فقد الحزب قلوب أتباعه
المملكة المتحدة: الغرق اللانهائي لحزب العمّال...!
-- عجز الحزب على تقديم بديل للمحافظين، ولم يعد يخاطب جمهوره التقليدي وقاعدته الانتخابية
-- اليسار الاشتراكي الديمقراطي في تراجع ملحوظ في كامل أنحاء أوروبا
-- «النزعة المحافظة الحمراء» التي اعتمدها بوريـس جونســـون قتلت الحـــزب اليسـاري
-- خسر حزب العمل معاقل تاريخية في الانتخابات الإقليمية في 6 مايو 2021
-- يقترح توني بلير «تفكيك الحزب بالكامل قبل إعادة بنائه»
من قتل حزب العمال؟ ، كان هذا عنوان جزء من الصحافة البريطانية في أعقاب النتائج الكارثية للانتخابات الإقليمية في 6 مايو. لا داعي للتفكير طويلا للعثور على الجواب: الجاني يسمى بوريس جونسون. لقد أدت “نزعته المحافظة الحمراء”، وهي نوع من اليمين الكينزي، إلى إفراغ برنامج حزب العمال من جوهره جزئيًا.
وكما يوضح النائب عن حزب العمال، كلايف لويس، “لم يعد المحافظون اليوم، محافظو عهد مارغريت تاتشر، اذ تجمع محافظتهم الجديدة بين الزيادات القوية في الإنفاق العام والتدخل في السوق والغرائز السلطوية والقومية».
من خلال فتح الحنفية المالية، جراء أزمة فيروس كورونا (تم تسخير 360 مليار يورو)، يمتلك رئيس الوزراء الحالي أيضًا “ميزانية حرب” ينوي ان تستفيد منها البلاد، بما يتماشى مع خطة الدعم التي تم وضعها في ربيع 2020.
سطو في مدن الشمال
لا عجب إذن، في ظل هذه الظروف، أن يجتاح المحافظون في عهد بوريس جونسون، بلديات عمّالية تاريخية مثل هارتلبول، وهي بلدة يبلغ عدد سكانها ما يقرب من مائة ألف نسمة، في شمال شرق إنجلترا. هزيمة مذلة حقيقية لزعيم حزب العمل الجديد، الوسطي كير ستارمر، الذي كان من المفترض أن يصحح الحزب بعد خمس سنوات من الانحراف الراديكالي تحت قيادة جيريمي كوربين.
نوفمبر 2019، تم انتخاب بوريس جونسون بانتصار ساحق، واعدًا، على وجه الخصوص، بخطة استثمارية ضخمة في المناطق الفقيرة شمال إنجلترا، تقليديًا موالية لحزب العمال. ورغم الإدارة الكارثية للوباء في البداية، فإن النجاح الباهر لحملة اللقاح أقنع غالبية الناخبين بأن “بوجو” كان بالفعل رجل الفاعلية والانتعاش الوطني، بما في ذلك البريكسيت.
وفي خطاب السياسة العامة للحكومة الذي ألقته الملكة في 11 مايو، تعلق الأمر خصوصا بمسألة بناء المساكن، وإعادة التأميم الجزئي للسكك الحديدية، وإنشاء موانئ جديدة، ونظام الإعانات العامة ما بعد البريكسيت. صيغة تبدو ناجحة، وفقًا لأستاذ العلوم السياسية هنري مانس: “في السلطة منذ أحد عشر عامًا، يمكن للمحافظين أن يحطموا رقمهم القياسي البالغ ثمانية عشر عامًا، والذي يعود تاريخه إلى سنوات تاتشر وميجور».
الناخبون التاريخيون غادروا
أظهر استطلاع أجراه معهد “بي أم جي للأبحاث” أيضًا، أن 24 بالمائة فقط من البريطانيين يعتقدون أن كير ستارمر سيكون رئيسًا جيدًا للوزراء، مقابل 40 بالمائة لصالح بوريس جونسون. في الواقع، ان الذين ينظرون إلى هذا الأخير بشكل إيجابي، هم في الغالب ناخبون لا مؤهلات علمية لهم من شمال إنجلترا. بعبارة أخرى، فقد حزب العمل قلوب أتباعه -وهذا خلال عشرين عامًا فقط. اليوم، ناخبوه هم في الغالب شباب من المدن، متخرجون من لندن والمدن الجامعية الكبرى. ويعتقد أستاذا العلوم السياسية في جامعة مانشستر، ومؤلفا كتاب “بريكستلاند”، ماريا سوبوليوسكا وروبرت فورد، أن “الفجوة الآن ثقافية».
مخاوف هذه النخبة الكوزموبوليتانية الشابة بشأن المتحولين جنسياً، واقتلاع التماثيل، والنباتية، وبشكل عام، “الحرب الثقافية” التي تشنها تحت اسم “ووكيزم” على الشبكات الاجتماعية، لا تخاطب الجمهور التقليدي للقاعدة الانتخابية لحزب العمال، والتي تظل موضوعاتها ذات الأولوية هي التوظيف والتعليم والصحة والإسكان والأمن. وقد أظهر استطلاع آخر حديث (يوغوف) أن 59 بالمائة من البريطانيين لا يعرفون ماذا يعني مصطلح ووك. “الغالبية الصامتة ليست مستيقظة ولا معادية لليقظة، إنها تشعر بأنها منفصلة تمامًا عن هذه المسالة”، يلخص هنري مانس.
إعادة بناء كل شيء
أجرى كير ستارمر تعديلاً لفريقه المقرب في أعقاب انتخابات 6 مايو، ومع ذلك لا يزال أسير الحرب الداخلية بين مختلف فصائل الحزب. ويعتقد آندي بورنهام، العمالي الذي أعيد انتخابه على رأس مانشستر الكبرى، أن حزب العمال “متمركز حول لندن” جدا، ويرى نفسه الزعيم المقبل، أي “زعيم له، أخيرًا، لهجة شمالية».
في مقال لامع نشرته مجلة نيو ستيتسمان، يقترح توني بلير من جانبه “تفكيك الحزب بالكامل قبل إعادة بنائه”. في اسكتلندا، حزب العمال، الذي كان يشكل الأغلبية، يحتضر. “إذا اختفى من اسكتلندا، فقد يموت أيضًا في أماكن أخرى من البلاد”، يعلق المتخصص في العلوم السياسية آدم بولتون، الذي يرى ان هذا الاتجاه يسود في كل مكان في أوروبا: “باستثناء الدول الاسكندنافية، فإن اليسار الاشتراكي الديمقراطي في تراجع ملحوظ. ففي فرنسا دخل في غيبوبة، بينما في ألمانيا، قد يكون المستشار القادم من الخضر. ان محور كلينتون وبلير من الماضي، وانتخاب جو بايدن مجرد صدفة بسبب رئاسة ترامب «.
الأمل الوحيد، الذي طرحه مؤخرًا جزء من حزب العمال يتمثل في: الانتقال من الاقتراع الفردي، الذي لا يزال يفضله الحزب الاول في البلاد، إلى نظام نسبي. إن المراهنة على إصلاح افتراضي للنظام الانتخابي هي بلا شك علامة على أن حزب العمال ليس على وشك الخروج من القاع السياسي الذي تردى فيه بإرادته.
-- اليسار الاشتراكي الديمقراطي في تراجع ملحوظ في كامل أنحاء أوروبا
-- «النزعة المحافظة الحمراء» التي اعتمدها بوريـس جونســـون قتلت الحـــزب اليسـاري
-- خسر حزب العمل معاقل تاريخية في الانتخابات الإقليمية في 6 مايو 2021
-- يقترح توني بلير «تفكيك الحزب بالكامل قبل إعادة بنائه»
من قتل حزب العمال؟ ، كان هذا عنوان جزء من الصحافة البريطانية في أعقاب النتائج الكارثية للانتخابات الإقليمية في 6 مايو. لا داعي للتفكير طويلا للعثور على الجواب: الجاني يسمى بوريس جونسون. لقد أدت “نزعته المحافظة الحمراء”، وهي نوع من اليمين الكينزي، إلى إفراغ برنامج حزب العمال من جوهره جزئيًا.
وكما يوضح النائب عن حزب العمال، كلايف لويس، “لم يعد المحافظون اليوم، محافظو عهد مارغريت تاتشر، اذ تجمع محافظتهم الجديدة بين الزيادات القوية في الإنفاق العام والتدخل في السوق والغرائز السلطوية والقومية».
من خلال فتح الحنفية المالية، جراء أزمة فيروس كورونا (تم تسخير 360 مليار يورو)، يمتلك رئيس الوزراء الحالي أيضًا “ميزانية حرب” ينوي ان تستفيد منها البلاد، بما يتماشى مع خطة الدعم التي تم وضعها في ربيع 2020.
سطو في مدن الشمال
لا عجب إذن، في ظل هذه الظروف، أن يجتاح المحافظون في عهد بوريس جونسون، بلديات عمّالية تاريخية مثل هارتلبول، وهي بلدة يبلغ عدد سكانها ما يقرب من مائة ألف نسمة، في شمال شرق إنجلترا. هزيمة مذلة حقيقية لزعيم حزب العمل الجديد، الوسطي كير ستارمر، الذي كان من المفترض أن يصحح الحزب بعد خمس سنوات من الانحراف الراديكالي تحت قيادة جيريمي كوربين.
نوفمبر 2019، تم انتخاب بوريس جونسون بانتصار ساحق، واعدًا، على وجه الخصوص، بخطة استثمارية ضخمة في المناطق الفقيرة شمال إنجلترا، تقليديًا موالية لحزب العمال. ورغم الإدارة الكارثية للوباء في البداية، فإن النجاح الباهر لحملة اللقاح أقنع غالبية الناخبين بأن “بوجو” كان بالفعل رجل الفاعلية والانتعاش الوطني، بما في ذلك البريكسيت.
وفي خطاب السياسة العامة للحكومة الذي ألقته الملكة في 11 مايو، تعلق الأمر خصوصا بمسألة بناء المساكن، وإعادة التأميم الجزئي للسكك الحديدية، وإنشاء موانئ جديدة، ونظام الإعانات العامة ما بعد البريكسيت. صيغة تبدو ناجحة، وفقًا لأستاذ العلوم السياسية هنري مانس: “في السلطة منذ أحد عشر عامًا، يمكن للمحافظين أن يحطموا رقمهم القياسي البالغ ثمانية عشر عامًا، والذي يعود تاريخه إلى سنوات تاتشر وميجور».
الناخبون التاريخيون غادروا
أظهر استطلاع أجراه معهد “بي أم جي للأبحاث” أيضًا، أن 24 بالمائة فقط من البريطانيين يعتقدون أن كير ستارمر سيكون رئيسًا جيدًا للوزراء، مقابل 40 بالمائة لصالح بوريس جونسون. في الواقع، ان الذين ينظرون إلى هذا الأخير بشكل إيجابي، هم في الغالب ناخبون لا مؤهلات علمية لهم من شمال إنجلترا. بعبارة أخرى، فقد حزب العمل قلوب أتباعه -وهذا خلال عشرين عامًا فقط. اليوم، ناخبوه هم في الغالب شباب من المدن، متخرجون من لندن والمدن الجامعية الكبرى. ويعتقد أستاذا العلوم السياسية في جامعة مانشستر، ومؤلفا كتاب “بريكستلاند”، ماريا سوبوليوسكا وروبرت فورد، أن “الفجوة الآن ثقافية».
مخاوف هذه النخبة الكوزموبوليتانية الشابة بشأن المتحولين جنسياً، واقتلاع التماثيل، والنباتية، وبشكل عام، “الحرب الثقافية” التي تشنها تحت اسم “ووكيزم” على الشبكات الاجتماعية، لا تخاطب الجمهور التقليدي للقاعدة الانتخابية لحزب العمال، والتي تظل موضوعاتها ذات الأولوية هي التوظيف والتعليم والصحة والإسكان والأمن. وقد أظهر استطلاع آخر حديث (يوغوف) أن 59 بالمائة من البريطانيين لا يعرفون ماذا يعني مصطلح ووك. “الغالبية الصامتة ليست مستيقظة ولا معادية لليقظة، إنها تشعر بأنها منفصلة تمامًا عن هذه المسالة”، يلخص هنري مانس.
إعادة بناء كل شيء
أجرى كير ستارمر تعديلاً لفريقه المقرب في أعقاب انتخابات 6 مايو، ومع ذلك لا يزال أسير الحرب الداخلية بين مختلف فصائل الحزب. ويعتقد آندي بورنهام، العمالي الذي أعيد انتخابه على رأس مانشستر الكبرى، أن حزب العمال “متمركز حول لندن” جدا، ويرى نفسه الزعيم المقبل، أي “زعيم له، أخيرًا، لهجة شمالية».
في مقال لامع نشرته مجلة نيو ستيتسمان، يقترح توني بلير من جانبه “تفكيك الحزب بالكامل قبل إعادة بنائه”. في اسكتلندا، حزب العمال، الذي كان يشكل الأغلبية، يحتضر. “إذا اختفى من اسكتلندا، فقد يموت أيضًا في أماكن أخرى من البلاد”، يعلق المتخصص في العلوم السياسية آدم بولتون، الذي يرى ان هذا الاتجاه يسود في كل مكان في أوروبا: “باستثناء الدول الاسكندنافية، فإن اليسار الاشتراكي الديمقراطي في تراجع ملحوظ. ففي فرنسا دخل في غيبوبة، بينما في ألمانيا، قد يكون المستشار القادم من الخضر. ان محور كلينتون وبلير من الماضي، وانتخاب جو بايدن مجرد صدفة بسبب رئاسة ترامب «.
الأمل الوحيد، الذي طرحه مؤخرًا جزء من حزب العمال يتمثل في: الانتقال من الاقتراع الفردي، الذي لا يزال يفضله الحزب الاول في البلاد، إلى نظام نسبي. إن المراهنة على إصلاح افتراضي للنظام الانتخابي هي بلا شك علامة على أن حزب العمال ليس على وشك الخروج من القاع السياسي الذي تردى فيه بإرادته.