مُؤكداً أن روسيا لا تسعى لاستسلام أوكرانيا و تَدعم أمنَ دولةٍ دون المَساس بأمن الأخرى..

بوتن يُشيد بالصمود الروسي ويُندد بالغرب مُجددا

لم تكن الحرب في أوكرانيا سوى ضجيج في الخلفية خلال منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي هذا العام، على الرغم من أن الرئيس أكد أن هذه البلاد «تنتمي» إلى روسيا.   هناك حاجة إلى نموذج تنمية جديد، نموذج لا يستند إلى قواعد الاستعمار الغربي الجديد.
 في ختام منتدى سانت بطرسبرغ السنوي، انخرط فلاديمير بوتين مجددًا في تمرينه المفضل: الإشادة بإنجازات الاقتصاد الروسي، التي يلتزم زعيم الكرملين بتحديد أهدافها وتصحيح أوجه القصور فيها، وفي المقابل، انتقاد تجاوزات العولمة، التي يتحمل الغربيون مسؤوليتها، حسب قوله. كان زعيم الكرملين محاطًا بزعماء العديد من الدول «الصديقة»، بمن فيهم الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو ونائب رئيس الوزراء الصيني دينغ شيويه شيانغ، الذين أشادوا بتعاون دولهم مع روسيا و»قيادة» رئيسها. كان الخطاب الطويل، الذي كان بمثابة سحق إحصائي حقيقي، يهدف بوضوح إلى فرض صورة روسيا «الصامدة»، على الرغم من الحرب التي تخوضها منذ أكثر من ثلاث سنوات في أوكرانيا. 

تحول هذا الصراع الطويل إلى ضجيج خلفي خفي داخل المنتدى هذا العام، ولكن لم يكن من الممكن طمسه تمامًا.  وبالطبع، لم يكن من الممكن طمس القصف المستمر بين إسرائيل وإيران. ردًا على سؤال من المذيع، نديم قطيش، رئيس قناة سكاي نيوز عربية، حول تصريحات القادة الإسرائيليين التي أثارت احتمال «القضاء» على الزعيم الروحي للجمهورية الإسلامية، آية الله خامنئي، تهرب فلاديمير بوتين من الإجابة. وكان قد فعل ذلك بالفعل في اليوم السابق أثناء إجابته على أسئلة وكالات الأنباء. وكان رده الوحيد آخر يوم: «روسيا تدعم أمن كل دولة دون المساس بأمن الأخرى».

وكرر الرئيس الروسي: «يمكن إيجاد حلول مقبولة»، مؤكدًا أنه على اتصال بالزعيمين الإسرائيلي والإيراني. وأكد مجددًا «حق إيران في تخصيب اليورانيوم والطاقة النووية السلمية». أكد الرئيس الإندونيسي، مستشهدًا بمثال نيلسون مانديلا، وكذلك بتسوية التمرد في إقليم آتشيه الإندونيسي، أن «الحوار أفضل دائمًا من القتل».

وقال السيد سوبيانتو: «زعيم هذا التمرد أصبح الآن عضوًا في حزبي». وسأل المنسق زعيم الكرملين: «هل يسعى ترامب إلى استسلام إيران غير المشروط؟ هل تسعى إلى استسلام زيلينسكي؟». وصرح الرئيس بوتين: «هذا وضع مختلف تمامًا. نحن لا نسعى إلى استسلام أوكرانيا، لكننا نصر على الاعتراف بالحقائق التي تطورت على الأرض». وأكد: «الشعبان الروسي والأوكراني واحد؛ وبهذا المعنى، أوكرانيا ملك لنا».

ولم يستبعد بوتين إمكانية سيطرة القوات الروسية على مدينة سومي الأوكرانية في إطار جهود موسكو لإنشاء «منطقة أمنية (...) تمتد من عشرة إلى اثني عشر كيلومترًا» على طول الحدود. ووفقًا له، خسرت القوات الأوكرانية 76 ألف جندي خلال توغلها في إقليم كورسك الروسي. إذا استخدم نظام كييف «قنبلة قذرة» ضد روسيا، فسيكون ذلك «خطأً كارثيًا، خطأه الأخير»، كما هدّد الرئيس الروسي.

لسنوات عديدة، وخاصة منذ عام 2022 ، كان منتدى سانت بطرسبرغ، الذي هجره القادة ورجال الأعمال الغربيون، بمثابة منبرٍ تُنظّمه موسكو للترويج لـ»الجنوب العالمي». في حين يشهد النمو الروسي تباطؤًا حادًا من المتوقع أن يبلغ 5.1% هذا العام، مقارنةً بأكثر من 4% في عام 2024 ، أشاد الرئيس في الوقت المناسب بـ»النمو النوعي». وكانت وسائل الإعلام الروسية قد تلقت سابقًا توجيهات من الإدارة الرئاسية تُلزمها ببثّ «تفاؤل اجتماعي»، كما أفاد موقع ميدوزا الإخباري.

وأكد بوتين أن هذا التباطؤ الموضوعي في النمو الروسي «لا يرتبط فقط بالمجمع الصناعي العسكري»، وأن «مساهمة عنصر المواد الخام لم تعد حاسمة فيه»، نافيًا بذلك الأسس التي لا تزال راسخة في الواقع الاقتصادي الروسي. قال زعيم الكرملين: «اقتصادنا يزداد جودةً وتعقيدًا وتنوعًا»، محذرًا من أن بلاده يجب ألا تستسلم «تحت أي ظرف» لتباطؤ النشاط الاقتصادي وتدخل في حالة ركود. وكان وزير التنمية الاقتصادية مكسيم ريشتنيكوف قد طرح هذا الاحتمال في اليوم السابق، للنصف الثاني من هذا العام. لكن فلاديمير بوتين لم يُعر اهتمامًا للنقاشات الدائرة بين النخب الروسية حول كيفية إعادة تشغيل محرك اقتصادٍ في حاجةٍ إلى الموارد. وأصرّ على أنه «ليس من حق النخب أن تحصل على غالبية الدخل، كما هو الحال في الولايات المتحدة».

دافع عن حججه المؤيدة لـ»عالم متعدد الأقطاب» وأوضحها، والتي، حسب قوله، يجب أن تتغلب على «الاستعمار الجديد» الدائم للقوى «المعادية لروسيا». كما هاجم الأوروبيين، الذين يُسخر منهم باستمرار باعتبارهم دولًا تفقد نفوذها. وقال: «إذا أرادت هذه الدول الحفاظ على أدواتها الاستعمارية، فسوف ترضى بالوضع الذي تنزلق إليه تدريجيًا». وأضاف الرئيس الروسي، وسط تصفيق نظرائه من «الجنوب»: «يبرز قادة اقتصاديون جدد. هذه أمور حتمية تحدث في حضارتنا». وأكد نائب رئيس جنوب أفريقيا، بول ماشاتيل، أن «منتدى سانت بطرسبرغ هو أحد المنصات القليلة في العالم التي يمكن فيها مناقشة هذه الرؤى».