رئيس الدولة ومحمد بن راشد يبحثان جهود تعزيز التنمية الوطنية والازدهار الذي يحققه الاقتصاد الوطني
بعد 20 عامًا
الحادي عشر من سبتمبر، كل الذي انهار في ذلك اليوم...!
- بدت كلمة «إرهاب» على الفور كما لو عفا عليها الزمن بالنظر إلى حجم الحدث
- غطى المدينة نوع من السحابة كريهة الرائحة، كما لو كانت جزيئات الموتى والصلب مختلطة معًا تتساقط
- محاكمة التفجيرات الانتحارية بالشاحنات في البلدان البعيدة، بدت وكأنها معسكر تدريب لما سيأتي إلى نيويورك بالطائرات بعد ثلاث سنوات
- لن نكون حذرين بعد الآن من مجرد القنابل الموجودة في الأمتعة أو الأسلحة... يمكن أن تكون جميع الأجساد صواعق
أتذكر السماء زرقاء تمامًا... أتذكر صوت الإطارات على الامتداد الفولاذي لجسر فيكتوريا الذي أجبرني على رفع مستوى صوت الراديو. الشيء نفسه دائمًا: بمجرد أن ترغب حقًا في الاستماع إلى شيء ما على الراديو، هناك تداخل. لكن ما منعني من الاستماع هو الكلمات نفسها... إنها تشكل صورة غير مقبولة.
طائرة ملتصقة بمركز التجارة العالمي؟ تخيلت طيارًا مجنونًا في طائرة سيسنا.
طائرتان... لقد كان عملا حربيا.
بدت كلمة “إرهاب” على الفور، كما لو عفا عليها الزمن بالنظر إلى حجم الحدث.
لم تتعرض الولايات المتحدة من قبل لمثل هذا الاعتداء. عندما هاجم اليابانيون بيرل هاربور في 7 ديسمبر 1941، قتلوا 2403 أشخاص. ما يقارب 11 سبتمبر، ولكن في قاعدة عسكرية في أرخبيل هاواي، وهي منطقة بعيدة وغريبة وسط المحيط الهادئ، وهي منطقة أمريكية لم تكن حتى دولة.
أتذكر السماء الزرقاء تمامًا، لأنها كانت تشبه سماء نيويورك... تلك السماء المجاورة تقريبا لبيتنا.
أتذكر ذلك أيضًا، لأنني عندما أرى صور تلك الطائرات العملاقة تشعل البرجين التوأمين ألف مرة، فإن الجزء الحيواني في عقلي يطلب نوعًا من الإنذار عن أحوال الطقس الذي لا يأتي أبدًا.
في مذكراته عن هيروشيما، يقتبس الكاتب كنزابورو السطر الأخير من اليوميات التي تم العثور عليها بعد انفجار القنبلة الذرية الأمريكية: “فجر رائع، سماء أرجوانية. «
لا شيء سيء يمكن أن ينشأ من مثل هذه السماء الناعمة ...
أكملنا عددا من الجريدة في ساعتين أو ثلاث ساعات، وتم توزيعه بعد ظهر ذلك اليوم. سافر الصحفيون إلى نيويورك. سافرت مع المصور بيير ماكان إلى بنسلفانيا. كانت هناك طائرة على كل برج من البرجين التوأمين، والثالثة في البنتاغون، أما الرابعة، التي كان من المفترض أن تضرب مبنى الكابيتول، فقد تحطمت في حقل في شانكسفيل، وهي قرية صغيرة يسكنها 245 شخصًا. سمح تأخير الإقلاع للركاب بمعرفة ما حدث في نيويورك، وأنهم كانوا على متن قنبلة طائرة. اتصل بعض الركاب بذويهم: “أنا أحبك، أعتني بنفسك، سأموت ...”، ثم قاموا بتحطيم الطائرة في تلك الحقول، بدلاً من هدف الإرهابيين.
في طريقنا إلى ذاك الحقل المفقود، عند الغسق، مررنا بعربة تجرها الخيول، كان راكبوها من الأميش. كثيرا ما أفكر مجددا في ذاك المشهد. كانوا يركبونها كما يفعلون قبل ثلاثة قرون، بنفس القمصان القطنية، ونفس القبعات المصنوعة من القش. كانوا يقودون على جانب الطريق، وكأنهم يبتعدون عن حقل التاريخ الدموي، وعلى بعد مسافة كافية لتتظاهر بأنك لست واحدًا منهم... فقط، قريبة بما يكفي لترسل لي الانعكاس الزائف لعالم متخيل مسالم وعابر.
توقفنا عشوائيا على الطريق لتناول العشاء. كان جنود منتشرون في مكان قريب على الطاولات المجاورة لنا. مراهقون، حقًا: لم يبلغوا حتى 20 عامًا. لا يعرفون أين، ولا متى، لكن لم يكن هناك شك في أذهانهم بأنهم سيذهبون للحرب في مكان ما. كانت حتمية... كان مصيرهم. وأستطيع أن أقرأ الإصرار في أعينهم مثل العاهرة، لكن في نهاية يوم مثل هذا، نقرأ جيدا ما نريد، نقرأ جيدا ما نستطيع.
في شانكسفيل في صباح اليوم التالي، كانوا يعرفون أنه على متن الرحلة 93، قال أحد الركاب، “لنتحرك!”، وهو يهرع مع آخرين إلى قمرة القيادة.
أخبرتني سيدة أنها كانت تشاهد التلفاز ذلك الصباح وهي تفكر، “نحن محظوظون جدًا لأننا نعيش هنا، لم يحدث شيء سيء هنا على الإطلاق. بعد ذلك مباشرة، تحطمت طائرة الرحلة 93 التابعة لشركة يونايتد إيرلاينز وكأنها زلزال خلف منزلها.
شعرت هذه المدينة الصغيرة في أمريكا، بما شعرت به الدولة بأكملها بدرجات متفاوتة: هذه الأشياء لا تحدث هنا... لا في شانكسفيل، ولا في مانهاتن، ولا في واشنطن.
* * *
بعد خمسة أسابيع من الهجمات، كان حطام “جراوند زيرو” لا يزال يدخن. وغطت المدينة نوع من السحابة كريهة الرائحة، كما لو كانت جزيئات الموتى والصلب مختلطة معًا تتساقط.
كنت في نيويورك لحضور إصدار حكم رسمي بحق أربعة إرهابيين من القاعدة.
لأنه ليس صحيحًا، بالطبع، أن أحداث 11 سبتمبر انبثقت من سماء زرقاء. كان هؤلاء الأربعة قد شاركوا في هجومين متزامنين على السفارتين الأمريكيتين في تنزانيا وكينيا عام 1998: 224 قتيلاً و4500 جريح، في أول تمظهر لجماعة إرهابية تسمى “القاعدة».
ردّ الرئيس بيل كلينتون بسرعة من خلال إطلاق صواريخ كروز على معسكرات تدريب الإرهابيين في السودان وأفغانستان. وأرسل مكتب التحقيقات الفيدرالي 900 عميل إلى إفريقيا وحدد 20 شريكًا. وعلى رأس لائحة الاتهام: اسمه أسامة بن لادن. لقد نجحنا في إعادة ومحاكمة أربعة إرهابيين في نيويورك. وانتهت محاكمتهم في مايو 2001، قبل ثلاثة أشهر من هجمات 11 سبتمبر. وكان المدعي العام الفيدرالي قد طلب عقوبة الإعدام، الا ان هيئة المحلفين اختارت السجن مدى الحياة. وبين توصية هيئة المحلفين والحكم الرسمي الذي أصدره القاضي، كان هناك 11 سبتمبر... لنقل أنّ الجو قد تغير في المدينة ...
بدت محاكمة التفجيرات الانتحارية بالشاحنات في البلدان البعيدة وكأنها معسكر تدريب لما كان سيأتي إلى نيويورك بالطائرات بعد ثلاث سنوات.
كلمات “الإرهاب”، “أسامة بن لادن”، و “القاعدة”، التي بدت غريبة في ربيع 2001 في هذه القاعة، يتردد صداها الآن بشكل مأساوي. لو كان على هيئة المحلفين أن تحكم عليهم بعد 11 سبتمبر، لست متأكدا من أنهم كانوا سيهربون من عقوبة الإعدام.
ولكن، في ذلك اليوم من شهر أكتوبر 2001، لم يكن أمام القاضي الفيدرالي أي خيار سوى المصادقة على التوصية، بينما، على بعد بضعة شوارع على طول الطريق، كانوا لا يزالون يحفرون بين الأنقاض المشتعلة.
* * *
فكرت في تلك المحاكمة بعد بضع سنوات. كان ذلك عام 2007 في أوتاوا. وقد اجتمع عدد من القانونيين البارزين وخبراء الإرهاب الدولي. كانت المسألة تتعلق بصعوبة تحقيق العدالة في بيئة مرتعبة. منذئذ اندلعت حرب في أفغانستان والعراق، وكانت هناك هجمات مدريد عام 2004، ولندن عام 2005. وكان السديم الإرهابي لا يزال يضرب.
«قد لا يكون هناك ثقب أسود في القانون، حتى في أوقات الحرب، لكن السؤال هو أي قانون ينطبق. في مثل هذه الحالات، تكون قرارات الرئيس هي القانون، ويمكن مقارنة أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالغزو.
يقول أنتونين سكاليا، القاضي في المحكمة العليا الامريكية، عام 2007 “أولئك الذين يؤمنون بوجود توازن مثالي بين الأمن وحقوق الإنسان، هم حالمون... ما هو معقول كحد للحريات يعتمد على طبيعة التهديد».
وبالفعل، في أسابيع الذعر التي أعقبت 11 سبتمبر 2001، تمت إعادة صياغة القوانين الجنائية الأمريكية. جعل المحامون تعذيب السجناء قانونيا، وتم اعتبار المشتبه بهم الذين اعتُقلوا في أفغانستان وأماكن أخرى “مقاتلين أعداء”، واحتُجزوا في قاعدة غوانتانامو العسكرية في كوبا، التي استضافت ما يصل إلى 780 شخصًا.
بالكاد تم إجراء ثماني محاكمات، منها محاكمة سائق بن لادن، ومسؤول دعاية من القاعدة الكندي عمر خضر، الذي اعتقل في سن 15، وأقر بأنه مذنب ليتم ترحيله إلى كندا -حيث حصل على تعويض الحكومة عن الإساءات التي تعرض لها.
لكن لا يزال هناك 40 معتقلاً. معظمهم كانوا هناك منذ 17 عامًا على الأقل. أشهرهم، خالد الشيخ محمد، العقل المدبر لأحداث 11 سبتمبر، ينتظر المحاكمة مع أربعة شركاء آخرين. كما يُنسب إليه تفجير عام 1993 لموقف سيارات تحت الأرض لمركز التجارة العالمي (ستة قتلى، 1045 جريحًا)، والهجوم على المدمرة يو إس إس كول عام 2000 (قتل 17 بحارًا).
ولا تزال محاكمتهم في جرائم القتل التي ارتكبت في 11 سبتمبر في حق 2976 قيد التأجيل؛ تولى نصف دزينة من القضاة مسؤولية الملف قبل أن يتناوبوا على التقاعد؛ الشيء نفسه ينطبق على المدعين. ومن المفترض أن يحاكموا أمام محكمة عسكرية خاصة، لكن مناقشات طويلة لا تزال متوقعة. الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب هي من حيث المبدأ غير مقبولة في المحاكم. وعاش الشيخ محمد حالات من “الغرق الوهمي” 183 مرة، بالإضافة إلى العديد من الأساليب الأخرى التي تعتبر غير قانونية (وغير فعالة) قبل 11 سبتمبر.
يبدو الأمر كما لو أننا لا نعرف حقًا كيف نحكم عليهم، الى درجة أننا ننحرف عن مبادئ العدالة التي تفتخر بها البلاد، ناهيك عن المعاهدات الدولية التي كان الأمريكيون يروجون لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وكأنّ هناك ارتباكًا أخلاقيًا يمنعنا من المضي قدمًا بصراحة في هذه الأرض الحرام القانونية والجغرافية.
أغلقت محاكمات 24 مسؤولاً نازياً في نورمبرغ عام 1946، ومحاكمة 909 من مجرمي الحرب اليابانيين عام 1948، بعد ثلاث سنوات من انتهاء الحرب.
* * *
كان هناك شيء ما يدور في رأسي منذ شهور.
لقد شهد العالم تفجيرات انتحارية، وكنا نعلم أن الجماعات الإرهابية يمكنها تجنيد الناس هنا وهناك من أجل “مهام” إرهابية بعيدة. ولكن 19 رجلاً؟ في الأراضي الأمريكية؟ في خطة تمتد لعدة سنوات؟ بعضهم أخذ دروساً في الطيران في الولايات المتحدة لأشهر، دون خيانة، ودون انحراف عن مشروعهم؟
بالنسبة لي، كان من أصعب الأشياء للاستيعاب عقليًا: الانضباط الصلب لهؤلاء الرجال لإنجاز مذبحة ثمنها حياتهم.
وهذا بالطبع ما سيغير عالم الأمن. لن نكون حذرين بعد الآن من مجرد القنابل الموجودة في الأمتعة أو الأسلحة... يمكن أن تكون جميع الاجساد صواعق.
وإذا وجدت نفسي أغطي دورة ألعاب أولمبية، فهذا كان يعني انه “في حال وقوع هجوم إرهابي”، بعد ستة أشهر في سولت ليك سيتي عام 2002.
أتذكر أصوات طائرات الهليكوبتر وهي تصمت حول الاستاد الأولمبي مساء فبراير. يو يو ما، بالفيولونسيل، وستينغ، وحيدان في منتصف المسرح، يغنيان “هش»:
إذا تدفق الدم واللحم والصلب يشكلان واحدا
وهو يتجفف بألوان الشفق
ستزيل مطر الغد كل البقع
لكن شيئًا سيبقى معنا دائمًا
* * *
جاء دونالد ترامب إلى حياتنا بعد 15 عامًا من أحداث 11 سبتمبر. وهو في جزء منه، سليل تلك التراجيديا.
أنا لا أتحدث فقط عن حظر الهجرة من دول إسلامية معينة، أو الخطاب الحذر حول الهجرة، ولا حتى الحنين إلى جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى.
ما أدهشني دائمًا بشأن ترامب، هو تجاهله الصريح للمؤسسات الأمريكية. أي رئيس أمريكي آخر سخر من أجهزة مخابراته؟ من شرطته الفيدرالية؟ من العدالة الأمريكية؟ من المؤسسات الدولية؟ من الحكومة نفسها؟ وحتى من النظام الانتخابي؟
في الواقع، كلهم فشلوا إلى حد ما في المهمة. وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفدرالي، رغم التقارير، لم يتمكنا من منع الهجمات. وشن الرئيس بوش حربا على العراق بذرائع كاذبة، خلافا لنصيحة الأمم المتحدة، ووافق عليها المسؤولون الأمريكيون المنتخبون. ومنها وُلد تنظيم داعش ، وهو جماعة إرهابية جديدة. لم يمنع تفكيك القاعدة في أفغانستان التورط العسكري -ولا العودة السريعة لطالبان.
لا ينبغي أن يكون مفاجئًا أن تسمع الكثير من الناس يقولون “إنهم يكذبون علينا” أو ينددون بعدم كفاءة الحكومة.
كيف نفسر أن “أقوى رجل في العالم” يُظهر الكثير من العداء تجاه “النظام” الذي يقوده؟ وان عددا كبيرا من الناس يصدقونه عندما يندد بتزوير النظام الانتخابي الذي أوصله إلى السلطة؟ تعود جذور أحد الأسباب، إلى ذلك اليوم القاتل الذي دشن القرن الأمريكي الحادي والعشرين.
لا أعرف ما إذا كان الشعور بالضعف يأتي من 11 سبتمبر، أو ما إذا كان 11 سبتمبر تجسيدا له... لكننا لا نصرخ لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى! إذا لم نشعر بالضعف.
نقاشاتنا حول “التوافق المعقول” و “العلمانية”، التي تستهدف، خصوصا، الوجود الإرهابي بيننا لم تأت عن طريق الصدفة.
* * *
رغم أنني أفكر في الأمر بشكل أقل، فأنا أعلم أن كل الذي انهار صباح ذاك الثلاثاء قد هزنا إلى الأبد... ولا يزال صداه يتردد بأشكال عديدة، بما أننا نعيش تحت السماء نفسها .
- غطى المدينة نوع من السحابة كريهة الرائحة، كما لو كانت جزيئات الموتى والصلب مختلطة معًا تتساقط
- محاكمة التفجيرات الانتحارية بالشاحنات في البلدان البعيدة، بدت وكأنها معسكر تدريب لما سيأتي إلى نيويورك بالطائرات بعد ثلاث سنوات
- لن نكون حذرين بعد الآن من مجرد القنابل الموجودة في الأمتعة أو الأسلحة... يمكن أن تكون جميع الأجساد صواعق
أتذكر السماء زرقاء تمامًا... أتذكر صوت الإطارات على الامتداد الفولاذي لجسر فيكتوريا الذي أجبرني على رفع مستوى صوت الراديو. الشيء نفسه دائمًا: بمجرد أن ترغب حقًا في الاستماع إلى شيء ما على الراديو، هناك تداخل. لكن ما منعني من الاستماع هو الكلمات نفسها... إنها تشكل صورة غير مقبولة.
طائرة ملتصقة بمركز التجارة العالمي؟ تخيلت طيارًا مجنونًا في طائرة سيسنا.
طائرتان... لقد كان عملا حربيا.
بدت كلمة “إرهاب” على الفور، كما لو عفا عليها الزمن بالنظر إلى حجم الحدث.
لم تتعرض الولايات المتحدة من قبل لمثل هذا الاعتداء. عندما هاجم اليابانيون بيرل هاربور في 7 ديسمبر 1941، قتلوا 2403 أشخاص. ما يقارب 11 سبتمبر، ولكن في قاعدة عسكرية في أرخبيل هاواي، وهي منطقة بعيدة وغريبة وسط المحيط الهادئ، وهي منطقة أمريكية لم تكن حتى دولة.
أتذكر السماء الزرقاء تمامًا، لأنها كانت تشبه سماء نيويورك... تلك السماء المجاورة تقريبا لبيتنا.
أتذكر ذلك أيضًا، لأنني عندما أرى صور تلك الطائرات العملاقة تشعل البرجين التوأمين ألف مرة، فإن الجزء الحيواني في عقلي يطلب نوعًا من الإنذار عن أحوال الطقس الذي لا يأتي أبدًا.
في مذكراته عن هيروشيما، يقتبس الكاتب كنزابورو السطر الأخير من اليوميات التي تم العثور عليها بعد انفجار القنبلة الذرية الأمريكية: “فجر رائع، سماء أرجوانية. «
لا شيء سيء يمكن أن ينشأ من مثل هذه السماء الناعمة ...
أكملنا عددا من الجريدة في ساعتين أو ثلاث ساعات، وتم توزيعه بعد ظهر ذلك اليوم. سافر الصحفيون إلى نيويورك. سافرت مع المصور بيير ماكان إلى بنسلفانيا. كانت هناك طائرة على كل برج من البرجين التوأمين، والثالثة في البنتاغون، أما الرابعة، التي كان من المفترض أن تضرب مبنى الكابيتول، فقد تحطمت في حقل في شانكسفيل، وهي قرية صغيرة يسكنها 245 شخصًا. سمح تأخير الإقلاع للركاب بمعرفة ما حدث في نيويورك، وأنهم كانوا على متن قنبلة طائرة. اتصل بعض الركاب بذويهم: “أنا أحبك، أعتني بنفسك، سأموت ...”، ثم قاموا بتحطيم الطائرة في تلك الحقول، بدلاً من هدف الإرهابيين.
في طريقنا إلى ذاك الحقل المفقود، عند الغسق، مررنا بعربة تجرها الخيول، كان راكبوها من الأميش. كثيرا ما أفكر مجددا في ذاك المشهد. كانوا يركبونها كما يفعلون قبل ثلاثة قرون، بنفس القمصان القطنية، ونفس القبعات المصنوعة من القش. كانوا يقودون على جانب الطريق، وكأنهم يبتعدون عن حقل التاريخ الدموي، وعلى بعد مسافة كافية لتتظاهر بأنك لست واحدًا منهم... فقط، قريبة بما يكفي لترسل لي الانعكاس الزائف لعالم متخيل مسالم وعابر.
توقفنا عشوائيا على الطريق لتناول العشاء. كان جنود منتشرون في مكان قريب على الطاولات المجاورة لنا. مراهقون، حقًا: لم يبلغوا حتى 20 عامًا. لا يعرفون أين، ولا متى، لكن لم يكن هناك شك في أذهانهم بأنهم سيذهبون للحرب في مكان ما. كانت حتمية... كان مصيرهم. وأستطيع أن أقرأ الإصرار في أعينهم مثل العاهرة، لكن في نهاية يوم مثل هذا، نقرأ جيدا ما نريد، نقرأ جيدا ما نستطيع.
في شانكسفيل في صباح اليوم التالي، كانوا يعرفون أنه على متن الرحلة 93، قال أحد الركاب، “لنتحرك!”، وهو يهرع مع آخرين إلى قمرة القيادة.
أخبرتني سيدة أنها كانت تشاهد التلفاز ذلك الصباح وهي تفكر، “نحن محظوظون جدًا لأننا نعيش هنا، لم يحدث شيء سيء هنا على الإطلاق. بعد ذلك مباشرة، تحطمت طائرة الرحلة 93 التابعة لشركة يونايتد إيرلاينز وكأنها زلزال خلف منزلها.
شعرت هذه المدينة الصغيرة في أمريكا، بما شعرت به الدولة بأكملها بدرجات متفاوتة: هذه الأشياء لا تحدث هنا... لا في شانكسفيل، ولا في مانهاتن، ولا في واشنطن.
* * *
بعد خمسة أسابيع من الهجمات، كان حطام “جراوند زيرو” لا يزال يدخن. وغطت المدينة نوع من السحابة كريهة الرائحة، كما لو كانت جزيئات الموتى والصلب مختلطة معًا تتساقط.
كنت في نيويورك لحضور إصدار حكم رسمي بحق أربعة إرهابيين من القاعدة.
لأنه ليس صحيحًا، بالطبع، أن أحداث 11 سبتمبر انبثقت من سماء زرقاء. كان هؤلاء الأربعة قد شاركوا في هجومين متزامنين على السفارتين الأمريكيتين في تنزانيا وكينيا عام 1998: 224 قتيلاً و4500 جريح، في أول تمظهر لجماعة إرهابية تسمى “القاعدة».
ردّ الرئيس بيل كلينتون بسرعة من خلال إطلاق صواريخ كروز على معسكرات تدريب الإرهابيين في السودان وأفغانستان. وأرسل مكتب التحقيقات الفيدرالي 900 عميل إلى إفريقيا وحدد 20 شريكًا. وعلى رأس لائحة الاتهام: اسمه أسامة بن لادن. لقد نجحنا في إعادة ومحاكمة أربعة إرهابيين في نيويورك. وانتهت محاكمتهم في مايو 2001، قبل ثلاثة أشهر من هجمات 11 سبتمبر. وكان المدعي العام الفيدرالي قد طلب عقوبة الإعدام، الا ان هيئة المحلفين اختارت السجن مدى الحياة. وبين توصية هيئة المحلفين والحكم الرسمي الذي أصدره القاضي، كان هناك 11 سبتمبر... لنقل أنّ الجو قد تغير في المدينة ...
بدت محاكمة التفجيرات الانتحارية بالشاحنات في البلدان البعيدة وكأنها معسكر تدريب لما كان سيأتي إلى نيويورك بالطائرات بعد ثلاث سنوات.
كلمات “الإرهاب”، “أسامة بن لادن”، و “القاعدة”، التي بدت غريبة في ربيع 2001 في هذه القاعة، يتردد صداها الآن بشكل مأساوي. لو كان على هيئة المحلفين أن تحكم عليهم بعد 11 سبتمبر، لست متأكدا من أنهم كانوا سيهربون من عقوبة الإعدام.
ولكن، في ذلك اليوم من شهر أكتوبر 2001، لم يكن أمام القاضي الفيدرالي أي خيار سوى المصادقة على التوصية، بينما، على بعد بضعة شوارع على طول الطريق، كانوا لا يزالون يحفرون بين الأنقاض المشتعلة.
* * *
فكرت في تلك المحاكمة بعد بضع سنوات. كان ذلك عام 2007 في أوتاوا. وقد اجتمع عدد من القانونيين البارزين وخبراء الإرهاب الدولي. كانت المسألة تتعلق بصعوبة تحقيق العدالة في بيئة مرتعبة. منذئذ اندلعت حرب في أفغانستان والعراق، وكانت هناك هجمات مدريد عام 2004، ولندن عام 2005. وكان السديم الإرهابي لا يزال يضرب.
«قد لا يكون هناك ثقب أسود في القانون، حتى في أوقات الحرب، لكن السؤال هو أي قانون ينطبق. في مثل هذه الحالات، تكون قرارات الرئيس هي القانون، ويمكن مقارنة أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالغزو.
يقول أنتونين سكاليا، القاضي في المحكمة العليا الامريكية، عام 2007 “أولئك الذين يؤمنون بوجود توازن مثالي بين الأمن وحقوق الإنسان، هم حالمون... ما هو معقول كحد للحريات يعتمد على طبيعة التهديد».
وبالفعل، في أسابيع الذعر التي أعقبت 11 سبتمبر 2001، تمت إعادة صياغة القوانين الجنائية الأمريكية. جعل المحامون تعذيب السجناء قانونيا، وتم اعتبار المشتبه بهم الذين اعتُقلوا في أفغانستان وأماكن أخرى “مقاتلين أعداء”، واحتُجزوا في قاعدة غوانتانامو العسكرية في كوبا، التي استضافت ما يصل إلى 780 شخصًا.
بالكاد تم إجراء ثماني محاكمات، منها محاكمة سائق بن لادن، ومسؤول دعاية من القاعدة الكندي عمر خضر، الذي اعتقل في سن 15، وأقر بأنه مذنب ليتم ترحيله إلى كندا -حيث حصل على تعويض الحكومة عن الإساءات التي تعرض لها.
لكن لا يزال هناك 40 معتقلاً. معظمهم كانوا هناك منذ 17 عامًا على الأقل. أشهرهم، خالد الشيخ محمد، العقل المدبر لأحداث 11 سبتمبر، ينتظر المحاكمة مع أربعة شركاء آخرين. كما يُنسب إليه تفجير عام 1993 لموقف سيارات تحت الأرض لمركز التجارة العالمي (ستة قتلى، 1045 جريحًا)، والهجوم على المدمرة يو إس إس كول عام 2000 (قتل 17 بحارًا).
ولا تزال محاكمتهم في جرائم القتل التي ارتكبت في 11 سبتمبر في حق 2976 قيد التأجيل؛ تولى نصف دزينة من القضاة مسؤولية الملف قبل أن يتناوبوا على التقاعد؛ الشيء نفسه ينطبق على المدعين. ومن المفترض أن يحاكموا أمام محكمة عسكرية خاصة، لكن مناقشات طويلة لا تزال متوقعة. الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب هي من حيث المبدأ غير مقبولة في المحاكم. وعاش الشيخ محمد حالات من “الغرق الوهمي” 183 مرة، بالإضافة إلى العديد من الأساليب الأخرى التي تعتبر غير قانونية (وغير فعالة) قبل 11 سبتمبر.
يبدو الأمر كما لو أننا لا نعرف حقًا كيف نحكم عليهم، الى درجة أننا ننحرف عن مبادئ العدالة التي تفتخر بها البلاد، ناهيك عن المعاهدات الدولية التي كان الأمريكيون يروجون لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وكأنّ هناك ارتباكًا أخلاقيًا يمنعنا من المضي قدمًا بصراحة في هذه الأرض الحرام القانونية والجغرافية.
أغلقت محاكمات 24 مسؤولاً نازياً في نورمبرغ عام 1946، ومحاكمة 909 من مجرمي الحرب اليابانيين عام 1948، بعد ثلاث سنوات من انتهاء الحرب.
* * *
كان هناك شيء ما يدور في رأسي منذ شهور.
لقد شهد العالم تفجيرات انتحارية، وكنا نعلم أن الجماعات الإرهابية يمكنها تجنيد الناس هنا وهناك من أجل “مهام” إرهابية بعيدة. ولكن 19 رجلاً؟ في الأراضي الأمريكية؟ في خطة تمتد لعدة سنوات؟ بعضهم أخذ دروساً في الطيران في الولايات المتحدة لأشهر، دون خيانة، ودون انحراف عن مشروعهم؟
بالنسبة لي، كان من أصعب الأشياء للاستيعاب عقليًا: الانضباط الصلب لهؤلاء الرجال لإنجاز مذبحة ثمنها حياتهم.
وهذا بالطبع ما سيغير عالم الأمن. لن نكون حذرين بعد الآن من مجرد القنابل الموجودة في الأمتعة أو الأسلحة... يمكن أن تكون جميع الاجساد صواعق.
وإذا وجدت نفسي أغطي دورة ألعاب أولمبية، فهذا كان يعني انه “في حال وقوع هجوم إرهابي”، بعد ستة أشهر في سولت ليك سيتي عام 2002.
أتذكر أصوات طائرات الهليكوبتر وهي تصمت حول الاستاد الأولمبي مساء فبراير. يو يو ما، بالفيولونسيل، وستينغ، وحيدان في منتصف المسرح، يغنيان “هش»:
إذا تدفق الدم واللحم والصلب يشكلان واحدا
وهو يتجفف بألوان الشفق
ستزيل مطر الغد كل البقع
لكن شيئًا سيبقى معنا دائمًا
* * *
جاء دونالد ترامب إلى حياتنا بعد 15 عامًا من أحداث 11 سبتمبر. وهو في جزء منه، سليل تلك التراجيديا.
أنا لا أتحدث فقط عن حظر الهجرة من دول إسلامية معينة، أو الخطاب الحذر حول الهجرة، ولا حتى الحنين إلى جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى.
ما أدهشني دائمًا بشأن ترامب، هو تجاهله الصريح للمؤسسات الأمريكية. أي رئيس أمريكي آخر سخر من أجهزة مخابراته؟ من شرطته الفيدرالية؟ من العدالة الأمريكية؟ من المؤسسات الدولية؟ من الحكومة نفسها؟ وحتى من النظام الانتخابي؟
في الواقع، كلهم فشلوا إلى حد ما في المهمة. وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفدرالي، رغم التقارير، لم يتمكنا من منع الهجمات. وشن الرئيس بوش حربا على العراق بذرائع كاذبة، خلافا لنصيحة الأمم المتحدة، ووافق عليها المسؤولون الأمريكيون المنتخبون. ومنها وُلد تنظيم داعش ، وهو جماعة إرهابية جديدة. لم يمنع تفكيك القاعدة في أفغانستان التورط العسكري -ولا العودة السريعة لطالبان.
لا ينبغي أن يكون مفاجئًا أن تسمع الكثير من الناس يقولون “إنهم يكذبون علينا” أو ينددون بعدم كفاءة الحكومة.
كيف نفسر أن “أقوى رجل في العالم” يُظهر الكثير من العداء تجاه “النظام” الذي يقوده؟ وان عددا كبيرا من الناس يصدقونه عندما يندد بتزوير النظام الانتخابي الذي أوصله إلى السلطة؟ تعود جذور أحد الأسباب، إلى ذلك اليوم القاتل الذي دشن القرن الأمريكي الحادي والعشرين.
لا أعرف ما إذا كان الشعور بالضعف يأتي من 11 سبتمبر، أو ما إذا كان 11 سبتمبر تجسيدا له... لكننا لا نصرخ لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى! إذا لم نشعر بالضعف.
نقاشاتنا حول “التوافق المعقول” و “العلمانية”، التي تستهدف، خصوصا، الوجود الإرهابي بيننا لم تأت عن طريق الصدفة.
* * *
رغم أنني أفكر في الأمر بشكل أقل، فأنا أعلم أن كل الذي انهار صباح ذاك الثلاثاء قد هزنا إلى الأبد... ولا يزال صداه يتردد بأشكال عديدة، بما أننا نعيش تحت السماء نفسها .