الإغلاق الكامل لهذه الأنابيب أمر لا يمكن تصوره

إيكونوميست: من يخسر أكثر لو قطعت روسيا الغاز عن أوروبا؟

إيكونوميست: من يخسر أكثر لو قطعت روسيا الغاز عن أوروبا؟


ماذا يحصل لو غزا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوكرانيا مجدداً، وفرض الغرب عقوبات على روسيا فردّت موسكو بإغلاق خط الأنابيب الذي ينقل الغاز إلى الغرب؟ أجابت مجلة “إيكونوميست” في تقريرها على هذا السؤال مشيرة إلى الاعتقاد السائد بأن الإغلاق الكامل لهذه الأنابيب أمام أوروبا، أمر لا يمكن تصوره. يرى مؤلف كتاب كليمات عن الطاقة الروسية ثاين غوستافسون أنه حتى في ذروة الحرب الباردة لم يقطع الاتحاد السوفياتي صادرات الغاز. وفي أعنف خلاف بين روسيا وأوكرانيا على الطاقة في 2009، قُطع الغاز الذي يتدفق فقط عبر أوكرانيا، وبشكل عابر.

بين الاتحاد
السوفييتي وروسيا
عكس أسلافه السوفييت، يمكن للرئيس الروسي تحمل كلفة صدمة صغيرة في الطاقة. يقول جايم كونشا من الناشر الصناعي إنرجي إنتليجنس، إنه دون احتساب أي عقوبات، على انتهاك العقود مثلاً، ومع افتراض استمرار متوسط السعر اليومي الذي سجل في الربع الرابع من 2021، سيكلف القطع الكامل للغاز عن أوروبا شركة غازبروم بين 203 و228 مليون دولار يومياً من العائدات الضائعة. لذلك، إذا استمرت هذه المقاطعة ثلاثة أشهر حيث يضمر نفوذ بوتين في الربيع، فإن الخسائر في المبيعات ستصل إلى 20 مليار دولار. إن خسارة بهذا الحجم كانت ستدمر الاقتصاد السوفياتي المتهالك. لكن لروسيا اليوم قرابة 600 مليار دولار من الاحتياطات في بنكها المركزي، وستكون قادرة بسهولة على تحمل ضربة مماثلة. حتى أن روسيا ستحقق مكاسب مالية، أقله في المدى القريب.
لقد أدى مجرد التلويح بالحرب على أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الغاز والنفط. ودون حرب، يتوقع بنك جي بي مورغان تشايس، أن تؤدي أسعار الغاز الأعلى إلى جني غازبروم أكثر من 90 مليار دولار من إجمالي أرباح التشغيل هذه السنة بالمقارنة مع 20 مليار دولار في 2019.

الدول الأكثر تضرراً
إذا كان قطع تدفق الغاز إلى أوروبا محصوراً في الذي يمر عبر أوكرانيا كما في 2009، فستتدبر أوروبا أمورها. والسؤال الأساسي هو ما الذي سيحصل إذا قطع بوتين الغاز عن كل أوروبا.
ستكون بعض العرقلة الفورية مرجحة بشكل غير مفاجئ. أكثر الدول التي ستشعر بحدة ذلك هي سلوفاكيا، والنمسا، وأجزاء من إيطاليا حسب ديفيد فيكتور من جامعة كاليفورنيا.
ومن بين الدول الكبرى، فإن ألمانيا هي الأكثر هشاشة. وبسبب ضغطها لإحالة منشآت الطاقة العاملة على الفحم إلى التقاعد استناداً إلى سياستها المناخية، وبسبب قرارها المتعجل بإغلاق منشآت الطاقة النووية قبل الأوان، عقب كارثة فوكوشيما، تبقى ألمانيا أكثر اعتماداً على الغاز، مما تقتضيه حاجتها. إنها أكبر مستهلك للغاز في أوروبا، بربع الاستهلاك الإجمالي للطاقة في تلك القارة. وتوفر روسيا نصف واردات الغاز الألمانية.

أنباء جيدة
تابعت المجلة أن الديبلوماسيين الأوروبيين والأمريكيين يسعون جاهدين لتأمين زيادة في إنتاج الغاز المسال من الشركات الكبرى في أمريكا وقطر، لكن معظم هذه الجهود عبارة عن استعراض سياسي. يعتقد مايكل ستوبارد من شركة الأبحاث آي أتش أس ماركت أن هناك القليل من الطاقة الإنتاجية الفائضة خارج روسيا، وأن إمدادات “الاستجابة السريعة” في أمريكا لا تستطيع مساعدة أوروبا كثيراً لأن “مرافق التصدير تعمل فعلاً بكامل طاقتها».
ولكن الأنباء الجيدة هي أن نظام الطاقة في أوروبا أكثر مرونة مما كان عليه في 2009. وأشار أندرياس غولدثو من جامعة بوتسدام الألمانية، إلى بعض التغيرات المفيدة.
إن الإجراءات المؤيدة للمنافسة مثل منع البنود التي تحظر إعادة بيع الغاز أضعفت قبضة غازبروم. وتربط شبكة كثيفة من وصلات الغاز الدول التي كانت معزولة سابقاً.

أفضل أمل
الغاز الطبيعي المسال هو مصدر آخر للفرحة، تعني الاستثمارات الكبيرة في منشآت إعادة تسييل الغاز على امتداد أوروبا أن للمنطقة الكثير من القدرات الخاملة. تقدر مجموعة سيتي غروب أنه مع معدلات استخدام تاريخية لتلك المرافق التي تعمل بـ50% من قدراتها أو أقل، بإمكان المنطقة نظرياً، التعامل مع ما يكفي لاستبدال ثلثي وارداتها من الغاز الروسي.
ولذلك، فإن العامل المقيد ليس القدرة على إعادة تسييل الغاز بل في الإمدادات المتاحة من الغاز الطبيعي المسال. والنظر إلى أن توسيع قدرة الإنتاج والتصدير الجديدة سيستغرق وقتاً طويلاً، سيكون أفضل أمل لأوروبا للحصول على شحنات الغاز الطبيعي المسال الموجودة حالياً والتي كانت متوجهة أصلاً إلى أماكن أخرى. يلاحظ أحد المستثمرين أنه حين ارتفعت أسعار الغاز ثلاث مرات في أوروبا بين أكتوبر (تشرين الأول) وديسمبر (كنون الأول) 2021، توجه أسطول من ناقلات الغاز المسال إلى أوروبا، بعد تحويل الشحنات من آسيا. عوض هذا التدفق انخفاض في واردات الغاز الروسية. وتشير شائعات السوق إلى أن أسطولاً جديداً يتوجه إلى أوروبا. وتتطلع شركات صينية للطاقة مملوكة للدولة إلى أرباح سريعة بعد ارتفاع أسعار الغاز وتبحث عن بيع عشرات الشحنات من الغاز الطبيعي المسال.
يضيف ماسيمو دي أودواردو من شركة وود ماكينزي للاستشارات أن المسار من أمريكا إلى أوروبا أقصر من المسار نحو آسيا، فإن إمكان ناقلات الغاز الطبيعي المسال إنجاز عدد أكبر من الرحلات ما يؤدي إلى ضغط 10% إضافية تقريباً في القدرة التصديرية إلى أوروبا.
وفي الإجمال، يُعتقد أن شحنات الغاز الطبيعي المسال يمكن أن تعوض 15% من النقص الذي قد ينجم عن قطع روسي للغاز بشكل كامل.

عامل مرونة إضافي
ويكمن مصدر آخر للمرونة، في حجم الغاز المخزن. أدى الشتاء القارس السنة الماضية، وتلكؤ شركة غازبروم في ملء خزاناتها في أوروبا، إلى ترك تخزين الغاز عند مستويات أقل من المعتاد 5 أعوام. ومع ذلك، ووفق حسابات شركة ريستاد لأبحاث الطاقة، فإن استمراراً للطقس العادي هذا الشتاء سيترك ما يكفي من الغاز في الخزانات، بحلول الربيع لتعويض شهرين من صادرات الغاز الروسي الضائعة.
ويعتقد بعض المحللين أن الزيادة قد تغطي أربعة أشهر من الانقطاع في الغاز، لكن موجة برد قد تقلص هذه الحماية سريعاً.

سلاح سري
لأوروبا سلاح سري أيضاً. يشير دي أودواردو إلى الخزانات الأوروبية الهائلة التي لا تلقى تغطية إعلامية كبيرة، من غاز الأساس أو غاز الحماية، ولأسباب تقنية وأمنية، يصر المنظمون على أن تحافظ وحدات التخزين مثل كهوف الملح وبعض الصخور التي تحتضن المياه الجوفية على كميات ضخمة من الغاز غير متاحة عادة للاستخدام في الأسواق. ويشير المحللون في وود ماكينزي إلى أن عُشر هذه الكميات قابل للاستخدام دون مشاكل. إذا سمح المنظمون بذلك، كما في أزمة ناجمة عن الحرب، فستفوق الكمية بشكل كبير شهراً كاملاً من واردات الغاز الروسي.

كلفة مالية لا مادية
يبسط ستوبارد الأمور، فيقول إن صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا تعادل حالياً 230 مليون سنتيمتر مكعب في اليوم الواحد. بإمكان فائض القدرة على إعادة التسييل تعويض 50 مليون سنتيمتر مكعب يومياً. وتعزيز الطاقة النووية وطاقة الفحم يضيف حوالي 40 مليون سنتيمتر مكعب يومياً، م يعني نقصاً بـ140 مليوناً. وإذا بقي الطقس طبيعياً فسيغطي حجم الغاز المخزن، دون غاز الأساس، هذا الرقم أربعة أشهر ونصف. ويقول: “هذه أزمة سعر أكثر منها أزمة إمدادات». باختصار، ستعاني أوروبا إذا قطعت روسيا الغاز، لكن الثمن سيدفع من الجيوب، لا على شاكلة معاناة جسدية. وستتفاقم الكلفة حسب جوناثان إلكايند من جامعة كولومبيا “لأن أوروبا لا تنطلق من قاعدة هادئة، بل من سوق على حافة الهاوية». ويتوقع جي بي مورغان تشايس أنه حتى دون قطع الغاز الروسي، ستنفق أوروبا تريليون دولار على الطاقة هذه السنة بعدما أنفقت 500 مليار دولار في 2019. وإذا أجبِرت المنطقة على استهلاك مخزونات الغاز للنجاة من قطع الغاز، فسيكون عليها إنفاق المزيد حتى في الصيف لبناء مخزوناتها لتتفادى أزمة طاقة في الشتاء المقبل.

روسيا الخاسر الأكبر؟
ستدفع روسيا الثمن الأكبر على المدى البعيد حسب المجلة البريطانية نفسها. ويشير مصدر صناعي إلى أن غازبروم قد تواجه تداعيات تجارية “ضخمة” تبدأ من الغرامات المستحقة للزبائن وصولاً إلى وقف تدفق الدولار إلى روسيا لسداد مدفوعات العقود.
وستجد غازبروم صعوبة في تأمين عقود طويلة الأجل في أوروبا بعد استعراض وحشي لغياب الثقة. وسينتهي بالتأكيد مشروع نورد ستريم2 الذي طالما اعتز به بوتين. وقد يقنع الإغلاق الصين التي تستورد حالياً المزيد من الغاز الروسي بالحذر من الثقة في روسيا.
ويقول فيكتور من جامعة كاليفورنيا إن استخداماً وقحاً لسلاح الطاقة سيؤدي على الأرجح إلى بذل أوروبا جهداً أكبر لقطع اعتمادها على صادرات الغاز الروسي. وحسب غوستافسون الخبير في الطاقة الروسية: “لو أراد بوتين تدمير أعمال غازبروم في أوروبا لما أمكنه فعل ذلك بطريقة أفضل».