الأزمة لا تتعلّق بأوكرانيا فقط.. هل يكون بوتين الخاسر الأكبر؟

الأزمة لا تتعلّق بأوكرانيا فقط.. هل يكون بوتين الخاسر الأكبر؟


اعتبر الباحثان المخضرمان الأمريكي جيمس جاي كارافانو والبولندي توماش فروبلوسكي أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يكون الخاسر الأكبر في أزمة أوكرانيا، وأنه مثل لاعب بوكر مهووس لا يستطيع التوقّف عن اختبار حظه، وفي كل مرة يحصل فيها على بطاقة جيدة، لا يسعه سوى رفع الرهان.
وكتب الباحثان في موقع “1945” الأمريكي أن هذا ما يفعله بالضبط من خلال تهديد أوكرانيا، وقد ينتهي به الأمر بالمبالغة في المراهنة وبخسارة فادحة.
ويملك بوتين ورقتي ضغط قويتين في يديه: القوة العسكرية والطاقة. وإذا التزم حلف شمال الأطلسي (الناتو) بتقوية قواته الرادعة- الإستراتيجية وكذلك التقليدية- وإيجاد مصادر طاقة آمنة حقيقية تسمح لأوروبا بالوصول إلى طاقة موثوقة ومعقولة التكلفة، فسيخسر بوتين.

الأزمة لا تتعلّق
 بأوكرانيا فقط
وذكر الباحثان أن أزمة أوكرانيا لا تتعلّق فقط بأوكرانيا، وهذا ما قاله الروس بأنفسهم. وفي 17 ديسمبر -كانون الأول، وجّهت وزارة الخارجية الروسية إنذارًا نهائيًا طالبت فيه الناتو بضمان عدم انضمام أوكرانيا، وبيلاروسيا، والسويد، وفنلندا كدولتين عضوين.
وكان الإنذار، وكذلك البيانات الروسية اللاحقة، كلمات اقتصادية ولكن غنية بالمطالب. وتبدو موسكو مقتنعة بأن لها اليد العليا في المفاوضات مع الغرب. وعلى ما يبدو، فقد أصبحت تؤمن بالانحدار الأخلاقي للغرب، وأن الناتو ليس لديه إرادة سياسية للمساعدة في الدفاع عن أوكرانيا من الغزو.

أزمات سابقة
وقال الباحثان إن محاولة بوتين المحفوفة بالمخاطر لزعزعة استقرار أوروبا واستغلالها، ليست جديدة على موسكو. سبق وأن وضع القادة السوفييت رهانات متهورة أيضًا، بدءًا من جدار برلين ومحاولة تجويع برلين الغربية. لقد كانت مقامرة كبيرة ومجازفة، قادت الرئيس جون كينيدي إلى تنظيم عملية جســـــر جوي كسرت الحصار وبدأت في إعادة اندماج ألمانيا على المدى الطويل في بقية أوروبا الغربية.
كما حاولت موسكو التفوّق على الغرب في سباق الفضاء. لمواجهة أول رحلة ليوري غاغارين في الفضاء، إلى جانب برنامج الكرملين لتسليح الفضاء، حشدت أمريكا حكومتها وقطاعها الصناعي والجامعي لبناء برنامج فضاء أمريكي لم يتفوّق على روسيا فحسب، بل حقّق تقدماً غير مسبوق للصناعة الأمريكية.
أزمة الصواريخ الكوبية
وربما كانت أزمة الصواريخ الكوبية أفضل مثال على الرهان السيئ الذي اتخذته موسكو. وأدت محاولة وضع رؤوس حربية نووية على الجزيرة إلى الأزمة النووية الأولى، التي انتهت بانسحاب روسي مذل. وأدى الحادث إلى انتكاسة للعلاقات بين القوى العظمى لسنوات عديدة.
محاولة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني
وفي أوروبا، كانت محاولة الاغتيال الفاشلة للبابا يوحنا بولس الثاني- التي دبّرتها أجهزة الأمن البلغارية ومستوحاة من الكرملين- حدثاً صادماً لبولندا موطن البابا. ولكن بدلاً من تحطيم روح البولنديين، على النحو المنشود، وحّدت الأمة في الإيمان والشجاعة والتصميم على مواصلة عمل يوحنا بولس الثاني. إن كلمات البابا في وارسو “لا تخف!”، أثبتت أنها مفيدة لحركة التضامن التي بلغ قوامها 10 ملايين شخص، والتي ساعدت في النهاية على الإطاحة بالحكم الشيوعي في بولندا في عام 1989.
ضمّ جزيرة القرم
في أوكرانيا، فاز بوتين في عام 2014 بشبه جزيرة القرم ودونيتسك، لكنه خسر الشعب الأوكراني. عزّز الغزو أواصر القومية الأوكرانيــــــة، التي لم تكن موجــــــودة في الواقع من قبل.
 كما أدى ذلك إلى قيام كييف ببناء واحد من أقوى الجيوش وأكثرها تصميماً في أوروبا، وهو مصمم على مقاومة غزو آخر، وفي غضون 10 سنوات، استعاد من روســــيا ما هو ملك لأوكرانيا.
كيفية التعامل مع روسيا؟
إن تصحيح الوضع في روسيا أمر مهم للمجتمع عبر الأطلسي، فالصين هي أكبر تهديد للعالم الحر اليوم، ويتعين على أوروبا أيضًا أن تتعامل مع المشكلات الآتية من الشرق الأوسط- لا سيما التهديدات الإسلامية من إيران وأماكن أخرى.
وقال الباحثان إن كلاً من موسكو وبكين والإسلاميين يريدون الشيء نفسه: مجتمع متفكك عبر الأطلسي، وأوروبا ضعيفة وغير منظّمة وهشّة. إن إخراج بوتين من هذا المزيج يجعل عملهم أكثر صعوبة.
وأضافا: “يمكن للأوروبيين والأمريكيين القيام بذلك، وقد فعلوها من قبل. لقد فعلوا ذلك في العام الماضي فقط، عندما شنّ دمية بوتين السياسية ألكسندر لوكاشينكو هجوماً غير مسبوق على الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي. مستغلاً المهاجرين اليائسين والساذجين من إفريقيا والشرق الأوسط، قادهم رئيس بيلاروسيا عبر الحدود، على أمل ايجاد أزمة سياسية وزعزعة استقرار أوروبا الشرقية. وكانت الأزمة ستكون مفيدة جدًا للزعيم الروسي الذي يخطّط لمهاجمة أوكرانيا على بعد مئة أو مئتي كيلومتر فقط شرقاً».
بوتين بالغ باستخدام “دميته»
في الماضي، وجدت استفزازات مماثلة أرضاً خصبة بين مختلف المنظمات اليسارية. قد يساعد البعض، بدافع الشفقة والبعض الآخر من أجل المال، موسكو من خلال إثارة الجدل والانقسام في أوروبا. ومع ذلك، فإن تشاؤم وقسوة تصرفات لوكاشينكو أقنعت بروكسل ومعظم العواصم الأوروبية بدعم بولندا وليتوانيا في جهودهم للدفاع عن حدودهم.
وتلقّى كلا البلدين دعماً معنوياً ولوجستياً قوياً، وتمّ توحيد أوروبا مرة أخرى. بينما بالغ بوتين في استخدام دميته.
وحدث الشيء نفسه مرة أخرى في قمة الناتو مع روسيا هذا الشهر، حيث تمسّكت جميع دول الناتو بموقفها، متحدة ومتحدثة بصوت واحد لأول مرة منذ عدة سنوات.

ماذا بعد أوكرانيا؟
وبغضّ النظر عن الطريقة التي ستسير فيها الأمور في أوكرانيا، فقد استخدم بوتين مرة أخرى أقوى سلاحين لديه للعبث مع الغرب: القوة العسكرية والطاقة واللتان تمثلان ورقة “كش ملك».
ورأى الباحثان أنه على حلف الناتو تكثيف الردع التقليدي والاستراتيجي، وعلى كل عضو أن يصعّد ويفي بمساهماته الموعودة في الدفاع المشترك. علاوة على ذلك، يجب أن تكون الولايات المتحدة شريكًا نشطًا في الدفاع الأمامي، من بحر البلطيق إلى البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط. وأضافا أن المجتمع عبر الأطلسي يحتاج أيضًا إلى مصادر آمنة للطاقة: قطاع خاص للطاقة نابض بالحياة يوفّر طاقة موثوقة وبأسعار معقولة، عبر مزيج من صادرات أمريكية قوية، واستكشاف وتطوير الغاز الطبيعي في أوروبا، والطاقة النووية، وحتى الفحم النظيف.
وخلصا إلى أن أوروبا ليست بحاجة إلى التخلّي عن التحوّل إلى الطاقة الخضراء، ولكن يجب القيام بذلك بطريقة أكثر مسؤولية وحكمة، لأن محاولة التحوّل، مع الاعتماد الكبير على الغاز والنفط الروسيين، من شأنه أن يترك أوروبا مفتوحة على مصراعيها للابتزاز بورقة الطاقة.