مواجهة أيديولوجية تخدم الرجلين:

إيمانويل ماكرون وفيكتور أوربان، أفضل الأعداء...!

إيمانويل ماكرون وفيكتور أوربان، أفضل الأعداء...!

-- يعتزم الفرنسي الهيمنة على أوروبا ما بعد ميركل، ويحلم المجري بتحالف كبير من المشككين في بروكسل
-- إذا كانت هناك خاصية متطابقة بين الرجلين، فهي بلا شك الرغبة في المجد
-- يحب أوربان وماكرون الظهور كمعارضين، لكن غالبًا ما ينتهي بهما الأمر في الجانب نفسه في بروكسل
-- على غرار فيدس أوربان، بعد أن أدار ظهره لليبرالية شبابه، لم يتبق الكثير من الليبرالية في ماكرون
-- يواصل ماكرون وأوربان استغلال خلافاتهما من أجل الترويج لإعادة انتخابهما في الربيع المقبل


    وراء المواجهة الأيديولوجية بين الليبرالي الأوروبي والشعبوي القومي، تعاون قائم بين مستأجر قصر الإليزيه ورجل المجر القوي، فكل منهما يستخدم الآخر.    يوم الاثنين، 13 ديسمبر، على خطى منافسيه إريك زمور في نهاية سبتمبر، ومارين لوبان في نهاية أكتوبر، وصل إيمانويل ماكرون إلى بودابست للقاء رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان... ولكن ليس فقط. وفقًا للبرنامج الرسمي، عقد الرئيس الفرنسي قمة مع قادة دول مجموعة فيسيغراد “المجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك وبولندا”، وجلسة مع العديد من ممثلي الأحزاب المجرية المعارضة، وتكريم ذكرى الفيلسوف الملتزم أغنيس هيلر، الذي استقبله في مايو 2019. فمنذ نيكولا ساركوزي عام 2007، كانت هذه هي الزيارة الأولى لرئيس فرنسي إلى المجر.    وهذه الرحلة، أنهت جولة في العواصم الأوروبية الست والعشرين الأخرى التي وعد بها إيمانويل ماكرون خلال فترة رئاسته، كما انها تعدّ لستة أشهر من الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي التي تبدأ في الأول من يناير.

خلال السباق على الانتخابات القارية في مايو 2019، تبادل ماكرون وأوربان إطلاق النار على طريقة الوستارن.
وفي بداية شهر يوليو 2018، قدر الرئيس الفرنسي أن “الحدود الحقيقية لأوروبا” هي تلك التي تفصل “التقدميين” عن “القوميين” من عيار أوربان.
 وبعد ثلاثة أسابيع، أعلن المجري لصحيفة بيلد اليومية الألمانية، أنه لا يريد أوروبا “تحت الزعامة الفرنسية».

لفتات دبلوماسية
    في 28 أغسطس 2018، الشعبوي الإيطالي ماتيو سالفيني ورفيقه المجري، صنّفا إيمانويل ماكرون على أنه “زعيم المعسكر المؤيد للهجرة”. قبل ذلك بيوم، هاجم الرئيس الفرنسي “القومية المتبجّحة” للمجر خلال ندوة السفراء في باريس.
  وفي 26 أكتوبر، خلال استشارة المواطنين في العاصمة السلوفاكية براتيسلافا، انتقد ماكرون بعنف “العقول المجنونة” للقادة المجريين والبولنديين، الذين “يكذبون على شعبهم”.
 واليوم، يواصل إيمانويل ماكرون وفيكتور أوربان استغلال خلافاتهما من أجل الترويج لإعادة انتخابهما في الربيع المقبل.
   النقاشات حقيقية، لكن ماكرون وأوربان يستخدم كل منهما الآخر لأسباب محلية. ولأنهما في قلب حملة انتخابية، فإن خطاب “أفضل الأعداء”، يخدمهما أكثر من أي وقت مضى.

فمن خلال استقبال ماكرون، يُظهر أوربان أهميته الأوروبية، ويثبت أنه ليس معزولاً، يحلل أستاذ العلوم السياسية إستر بترونيلا سوس، المتخصص في الشؤون الفرنسية.
ثم، لم يأت إيمانويل ماكرون من أجل أوربان فقط. لذلك يمكنه بسهولة بيع هذه الرحلة إلى ناخبيه الليبراليين، وفي الوقت نفسه  يرسل رسالة إلى السياديين بعد زيارة زمور ومارين لوبان».
    مطلع عام 2019، أفسحت الشتائم والمشاحنات المجال للإشارات الدبلوماسية، وهي علامة على التقارب بين البلدين.

 في 28 يناير، خلال حفل استقبال في مقر إقامة السفارة الفرنسية في بودابست، تلقت كاتالين نوفاك، وزيرة الدولة للأسرة والشباب في حكومة أوربان، وسام الشرف من الجنرال بينوا بوغا، الذي تم إرساله من باريس خصيصًا للمناسبة.
 شخصية محافظة بارزة في المجر، تتقن هذه الأربعينية لغة موليير، وحصلت على هذا الوسام المرموق لعملها لصالح “تعزيز العلاقات الفرنسية المجرية».

   وفي نهاية شهر مارس، حضرت السفيرة باسكال أندرياني مؤتمرًا في بودابست حول الهجرة جمع نقادًا من المحافظين الجدد الدوليين.
 ومن بين المتحدثين: وزراء حكومة أوربان، والمؤرخة الهنغارية التي يسكنها الحنين إلى فترة ما بين الحربين العالميتين، ماريا شميت، وممثلين عن مراكز الفكر الأمريكية اليمينية، والكاتب الاسلاموفوبي دوغلاس موراي (مستشار الرئيس البرازيلي بولسونارو)، ونيكولا ساركوزي، وحينها أيضا، إريك زمور بصفته كاتبا. وقد أعطى وجود الدبلوماسية قيمة “للنضال الثقافي” الرجعي الذي يخاض في المجر.

«ملوك»
    في منتصف يوليو 2019، تولت أورسولا فون دير لاين مقاليد المفوضية الأوروبية بفضل اتفاق أوربان وماكرون. وفي 11 أكتوبر، استقبل إيمانويل ماكرون “عزيزي فيكتور” في الساحة الأمامية للإليزيه، قبل يومين من الانتخابات البلدية المجرية.
 وكمقدمة لوجبة غداء خلّدها التاريخ، دعا الرئيس الفرنسي إلى الوحدة الأوروبية، وحيا أهمية مجموعة فيسيغراد. ومبتسمًا، قرا أوربان القصيدة الشهيرة “الخريف مر بباريس” للشاعر أندريه آدي والتي يحفظها جميع تلاميذ المدارس المجرية، ثم شدّد على المواقف المشتركة حول الأمن وحماية الحدود.
   «يحكم أوربان وماكرون على أساس عقيدة بسيطة يجب على الجميع الامتثال، يعلق الاقتصادي السويدي فريدريك إريكسون في المجلة البريطانية المشاهد، إنهما يحبّان أن يتصرفا مثل الملوك، ويعاملان الناخبين كرعايا، ويقبلان بقيود قليلة على خططهما الشخصية. وعلى غرار فيدس أوربان، بعد أن أدار ظهره لليبرالية شبابه، لم يتبق الكثير من الليبرالية في ماكرون.

 يحب أوربان وماكرون الظهور كمعارضين، لكن غالبًا ما ينتهي بهما الأمر في الجانب نفسه  في بروكسل «.
   ومع ذلك، لا يزال هناك خط شرخ حول آلية تعديل الكربون على الحدود، والضرائب بنسبة 15بالمائة على أرباح الشركات متعددة الجنسيات، والتي وافقت المجر عليها في نهاية أكتوبر الماضي على مضض، وكذلك مسألة سيادة القانون، نقطة الخلاف الفرنسي-المجري الابدية.
   عادت التوترات إلى الظهور في 24 يونيو على هامش قمة أوروبية للكهرباء في بروكسل. قامت 17 دولة من أصل 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، منها فرنسا، بإدانة التشريع المجري الأخير الذي يعاقب على “الترويج” و “تمثيل” المثلية الجنسية والهوية الجنسية المتعارضة مع الجنس البيولوجي.

الرغبة في المجد
   يبقى، ان لفرنسا، المستثمر الرابع في المجر، شبكة واسعة من الشركات المحلية مثل إدف وفيوليا وأوشان وديكاتلون وميشلان وبوندويل ودانون وجروباما وأكسا ولافارج وسانوفي وسيرفييه.
وفي مايو 2017، فازت أريفا بعقد لتحديث أنظمة حماية المفاعلات في محطة باكس للطاقة النووية، الموقع الذري الهنغاري الوحيد.
 وعام 2017 و2018، قامت جي سي ديكو بنشر وعرض حملات الحكومة المعادية لسوروس والمناهضة للمهاجرين.
   كما يتضمن أسطول سلاح الجو المجري طائرات نقل وطائرات هليكوبتر من طراز ارباص وطائرات نقل فالكون وطائرات هليكوبتر تدريب يوروكوبتر وصواريخ ميسترال المضادة للطائرات.
وفي الربـــــع الأول من عــــام 2022، سينضم الجنود المجريون إلى القوات المسلحة الأوروبية في منطقة الساحل، التي في صفوفها كتيبة فرنسية كبيرة.
   بالنسبة للصحفي بالينت أبلونزي، “حاربت فرنسا والمجر معا اقتطاع المبالغ المرصودة للسياسة الزراعية المشتركة، ولتعزيز سياسة الدفاع خلال مفاوضات الميزانية الخاصة بالدورة 2021-2027. وحسب ماكرون، فإن الزيادة في ميزانية الدفاع تجسد الشرط المسبق للسيادة الاستراتيجية الأوروبية العزيزة عليه.

 وفي هذا الميدان، تبيّن أنّ أوربان حليف غير متوقع، والذي، بصفته سيادي، يدعم أقدم حلم للفيدراليين الراغبين في تجاوز الدولــة-الامّــــة: الجيش الأوروبي «.
   في أبريل، سيواجه ماكرون وأوربان صناديق الاقتراع في الوقت نفسه. يريد أحدهما العودة لطيّ صفحة “السترات الصفراء”، بينما يسعى الآخر إلى فترة رابعة على التوالي ضد معارضة تجمّعت حول المسيحي التكنوقراط بيتر ماركي زاي.

   يعتزم الفرنسي الهيمنة على أوروبا ما بعد البريكسيت وميركل، في حين يحلم المجري بتحالف كبير من المشككين في الاتحاد الأوروبي في بروكسل، ستكون أركانه حزب فيدس المجري، وحزب القانون والعدالة البولندي، والرابطة الإيطالية، وحزب التجمع الوطني الفرنسي، والفريق الإسباني فوكس... إذا كانت هناك خاصية متطابقة بين الرجلين، فهي بلا شك الرغبة في المجد.