بعد التشاور مع رئيس الدولة واعتماده.. محمد بن راشد يعلن تغييرات في حكومة الإمارات
هل انهزمت القوة الناعمة الأولمبية؟
بكين: دورة الأولمبياد الشتوية تحت ضغط عال...!
-- تسعى السلطات الصينية لاستخدام الحدث لاستعادة صورة الصين على الساحة الدولية
-- ستصبح بكين أول مدينة تستضيف كل من الألعاب الأولمبية الصيفية والشتوية
-- كانت دورة الألعاب الأولمبية لعام 2008 مصدرًا قويًا للقوة الناعمة الصينيّة
-- سيأتي العديد من قادة العالم رغم «المقاطعة الدبلوماسية» المعلنة من بعض الدول
في 4 فبراير، ستفتتح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، وهو حدث عالمي تعتزم السلطات الصينية استخدامه كأداة دعائية لاستعادة صورة الصين نسبيا على الساحة الدولية. لكن هذه الألعاب تخضع لتوتر دبلوماسي شديد مع الولايات المتحدة وحلفائها. لم تتوقف أسباب التوترات الدبلوماسية والسياسية والجيوستراتيجية عن التراكم بين الصين وجزء كبير من العالم الغربي، سواء فيما يتعلق بمسألة قمع الأويغور أو غيرهم من انتهاكات حقوق الإنسان، مثل هونغ كونغ حيث تم اسكات أي شكل من أشكال الاحتجاج. يوم الخميس، 27 يناير، ضرب وزير الخارجية الصيني وانغ يي قبضته على الطاولة، وحث الولايات المتحدة على “التوقف عن تعطيل” تنظيم هذه الألعاب، خلال محادثة هاتفية مع نظيره الأمريكي، أنطوني بلينكين.
«مقاطعة دبلوماسية” ودعم لا يتزعزع
تتوقــع الســلطات الصينية أن تعود هــذه الألعاب الأولمبيــــــة، المقـــرر أن تســـتمر حتى 20 فبرايـــــر، بالفائدة على صـــورة الصين في العالــــم، فضـلاً عن كونها أداة، كما هو معتاد عندمــــا تســـــتضيف البــــلاد الأولمبياد، لإثـــــارة الــــروح القوميــة الصينيــة وتقريظها.
ومع ذلك، فــــــإن الحــــدث يعانـــــي من داء «المقاطعة الدبلوماسية”.
كانت واشنطن أول من أعلن في بداية العام: سيذهب الرياضيون الأمريكيون إلى بكين لكن لن يحضر أي مسؤول رسمي من واشنطن هذه الألعاب. وحذت دول عديدة حذوها منذئذ، منها اليابان وأستراليا وكندا ودول أخرى.
ومع ذلك، سيأتي العديد من قادة العالم من مختلف القارات. ومن بين المنظمات الدولية الحاضرة في الألعاب الأولمبية، هناك طبعا اللجنة الأولمبية الدولية ممثلة برئيسها الألماني توماس باخ، ولكن أيضًا مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، والأمين العام لـ الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وكذلك رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة عبد الله شهيد.
ويلاحظ، في المقابل، غياب أي مسؤول من تايوان، سواء في حفل الافتتاح أو حفل الاختتام، على عكس عام 2008. ويعود هذا الغياب إلى إجراءات التخويف العسكرية المستمرة التي يقوم بها الجيش الصيني في المنطقة المجاورة للأرخبيل التايواني. وطبقا لبيان صادر عن وزارة الخارجية الصينية، طلب وانغ يي، الخميس، من واشنطن “التوقف عن اللعب بالنار” بشأن مسألة تايوان أو “إنشاء فصائل صغيرة لمعارضة الصين».
كوفيد-19 عام 2022 مقابل “السنة الرهيبة” 2008
ستصبح بكين أول مدينة تستضيف كل من الألعاب الأولمبية الصيفية والشتوية. بطبيعة الحال، ستكون الألعاب الأولمبية الصيفية دائمًا أكثر أهمية من الألعاب الشتوية، وذلك ببساطة لأن العديد من الدول تشارك فيها. ثم، بالطبع، هناك كوفيد-19. عملت الحكومة في بكين بجد في الأسابيع الأخيرة لإثبات قدرة الصين على تنظيم هذا الحدث الكبير رغم الوباء، حيث يتوجه أكثر من 3000 رياضي إلى هذه الألعاب. لكن من المستحيل تنظيم ألعاب “عادية” مع تفشي وباء فيروس كورونا في جميع مدن الصين، في بلد لا يزال ملتزمًا رسميًا باستراتيجية “صفر كوفيد” المطعون فيها.
ومن عواقب هذا الموقف أنه لا توجد مبيعات تذاكر للجمهور. والبديل، ستقوم الشركات المملوكة للدولة أو منظمات الحزب الشيوعي الأخرى بتوزيعها على موظفيها، الذين سيتعين عليهم الامتثال الصارم لتدابير التخفيف من الفيروس، بما في ذلك الحجر الصحي المحتمل والاختبارات المتعددة قبل وبعد مشاركتهم.
ومع ذلك، تستعد الصين اليوم لافتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في ظل ظروف مختلفة تمامًا عن الألعاب الأولمبية الصيفية منذ ما يقرب من أربعة عشر عامًا. لنتذكر السنة الرهيبة للصين عام 2008: بدأ العام بعاصفة ثلجية كارثية في جنوب البلاد، ثم انتفاضة الرهبان في التبت التي قمعت بشكل دموي، وتبعها زلزال كارثي في سيتشوان في جنوب غرب البلاد، الذي راح ضحيته حوالي 70 ألف شخص.
عندما بدأت الألعاب حينها، كان قادة الحزب الشيوعي يأملون في تقديم دليل حي على عودة الصين إلى المسرح الدولي: حداثة جديدة، واقتصاد مزدهر، وتراكم روائع معمارية جديدة مذهلة (على حساب هدم المباني القديمة)، مدن صاخبة، ومجتمع أكثر انفتاحًا، مع مشهد فني طليعي، ومجموعات موسيقية متمرّدة، وعرض متزايد للأفكار الأجنبية.
عام 2022، أصبح للبلاد قيادة حزبية جديدة ذات أولويات مختلفة. يركّز الموقف تجاه تصور الصين في العالم، تحت قيادة الرئيس شي جين بينغ، بشكل أكبر على المبدأ التالي: “لقد عانينا 100 عام من الإذلال خلال القرن العشرين؛ وحان زمننا... والأمر متروك لكم لاستقبالنا ونحن نرتقي إلى مكاننا الصحيح على المسرح العالمي». بعد القمع الدموي في ميدان تيانانمين في يونيو 1989، خسرت بكين محاولتها استضافة دورة الألعاب الأولمبية لعام 2000 في سيدني. ومن أجل تأمين دورة الألعاب الأولمبية لعام 2008، تم الإعلان عن بعض التغييرات لإظهار أن الصين قد تقدمت وتعتزم أن تكون مضيفًا جديرًا بهذا اللقب. ومن خلال هذه التغييرات، تم تخفيف قيود السفر المفروضة على المراسلين الأجانب، اذ كان على الصحفيين الحصول على إذن من الحكومة المحلية في الصين للسفر إلى أي مكان في البلاد.
بالنسبة لهذه الألعاب الأولمبية الشتوية، تم ضبط الإيقاع والنغمة قبل بدء المسابقات. حذّر منشور الرياضيين من الإدلاء بتصريحات سياسية تنتقد الصين. وإذا غامر رياضي بمثل هذه التصريحات، فسيتم طرده على الفور من الألعاب. من ناحية أخرى، كشفت منظمة غير حكومية أمريكية عن وجود تطبيق يتم تثبيته تلقائيًا على هواتف الرياضيين والصحفيين عند وصولهم إلى الأراضي الصينية. تطبيق يجعل من الممكن تسجيل ونقل جميع الأصوات التي تم التقاطها بواسطة ميكروفون الهاتف، مما سيسمح للسلطات الصينية بمتابعة جميع أنشطتهم. نوع من نظام التجسس يمنح بكين الوصول إلى البيانات الشخصية لهؤلاء الرياضيين.
منذ وصول شي جين بينغ إلى السلطة، تشدد موقف بكين بشكل كبير تجاه أدنى تعبير معارض. ونتيجة لذلك، وفي مواجهة انتقادات الدول الغربية، تبنت الصين تدريجياً موقفًا عدوانيًا تجاه محاوريها الغربيين. وأصبح التغيير في اللهجة صارخًا مع الوباء. ولكن إلى حد ما، يبقى الأمل في بكين أن يرى الراي العام الأجنبي في تنظيم الألعاب على الأراضي الصينية نجاحًا رياضيًا ولكن أيضًا نجاحًا سياسيًا.
لأغراض دعائية، ستستنجد اللجنة الأولمبية الصينية بمواهب المخرج الشهير تشانغ ييمو، وهو رمز صيني في الداخل والخارج. يتهمه البعض ببيع نفسه منذ أيام أفلامه عن الثورة الثقافية والقفزة العظيمة إلى الأمام، حيث تعرّض الملايين للإيذاء أو الجوع حتى الموت. لكنه قوبل بالثناء على نطاق واسع لعرضه البصري عام 2008 خلال حفل افتتاح الأولمبياد. وقد يبرز أن الألعاب ليست سوى لوحة فنية أخرى لتقديم رؤية للصين: أين كانت وأين تتجه.
من الواضح أن الأحداث الأولمبية في بكين ستكون حدثًا متلفزًا ذا امتداد عالمي. برد قاس يخيّم حاليا على العاصمة الصينية. ولا يستطيع الجمهور، سواء كان أجنبيّا أو صينيّا، شراء التذاكر بسبب الوباء. الأجانب الوحيدون الذين يشاركون في الحدث أو يعملون، كل ما سيرونه من بكين هو ما يمكن رؤيته داخل فقاعة عملاقة حماية من كوفيد-19. وكل هذه العوامل شكلت أيضًا ما ستصبح عليه هذه الألعاب الأولمبية. لكن بالنسبة لحكومة تخشى أن يسوء كل شيء، إذا تطلب الامر أن تكون هذه الألعاب الأولمبية لحظة تاريخية يجب مشاهدتها جلوسا على أريكة، مكرهين ومجبرين، فهذا بالتأكيد سيخدمها.
التنين لم يعد يثير الحلم
عندما سألته البي بي سي عن حال بلاده بمجرد انتهاء الألعاب، رد صيني دون تردد: “رائعة! للصين سرعة واحدة فقط، الى الأمام. من الواضح أن الصين أحرزت تقدمًا جليّا على جبهات عديدة. وإذا زرتم بكين لحضور دورة الألعاب الأولمبية الأخيرة، وعدتم الآن فقط، فستلاحظون الفرق. على سبيل المثال، انفجرت البنية التحتية للنقل في المدينة. عام 2008، كان نظام مترو أنفاق بكين يحتوي على أربعة خطوط فقط، وتمت إضافة خطين قبل الألعاب مباشرة. اليوم، مع 27 خطاً و459 محطة (مع المزيد في المستقبل)، أصبحت أكبر شبكة في العالم.
ومع ذلك، إذا قام زائر عائد بالبحث بشكل أعمق قليلاً، فقد يجد أيضًا أن التسامح مع الأفكار التي لا يوافق عليها الحزب الشيوعي قد انحسرت بشكل كبير، وقد يقول بعضهم إنها اختفت. في الأسابيع الأخيرة، تعرّض المعارضون لضغوط شديدة حتى لا يحدثوا شغبا في وقت تتجه فيه كل الأنظار إلى الصين، وحدث هذا أيضًا عام 2008. والفرق اليوم هو أنه لم يتبق الكثير من المفكرين أو محامي حقوق الإنسان منذ أن تم إسكاتهم، إن لم يكن، ببساطة، سجنهم لفترة طويلة.
حتى الأكاديميين العاديين يترددون في إجراء المقابلات، خوفا من اعتبار أنّ تعليقاتهم تشوّه صورة بلدهم. وتم مؤخرًا على الشبكة الاجتماعية ويشات، استبعاد مجموعة من المثقفين، يُعتبرون من مثيري الشغب، من جميع عمليات التبادل عبر الإنترنت. وكما هو الحال منذ فترة طويلة، تسهر الرقابة على الشبكات الاجتماعية.
قبل أولمبياد 2008، كانت هناك حياة ليلية فريدة من نوعها وغير مقيدة في بكين. ويمكن أن تكونوا على يقين من أن أي زائر أجنبي سيذهل من طاقة المشهد. وحتى اليوم، لا يزال أمام هذه المدن الكبرى الكثير لتقدمه، لكن عمليات الهدم المستمرة تسببت في اختفاء العديد من الأماكن الإبداعية الصغيرة التي تعمل بوسائل محدودة.
أجرت البي بي سي مقابلة مع مهندس معماري صيني وهو يتهكّم عن حياته قبل عشر سنوات: يشعر وكأنه يخرج كل ليلة. “ربما لأنني كنت أصغر سناً، كانت المدينة مختلفة في ذلك الوقت. وكان لدي الكثير من الأصدقاء الأجانب. كان المهندسون المعماريون آنذاك محبوبين في المدينة. وتم الكشف عن العديد من المباني الرائعة، من برج تلفزيون الصين المركزي على طراز ايشر (تلفزيون الدولة) إلى القبة الرائعة التي تضم المركز الوطني للفنون المسرحية ومطار بكين على مقياس التنين.
كانت الهياكل الأولمبية مذهلة أيضًا. عمل الفنان المسعور آي ويوي كمستشار لتصميم عش الطائر، الملعب الوطني للمدينة. وردا على سؤال من الإذاعة البريطانية عن هذا الملعب وجميع الهياكل الأخرى في العاصمة التي جذبت الانتباه، وكذلك مستقبل العمارة الطليعية في بكين، أجاب: “لا، لا، انتهى... تلك النافذة، وتلك اللحظة قد انتهت الآن».
ونقلت رويترز عن رنا ميتر، أستاذة التاريخ الصيني في جامعة أكسفورد، قولها: “كانت دورة الألعاب الأولمبية لعام 2008 مصدرًا قويًا للقوة الناعمة للصين، التي كانت تطمح إلى الحصول على مكانة أقوى على الإطلاق على الساحة الدولية”. لكن “على مدى السنوات القليلة الماضية، شهدت صورة الصين انحدارا كبيرًا في العالم الغربي، ويأمل الحزب الشيوعي الصيني أن تسمح دورة الألعاب الشتوية للصين بعكس هذه الظاهرة».
ومع ذلك، قبل أيام قليلة من افتتاح الألعاب، يحدث العكس. فإلى تنديدات منظمات حقوق الإنسان بالقمع السياسي في هذا البلد تجاه كل معارضة، انضافت فضائح مدوية ساهمت بشكل كبير في تلطيخ صورة الصين في العالم. وهكذا، اتهمت لاعبة التنس الصينية بينغ شواي، في سبتمبر الماضي، على مواقع التواصل الاجتماعي أحد كبار الشخصيات في النظام باغتصابها. ومنذ أن اضطرت، على الأرجح، إلى سحب هذه التصريحات أمام كاميرات وسائل الإعلام الرسمية، اختفت بطلة التنس.
وفي مقابلة أجرتها رويترز، قالت رياضية أجنبية طلبت عدم الكشف عن هويتها، إنها تنوي التحدث علنا عن انتهاكات حقوق الإنسان في الصين. “أعتقد أن الصين أثبتت، خاصة مع بينغ شواي، أنها مستعدة لاتخاذ إجراءات متطرفة لإسكات أي شكل من أشكال الخطاب الذي تعتبره مسيئا”. ولئن أوضح منظمو الألعاب أن أي حديث من جانب الرياضيين ينتقد الصين سيعاقب، إلا أن اللجنة الأولمبية الدولية وعدت بأن يكون الرياضيون “أحرارًا في التعبير عن آرائهم».
مؤلف حوالي خمسة عشر كتابًا مخصصة للصين واليابان والتبت والهند والتحديات الآسيوية الرئيسية. عام 2020، نشر كتاب “الزعامة العالمية محوره، الصدام بين الصين والولايات المتحدة” عن منشورات لوب
-- ستصبح بكين أول مدينة تستضيف كل من الألعاب الأولمبية الصيفية والشتوية
-- كانت دورة الألعاب الأولمبية لعام 2008 مصدرًا قويًا للقوة الناعمة الصينيّة
-- سيأتي العديد من قادة العالم رغم «المقاطعة الدبلوماسية» المعلنة من بعض الدول
في 4 فبراير، ستفتتح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، وهو حدث عالمي تعتزم السلطات الصينية استخدامه كأداة دعائية لاستعادة صورة الصين نسبيا على الساحة الدولية. لكن هذه الألعاب تخضع لتوتر دبلوماسي شديد مع الولايات المتحدة وحلفائها. لم تتوقف أسباب التوترات الدبلوماسية والسياسية والجيوستراتيجية عن التراكم بين الصين وجزء كبير من العالم الغربي، سواء فيما يتعلق بمسألة قمع الأويغور أو غيرهم من انتهاكات حقوق الإنسان، مثل هونغ كونغ حيث تم اسكات أي شكل من أشكال الاحتجاج. يوم الخميس، 27 يناير، ضرب وزير الخارجية الصيني وانغ يي قبضته على الطاولة، وحث الولايات المتحدة على “التوقف عن تعطيل” تنظيم هذه الألعاب، خلال محادثة هاتفية مع نظيره الأمريكي، أنطوني بلينكين.
«مقاطعة دبلوماسية” ودعم لا يتزعزع
تتوقــع الســلطات الصينية أن تعود هــذه الألعاب الأولمبيــــــة، المقـــرر أن تســـتمر حتى 20 فبرايـــــر، بالفائدة على صـــورة الصين في العالــــم، فضـلاً عن كونها أداة، كما هو معتاد عندمــــا تســـــتضيف البــــلاد الأولمبياد، لإثـــــارة الــــروح القوميــة الصينيــة وتقريظها.
ومع ذلك، فــــــإن الحــــدث يعانـــــي من داء «المقاطعة الدبلوماسية”.
كانت واشنطن أول من أعلن في بداية العام: سيذهب الرياضيون الأمريكيون إلى بكين لكن لن يحضر أي مسؤول رسمي من واشنطن هذه الألعاب. وحذت دول عديدة حذوها منذئذ، منها اليابان وأستراليا وكندا ودول أخرى.
ومع ذلك، سيأتي العديد من قادة العالم من مختلف القارات. ومن بين المنظمات الدولية الحاضرة في الألعاب الأولمبية، هناك طبعا اللجنة الأولمبية الدولية ممثلة برئيسها الألماني توماس باخ، ولكن أيضًا مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، والأمين العام لـ الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وكذلك رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة عبد الله شهيد.
ويلاحظ، في المقابل، غياب أي مسؤول من تايوان، سواء في حفل الافتتاح أو حفل الاختتام، على عكس عام 2008. ويعود هذا الغياب إلى إجراءات التخويف العسكرية المستمرة التي يقوم بها الجيش الصيني في المنطقة المجاورة للأرخبيل التايواني. وطبقا لبيان صادر عن وزارة الخارجية الصينية، طلب وانغ يي، الخميس، من واشنطن “التوقف عن اللعب بالنار” بشأن مسألة تايوان أو “إنشاء فصائل صغيرة لمعارضة الصين».
كوفيد-19 عام 2022 مقابل “السنة الرهيبة” 2008
ستصبح بكين أول مدينة تستضيف كل من الألعاب الأولمبية الصيفية والشتوية. بطبيعة الحال، ستكون الألعاب الأولمبية الصيفية دائمًا أكثر أهمية من الألعاب الشتوية، وذلك ببساطة لأن العديد من الدول تشارك فيها. ثم، بالطبع، هناك كوفيد-19. عملت الحكومة في بكين بجد في الأسابيع الأخيرة لإثبات قدرة الصين على تنظيم هذا الحدث الكبير رغم الوباء، حيث يتوجه أكثر من 3000 رياضي إلى هذه الألعاب. لكن من المستحيل تنظيم ألعاب “عادية” مع تفشي وباء فيروس كورونا في جميع مدن الصين، في بلد لا يزال ملتزمًا رسميًا باستراتيجية “صفر كوفيد” المطعون فيها.
ومن عواقب هذا الموقف أنه لا توجد مبيعات تذاكر للجمهور. والبديل، ستقوم الشركات المملوكة للدولة أو منظمات الحزب الشيوعي الأخرى بتوزيعها على موظفيها، الذين سيتعين عليهم الامتثال الصارم لتدابير التخفيف من الفيروس، بما في ذلك الحجر الصحي المحتمل والاختبارات المتعددة قبل وبعد مشاركتهم.
ومع ذلك، تستعد الصين اليوم لافتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في ظل ظروف مختلفة تمامًا عن الألعاب الأولمبية الصيفية منذ ما يقرب من أربعة عشر عامًا. لنتذكر السنة الرهيبة للصين عام 2008: بدأ العام بعاصفة ثلجية كارثية في جنوب البلاد، ثم انتفاضة الرهبان في التبت التي قمعت بشكل دموي، وتبعها زلزال كارثي في سيتشوان في جنوب غرب البلاد، الذي راح ضحيته حوالي 70 ألف شخص.
عندما بدأت الألعاب حينها، كان قادة الحزب الشيوعي يأملون في تقديم دليل حي على عودة الصين إلى المسرح الدولي: حداثة جديدة، واقتصاد مزدهر، وتراكم روائع معمارية جديدة مذهلة (على حساب هدم المباني القديمة)، مدن صاخبة، ومجتمع أكثر انفتاحًا، مع مشهد فني طليعي، ومجموعات موسيقية متمرّدة، وعرض متزايد للأفكار الأجنبية.
عام 2022، أصبح للبلاد قيادة حزبية جديدة ذات أولويات مختلفة. يركّز الموقف تجاه تصور الصين في العالم، تحت قيادة الرئيس شي جين بينغ، بشكل أكبر على المبدأ التالي: “لقد عانينا 100 عام من الإذلال خلال القرن العشرين؛ وحان زمننا... والأمر متروك لكم لاستقبالنا ونحن نرتقي إلى مكاننا الصحيح على المسرح العالمي». بعد القمع الدموي في ميدان تيانانمين في يونيو 1989، خسرت بكين محاولتها استضافة دورة الألعاب الأولمبية لعام 2000 في سيدني. ومن أجل تأمين دورة الألعاب الأولمبية لعام 2008، تم الإعلان عن بعض التغييرات لإظهار أن الصين قد تقدمت وتعتزم أن تكون مضيفًا جديرًا بهذا اللقب. ومن خلال هذه التغييرات، تم تخفيف قيود السفر المفروضة على المراسلين الأجانب، اذ كان على الصحفيين الحصول على إذن من الحكومة المحلية في الصين للسفر إلى أي مكان في البلاد.
بالنسبة لهذه الألعاب الأولمبية الشتوية، تم ضبط الإيقاع والنغمة قبل بدء المسابقات. حذّر منشور الرياضيين من الإدلاء بتصريحات سياسية تنتقد الصين. وإذا غامر رياضي بمثل هذه التصريحات، فسيتم طرده على الفور من الألعاب. من ناحية أخرى، كشفت منظمة غير حكومية أمريكية عن وجود تطبيق يتم تثبيته تلقائيًا على هواتف الرياضيين والصحفيين عند وصولهم إلى الأراضي الصينية. تطبيق يجعل من الممكن تسجيل ونقل جميع الأصوات التي تم التقاطها بواسطة ميكروفون الهاتف، مما سيسمح للسلطات الصينية بمتابعة جميع أنشطتهم. نوع من نظام التجسس يمنح بكين الوصول إلى البيانات الشخصية لهؤلاء الرياضيين.
منذ وصول شي جين بينغ إلى السلطة، تشدد موقف بكين بشكل كبير تجاه أدنى تعبير معارض. ونتيجة لذلك، وفي مواجهة انتقادات الدول الغربية، تبنت الصين تدريجياً موقفًا عدوانيًا تجاه محاوريها الغربيين. وأصبح التغيير في اللهجة صارخًا مع الوباء. ولكن إلى حد ما، يبقى الأمل في بكين أن يرى الراي العام الأجنبي في تنظيم الألعاب على الأراضي الصينية نجاحًا رياضيًا ولكن أيضًا نجاحًا سياسيًا.
لأغراض دعائية، ستستنجد اللجنة الأولمبية الصينية بمواهب المخرج الشهير تشانغ ييمو، وهو رمز صيني في الداخل والخارج. يتهمه البعض ببيع نفسه منذ أيام أفلامه عن الثورة الثقافية والقفزة العظيمة إلى الأمام، حيث تعرّض الملايين للإيذاء أو الجوع حتى الموت. لكنه قوبل بالثناء على نطاق واسع لعرضه البصري عام 2008 خلال حفل افتتاح الأولمبياد. وقد يبرز أن الألعاب ليست سوى لوحة فنية أخرى لتقديم رؤية للصين: أين كانت وأين تتجه.
من الواضح أن الأحداث الأولمبية في بكين ستكون حدثًا متلفزًا ذا امتداد عالمي. برد قاس يخيّم حاليا على العاصمة الصينية. ولا يستطيع الجمهور، سواء كان أجنبيّا أو صينيّا، شراء التذاكر بسبب الوباء. الأجانب الوحيدون الذين يشاركون في الحدث أو يعملون، كل ما سيرونه من بكين هو ما يمكن رؤيته داخل فقاعة عملاقة حماية من كوفيد-19. وكل هذه العوامل شكلت أيضًا ما ستصبح عليه هذه الألعاب الأولمبية. لكن بالنسبة لحكومة تخشى أن يسوء كل شيء، إذا تطلب الامر أن تكون هذه الألعاب الأولمبية لحظة تاريخية يجب مشاهدتها جلوسا على أريكة، مكرهين ومجبرين، فهذا بالتأكيد سيخدمها.
التنين لم يعد يثير الحلم
عندما سألته البي بي سي عن حال بلاده بمجرد انتهاء الألعاب، رد صيني دون تردد: “رائعة! للصين سرعة واحدة فقط، الى الأمام. من الواضح أن الصين أحرزت تقدمًا جليّا على جبهات عديدة. وإذا زرتم بكين لحضور دورة الألعاب الأولمبية الأخيرة، وعدتم الآن فقط، فستلاحظون الفرق. على سبيل المثال، انفجرت البنية التحتية للنقل في المدينة. عام 2008، كان نظام مترو أنفاق بكين يحتوي على أربعة خطوط فقط، وتمت إضافة خطين قبل الألعاب مباشرة. اليوم، مع 27 خطاً و459 محطة (مع المزيد في المستقبل)، أصبحت أكبر شبكة في العالم.
ومع ذلك، إذا قام زائر عائد بالبحث بشكل أعمق قليلاً، فقد يجد أيضًا أن التسامح مع الأفكار التي لا يوافق عليها الحزب الشيوعي قد انحسرت بشكل كبير، وقد يقول بعضهم إنها اختفت. في الأسابيع الأخيرة، تعرّض المعارضون لضغوط شديدة حتى لا يحدثوا شغبا في وقت تتجه فيه كل الأنظار إلى الصين، وحدث هذا أيضًا عام 2008. والفرق اليوم هو أنه لم يتبق الكثير من المفكرين أو محامي حقوق الإنسان منذ أن تم إسكاتهم، إن لم يكن، ببساطة، سجنهم لفترة طويلة.
حتى الأكاديميين العاديين يترددون في إجراء المقابلات، خوفا من اعتبار أنّ تعليقاتهم تشوّه صورة بلدهم. وتم مؤخرًا على الشبكة الاجتماعية ويشات، استبعاد مجموعة من المثقفين، يُعتبرون من مثيري الشغب، من جميع عمليات التبادل عبر الإنترنت. وكما هو الحال منذ فترة طويلة، تسهر الرقابة على الشبكات الاجتماعية.
قبل أولمبياد 2008، كانت هناك حياة ليلية فريدة من نوعها وغير مقيدة في بكين. ويمكن أن تكونوا على يقين من أن أي زائر أجنبي سيذهل من طاقة المشهد. وحتى اليوم، لا يزال أمام هذه المدن الكبرى الكثير لتقدمه، لكن عمليات الهدم المستمرة تسببت في اختفاء العديد من الأماكن الإبداعية الصغيرة التي تعمل بوسائل محدودة.
أجرت البي بي سي مقابلة مع مهندس معماري صيني وهو يتهكّم عن حياته قبل عشر سنوات: يشعر وكأنه يخرج كل ليلة. “ربما لأنني كنت أصغر سناً، كانت المدينة مختلفة في ذلك الوقت. وكان لدي الكثير من الأصدقاء الأجانب. كان المهندسون المعماريون آنذاك محبوبين في المدينة. وتم الكشف عن العديد من المباني الرائعة، من برج تلفزيون الصين المركزي على طراز ايشر (تلفزيون الدولة) إلى القبة الرائعة التي تضم المركز الوطني للفنون المسرحية ومطار بكين على مقياس التنين.
كانت الهياكل الأولمبية مذهلة أيضًا. عمل الفنان المسعور آي ويوي كمستشار لتصميم عش الطائر، الملعب الوطني للمدينة. وردا على سؤال من الإذاعة البريطانية عن هذا الملعب وجميع الهياكل الأخرى في العاصمة التي جذبت الانتباه، وكذلك مستقبل العمارة الطليعية في بكين، أجاب: “لا، لا، انتهى... تلك النافذة، وتلك اللحظة قد انتهت الآن».
ونقلت رويترز عن رنا ميتر، أستاذة التاريخ الصيني في جامعة أكسفورد، قولها: “كانت دورة الألعاب الأولمبية لعام 2008 مصدرًا قويًا للقوة الناعمة للصين، التي كانت تطمح إلى الحصول على مكانة أقوى على الإطلاق على الساحة الدولية”. لكن “على مدى السنوات القليلة الماضية، شهدت صورة الصين انحدارا كبيرًا في العالم الغربي، ويأمل الحزب الشيوعي الصيني أن تسمح دورة الألعاب الشتوية للصين بعكس هذه الظاهرة».
ومع ذلك، قبل أيام قليلة من افتتاح الألعاب، يحدث العكس. فإلى تنديدات منظمات حقوق الإنسان بالقمع السياسي في هذا البلد تجاه كل معارضة، انضافت فضائح مدوية ساهمت بشكل كبير في تلطيخ صورة الصين في العالم. وهكذا، اتهمت لاعبة التنس الصينية بينغ شواي، في سبتمبر الماضي، على مواقع التواصل الاجتماعي أحد كبار الشخصيات في النظام باغتصابها. ومنذ أن اضطرت، على الأرجح، إلى سحب هذه التصريحات أمام كاميرات وسائل الإعلام الرسمية، اختفت بطلة التنس.
وفي مقابلة أجرتها رويترز، قالت رياضية أجنبية طلبت عدم الكشف عن هويتها، إنها تنوي التحدث علنا عن انتهاكات حقوق الإنسان في الصين. “أعتقد أن الصين أثبتت، خاصة مع بينغ شواي، أنها مستعدة لاتخاذ إجراءات متطرفة لإسكات أي شكل من أشكال الخطاب الذي تعتبره مسيئا”. ولئن أوضح منظمو الألعاب أن أي حديث من جانب الرياضيين ينتقد الصين سيعاقب، إلا أن اللجنة الأولمبية الدولية وعدت بأن يكون الرياضيون “أحرارًا في التعبير عن آرائهم».
مؤلف حوالي خمسة عشر كتابًا مخصصة للصين واليابان والتبت والهند والتحديات الآسيوية الرئيسية. عام 2020، نشر كتاب “الزعامة العالمية محوره، الصدام بين الصين والولايات المتحدة” عن منشورات لوب