بوتين قادر على اجتياح شرق أوكرانيا ولكن الكلفة ستكون كارثية

بوتين قادر على اجتياح شرق أوكرانيا ولكن الكلفة ستكون كارثية


لا تساور الأستاذ المساعد في مادة الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون الدكتور بن كونابل شكوكاً في قدرة روسيا على اجتياح شرق أوكرانيا. ومع أن النوايا الروسية بتنفيذ الهجوم لا تزال غير واضحة حتى اليوم، ثمة احتمال حقيقي في أن تجتاح روسيا ديموقراطية أوروبية ناشئة.
وأوضح كونابل في موقع “ريل كلير وورلد” أن القوات المسلحة الروسية تتمتع بالتأكيد بإمكانات كبيرة لضم الثلث الشرقي من الأراضي الأوكرانية. ففي 2020، نشر فريق الكاتب في مؤسسة راند البحثية تقريراً يحلل سيناريوهات القتال الروسية فوق الميدان. وأظهر التقرير كيف بإمكان الروس سريعاً حشد 130 ألف جندي مع جميع تجهيزاتهم لخوض تطويق استراتيجي مزدوج.

قراءة بوتين
لا يستطيع الأوكرانيون الدفاع بفاعلية عن أنفسهم في مواجهة احتلال روسي بدون مساعدة من حلف شمال الأطلسي (ناتو).
يمكن أن يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد حكم بطريقة صحيحة على غياب الإرادة الأطلسية للدفاع عن الديموقراطية الأوكرانية. ففي حين يدعم الناتو القوات الأوكرانية المسلحة من خلال تقديم المساعدات والاستشارات، ليست أوكرانيا عضواً في الحلف الأطلسي.
إن بيانات التضامن الجريئة مع أوكرانيا تبدو جوفاء بعد سنوات من الخلافات داخل الحلف وبعد تخلي الناتو الجماعي عن أفغانستان. ويبدو أن المواطنين الفرنسيين والألمان غير مهتمين بالدفاع عن أوكرانيا، ومن دون فرنسا وألمانيا ثمة فرصة ضعيفة في توليد رد عسكري أطلسي جماعي على اجتياح روسي، بحسب الكاتب.
مع ذلك، تابع كونابل، إذا اختار بوتين قطف هذه الثمرة اليانعة فمن شبه المؤكد أنه سيجدها مسمومة. فهو يواجه على الأقل خمسة تداعيات كبرى عقب قيامه باجتياح ناجح لأوكرانيا.

المزيد من العقوبات
فرض الرؤساء أوباما وترامب وبايدن عقوبات تراكمية على الدولة الروسية وبعض شركاتها وأفرادها، خصوصاً الأوليغارشيا والقراصنة ومسؤولي الاستخبارات المرتبطين بنشاطات خبيثة في الغرب. وبينما يبرز أحياناً جدل حاد في مجتمع الأمن القومي بين العلاقة السببية والأداء الاقتصادي الروسي الضعيف، من الآمن القول إن العقوبات تؤذي روسيا وتقلّص الفرص أمام بوتين لتوسيع قوته الاقتصادية.
وهدد وزير الخارجية أنتوني بلينكن بفرض المزيد من العقوبات في حال اجتياح روسيا أوكرانيا.

احتلال معقد ومرهق
منذ 2014، كان الروس قادرين على عرض قوتهم حيث يبرعون، في جيوب صغيرة جنوب شرقي البلاد. لقد وفروا مستشارين وأسلحة ومدفعية ودعماً برياً محدوداً إضافة إلى المعلومات الاستخبارية بشكل أساسي في منطقة دونباس المعزولة والمحاذية للحدود مع روسيا. بمخاطر ضئيلة وأعداد ضحايا معقولة، استخدمت روسيا نزاع الدونباس لتقويض استقرار أوكرانيا.
لكن إذا اجتاحت القوات الروسية البرية الثلث الشرقي من أوكرانيا فستكون مسؤولة مباشرة عن تأمين مساحة تساوي على الأقل ضعفي منطقة دونباس. إن الكثير من المناطق الشرقية في أوكرانيا مأهولة بمواطنين من الإثنية الروسية، لكن لا يرغب كل هؤلاء بأن يتم إلحاقهم بالدولة الروسية وفقاً لكونابل. إن القوات البرية الروسية قد تكون غير مستعدة لتأمين، ناهيكم عن توفير الدعم المدني-العسكري لدعم الملايين من المواطنين الروس الجدد الذين تم عزلهم عن عاصمتهم وطرقهم التجارية.

تمرد أوكراني
 مدعوم أطلسياً
في حين أنه بإمكان روسيا الاعتماد على دعم شعبي في معظم أراضيها التي ستكون قد ضمتها، سيكون هنالك بشكل محتوم مقاومة شعبية للمحتلين الروس يصعب التخلص منها. ستحاول أوكرانيا جعل الاحتلال أصعب عبر تهريب الأسلحة والاستخبارات إلى العناصر المعارضة الساعية إلى عرقلة خطوط الاتصالات الروسية وإلى مهاجمة القوات الروسية وبناء مقاومة شعبية ضد الاحتلال. من المرجح أن يجد الناتو فرصاً في تقييد الروس داخل أوكرانيا عبر استكمال جهود تلك المقاومة. لن يكون للقوات الروسية ترف الاختباء خلف الانفصاليين في دونباس. فهي ستكون مكشوفة بشكل خطر أمام عمليات حربية غربية غير تقليدية.

اضطراب اجتماعي
 في روسيا
بشكل شبه مؤكد، لا يستطيع بوتين اجتياح شرق أوكرانيا والاحتفاظ به من دون الاعتماد على عدد كبير من المجندين الذين تعرضوا لسوء المعاملة وسوء الإعداد لفترة طويلة، من أجل تجديد الكتائب التكتيكية التي ستشكل عصب القوات المهاجمة. عادة ما تنشر روسيا الجنود المتعاقدين بينما تبقي المجندين في الداخل لتخفيف ردود الفعل الاجتماعية. يضيف كونابل أنه تاريخياً، نظمت المجموعات الاجتماعية الروسية احتجاجات صامتة لكن صادقة ضد سوء التعامل مع المجندين وسقوط الضحايا بينهم والحروب غير الشعبية. إن إرسال عشرات آلاف المجندين إلى شرق أوكرانيا يخاطر بإثارة اضطرابات شعبية متواضعة في الداخل على الأقل.

قوة عسكرية مقيدة
في أفضل السيناريوهات، سيسير الاجتياح والضم بسلاسة وسيتطوع المواطنون الروس الجدد في ميليشيات وقوات شرطة شبه عسكرية لضمان أمن المدن والقرى، وبالتالي، ستعود غالبية القوات الروسية سريعاً إلى وطنها. لكن بالنظر إلى تقلبات الحرب وبعض المقاومة المحتومة، تبقى هذه النتيجة الوردية غير مرجحة.
قد يضطر بوتين إلى ترك عشرات الآلاف من الجنود، ربما أكثر من 100 ألف، مقيدين داخل أوكرانيا أو بدعم الاحتلال من داخل الأراضي الروسية. بوجود قوات برية تصل إلى حوالي 350 ألف جندي في شرق أوكرانيا، ستتقلص أعداد القوات الروسية المتوفرة لعمليات أخرى. إن أضخم التدريبات العسكرية الروسية مثل زاباد وكافكاز التي تهدف إلى ترهيب الناتو ستتقلص على الأرجح خلال السنوات التالية.

على محمل الجد
يجدد الكاتب في الختام عدم معرفته بما إذا كان احتمال تحقيق انتصار كارثي كهذا سيردع بوتين عن ضم شرق أوكرانيا. لقد برهن أنه قادر على تحمل مخاطر وأكلاف بارزة لحماية ستاتيكو مؤات لروسيا وتوسيع مكانة بلاده في الشرق الأوسط وأفريقيا وفي السابق أوكرانيا.
لغاية اليوم، ينصح كونابل قادة الحلف الأطلسي بأن يأخذوا تهديد الاجتياح الغربي على محمل الجد، آملاً في الوقت نفسه أن يأخذ بوتين الأكلاف المحتملة التي ستنجم عن محاولته على محمل الجد أيضاً.