إطار المادة 5 من ميثاق الناتو، وهو التزام شكك فيه دونالد ترامب لبعض الوقت، ويشعر الأوروبيون بالاطمئنان التام.
*إلى أي مدى يمكن للاتحاد الأوروبي أن يستغني عن الولايات المتحدة؟
سيريل بريت: الولايات المتحدة حليف مثالي للأوروبيين لمواجهة مختلف التحديات المعاصرة. إن تداخل الاقتصادات الأوروبية والأمريكية، وقرب الأنظمة السياسية، والافتتان الثقافي المتبادل، والتبادل المتعدد بين المجتمعات المدنية، قد خلقت روابط قوية للغاية بين ضفتي الأطلسي على مدى قرنين من الزمان.
في المقابل، فإن النزوع الأطلسي المفرط، يبالغ في تقدير “الحاجة إلى أمريكا” من قبل الأوروبيين. اعتمد الأوروبيون بشكل كبير على الولايات المتحدة في الثورة الرقمية ويستمرون في الاعتماد على شركات “غافام” في العديد من البنى التحتية والخدمات في هذا المجال. وبالمثل، في المجال العسكري، وضعت العديد من الدول الأوروبية ثقتها في الحماية الأمريكية أكثر تقريبًا من ثقتها في قواتها المسلحة... وهذا هو الحال أيضًا بالنسبة لألمانيا وبولندا وجمهورية التشيك.
وعندما يتعلق الأمر بـ “الحاجة لأمريكا”، يجب التمييز بين الارتهان والاعتماد غير العقلاني وأوجه التقارب الحقيقية. يحتاج الأوروبيون اليوم إلى الولايات المتحدة في العديد من المجالات التكنولوجية والعسكرية والمالية، لكنهم أيضًا بحاجة ماسة إلى إدراك عدم تناسق العلاقة مع واشنطن. كانت أولويات أمريكا منذ رئاسة أوباما في آسيا، وليس أوروبا، وإن انتظار كل شيء من واشنطن هو أقصر طريق إلى المرارة الجيوسياسية.
- جيرالد أوليفييه: لا يستطيع الاتحاد الأوروبي الاستغناء عن الولايات المتحدة، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية. وبصرف النظر عن دول الاتحاد الأوروبي، فإن الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الرئيسي للعديد من الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا.
ان السوق الأمريكية والسوق الأوروبية هما أكبر سوقين عالميين، بين أغنى كتلتين على هذا الكوكب.
إنها علاقة اقتصادية مميزة وأساسية، مقترنة بعلاقة ثقافية واستراتيجية.
أما على الجبهة الدفاعية، فإن الاعتماد على الحماية الأمريكية أرخص بكثير بالنسبة للدول الأوروبية من تمويل الحماية الخاصة ذاتيّا. فرنسا هي القوة العسكرية الحقيقية الوحيدة في أوروبا القارية “باستثناء روسيا بالطبع، لكن هذه الأخيرة تحتل الفضاء الأوراسي».
*اقتصاديًا، بفضل سوقه الداخلي، ما مدى حاجة الاتحاد الأوروبي إلى العالم الخارجي والولايات المتحدة على وجه الخصوص؟
- سيريل بريت: التجارة ليست فقط ركيزة أساسية للعلاقة عبر الأطلسي، وانما أيضًا أحد محركات الاقتصاد العالمي لأنها تمثل أكثر من 40 بالمائة من التجارة العالمية عام 2021. كما أنها توفر 8 ملايين فرصة عمل، وفي غاية التنوع. ولضمان استقلاليتها الاستراتيجية في المجالات العسكرية والطبية وتكنولوجيا المعلومات، لا تحتاج أوروبا إلى التخلي عن صادراتها ووارداتها إلى الولايات المتحدة بشكل عام، وبدل ذلك، يجب أن تحمي بعض مصالحها الرئيسية. وفي المسائل الرقمية، يجب عليها اللحاق بحزم عن طريق الضرائب المفروضة على “غافام”، ولكن قبل كل شيء الاستثمار الداخلي. أما في المجال القانوني، يجب على الأوروبيين أيضًا مواجهة الطموح الأمريكي لفرض جميع معاييرهم خارج أراضيهم. ويحتاج الأوروبيون إلى استراتيجيات قطاعية مستهدفة، وليست حمائية واسعة النطاق –لان هذه الاخيرة ستكون على حسابهم اذ تحرمهم من سوق يتمتعون فيها بمواقع قوية.
- جيرالد أوليفييه: نحن في عالم معولم، بلد يطمح إلى موقع قوة لا يمكن أن يرضى بالعلاقات الإقليمية. الولايات المتحدة وأوروبا شريكان رئيسيان. الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأكبر لأوروبا. إنها زبون رئيسي لألمانيا، خاصة في صناعة السيارات والإلكترونيات. أوروبا والولايات المتحدة هما الأكثر تطوراً وأغنى كتلتين في العالم، لذلك فهما بحاجة إلى علاقة عمل سلمية ومفتوحة. تمثل أوروبا أيضًا كمية كبيرة من الصادرات الأمريكية. فرنسا هي الزبون الخامس للولايات المتحدة فقط، لكنها تظل من الشركاء المهمين للغاية.
*عسكريا، ما هي حاجة أوروبا للولايات المتحدة؟ هل يجب تمييز قدرتها على الرد على التهديدات على أراضيها، على سبيل المثال ضد روسيا، من قدرتها على الانتشار في مسارح العمليات الخارجية؟
- سيريل بريت: في هذا المجال، يحتاج الأوروبيون خاصة إلى تطوير أهدافهم الاستراتيجية، وقدراتهم الخاصة، وعملياتهم الخاصة. إن قدرات الانتشار والامتداد الخارجي لأمريكا لا تضاهى من حيث الكم والنوع. لكن الأوروبيين عالقون في حلقة مفرغة: فكلما زاد اعتمادهم على الولايات المتحدة قلّ اعتمادهم على أنفسهم.
- جيرالد أوليفييه: عسكريا، أوروبا بحاجة إلى الولايات المتحدة بنسبة 100 بالمائة. لا يوجد جيش أوروبي، وقدرات الانتشار الأوروبية محدودة للغاية. وللولايات المتحدة نوع من الاحتقار للجيوش الأوروبية، باستثناء الجيش الفرنسي. ومهما كانت العلاقات بين فرنسا والولايات المتحدة، هناك احترام حقيقي من جانب الجيش الأمريكي تجاه نظيره الفرنسي، لأنه يدرك درايته وخبراته على الأرض وقدراته على التكيف.
إذا اعتبرنا أنه لا يزال هناك فضاء يمكننا تسميته بـ “العالم الغربي”، الذي تشترك دوله في قيم معينة مثل الارتباط باقتصاد السوق، واحترام الحريات الفردية، وفكرة حكم الشعب من قبل الشعب، على عكس الدول السلطوية أو الشمولية، مثل روسيا أو الصين، يمكننا إذن تصور مقاربة مشتركة بين الولايات المتحدة وأوروبا في مواجهة هؤلاء الخصوم. وهذا بالضبط ما تريده الولايات المتحدة، الا ان أوروبا لا ترى الأشياء بنفس الطريقة، وتعتبر، على سبيل المثال، الصين كشريك في المستقبل، يمكن أن يسمح لها بكسب مال وفير، وبالتالي لا تعتبرها خصمًا وجوديًا. في المقابل، ما يُعاب على الولايات المتحدة، هو ميلها إلى عدم أخذ الدول الأوروبية في الاعتبار. في مطلع الالفين، أنشأت الولايات المتحدة تحالفًا سياسيًا وعسكريًا مع أستراليا والهند واليابان، وعينها على منطقة المحيطين الهندي والهادئ. هذا التحالف الرباعي لا يزال قائما. وكان المنطق يُملي أن تُدعى فرنسا، وهي قوة شرعية في المحيطين الهندي والهادئ بحكم مواقعها ما وراء البحار، لتكون شريكًا في هذا التحالف... لم يحدث ذلك. نفس الشيء الآن مع اوكوس! لقد انسحبت الولايات المتحدة إلى العالم “الأنجلو ساكسوني” متجاهلة شركاءها الشرعيين في أوروبا القارية. وهذا خطأ استراتيجي يخفي أيضًا المنافسات الاقتصادية. كان على الأمريكيين أن يدرجوا فرنسا في هذه الاتفاقية لكنهم لم يفعلوا ذلك، لأن فرنسا منافس في سوق مبيعات الأسلحة، وهي قوة نووية مستقلة، ونادرًا ما يسير الفرنسيون على إيقاع الخطوة الأمريكية….
عن اتلانتيكو