قوات أقل، وميزانيات أكبر، ونتائج مخيبة للآمال

تريليون دولار سنوياً.. الإنفاق العسكري الأمريكي خارج عن السيطرة

تريليون دولار سنوياً.. الإنفاق العسكري الأمريكي خارج عن السيطرة


أفاد دان غرايزر، باحث أول ومدير برنامج في مركز ستيمسون، بأن الولايات المتحدة دخلت عهداً جديداً في الإنفاق العسكري، إذ تجاوزت ميزانية البنتاغون السنوية حاجزَ التريليون دولار.
ويُعزَى هذا التحوُّل، وفق الباحث، إلى مقترح بزيادة الإنفاق الدفاعي بمقدار 150 مليار دولار عن طريق آلية التوفيق بين عناصر الموازنة، على أن تُضاف هذه الزيادة إلى الميزانية الأساسية التي اقترحتها إدارة ترامب للسنة المالية 2026. 
وأوضح الكاتب، وهو نقيب سابق في سلاح مشاة البحرية الأمريكية خدمَ في العراق وأفغانستان، في مقاله بموقع صحيفة «ذا هيل» التابعة للكونغرس الأمريكي، أن هناك عاملين رئيسين يجعلان من غير المرجح أن ينخفض هذا الإنفاق إلى ما دون هذا الحد في المستقبل؛ الأول سياسي، والثاني تقني وعملي. من الناحية السياسية، أي محاولة لتقليص الإنفاق العسكري ستواجِه هجمات شديدة بدعوى تهديد الأمن القومي، وهو اتهام لا يرغب السواد الأعظم من الساسة في أن يلتصق به. 
أما من الناحية العملية، فالحكومة تمول حالياً مراحل تطوير عدد من الأسلحة المتقدمة مثل مقاتلات F-47، وقاذفاتB-21، وصواريخ فرط صوتية، وطائرات قتالية تآزرية، وغواصات من دون طاقم بشري، وصواريخ «سنتينل» الباليستية. 
وعلى الرغم من أن برامج الأسلحة هذه لا تزال في مرحلة التطوير، فإن كلفتها ستتضاعف بشكل كبير عندما تصل إلى مراحل الإنتاج والصيانة.

قنبلة موقوتة جديدة
وأضاف الكاتب «يمثل هذا التوسُّع بدء تشغيل (قنبلة موقوتة) جديدة في إنفاق البنتاغون، فعلى الرغم من أن كلفة هذه المشاريع تبدو في المتناول حالياً، إلا أن الانتقال إلى التصنيع والاستدامة سيجعلها أكثر كلفة بكثير». 
ويشبه هذا ما حدث بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، حينما أُطلقت موجة من الإنفاق العسكري دون رقابة جديّة، بحجّة محاربة الإرهاب.
واستغلت الجهات الدفاعية المناخ السياسي المؤيد للإنفاق العسكري لتدشين مشروعات كبرى لم يكن لها أي علاقة مباشِرَة بالحرب على الإرهاب، مثل نظام القتال المستقبلي، وسفينة القتال الساحلي، والمقاتلة طراز F-35، والمدمرة «زوموالت»، وغيرها الكثير. 
وكلها مشاريع باهظة التكلفة لم تحقق بعد العائد المأمول منها، لكنها وُلدت من رحم مناخٍ سياسي يفسح المجال للإسراف دون محاسبة.
واليوم يتكرر المشهد ذاته لكن بمبررات جديدة، أبرزها التهديد الصيني الذي يُستخدَم غطاءً لتعزيز الميزانيات، تماماً كما استُخدِم الإرهاب في السابق.

نتائج مخيبة للآمال
على الرغم من تضخم الميزانيات الدفاعية، فإن حجم الجيش الأمريكي الآن أصغر مما كان عليه قبل 50 عاماً. فالجيش تقلص إلى نحو 40% من حجمه عام 1975، وانخفض عدد القطع البحرية من 559 إلى 293 قطعة، وخسر سلاح الجو نصف عدد طائراته.
وما يصل إلى الجيش من أنظمة تسليح غالباً ما يتأخر سنوات، وتبلغ كلفته ضِعف المعلن عنه، ويؤدي أداءً مخيباً للآمال، فالمقاتلة F-35 لا تعمل إلا ثلث الوقت، وسفن القتال الساحلي تخرج من الخدمة قبل أوانها، ونظام القتال المستقبلي أُلغي دون إنتاج مركبة واحدة. ومع ذلك، يواصل صناع القرار الحاليون السير في الاتجاه ذاته، وذلك عن طريق إنفاق مليارات الدولارات على منظومات جديدة دون أي مراجعة شاملة للإستراتيجية العسكرية في ظل التغيرات المتسارعة الذي يشهدها العالم.

مسار مالي غير قابل للاستدامة
ارتفع الإنفاق الدفاعي الأمريكي بنسبة تقترب من 50% منذ عام 2000، والجزء الأكبر من هذا الارتفاع ناتج عن «إسراف ما بعد 11 سبتمبر». وإذا استمر المسار الحالي، فقد تصل الميزانية العسكرية خلال العقدين المقبلين إلى ما بين 2 و3 تريليونات دولار سنوياً. وسيكون ذلك عبئاً كبيراً على دافعي الضرائب، تمليه تعهدات الماضي، لا احتياجات الحاضر.
ولفت الكاتب النظر إلى أنه لا تزال هناك فرصة سانحة لتصحيح المسار. ويمكن لإدارة ترامب أن تبدأ في وضع إستراتيجية دفاعية جديدة تضع في الاعتبار الواقع السياسي والديموغرافي المتغير في الصين، وانخفاض العمليات القتالية الأمريكية المباشرة في الخارج.
تكمن المشكلة، برأي الكاتب، في أنّ الميزانية نفسها أصبحت بمنزلة «الإستراتيجية» بدلاً من أن تنبع من إستراتيجية واضحة. وإذا لم تتم إعادة هيكلتها، فستواصل المؤسسة الأمنية تحميل الأجيال القادمة أعباءَ فشل الحاضر.