تحت رعاية رئيس الدولة.. خالد بن محمد بن زايد يشهد حفل تخريج جامعة خليفة لعام 2025
القلق بات مادة يومية في الأحاديث
الحقائب «على الأبواب».. «نزوح صامت» من ضاحية بيروت الجنوبية
رغم اتفاق وقف إطلاق النار، لا يزال الخطر القادم من إسرائيل يهدد مناطق عدة في لبنان، مع استمرار الهجمات التي يتم شنها على فترات، وآخرها الأربعاء. فقد قتل شخص في غارة إسرائيلية على بلدة بيت ليف بقضاء بنت جبيل جنوب لبنان حسبما أفادت وزارة الصحة، بينما أعلن الجيش الإسرائيلي «القضاء على عنصر من حزب الله». وفي ضاحية بيروت الجنوبية، التي تعد أبرز معقل لحزب الله في لبنان، لا يختلف الوضع كثيرا، حيث تسود مخاوف دفعت الكثيرين للرحيل.
فقد حوّلت ضربة جوية عشية عيد الأضحى سماء الضاحية الجنوبية إلى كتلة من الذعر، لم تكن الانفجارات قوية فحسب بل كانت رسالة قاسية: لا أمان حتى في الأيام المفترض أن تكون للطمأنينة ولم الشمل. في تلك الليلة، لم يكتمل إعداد الحلوى، ولم تشعل أضواء الزينة، بل حزمت الحقائب، وبدأ كثيرون ينسحبون من منازلهم بصمت. لكن الهروب هذه المرة ليس من حرب معلنة، بل من شعور متصاعد بأن الأمور تنفلت من بين الأيدي، فالقلق بات مادة يومية في الأحاديث، يتنقل بين الهواتف والمجموعات العائلية، ويترجم إلى قرارات فردية ربما لم تُناقَش علنا بعد. وهي ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها الضاحية، لكنها المرة التي تتداخل فيها الذاكرة القديمة بالخوف الحاضر، وتفتح فيها أبواب النزوح لا بفعل حرب شاملة، بل بفعل شعور داخلي بأن القادم أسوأ.
ولم يكن صباح العيد عاديا في منزل عائلة رزق في منطقة الحدث بالضاحية، التي تحدثت إلى «سكاي نيوز عربية» بعدما غادرتها إلى منزل أقارب في مدينة صيدا إلى الجنوب من بيروت. أمسك الأب سمير يدي طفليه وسحبهما خارج الشقة، من دون أن يلتفت إلى شيء، لا حقيبة ولا كتب ولا ألعاب، أما الأم ميساء فكانت تبكي بصمت وهي تغلق الباب خلفهم للمرة الأخيرة، غير واثقة من موعد العودة، أو إن كانت ستعود إلى الضاحية أصلا. ويقول سمير لموقع «سكاي نيوز عربية»: «نسينا كتب الدراسة»، وقاطعته زوجته بينما تجلس في غرفة ضيقة بمنزل أقاربها في صيدا، وتحاول إقناع ابنها البكر بمواصلة الدراسة استعدادا للامتحانات التي تبدأ بعد أيام. وأضاف الأب: «هربنا ليس لأننا أردنا ذلك، بل لأننا شعرنا بأن الأمان لم يعد موجودا. حتى الكتب لم نأخذها معنا». في الأيام الماضية، لوحظت موجة نزوح هادئة من بعض مناطق الضاحية الجنوبية بل وبيروت أيضا، نحو بلدات جنوبية أكثر هدوءا أو مناطق داخل العاصمة تعد «أقل تهديدا». الحركة التي رصدتها «سكاي نيوز عربية» ليست جماعية لكنها متزايدة، وتمثل رد فعل مباشرا على تصاعد التوترات الأمنية وتكثيف التحذيرات من تجدد الهجمات الإسرائيلية.
في هذا السياق تقول رلى (50 عاما) وهي أم لأربعة أولاد، لموقع «سكاي نيوز عربية»: «هذه ليست المرة الأولى التي نغادر فيها منزلنا، لكنها ربما تكون الأخيرة. لقد تعبت. أمضيت أكثر من 25 سنة بين التهديدات والحروب والهدن الكاذبة».
واختارت رلى الرحيل إلى النبطية، حيث لا يزال منزل أهلها قائما، وإن كان مهجورا منذ سنوات.
لكن ليس الجميع اتخذ القرار نفسه، ومن بينهم أبو نبيل، الرجل السبعيني من سكان حي الغبيري في ضاحية بيروت الجنوبية الذي يرفض مغادرة منزله.
ويقول أبو نبيل: «منزلي هنا ومماتي سيكون هنا أيضا. ماذا يعني أن أهرب؟ أعيش الغربة داخل وطني؟»، ثم يضحك بمرارة ويضيف: «الموت مرة واحدة، أما التهجير فآلاف المرات». هذا الانقسام في الرأي ليس جديدا، لكنه هذه المرة يتسلل إلى داخل العائلة الواحدة، فالأبناء يبحثون عن الأمان والكبار يتمسكون بالبقاء، وبعض العائلات افترقت فعليا بين من غادر ومن بقى، وكل طرف يشعر بالذنب تجاه الآخر.
تقول الاختصاصية النفسية ريم فاخوري لموقع «سكاي نيوز عربية»، إن «ما يحدث هو تكرار جراح لم تُشف. الخوف المتراكم من الماضي، من الحروب، من فقدان السيطرة، يولّد ردات فعل متطرفة».
وتضيف فاخوري: «هناك خياران، إما تمسك بالمكان كنوع من التحدي، أو انسحاب سريع كآلية دفاع. اللافت هذه المرة أن حتى من عاش الحروب السابقة بدأ يشعر بأن هذه المرحلة مختلفة، فيها الكثير من الغموض والقليل من الثقة، ولا أفق واضح».
وأكد مصدر تربوي لموقع «سكاي نيوز عربية»، أن بعض المدارس في بيروت بدأت تسجل تغيب الطلاب في المراحل الرسمية.
وتقول مديرة مدرسة رسمية بمنطقة بئر حسن: «هناك طلاب عالقون بين منطقتين، يأتون من صور إلى بيروت لأداء الامتحانات، ويسألوننا بعد كل تطور أمني إن كنا سنستمر في الدوام».
وبين من اختار أن يبقى على أرضه ومن غادر خوفا على أولاده، تترنح الضاحية ومحيطها على حافة الخطر، والخوف، والانتظار.