جريمة على أسوار الكرملين: من قتل بوريس نمتسوف؟
عندما كانت روسيا تسعى الى التحوّل الديمقراطي قبل تسلم فلاديمير بوتين الرئاسة، كان بوريس نيمتسوف نجماً صاعداً.
وفي رسالة إلى “واشنطن بوست” عام 1992، وصف فريد هيات، الذي صار لاحقاً مسؤول صفحة الافتتاحيات في الصحيفة، كيف كان نمتسوف حاكم “نيجني نوغورود “الذي كان في حينه في الثانية والثلاثين، “يحض على الإصلاحات، ويدفع من أجل تحقيقها».
لاحقاً، صار نمتسوف نائباً لرئيس الوزراء في موسكو، واعتبر مرشحاً محتملاً للرئاسة، إلا أنه لم يحصل على المنصب قط، وانضم إلى المعارضة الروسية، قبل أن يُقتل في 27 فبراير (شباط) 2015 خارج اسوار الكرملين. وتقول “واشنطن بوست” في افتتاحيتها إن الخسارة لعائلته ولروسيا كانت كبيرة. ويثير قرار صدر أخيراً من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان مجدداً التساؤلات: من أمر بالقتل ولماذا؟.
كان نيمتسوف من أشد المنتقدين لبوتين، وللاستيلاء على شبه جزيرة القرم عام 2014، والحرب ضد أوكرانيا في دونباس، والفساد الذي يدور حول زعيم الكرملين والزعيم الشيشاني رمضان قديروف، الذي تعهد بالولاء للرئيس الروسي، وأرسل ذات مرة تهديدات بالقتل إلى نيمتسوف.
واعتقلت السلطات الروسية 5 شيشانيين للاشتباه بهم في جريمة القتل، وقُتل سادس أثناء اعتقاله.
وكان أحد المشتبه بهم أطلق الرصاص على نيمتسوف بينما كان يتجول مع رفيق له على جسر بولشوي موسكفوريتسكي. وتعاون آخرون في الجريمة من خلال مراقبة المكان وتأمين الفرار. ودين الخمسة من قبل هيئة محلفين في 29 يونيو (حزيران) 2017. واعترف أحد الشيشانيين في البداية بأنه عُرض عليهم 15 مليون روبل مقابل جريمة القتل، قبل أن يتراجع عن اعترافه في وقت لاحق.
وقدمت ابنة نيمتسوف، زانا بوريسوفنا نيمتسوفا، شكوى إلى المحكمة الأوروبية في عام 2015 ، مدعيةً بأن السلطات الروسية لم تذهب بعيدًا في التحقيق.
وجد قرار المحكمة، الذي نُشر يوم الثلاثاء الماضي، أن روسيا “فشلت في إجراء تحقيق مناسب وفعال في اغتيال نيمتسوف” و”أخفقت في معالجة جانب حاسم من القضية”، وخصوصاً في ما يتعلق بـ “من يمكن أن يكون قد أمر بارتكاب الجريمة ونظمها”. وقالت إن مثل هذا التحقيق “يجب أن يهدف إلى تجاوز تحديد هوية قاتل محترف». ولفتت “واشنطن بوست” إلى أن التحقيق كان متخبطاً. ويقول القرار إن لقطات الفيديو للجسر من عدة كاميرات لفترات زمنية معينة كانت مفقودة لأن الكاميرات “لم تكن تعمل” أو كانت هناك “مشاكل فنية».
وذهب أحد المحققين الروس إلى الشيشان لتسليم استدعاءات لثلاثة شهود محتملين، لكن “أياً منهم لم يفتح له الباب”، لذلك ترك الاستدعاءات في صندوق البريد. ولم تحصل أي محاولة للوصول إليهم، ولم يُستجوبوا قط. إلى ذلك، رفضت المحاكم السماح بإجراءات تهدف إلى استكشاف دافع سياسي محتمل للقتل.
وترى الصحيفة أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن المحققين الروس فتحوا عام 2016 تحقيقاً منفصلاً لمعرفة من قد يكون قد أمر بالقتل.
وتقول المحكمة الأوروبية إن روسيا زعمت عام 2021 أن هذا التحقيق معلق. لكن المحكمة وجدت أنه “لم تتم متابعة القضية بشكل نشط” لأكثر من 5 سنوات، الأمر الذي قوّض التحقيق، وكان له تأثيراً سلبياً خطيراً على فرص التوصل إلى القاتل.
وألقت الصحيفة الضوء على لغز آخر في قضية نيمتسوف، وهو تورط جهاز الأمن الفيدرالي الروسي FSB ، الذي راقب نيمتسوف سراً لمدة 10 أشهر قبل مقتله، وفقًا لتحقيق أجرته وكالة التحقيق بيلنغكات وشركاؤها. وتساءلت: “إلى من كان عناصر الجهاز يقدمون التقارير، ولماذا؟».
وخلصت “واشنطن بوست” بقولها: “إذا تولت حكومة روسية أكثر عدالة السلطة، فعليها أن تحترم ذكرى نمتسوف، من خلال اكتشاف الحقيقة حول من أمر باغتياله».