البحث بالذكاء الاصطناعي... لغات متعددة ونتائج مختلفة

البحث بالذكاء الاصطناعي... لغات متعددة ونتائج مختلفة

 حقق الذكاء الاصطناعي تقدماً هائلاً في معالجة اللغات الطبيعية، مبشراً بعصر جديد من التواصل بين البشر والآلات، ومع ظهور نماذج الذكاء الاصطناعي متعددة اللغات، بدت حدود اللغة والثقافة أقل صرامة، مما أسهم في سد الفجوات والتواصل بين الناس حول العالم.ومع ذلك تكمن وراء هذا الإنجاز الرائع تحديات وتعقيدات عديدة في تدريب هذه النماذج بفعالية تتجلى أحياناً في تزويدنا بنتائج مختلفة ضمن عملية البحث المخصصة لموضوع محدد.

حتى وقت قريب، كانت نماذج اللغات الكبيرة تدرب بصورة أساسية على اللغة الإنجليزية وبعض اللغات الأخرى الشائعة، مما حد من تطبيقها على لغات وسياقات ثقافية أقل شيوعاً، ولمعالجة هذه المشكلة، أصدرت شركة "أوبن أي آي" الأميركية العام الماضي مجموعات بيانات فهم اللغات بلغات ومهام متعددة لتوسيع النطاق العالمي للذكاء الاصطناعي.
يمكن استخدام هذه المجموعة لاختبار قدرة نماذج اللغات على الفهم والاستجابة بـ14 لغة، بما في ذلك العربية والبنغالية والألمانية، وتعد هذه الخطوة مفيدة للشركات التي تواجه حلول الذكاء الاصطناعي ولديها عوائق في دخول الأسواق الناشئة بسبب القيود اللغوية.
ويعد تحقيق التوازن الصحيح بين التقدم التكنولوجي والمسؤولية الأخلاقية أمراً أساساً لإطلاق العنان لكامل إمكانات نماذج الذكاء الاصطناعي متعددة اللغات، مع ضمان خدمتها لجميع المستخدمين بإنصاف، بمعزل عن لغتهم أو ثقافتهم. وفي عالم متزايد الترابط، تعد معالجة هذه التحديات أمراً ضرورياً لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي ونشرها بمسؤولية.

اختلال توازن البيانات والتحيز الثقافي
يعد اختلال التوازن الكامن في توافر بيانات التدريب للغات المختلفة من التحديات الرئيسة في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي متعددة اللغات، فلغات مثل الإنجليزية والصينية تتمتع بوفرة في بيانات النصوص، بينما تتمتع لغات أخرى بموارد محدودة للغاية، وقد يؤدي هذا الاختلال إلى تحيز النماذج تجاه اللغات التي تحوي على بيانات أكثر، مما يؤدي إلى أداء دون المستوى في اللغات الأقل تمثيلاً.
وترتبط اللغة ارتباطاً وثيقاً بالثقافة، وقد تحمل نماذج الذكاء الاصطناعي المدربة على مجموعات بيانات ضخمة تحيزات ثقافية من دون قصد، وقد تتجلى هذه التحيزات في صور نمطية أو محتوى مسيء أو تفضيل لهجات معينة على أخرى،
 على سبيل المثال، قد يكون نموذج الذكاء الاصطناعي متعدد اللغات أفضل في فهم المحتوى وإنتاجه باللغة الإنجليزية الأميركية القياسية، ولكنه يواجه صعوبة في فهم اللغة الإنجليزية العامية الأميركية- الأفريقية.
ويمكن للبحث بلغات مختلفة على تطبيقات الذكاء الاصطناعي،
 أن يعطينا نتائج مختلفة بحسب مصدر اللغة، فإذا كنا سنبحث باللغة العربية عن معلومات سياسية أو دينية تتعلق بالمنطقة العربية فسنجد كميات هائلة ومفصلة عن الموضوع، فيما سيكون البحث باللغة الإنجليزية أكثر محدودية وتحيزاً بتزويده للمستخدمين معلومات قد لا تعكس بالضرورة الصورة الحقيقية على الأرض أو بعدم إعطاء فهم شامل لمجريات الأمور.

تحديات الترجمة والتبديل بين اللغات
وغالباً ما تعتمد نماذج الذكاء الاصطناعي متعددة اللغات على الترجمة الآلية لفهم النصوص وتوليدها بلغات مختلفة. ومع ذلك قد تسبب أخطاء الترجمة عدم دقة وسوء فهم، وقد تضيع الفروق الدقيقة والتعبيرات الاصطلاحية أثناء الترجمة، مما يؤدي إلى سوء فهم لمدخلات المستخدم.

"غوغل" تفلت من أسوأ سيناريو في قضية الاحتكار بفضل الذكاء الاصطناعي
وتحوي لغات عدة على بصمة رقمية محدودة، مما يصعب تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي بفعالية، وقد لا تحوي اللغات قليلة الموارد على بيانات كافية لبناء نماذج لغوية قوية، مما يؤدي إلى ضعف أداء البحث بهذه اللغات ويعوق شمولية الذكاء الاصطناعي.
وفي المجتمعات متعددة اللغات، غالباً ما يلجأ الأشخاص إلى التبديل بين اللغات في المحادثة الواحدة، لذا يجب أن تتكيف نماذج الذكاء الاصطناعي مع أنماط التبديل بين اللغات هذه، والتي قد تكون معقدة وتعتمد على السياق، وهذا الأمر يضيف مستوى آخر من الصعوبة إلى عملية التدريب.

التحيز وعدم الإنصاف في نماذج الذكاء الاصطناعي متعددة اللغات
تعد معالجة التحيز وضمان الإنصاف أمراً بالغ الأهمية عند تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي متعددة اللغات، ويمكن أن يتسرب التحيز إلى هذه النماذج بطرق مختلفة إذ يمكن أن يؤدي التحيز في بيانات التدريب، 
الناتج من التباينات التاريخية أو انتشار مصادر لغوية معينة، إلى تفضيل نماذج الذكاء الاصطناعي للغات أو لهجات معينة، كما يمكن أن ترث نماذج الذكاء الاصطناعي التحيزات الثقافية من بيانات النصوص التي تدربت عليها، مما يرسخ الصور النمطية، ويعزز التمييز من دون قصد.
ومن المحتمل أن تظهر نماذج الذكاء الاصطناعي متعددة اللغات تحيزاً في ما يتعلق بالجنس أو العرق أو جوانب أخرى من الهوية، ومن ثم تؤدي إلى استجابات متحيزة لاستفسارات المستخدمين، فيما قد تعطي النماذج الأولوية للغات السائدة على غيرها، مما يعزز التسلسلات اللغوية ويضعف البحث إلى درجة كبيرة في اللغات الأقل انتشاراً.

كيفية الحد من التحيز وضمان العدالة
لمواجهة هذه التحديات وتعزيز الإنصاف في نماذج الذكاء الاصطناعي متعددة اللغات، يتخذ الباحثون والمطورون خطوات عدة، فباتوا يعملون على بيانات تدريب أكثر تنوعاً ويشمل ذلك اللغات واللهجات الأقل تمثيلاً، وذلك للحد من التحيز وتحسين أداء البحث.
وتقوم شركات الذكاء الاصطناعي الشهيرة حالياً بإجراء عمليات تدقيق منتظمة لتحديد التحيز في نماذج الذكاء الاصطناعي والحد منه. ويشمل ذلك تقييم استجابات النموذج للتحقق من الإنصاف، وإزالة البيانات المتحيزة أو إعادة تدريبها.
ويسعى المطورون بنشاط للحصول على ملاحظات مستخدمي أنظمة الذكاء الاصطناعي متعددة اللغات لتحديد ومعالجة المشكلات المتعلقة بالتحيز، أو المحتوى المسيء، أو المخاوف المتعلقة بالإنصاف،
 فيما تعمل فرق تعاونية في شركتي "أوبن أي آي" و"مايكروسوفت" الأميركيتين تضم لغويين وخبراء أخلاق وعلماء اجتماع معاً لضمان اتباع نهج شامل لتدريب وتقييم نماذج الذكاء الاصطناعي متعددة اللغات وتوفير تجربة بحث موضوعية وغير متحيزة، وهذا سيتطلب بطبيعة الحال عملاً شاقاً سيمتد لأعوام.