الانسحاب من الناتو.. مشروع قانون أمريكي يدخل الحلف في أخطر أزماته
في تطور خطير، قدم النائب الجمهوري توماس ماسي من ولاية كنتاكي مشروع قانون في مجلس النواب الأمريكي للانسحاب من الناتو، واصفًا الحلف بأنه «بقايا من الحرب الباردة» يُستخدم حاليًا «للدفاع عن الدول الاشتراكية»، على حد تعبيره.
يشير مشروع القانون إلى أن التحالف الأطلسي أُنشئ لمواجهة الاتحاد السوفيتي، ومنذ تفككه قبل أكثر من ثلاثة عقود «كلف دافعي الضرائب تريليونات الدولارات ولا يزال يعرض الولايات المتحدة لخطر المشاركة في حروب أجنبية».
ويحتج النص بأن «الدستور الأمريكي لا يأذن بالمشاركة الدائمة في الخارج»، وأن «الولايات المتحدة لا ينبغي أن تكون شريان الحياة للعالم، خاصة عندما ترفض الدول الغنية دفع تكاليف دفاعها».
العقبات القانونية
الانسحاب الكامل ليس أمرًا محسومًا ويواجه عقبات قانونية، إذ ينص قانون ثنائي الحزبية، وهو قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2024، صراحة على حظر قيام رئيس أمريكي بالانسحاب من الناتو من جانب واحد دون موافقة أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ أو قرار من الكونغرس.
لكن بعض الخبراء القانونيين يحذرون من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد يحاول تجاوز هذا القانون، ما قد يؤدي إلى معركة قانونية.
وفي هذا الإطار، يقول لاري جونسون، المحلل السياسي وعضو سابق في وكالة الاستخبارات المركزية، إن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تمثل «تحولًا زلزاليًا» في نهج واشنطن تجاه الناتو، مع التركيز على «نقل الأعباء» بدلًا من القيادة غير المشروطة للتحالف.
ويشير جونسون إلى أن الاستراتيجية تنذر بانسحابات جزئية محتملة بحلول عام 2027 إذا فشلت أوروبا في التدخل، ما يعرض تماسك التحالف للخطر، ويضيف: «عندما تكمل روسيا هزيمة أوكرانيا، سيكون الوجود المستمر للناتو مصدر قلق حقيقي».
أوروبا بين نارين:
روسيا وأمريكا
من جهته، يصف ستيفن إيرلانجر من نيويورك تايمز الوضع بأن «أوروبا عالقة بين قوتين معاديتين، روسيا والولايات المتحدة، مع قرارات مفصلية تلوح في الأفق بشأن مستقبل أوكرانيا».
ويرى المسؤولون والخبراء الأوروبيون أن أوروبا تواجه حدثًا ثانيًا يغير العصر: الأول كان الحرب الروسية على أوكرانيا، والثاني هو تخلي الولايات المتحدة عن التزامها بأمن القارة.
أما نوربرت روتغن، المشرع الألماني البارز، فيقول: «للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أمريكا ليست إلى جانبنا في مسألة حرب وسلام في أوروبا. لقد انحازت إلى جانب المعتدي ضد مصالح البلد المهاجَم، أوكرانيا، وضد المصالح الأمنية الأوروبية بشكل عام».
التسارع نحو الاستقلال الدفاعي الأوروبي
تفيد تقارير لمجلة «بوليتيكو» بأن «ما لا يمكن تصوره أصبح حقيقة للقادة الأوروبيين: الاستعداد لمستقبل لم تعد فيه الولايات المتحدة مدافعهم الأساسي».
وقد دفعت انتقادات ترامب المستمرة للاتحاد الأوروبي والناتو الكتلة إلى تسريع خطط الترتيبات الأمنية المستقلة في وقت أبكر بكثير مما كان متوقعًا.
تقود المملكة المتحدة وفرنسا «تحالف الراغبين» بشأن أوكرانيا الذي يشمل ألمانيا، بينما يستكشف صانعو السياسات في الاتحاد الأوروبي تعزيز «الركيزة الأوروبية» داخل الناتو، وهو مفهوم فرنسي يحظى الآن بدعم في برلين.
وكشف مسؤول دفاعي رفيع من دولة أوروبية متوسطة الحجم أن المحادثات مع نظرائه الأمريكيين حول الضمانات الأمنية أصبحت «محرجة»، بما في ذلك المناقشات حول المادة 5، بند الدفاع المتبادل في الناتو. وقال: «عدم اليقين بشأن كيفية استجابة واشنطن لهجوم على دولة في الخطوط الأمامية مرتفع للغاية».
التحول الألماني الدراماتيكي
تخضع ألمانيا، المدافع الأوروبي التقليدي الأقوى عن الناتو، لتحول دراماتيكي. فالمستشار فريدريش ميرتس يناقش الآن مع باريس كيف يمكن للردع النووي الفرنسي أن يحمي أوروبا على نطاق أوسع.
ووصف أجزاء من استراتيجية الأمن القومي لترامب بأنها «غير مقبولة»، وقال إن ألمانيا يجب أن تصبح «أكثر استقلالية بكثير عن الولايات المتحدة في السياسة الأمنية».
وكان روديريش كيزيويتر، ضابط الأركان السابق في الجيش الألماني ومشرع محافظ، صريحًا في تقييمه، واصفًا استراتيجية ترامب بأنها «صفعة على الوجه». وكتب: «أي شخص يكتب عن الشركاء بهذه الطريقة لن يدافع عنهم عندما يهم الأمر حقًا. عصر الضمان الأمني قد انتهى».
أما أندريوس كوبيليوس، مفوض الدفاع في الاتحاد الأوروبي، فاعترف بأن الكتلة تستكشف «ضمانات أمنية إضافية وترتيبات مؤسسية» في حالة عدم موثوقية المادة 5. وأشار إلى المادة 42.7 من الاتحاد الأوروبي، بند الدفاع المتبادل الخاص به، كأساس قانوني محتمل، رغم أنه شدد على أن أوروبا «يجب أن تعتمد دائمًا على المادة 5».
معضلة الأصول
الروسية المجمدة
وتواجه أوروبا لحظة حقيقة في قمة الاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل، حيث يجب عليها أن تقرر كيفية توفير حوالي 200 مليار دولار اللازمة لتمويل أوكرانيا للعامين المقبلين وإبقائها في القتال. الجدل حول استخدام حوالي 210 مليارات يورو (245 مليار دولار) من الأصول الروسية المجمدة في أوروبا معقد، إذ إن معظمها محتفظ به في شركة بلجيكية، بينما تتردد الحكومة البلجيكية، التي تواجه تهديدات روسية، في المخاطرة بهذه الأصول، وقد شجع المسؤولون الأمريكيون بلجيكا على المقاومة، لأن واشنطن ترى إعادة أصول روسيا جزءًا من التسوية الأوكرانية المقترحة.
ويقول روتغن: «إنها لحظة حقيقة لأوروبا، التكنوقراطيون لا يحبونها ولأسباب وجيهة، لكن هذه لحظة إرادة سياسية للبقاء ذات صلة، وليست من الدقائق القانونية. إذا فشلنا، سنجعل أنفسنا غير ذوي صلة ولعبة للآخرين».
التحديات
العسكرية الهائلة
مع تحذير القادة العسكريين الأوروبيين من أن هجومًا روسيًا قد يأتي في وقت مبكر من عام 2028، تواجه القارة عقبات هائلة: زيادات إنفاق ضخمة قد تطيح بالحكومات، وفجوات كبيرة في القدرات في مجالات مثل الاستخبارات، والنقل الجوي الثقيل، والصعوبات المؤسسية للتخطيط داخل الناتو لمستقبل ما بعد أمريكا.
ويعترف كبار مسؤولي الناتو بأن الأوروبيين لا يمكنهم بسهولة استبدال القدرات العسكرية الأمريكية الرئيسة، مثل استخبارات الأقمار الصناعية، والدفاع الجوي، والصواريخ بعيدة المدى، والقيادة والسيطرة. وبالتأكيد لا يمكنهم القيام بذلك بحلول عام 2029 الذي يعتبره الجيوش الأوروبية موعدًا نهائيًا لردع روسيا المتمرّسة بالقتال في أوكرانيا.
ويشهد حلف الناتو أخطر أزمة في تاريخه البالغ 76 عامًا، لأن التهديد لم يعد يأتي فقط من روسيا في الشرق، بل من واشنطن نفسها، ومع تقديم مشروع قانون جمهوري للانسحاب من الحلف، وتصريحات ترامب المتكررة المعادية لأوروبا، واستراتيجية أمنية قومية تصف القارة بأنها تواجه «المحو الحضاري»، أصبح السؤال الآن ليس إذا كان الحلف سينجو، بل كيف ستبدو البنية الأمنية الأوروبية بعد عقد من الآن، مع أو من دون الولايات المتحدة.