أصعب اختبار لم يأت بعد:
الأزمة الأوكرانية: تنسيق أوروبي مفاجئ ضد بوتين
-- قد يكون هناك إحساس بالتشرذم، لكن في النهاية ينظر الأوروبيون جميعًا في الاتجاه نفسه
-- المناقشـات حول العقوبـات صعبـة، لأن كـل دولــة تدافـع عن مصالحهـا الخاصـة قبل كل شـيء
-- طالما بقي التهديد على الحدود، سيبقى هذا «التعاون» الأوروبي قائماً
-- وراء الكواليس، تلعب بروكسل دور برج المراقبة في نظر الدبلوماسيين
في مواجهة القوة الانفرادية للكرملين، يكافح الأوروبيون لتفادي حرب على أعتاب بيوتهم. وفي الوقت الحالي، ثبت أن الدّوّامة الدبلوماسية منسقة بشكل مدهش.
لئن لم تمتلك أوروبا بعد رقم هاتف، كما تحسّر هنري كيسنجر قبل خمسين عامًا، فإن لديها الآن صندوق بريد. في وقت سابق من هذا الشهر، أرسلت روسيا 27 رسالة إلى العواصم الأوروبية للتفكير في نظام أمني جديد في القارة.
الميكافيلي سيرجي لافروف، رئيس الدبلوماسية الروسية طيلة خمسة عشر عامًا، أراد مرة أخرى اللعب على انقسامات الاتحاد الأوروبي. ولكن، رغم كل الصعاب، في 10 فبراير، تلقى ملازم فلاديمير بوتين ردًا واحدًا فقط، ورسالة واحدة أرسلها الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل.
ولئن ظل المحتوى سرًا، فان الرسالة لا يمكن ان تكون أكثر وضوحًا: في مواجهة تهديدات بوتين ورجاله، البالغ عددهم 125 ألفًا الواقفين على الحدود الأوكرانية، كان السبعة والعشرون واحدًا.
“فيما يتعلق بالمسألة الأمنية، ولدهشة بوتين الكبرى، فإن الجبهة الأوروبية متحدة تمامًا ضده، يؤكد فرانسوا هايسبورغ، المستشار الخاص في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية، حيث يواجه الروس مجموعة من الدول تقول جميعها نفس الشيء، ولا وجود لصوت نشاز واحد».
رص الصفوف خلف أوكرانيا
كييف، موسكو، واشنطن، بروكسل ... في بداية فبراير، رؤساء الدول الأوروبية في حركة لا تهدأ، وهواتفهم معلقة في آذانهم. “مع خطر نشوب حرب على حدودها، لا يمكن لأوروبا أن تظل غائبة عن هذه الأزمة الأوكرانية، وأمنها في خطر”، تشير نيكول جينيسوتو، نائبة رئيس معهد جاك ديلور. لم يمر يوم دون مؤتمر عبر الفيديو بين رؤساء الدول أو قمة بين وزراء الخارجية. حتى المشكك في أوروبا فيكتور أوربان، نسق مع إيمانويل ماكرون قبل وبعد زيارته لموسكو في الأول من فبراير.
ونتيجة لذلك، يظل رئيس الوزراء المجري، رغم قربه من بوتين، حازمًا أيضًا في مواجهة مطالب الكرملين: لا توجد دولة أوروبية توافق على إغلاق أبواب الناتو أمام أوكرانيا، والجميع يرص الصفوف خلف كييف.
يدرك الأوروبيون أن الوحدة مصدر قوتهم، لكن عددهم يعقّد انسيابية الحركة. “في روسيا، يتخذ رجل واحد القرارات، ونحن سبعة وعشرون دولة، مع إضافة الرقابة الديمقراطية على مؤسساتنا، هذا ما يشير إليه وزير فرنسي، إنها عظمة نظامنا، وتعقيده”. خاصة أن السياسة الخارجية في القارة لا تزال إلى حد كبير امتيازًا وطنيًا. “قد يكون هناك احساس بالتشرذم، لكن في النهاية ينظر الأوروبيون جميعًا في نفس الاتجاه”، تلاحظ ألكسندرا دي هوب شيفر، مديرة مكتب باريس التابع لصندوق مارشال الألماني.
لتنظيم سياسته الخارجية، للاتحاد الأوروبي، منذ عام 2011، دائرة العمل الخارجي الأوروبي وممثل أعلى. إلا أن الإسباني جوزيب بوريل، الذي يشغل هذا المنصب حاليًا، لا يتمتع بلقب ولا بهامش مناورة وزير أوروبي للشؤون الخارجية. وعندما يتحدث، فتلك، قبل كل شيء، علامة على أن السبعة والعشرين تمكنوا من إيجاد نقطة توازن بينهم، لأن المعاهدات تنص على أن أي قرار يتعلق بالسياسة الخارجية يجب أن يُتخذ بالإجماع.
عواصم في طليعة
الحراك الدبلوماسي
«يعمل النظام الأوروبي مع أشخاص يجب أن يتوصلوا للحديث بصوت واحد، ولكن يمكن لكل منهم الاستمرار في التحدث باسمه الخاص”، يلخص بيير فيمونت. وتجسم مسيرة هذا الدبلوماسي المخضرم هذه الحقيقة المزدوجة: لقد ترأس دائرة الشؤون الخارجية الأوروبية حتى عام 2015، لكنه سافر مؤخرًا إلى موسكو للتفاوض مع الروس بصفته مبعوثًا لإيمانويل ماكرون. “إن مرجعي هو الرئيس الفرنسي، لكنني أذهب إلى هناك بدعم من الأوروبيين الآخرين”، كما قال.
في الواقع، في الأزمة الأوكرانية، أعطى الحراك الدبلوماسي مكانة مميّزة لرؤساء الدول: بقيت رئيسة المفوضية الأوروبية ورئيس المجلس الأوروبي في الخلف، بينما المؤتمرات الصحفية لأولاف شولتز أو إيمانويل ماكرون أو الرئيس البولندي أندريه دودا يوميا. “هناك تقسيم للعمل بين العواصم الأوروبية، وفي مقدمتها باريس، التي تقود الجهود الدبلوماسية، والاتحاد الأوروبي الذي يعمل فيما يتعلق بالعقوبات وإمدادات الطاقة”، تشير ألكسندرا دي هوب شيفر.
وراء الكواليس، تلعب بروكسل دور برج المراقبة في نظر الدبلوماسيين. “لمواجهة تحديات عالم اليوم، الحجم مهم”، يؤكد الإيطالي ستيفانو سانينو، الأمين العام الحالي لدائرة العمل الخارجي. كل أسبوع، يجتمع الأوروبيون عدة مرات في العاصمة البلجيكية بأشكال مختلفة، في الناتو أو الاتحاد الأوروبي، والدبلوماسية الأوروبية تيسّر عمل المحرّك. “نحن هنا لإعادة الكنيسة إلى وسط القرية وخلق تقارب رغم الحساسيات المختلفة، يوضح ستيفانو سانينو، لسنا في رؤوس القادة الأوروبيين عندما يرون بوتين، لكن الجميع يضع في اعتباره مبدأ ‘التعاون المخلص’ بيننا المنصوص عليه في المعاهدات».
وطالما بقي التهديد على الحدود، يبقى هذا “التعاون” الأوروبي قائماً. ولكن في حال وقوع هجوم على أوكرانيا، سيتعين على الأوروبيين تقديم ردّ اقتصادي منسق في غضون ساعات قليلة، ولم يتم العثور على حل وسط بشأن التفاصيل حتى الآن.
يحجم الألمان عن التخلي عن خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، الذي يربطهم مباشرة بروسيا؛ ويشعر النمساويون والهنغاريون بالقلق من آثار قطع العلاقات التجارية مع موسكو، ولا تريد إيطاليا استبعاد الروس من نظام سويفت الدولي للدفع. إن “هذه المناقشات حول العقوبات في غاية الصعوبة، لأن كل دولة تدافع عن مصالحها الخاصة قبل كل شيء”، يلاحظ فرانسوا هايزبورغ. بالنسبة للوحدة الأوروبية، فإن أصعب اختبار لم يأت بعد.
-- المناقشـات حول العقوبـات صعبـة، لأن كـل دولــة تدافـع عن مصالحهـا الخاصـة قبل كل شـيء
-- طالما بقي التهديد على الحدود، سيبقى هذا «التعاون» الأوروبي قائماً
-- وراء الكواليس، تلعب بروكسل دور برج المراقبة في نظر الدبلوماسيين
في مواجهة القوة الانفرادية للكرملين، يكافح الأوروبيون لتفادي حرب على أعتاب بيوتهم. وفي الوقت الحالي، ثبت أن الدّوّامة الدبلوماسية منسقة بشكل مدهش.
لئن لم تمتلك أوروبا بعد رقم هاتف، كما تحسّر هنري كيسنجر قبل خمسين عامًا، فإن لديها الآن صندوق بريد. في وقت سابق من هذا الشهر، أرسلت روسيا 27 رسالة إلى العواصم الأوروبية للتفكير في نظام أمني جديد في القارة.
الميكافيلي سيرجي لافروف، رئيس الدبلوماسية الروسية طيلة خمسة عشر عامًا، أراد مرة أخرى اللعب على انقسامات الاتحاد الأوروبي. ولكن، رغم كل الصعاب، في 10 فبراير، تلقى ملازم فلاديمير بوتين ردًا واحدًا فقط، ورسالة واحدة أرسلها الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل.
ولئن ظل المحتوى سرًا، فان الرسالة لا يمكن ان تكون أكثر وضوحًا: في مواجهة تهديدات بوتين ورجاله، البالغ عددهم 125 ألفًا الواقفين على الحدود الأوكرانية، كان السبعة والعشرون واحدًا.
“فيما يتعلق بالمسألة الأمنية، ولدهشة بوتين الكبرى، فإن الجبهة الأوروبية متحدة تمامًا ضده، يؤكد فرانسوا هايسبورغ، المستشار الخاص في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية، حيث يواجه الروس مجموعة من الدول تقول جميعها نفس الشيء، ولا وجود لصوت نشاز واحد».
رص الصفوف خلف أوكرانيا
كييف، موسكو، واشنطن، بروكسل ... في بداية فبراير، رؤساء الدول الأوروبية في حركة لا تهدأ، وهواتفهم معلقة في آذانهم. “مع خطر نشوب حرب على حدودها، لا يمكن لأوروبا أن تظل غائبة عن هذه الأزمة الأوكرانية، وأمنها في خطر”، تشير نيكول جينيسوتو، نائبة رئيس معهد جاك ديلور. لم يمر يوم دون مؤتمر عبر الفيديو بين رؤساء الدول أو قمة بين وزراء الخارجية. حتى المشكك في أوروبا فيكتور أوربان، نسق مع إيمانويل ماكرون قبل وبعد زيارته لموسكو في الأول من فبراير.
ونتيجة لذلك، يظل رئيس الوزراء المجري، رغم قربه من بوتين، حازمًا أيضًا في مواجهة مطالب الكرملين: لا توجد دولة أوروبية توافق على إغلاق أبواب الناتو أمام أوكرانيا، والجميع يرص الصفوف خلف كييف.
يدرك الأوروبيون أن الوحدة مصدر قوتهم، لكن عددهم يعقّد انسيابية الحركة. “في روسيا، يتخذ رجل واحد القرارات، ونحن سبعة وعشرون دولة، مع إضافة الرقابة الديمقراطية على مؤسساتنا، هذا ما يشير إليه وزير فرنسي، إنها عظمة نظامنا، وتعقيده”. خاصة أن السياسة الخارجية في القارة لا تزال إلى حد كبير امتيازًا وطنيًا. “قد يكون هناك احساس بالتشرذم، لكن في النهاية ينظر الأوروبيون جميعًا في نفس الاتجاه”، تلاحظ ألكسندرا دي هوب شيفر، مديرة مكتب باريس التابع لصندوق مارشال الألماني.
لتنظيم سياسته الخارجية، للاتحاد الأوروبي، منذ عام 2011، دائرة العمل الخارجي الأوروبي وممثل أعلى. إلا أن الإسباني جوزيب بوريل، الذي يشغل هذا المنصب حاليًا، لا يتمتع بلقب ولا بهامش مناورة وزير أوروبي للشؤون الخارجية. وعندما يتحدث، فتلك، قبل كل شيء، علامة على أن السبعة والعشرين تمكنوا من إيجاد نقطة توازن بينهم، لأن المعاهدات تنص على أن أي قرار يتعلق بالسياسة الخارجية يجب أن يُتخذ بالإجماع.
عواصم في طليعة
الحراك الدبلوماسي
«يعمل النظام الأوروبي مع أشخاص يجب أن يتوصلوا للحديث بصوت واحد، ولكن يمكن لكل منهم الاستمرار في التحدث باسمه الخاص”، يلخص بيير فيمونت. وتجسم مسيرة هذا الدبلوماسي المخضرم هذه الحقيقة المزدوجة: لقد ترأس دائرة الشؤون الخارجية الأوروبية حتى عام 2015، لكنه سافر مؤخرًا إلى موسكو للتفاوض مع الروس بصفته مبعوثًا لإيمانويل ماكرون. “إن مرجعي هو الرئيس الفرنسي، لكنني أذهب إلى هناك بدعم من الأوروبيين الآخرين”، كما قال.
في الواقع، في الأزمة الأوكرانية، أعطى الحراك الدبلوماسي مكانة مميّزة لرؤساء الدول: بقيت رئيسة المفوضية الأوروبية ورئيس المجلس الأوروبي في الخلف، بينما المؤتمرات الصحفية لأولاف شولتز أو إيمانويل ماكرون أو الرئيس البولندي أندريه دودا يوميا. “هناك تقسيم للعمل بين العواصم الأوروبية، وفي مقدمتها باريس، التي تقود الجهود الدبلوماسية، والاتحاد الأوروبي الذي يعمل فيما يتعلق بالعقوبات وإمدادات الطاقة”، تشير ألكسندرا دي هوب شيفر.
وراء الكواليس، تلعب بروكسل دور برج المراقبة في نظر الدبلوماسيين. “لمواجهة تحديات عالم اليوم، الحجم مهم”، يؤكد الإيطالي ستيفانو سانينو، الأمين العام الحالي لدائرة العمل الخارجي. كل أسبوع، يجتمع الأوروبيون عدة مرات في العاصمة البلجيكية بأشكال مختلفة، في الناتو أو الاتحاد الأوروبي، والدبلوماسية الأوروبية تيسّر عمل المحرّك. “نحن هنا لإعادة الكنيسة إلى وسط القرية وخلق تقارب رغم الحساسيات المختلفة، يوضح ستيفانو سانينو، لسنا في رؤوس القادة الأوروبيين عندما يرون بوتين، لكن الجميع يضع في اعتباره مبدأ ‘التعاون المخلص’ بيننا المنصوص عليه في المعاهدات».
وطالما بقي التهديد على الحدود، يبقى هذا “التعاون” الأوروبي قائماً. ولكن في حال وقوع هجوم على أوكرانيا، سيتعين على الأوروبيين تقديم ردّ اقتصادي منسق في غضون ساعات قليلة، ولم يتم العثور على حل وسط بشأن التفاصيل حتى الآن.
يحجم الألمان عن التخلي عن خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، الذي يربطهم مباشرة بروسيا؛ ويشعر النمساويون والهنغاريون بالقلق من آثار قطع العلاقات التجارية مع موسكو، ولا تريد إيطاليا استبعاد الروس من نظام سويفت الدولي للدفع. إن “هذه المناقشات حول العقوبات في غاية الصعوبة، لأن كل دولة تدافع عن مصالحها الخاصة قبل كل شيء”، يلاحظ فرانسوا هايزبورغ. بالنسبة للوحدة الأوروبية، فإن أصعب اختبار لم يأت بعد.