اشتباكات أكثر عنفا في المظاهرات:

المملكة المتحدة: أزمة ثقة بين الشرطة والسكان...؟

المملكة المتحدة: أزمة ثقة بين الشرطة والسكان...؟

-- لا توجد شرطة وطنية حقيقية في إنجلترا، وإنما شبكة محلية لإدارة النظام، مع ضباط مخصصين لكل منطقة وبلدة وحي
-- استخدمت تاتشر الشرطة كجيش خاص، لكسر إضرابات عمال المناجم بوحشية
-- المشكلة الرئيسية لقوة الشرطة اليوم، هي علاقتها الصدامية مع الأقليات، وعنصريتها التي لا تنحسر
-- عاشت صورة الشرطة عصرًا ذهبيًا حتى الستينات، لكن استخدام العنف في الثمانينات والتسعينات شوهها بشدة
-- أظهرت استطلاعات الرأي أن الســود يثقـون بالشـرطة بنسبة 20 بالمائة أقل من البيض


  بعد ثلاثة احتجاجات شديدة التوتر مع الشرطة، عاد الهدوء تدريجيًا إلى مدينة بريستول في جنوب غرب إنجلترا.  لأول مرة منذ عشرة أيام، خرجت مسيرة، مساء الأربعاء، 31 مارس، دون اشتباكات مع الشرطة..
 
هذا للتنديد بمشروع قانون مثير للجدل بعنوان “مشروع قانون الشرطة والجريمة والأحكام والمحاكم”، الذي تم تبنيه في قراءة أولى في مجلس العموم في مارس، في عزّ الحجر الصحي الشامل.
 بدعم من حكومة بوريس جونسون، يهدف هذا النص إلى تعزيز سلطات الشرطة، والسماح، على وجه الخصوص، بفرض موعد بدء التظاهرات وانتهائها، ووضع حدود للضوضاء، والتدخل في حال كانت هذه الضوضاء “تزعج الحي أو أنشطة منظمة”.
 كما يهدف النص التشريعي إلى الرد المباشر على تقنيات التعبئة الجديدة لمجموعة “تمرد ضد الانقراض”، التي تمكنت من شل العاصمة الإنجليزية لأسابيع في 2019 و2020، دون تكييف الترسانة التشريعية للشرطة للتعامل معها.

   وهكذا أصبحت بريستول بؤرة حركة “اقتلوا القانون”. حتى 21 مارس، انحرف التجمع الأول المكون من 3 الاف شخص، وتعرض مركز للشرطة للهجوم، مما أسفر عن إصابة عشرين بين الأمنيين. وتلاحظ كاثرين فارو، طالبة الدكتوراه في علم الإجرام بجامعة أكسفورد، أنه “عنف غير معتاد مقارنة بالعنف الذي شوهد في احتجاجات أخرى يحتمل أن تكون أكثر تفجرًا، مثل حركة حياة السود مهمة، التي تمّت بشكل سلمي».
   يمكن تفسير هذا الغضب ضد الشرطة من خلال حدث آخر: اغتيال ضابط شرطة، في أوائل شهر مارس، لسارة إيفيرارد، مديرة تسويق شابة تبلغ من العمر 33 عامًا، كانت عائدة إلى المنزل بعد حضورها حفلا. وتسببت القضية في حدوث صدمة في جميع أنحاء المملكة المتحدة، وتصدرت عناوين الصحف في جميع وسائل الإعلام.

عندما اجتمعت مئات النساء في 13 مارس في وقفة احتجاجية في لندن لتكريم روحها -رغم الحظر المفروض على التجمّعات بسبب الوباء -نفذت الشرطة اعتقالات عضلية، تحت أعين الكاميرات. “العلاقات جيدة بشكل عام مع الشرطة، وكان هذا هو الحال بشكل خاص خلال السنوات العشر الماضية، والتي لم تشهد أي اشتباكات كبيرة منذ أحداث الشغب في لندن صيف 2011. وأظهر استطلاع نُشر عام 2019 أن 75 بالمائة من البريطانيين يثقون في الشرطة.
وإن الغالبية العظمى منهم شجبوا أيضًا أعمال العنف ضد الشرطة في بريستول، تقول كاثرين فارو، ثقافيًا، يتم عمل الشرطة أولاً بالتراضي.

 ويحترم السكان الشرطة من منطلق الفكرة السائدة أنها تتصرف بطريقة عادلة ومتناسبة.
وبمجرد أن يتغيّر الحال، فإنه يخلق نوعًا من خرق للعقد الاجتماعي مما يؤدي إلى ردود فعــــــل فوريـة وإحجام عن التعاون «.

أصول الشرطة بالتراضي
   لفهم العلاقة الفريدة إلى حد ما بين المواطنين البريطانيين والشرطة، يجب العودة إلى تأسيسها.
 في مواجهة الجريمة التي استمرت في التطور في بداية القرن التاسع عشر، أنشأ روبرت بيل، وزير الداخلية، قوة شرطة منظمة، قوية بـ 3 الاف رجل في لندن، والتي حلت محل رجال الشرطة السابقين والحراس الذين كانوا يؤدون واجباتهم بدوام جزئي دون أي تدريب.
 وأمام مقاومة السكان لتشكيل قوة شرطة محترفة قوية في إنجلترا، وضع روبرت بيل، وكذلك المفوضان الأولان المسؤولان عن تطويرها، تشارلز روان وريتشارد ماين، وضعا أسس “الشرطة بالتراضي».

    تقدم مبادئ مختلفة فكرة أن الشرطة “ملك للمواطنين”: “يجب أن يكون الاعوان في خدمة المواطنين أكثر من خدمة الدولة.
بوبي، يمكن أن يكون الجار المقابل، فهو قريب من سكان منطقته، وله حضور مطمئن، إنه يجعل سلطة الدولة أقل تجلّ، وأقل قمعًا، وودية أكثر، يشرح الدكتور سايمون هيل روس، كبير المحاضرين في القانون الجنائي في جامعة إيدج هيل. هذا هو مبدأ شرطة القرب، لا توجد شرطة وطنية حقيقية بهذا المعنى في إنجلترا، ولكن توجد شبكة محلية لإدارة النظام، مع ضباط مخصصين لكل منطقة وبلدة وحي.

    وتماشياً مع فلسفة ضبط الأمن بالتراضي، فإن حوالي 90 بالمائة من الاعوان غير مسلحين -وهو استثناء ملحوظ حول العالم. و “أي استخدام لسلاح ناري يتبعه تحقيق مع إيقاف الشرطي الذي يحتفظ براتبه، عند التحقيق.

 ان عناصر الشرطة الذين يحملون أسلحة نارية هم جزء من وحدات خاصة، مثل مكافحة الإرهاب، ويتلقون تدريبًا محددًا للغاية ومتطلبًا”، يضيف سايمون هيل روس، الذي يقوم أيضًا بتدريب المجندين الشباب.

   «لا يمكن استخدام الأسلحة النارية إلا كملاذ أخير. ان الشرطة البريطانية تركز على تقنيات الاتصال اللفظي وتقليل التصعيد”، تضيف كاثرين فارو. أثناء التدخل في المظاهرات، تستخدم الشرطة على نطاق واسع تقنية العزل والمحاصرة التي تستهدف المتظاهرين المحيطين، بدلاً من اللجوء إلى الصعق الكهربائي، رغم أن استخدامه في الحالات الفردية يتزايد أكثر فأكثر. وأثارت الأساليب العضلية الأخرى، مثل أسلوب “الاصطدام التكتيكي”، الذي تم اعتماده قبل عامين لمحاربة النشل على الدراجات البخارية، جدلاً.

علاقة متوترة مع الأقليات
   لئن عاشت صورة الشرطة عصرًا ذهبيًا ما حتى الستينات، فإن استخدام العنف في الثمانينات والتسعينات شوهها بشدة. “مارغريت تاتشر، استخدمت الشرطة كجيش خاص لها، لكسر إضرابات عمال المناجم بوحشية. كما تميزت تلك الفترة بأعمال شغب عرقية، وبعنصرية الشرطة، كما في قضية ستيفن لورانس”، يؤكد سايمون هيل روس.

  «لقد سمحت الإصلاحات بتطورات في الاتجاه الصحيح، خاصة منذ قانون الشرطة والأدلة الجنائية لعام 1984، الذي قنّن سلطات الشرطة تحت لائحة واحدة، ومكّن من إعادة التوازن بين حقوق الأفراد وصلاحيات تحقيق الشرطة، تقـــــول كاثريـــــن فارو من جهتها.
 ففي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تم أيضًا إنشاء منظمة للتحقيق في عنف الشرطة، وهي المكتب المستقل لسلوك الشرطة».

   وهذا المكتب المستقل لسلوك الشرطة، هو وكالة مدنية، 18 بالمائة من شرطة أو أعضاء سابقون في قوات الأمن، وتطالب باستقلالية معينة عن وزارة الداخلية والشرطة. “ينشر المكتب المستقل لسلوك الشرطة تقارير عن الحالات المحالة إليه على موقعه على الإنترنت، لكنه لم يعد شفافا بما يكفي منذ عام 2018. فجميع المعلومات غير متاحة بالكامل عبر الإنترنت”، هذا ما تلاحظه طالبة الدكتوراه في جامعة أكسفورد.
   لا تزال المشكلة الرئيسية لقوة الشرطة اليوم، هي علاقتها الصدامية مع الأقليات، وعنصريتها التي لا تنحسر رغم التقدم الحقيقي في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

 ويعود اتهام “العنصرية المؤسسية” إلى تقرير القاضي الأسكتلندي وليام ماكفيرسون في قضية قتل ستيفن لورانس عام 1993. ووفقًا لآخر الإحصاءات الرسمية للحكومة البريطانية، يرجح أن يتم القبض على السود وتفتيشهم تسع مرات أكثر من البيض، كما أظهرت أن السود يثقون بالشرطة بنسبة 20 بالمائة أقل من البيض.