بعد ستة وعشرين عامًا من اتفاقيات دايتون

البوسنة والهرسك: شبح حرب جديدة...!

البوسنة والهرسك: شبح حرب جديدة...!

   في البوسنة والهرسك، أصبح التوازن المؤسسي الهش بين الصرب والبوسنيين والكروات في خطر، بعد ستة وعشرين عامًا من اتفاقيات دايتون التي سمحت بعودة السلام إلى سراييفو.

   عادت الشياطين القديمة إلى البوسنة، إلى درجة أنه بعد 26 عامًا من اتفاقيات دايتون التي أنهت الصراع الأكثر دموية على الأراضي الأوروبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (100 ألف قتيل)، شبح صدام جديد بين المجتمعات الصربية (الأرثوذكسية) والبوسنية (المسلمين) والكرواتية (الكاثوليكية) يحوم فوق هذه الدولة الصغيرة في البلقان.
   وقد حذر الممثل الدولي الاعلى كريستيان شميدت، في تقرير قدمه إلى مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي، من أن البوسنة معرضة لـ “أكبر تهديد وجودي في فترة ما بعد الحرب”، وأنه “بدون جهود جادة لمواجهة الانفصال الصربي والمقاطعة الكرواتية للانتخابات، يمكن أن تتفكك سياسيًا في الأشهر الثمانية عشر المقبلة”، حذر من جانبهما ماركو بريليك وأشيش برادهان، الخبيرين في مجموعة الأزمات الدولية.
  إن الوضع مقلق بما يكفي ليكون أحد الموضوعات ذات الأولوية لمجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي.
   إن توازن القوى الهش، الذي نشأ عام 1995، مهدد اليوم. انه يقوم على أساس تسوية متذبذبة تقسّم البلاد إلى منطقتين تتمتعان بالحكم الذاتي، واحدة للجالية الصربية (جمهورية صربسكا) والأخرى للبوسنيين والكروات (اتحاد البوسنة والهرسك). من الناحية النظرية، للكيانين مؤسسات مشتركة، ولا سيما الرئاسة الجماعية. في الواقع، لم تعمل هذه الأخيرة حقًا. ورغما عنها، تعايشت البلاد مع هذا الشلل، حيث تعيش على حقن المساعدات الدولية، وتقبل بسيادة محدودة، بما أن الممثل الدولي الأعلى لا يزال هو أعلى سلطة سياسية.
الهجوم الانفصالي
للكيان الصربي
   لكن تسوية دايتون هذه، تعثرت منذ أن فرض الممثل الأعلى قانونًا في يوليو يحظر الاعتذار عن جرائم الحرب. أثار النص الغضب بين القوميين الصرب الذين ما زالوا ينكرون الإبادة الجماعية في سريبرينيتشا في يوليو 1995.
 ميلوراد دوديك، رئيس جمهورية صربسكا، رأى فيه فرصة لإحياء خطابه المناهض للبوسنة، وهجماته ضد الدولة المركزية. ومقاطعا المؤسسات البوسنية، يقاتل هذا المعتدل السابق، من أجل تقسيم البلاد على أسس عرقية.
   في الشهر الماضي، جعل برلمانه يصادق على إنشاء وكالة ادوية مستقلة، ويهدد الآن بمغادرة الأنظمة القانونية والضريبية المشتركة.
وخصوصا، وعد، بحلول نهاية نوفمبر، بتأسيس جيشه الخاص. وفي هجومه الانفصالي، وجد دوديك دعمًا غير متوقع من الكروات. ومع ذلك، فإن هؤلاء هم الحلفاء التقليديون للبوسنيين، لكنهم منذ أشهر يتصارعون بسبب تعديل مقترح لقانون الانتخابات، بينما من المقرر إجراء الانتخابات العامة في غضون عام.
    سراييفو، يهيمن القلق ... والعودة الى ردود أفعال السنوات المظلمة: يخزّن بعض البوسنيين الغذاء، بينما يسحب آخرون مدخراتهم من البنوك، أو يشترون أسلحة من السوق السوداء.
 حركة هلع مبالغ فيها؟ ليس بالضرورة، كما يقول حمزة كارسيتش، الأستاذ المساعد في جامعة سراييفو، “العديد من عناصر الأزمة الحالية تذكّر بنهاية عام 1991، عندما بدأ قادة صرب البوسنة في إنشاء مراكز قوة موازية”، يذكّر الباحث... بعد بضعة أشهر، اندلعت الحرب.

سلوفينيا والمجر وروسيا
 في دعم الموالين للصرب
   إن الوضع أكثر قابلية للاشتعال حيث تتورط بلدان مجاورة، بما ان أحلام صربيا الكبرى أبعد ما تكون عن النسيان. رئيس الوزراء السلوفيني المتشدد، يانيز جانسا، الذي يتولى حاليًا الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي، ينفخ على الجمر أيضًا، من خلال تأييده الضمني لمبادرة دوديك. في الأسبوع الماضي، كان رئيس الحكومة المجرية، فيكتور أوربان، هو من قام برحلة إلى جمهورية صربسكا لمنحها دعمه. أخيرًا، يتمتع دوديك بمباركة روسيا، التي يسعدها رؤية بؤرة توتر جديدة تنشأ عند بوابات الاتحاد الأوروبي.
   أما في بروكسل، رغم خطر اندلاع حريق هائل، لا تزال ردود الفعل خجولة للغاية، يتحسّر حمزة كارسيتش، “لقد أرسل الاتحاد الأوروبي مسؤولاً رفيعاً فقط لمناقشة إصلاح قانون الانتخابات، إنه في قطيعة كليّة مع الوضع”. تضغط ألمانيا لفرض عقوبات على دوديك، لكنها عقوبات غير مرجحة أمام تباين مواقف السبع والعشرين.
   تبقى الولايات المتحدة، عرّاب اتفاقيات دايتون.
 في الأيام الأخيرة، أرسلت مبعوثها الخاص، غابرييل إسكوبار. بعد لقاء مع دوديك، كان مطمئنًا، واستبعد أي احتمال للحرب، بل زعم أن زعيم صرب البوسنة مستعد لتقديم تنازلات. هذا الأخير، مع ذلك، استخدم خطابا معاكسا، وقال “سنمضي إلى نهاية الطريق... لا نريد بوسنة موحدة كما يراها الأمريكيون والغربيون».

عن لو جورنال دي ديمانش