فهم الروس الأمور ولم يبتلعوا الطعم

بوكروفسك الأوكرانية في مرمى روسيا.. «الوداع الأخير»

بوكروفسك الأوكرانية في مرمى روسيا.. «الوداع الأخير»


لا يعد هذا أول إجلاء للأوكرانية نينا أوفاروفا، في المرة الأولى، فرت من تقدم الجيش النازي، عندما كانت تبلغ من العمر عامين ونصف العام، والآن، وهي في الرابعة والثمانين من عمرها، تهرب من جيش الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
تكتب «إيكونوميست» أن المعلمة المتقاعدة حزمت أغلى ممتلكاتها في 5 حقائب، ورفعها ابنها على متن قطار الإخلاء المتجه إلى لفيف. تعيد عواطف اليوم إلى الأذهان ذكريات هروبها الأول. «الانفجارات، وإطلاق النار، والاختباء في الأقبية، ما زلت أتذكر كل ذلك». كان قرار المغادرة مؤلماً جداً بالنسبة إليها، لكن سقوط قذائف المدفعية الروسية في المنطقة الجنوبية من بوكروفسك لم يترك لها خياراً.

مرحلة بغيضة
كانت بلدة بوكروفسك، التي يبلغ عدد سكانها 59 ألف نسمة، في مقدمة أهداف الغزو الروسي الشامل منذ فبراير -شباط 2022. لكن في الشهر الماضي فقط تعرض مستقبلها لتهديد خطير. تنظر روسيا إلى الاستيلاء عليها هدفاً استراتيجياً، ما يفتح الباب أمام التقدم نحو مدينتي دنيبرو وزابوريجيا الكبيرتين. كان الأمل الكبير لأوكرانيا أن يؤدي الهجوم المفاجئ على كورسك إلى تخفيف الضغوط، إن حصل شيء فهو أن تقدم روسيا تسارع.
تستعد بوكروفسك لمرحلة جديدة بغيضة من الحرب. فقد نقلت الشرطة الإقليمية والإدارة المحلية مقراتها إلى الخارج. أغلق متجران كبيران، وستتبعهما على الأرجح بقية المتاجر. يصطف السكان المحليون في طوابير خارج البنوك ومكاتب التقاعد مسرعين إلى ممارسة أعمالهم التجارية بينما لا يزال بوسعهم ذلك.
داخل المدينة، تتسابق السيارات بسرعة عالية. في التاسع عشر من أغسطس -آب حثت السلطات السكان على المغادرة. استجاب العديد منهم للنصيحة.

سؤال واحد يثير الدموع
كان انسحاب أوكرانيا من أفديفكا في فبراير -شباط، والتناوب الفاشل في أوشيريتين القريبة في مايو -أيار، الأساس للهجوم على بوكروفسك. الآن أصبحت روسيا على بعد 10 كيلومترات من المدينة. على رصيف المحطة، يتنافس صوت البكاء مع أصوات الحيوانات الأليفة المضغوطة في الحقائب والصناديق، استعداداً للرحلة غرباً. سؤال واحد يكفي لإثارة الدموع. تنهار يوليا كوستينوفا، وهي تتذكر كيف دمرت قنبلة روسية في الحادي عشر من أغسطس مصنع تجهيز اللحوم، حيث كانت تعمل. تقول: «توتر مستمر وانفجارات وأبواب ونوافذ تتخلع بفعل موجات الصدمة. كل شيء في داخلك يضيق. تسمع الصاروخ وتنتظر وتسأل عما إذا كان سيسقط بالقرب منك ومن منزلك».
يقدم القادة الأوكرانيون أسباباً مختلفة للتقدم الروسي. يقول البعض إنه لم يكن هناك ما يكفي من القذائف، إذ أطلق العدو ما يصل إلى 10 أمثال العدد الذي أطلقه الأوكرانيون. ويشير آخرون إلى التكتيكات الروسية، أي هجمات فرق صغيرة من المشاة والقنابل الانزلاقية وأنواع جديدة من الحرب الإلكترونية. لكن يبدو أن الإرهاق وحجم القوى البشرية هما جوهر الانهيار.


لم يبتلعوا الطعم
يقول العقيد بافلو فيدوسينكو: «الناس ليسوا مصنوعين من الفولاذ». ويضيف أن القوات الأوكرانية التي تفوقها القوات الروسية بنسبة 4 إلى 1، لا تحصل على أي راحة. إن بعض الجنود الأوكرانيين يبقون على الخطوط الأمامية لمدة ثلاثين أو أربعين يوماً في كل مرة، محصورين في خنادق على بعد بوصات من الموت. يعرف «دبلن»، وهو مقاتل تابع للواء 59 جنوب شرق بوكروفسك، جنوداً ظلوا في مواقعهم لأكثر من شهرين. أصيب اثنان منهم بسكتات دماغية. ويقول إن مشاكل أوكرانيا تفاقمت بسبب الأوامر «الغبية».
حسب المجلة نفسها، يثير الغزو المصغر المفاجئ الذي شنته أوكرانيا على روسيا مشاعر مختلطة. يقول دبلن إن النجاحات المبكرة رفعت الروح المعنوية. ولكن هذا لم يدم طويلاً. فقد حل محل أمل أن تستجيب روسيا بنقل قواتها من بوكروفسك إدراك أنها لم تفعل ذلك. وتؤكد مصادر أمنية أوكرانية أنه في حين نقلت روسيا قواتها من أقسام أخرى من الجبهة الشرقية، هي عززت قواتها حول بوكروفسك. في غضون ذلك، أعادت أوكرانيا نشر وحدات من القوات الخاصة في كورسك، وتعمل على إصلاح جبهة بوكروفسك بتشكيلات غير مجربة. يشكو دبلن، قائلاً: «لقد فهم الروس الأمور ولم يبتلعوا الطعم».

إلى متى سيصمدون؟
إن المدافعين عن بوكروفسك مترددون في تحديد المدة التي يمكنهم الصمود فيها. قد يستغرق الروس أسابيع أو أشهراً، حتى يتمكنوا من تجاوز البلدات المحيطة مثل ميرنوهراد وسيليدوف وأوكراينسك، التي أصبحت الآن مطاردة بالطائرات بدون طيار والمدفعية والطائرات القاذفة.
يقول أوليكساندر، قائد الطائرات بدون طيار في اللواء 110، والذي يراقب ساحة المعركة من شاشاته، إن التقدم تباطأ منذ التاسع عشر من أغسطس -آب.
لكنه يحذر من أن لدى الروس عادة الانقضاض على النقـاط الضعيفة لإحداث تأثيـــــــر مدمر، ويبـــــدو أن الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن يتم ســــــــــحق بوكروفسك مثل ماريوبول وباخموت وأفديفكا.
 ما قد يحدث بعد ذلك يظل سؤالاً مفتوحاً. قد تكون السيطرة على بوكروفسك والتقدم القصير نحو الحدود الإدارية لمنطقة دونيتسك، كافيين لبوتين كي يعلن انتصاراً سياسياً، ويبدأ مفاوضات جادة. وقد لا يكون ذلك كافياً.
سيعتمد الكثير على ما إذا كانت أوكرانيا قادرة على الاحتفاظ بالجزء الذي تحتله الآن من روسيا كورقة مساومة في تلك المحادثات المستقبلية. تقول أوفاروفا إنها لا تصدق أياً من «الأكاذيب» التي تقرأها عن المفاوضات في الصحف التي يرسلها لها أبناؤها كل أسبوع.