الأزمة الأوكرانية:

التهديد الروسي، يبعث حلف الناتو من رماده...!

التهديد الروسي، يبعث حلف الناتو من رماده...!

-- الأزمة الحالية حول أوكرانيا أعطته فرصة جديدة للحياة وسببا للوجود»، كما لو أنها عودة للأصول
-- يدرس الأطلسي تعديلات طويلة المدى لوجوده في الجزء الشرقي من الحلف
-- تدل هذه الأزمة على أن الحلف لا يزال يُعتبر المرجع الكبير للأمن في العديد من الدول الأوروبية
-- حصل بوتين على عكس ما كان يبحث عنه، وذكَّر أعضاء الناتو بأن التهديد الروسي لا يزال مستمرًا


   انتُقد من جميع الأطراف في السنوات الأخيرة، يجد الحلف الأطلسي نفسه وقد استعاد روحه بسبب المخاوف التي أثارتها موسكو بشأن الأمن الأوروبي.
  لقد أيقظ صوت الأحذية الروسية الناتو مرتجفا...

ووصلت أول مفرزة من الجنود الأمريكيين إلى رومانيا الثلاثاء الماضي لتعزيز الجبهة الشرقية للتحالف، وسط مخاوف من هجوم روسي على أوكرانيا. وحرصًا على تهدئة مخاوف بعض حلفائه، وافق الرئيس الأمريكي جو بايدن الأسبوع الماضي على نشر 3000 جندي إضافي في أوروبا -منها 1700 في بولندا و1000 في رومانيا و300 في ألمانيا.

   وكانت برلين قد أعلنت قبل ذلك بيوم عن إرسال 350 جنديًا إلى ليتوانيا لدعم الحلف في شمال أوروبا، بينما وضعت الدنمارك إحدى كتائبها تحت امرة الناتو في حالة تأهب. وحتى فرنسا -التي تدعو إلى الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي -كانت قد اشارت في نهاية يناير الى نشر “عدة مئات” من الجنود في رومانيا كجزء من عملية الناتو.

سنوات صعبة
   قد لا يكفي القول إن الحلف الأطلسي يعود من بعيد، هو الذي جمّدته في السنوات الأخيرة الانقسامات الداخلية وحملات التشكيك والمراجعات، المدويّة في بعض الأحيان. لم ينس أحد عبارة إيمانويل ماكرون، مشخّصا “موته السريري” عام 2019. وقبل ثلاث سنوات، بدأ دونالد ترامب، وهو مرشح للبيت الأبيض حينها، العمل على تقويضه، واصفًا الناتو بأنه “عفا عليه الزمن”. وألقى انتخابه بظلال من الشك على مصداقية الضمان الأمني الأمريكي.
   ومؤخراً، كانت تركيا -العضو في حلف شمال الأطلسي منذ عام 1952 -قد عرّضت وحدة الحلف الى الخطر، بين شرائها عام 2017 صواريخ روسية مضادة للطائرات اس-400، وعملية عسكرية شنتها عام 2019 في سوريا ضد القوات الكردية المتحالفة مع الغرب، أو حتى استفزازاتها في البحر الأبيض المتوسط ضد اليونان.

   وأنهى الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، بعد 20 عاما من الوجود الغربي، تعتيم الصورة. “انها أكبر كارثة عانى منها الناتو منذ تأسيسه، وما نواجهه هو تغيير للعصر”، انتقد الألماني أرمين لاشيت، في ذلك الوقت، رئيس حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي. “كانت هناك تساؤلات حول دور الناتو وجدواه منذ عدة سنوات، يلاحظ أوليفييه كيمبف، الباحث المشارك في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية، لكن الأزمة الحالية حول أوكرانيا أعطته فرصة جديدة للحياة وسببا للوجود”.
وكما لو أنها عودة للأصول بالنسبة للحلف الأطلسي، الذي تم إنشاؤه عام 1949 لحماية أوروبا الغربية من الميول التوسعية السوفياتية.

«المرجع الكبير أمنيا»
   في الواقع، رفض الغرب مطالب الكرملين بشأن إنهاء سياسة توسيع الناتو وسحب معداته العسكرية من أوروبا الشرقية. “خلال هذه الأزمة، حصل بوتين على عكس ما كان يبحث عنه، وذكَّر أعضاء الناتو بأن التهديد الروسي لا يزال مستمرًا، ليس فقط لأوكرانيا، ولكن أيضًا للنظام الأمني الأوروبي بأكمله”، يشير ألكسندر فيرشبو، الباحث في المجلس الأطلسي ونائب الأمين العام السابق لحلف الناتو.
   في السويد وفنلندا، وكلاهما من غير الأعضاء في الحلف، أدى ضغط موسكو إلى إحياء المناقشات حول إمكانية الانضمام إلى الناتو -إذا دعت الحاجة إلى ذلك. وقالت رئيسة الوزراء السويدية ماجدالينا أندرسون في أوائل يناير: “النظام الأمني الأوروبي غير قابل للتفاوض... في السويد، نحدد سياستنا الخارجية والأمنية ونقرر مع من نختار التعاون».

  نفس الاحتجاج في دول البلطيق: “لن نوافق على أي اتفاق من شأنه أن يؤثر سلبًا على أمن إستونيا أو يقوض الدفاع الجماعي لحلف الناتو”، حذّرت رئيسة الوزراء الإستونية كاجا كالاس في منتصف يناير، مكثفة الدعوات منذئذ، الى تعزيز وجود الحلفاء في شمال أوروبا. “هذه الأزمة تدل على أن الحلف لا يزال يُعتبر المرجع الكبير للأمن في العديد من الدول الأوروبية”، يلخص ألكسندر فيرشبو.

التعزيز المستدام؟
    شيء يدعو إلى التفكير قبل اعتماد “مفهومه الاستراتيجي” الجديد في قمة مدريد في يونيو 2022. تهدف هذه الوثيقة المركزية -التي يعود تاريخها الأخير إلى عام 2010 -إلى توجيه التطور السياسي والعسكري للحلف، على مدى السنوات المقبلة. “يمكن توقع أن يطلب حلفاء أوروبا الشرقية التركيز على مهام الدفاع الإقليمية ضد روسيا، والتخلي، جزئيًا على الأقل، عن الطبيعة الاستكشافية لـ الناتو الذي ربما ساد في الماضي”، يتوقع إيميلي زيما، باحث في مركز ثيوسيديدس (بانثيون أساس)، متخصص في الناتو.

   وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أكد الأمين العام لحلف الناتو، أن الخطوط تتحرك. “نحن ندرس تعديلات طويلة المدى لوجودنا في الجزء الشرقي من الحلف. لم يتم اتخاذ قرار نهائي في هذا الشأن، لكن هناك عملية جارية داخل الناتو”، صرح ينس ستولتنبرغ من بروكسل.
    من المقرر أن يستمر حشد القوات على الجناح الشرقي للحلف. “طالما لا توجد علامة واضحة على تخفيف التوتر من قبل روسيا، فسيكون مستبعدا تمامًا قبول حلفاء أوروبا الشرقية بالانسحاب”، تلخص أميلي زيما.

   في نهاية قمة وارسو لعام 2016 -أي بعد عامين من ضم شبه جزيرة القرم من قبل روسيا -قرر الحلف إنشاء وجود معزز للقوات في دول البلطيق وبولندا بنشر أربع كتائب متعددة الجنسيات بالتناوب... لم يتم تسريح هؤلاء أبدا.