الفريق الأحمر، وحدة فرنسية خاصة

خلية سرية من مؤلفي الخيال العلمي في وزارة الدفاع

خلية سرية من مؤلفي الخيال العلمي في وزارة الدفاع

-- يتخيل فريق من عشرة أقلام أسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تضرب فرنسا بحلول عام 2060
-- هذا التمرين هو قبل كل شيء وسيلة لدفع مخاوف اليوم إلى أقصى الحدود
-- يفتح الفريق نافذة على عالم لا نتمنّاه ولكن يجب الاستعداد له بسرعة
-- تخيّل التغييرات التي ستحدث في المجتمع، وكيفية مقاومتها حفاظا على استقلالية فرنسا الاستراتيجية


   مركز كورو الفضائي، غيانا الفرنسية، 4 أغسطس 2042، الساعة 11 صباحًا. يقود قراصنة “بي نيشن” هجومًا على موقع يدافع عنه الجيش الفرنسي وبرنامجه مصعد الفضاء القادر على نقل الأقمار الصناعية والسائحين. هذا الصراع، هو تتويج لشرخ مجتمعي عنيف على المستوى العالمي. فقد ضاعف تغيّر المناخ عدد المهاجرين، الذين وجدوا أنفسهم يملؤون صفوف مجتمع القرصنة الواسع، المقاوم لأدوات المراقبة التكنولوجية، والذين يعيشون تحت رحمة المحيطات، بدون أرض ثابتة.

في مواجهتهم، شرعت فرنسا في بناء هذه البنية التحتية لإحداث ثورة في صناعة التعدين، والاستفادة من حزام الكويكبات، وفي نفس الوقت، استعادة صورتها على المستوى الدولي.
  هذا هو أحد السيناريوهات الأربعة التي تم نشرها في كتاب “هذه الحروب التي تنتظرنا”، عن منشـــــورات إكواتـــــــور في يناير 2022، والــــذي عمل عليه عشرة مؤلفين لادب الخيال العلمــــي طيلة عام ضمن “الفريق الأحمر” التابع لوزارة الدفاع.
 ففي مواجهة “الفريق الأزرق”، المكون من ضباط ومهندسين ومستقبليين، تتخيل هذه الاقلام أسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تحدث بحلول عام 2030-2060، والطريقة التي سيتمكن الجيش من الرد عليها.
   تم جمعهم في اعقاب مهرجان اليوطوبيا الدولي للخيال العلمي في نانت عام 2019، عمل المؤلفون المكلفون كفريق واحد على كل السيناريوهات. وطوال فترة العمل، تمكنوا من الاطلاع على وثائق الدفاع السرية، وزاروا البنى التحتية الحيوية، وأجروا مقابلات مع باحثين من جامعة باريس للعلوم والآداب، الشريك في البرنامج.

منع العسكريين
 من النوم
  من بين المؤلفين الذين تم اختيارهم، ألقى لوران جينفورت بنفسه في المغامرة دون تردد: “فتحت الجيوش أبوابها أمامي على مصراعيها، كان الأمر ممتعًا للغاية! ذهبت إلى هناك بهدف تحدي الجيش الفرنسي ولكن أيضًا للتعلم.
يقول مؤلف أومالي، وهو معجب بأوبرا الفضاء، إنه جرّب طريقة أخرى للعمل.
 ليلخّص “إنه نوع من التمرين الهجين بين الخيال العلمي والاستشراف”.
 عثر لوران جينفورت على ما هو إيجابي في عمليّة إكراهه وإرغامه على قصر خياله على الرؤية العسكرية: «كمؤلف خيال علمي، لا يواجه المرء الواقع أبدًا، وكان هذا العمل فرصة للاحتكاك بهذه الحدود».  
  وراء هذا اللقاء بين الخيالي والحقيقي، إيمانويل تشيفا. رئيس المشروع، يرأس وكالة الابتكار الدفاعية في وزارة الدفاع، يقول إنه “راضٍ جدًا عن النتيجة”، وعن تكامل العسكريين والمؤلفين.

 “إن دور الفريق الأزرق هو التأكد من أن عمل الفريق الأحمر ليس خارج الأرض، وأن الفريق الأحمر سيحرم الفريق الأزرق من النوم من خـــلال تقديم السيناريوهات.
سننجح في مهمتنا إذا وجد الفريق الأزرق صعوبة للعثور على إجابات للتهديدات المحددة، فهذا يعني أن الوقت قد حان لبدء التفكير».
   بالنسبة للمؤلفين، كانت أيضًا فرصة للاستمتاع بمفاجأة العسكريين. “طوال العمل، وجدت أن “بي نشين” ودودة للغاية”، يبوح لوران جينفورت مبتسما.
 لكن هذا التمرين هو قبل كل شيء وسيلة لدفع مخاوف اليوم إلى أقصى الحدود.
 “ما يثير الاهتمام هي المفاهيم التي يغطيها.
وفي حالة هذا السيناريو، كيف سيتعامل الجيش الفرنسي مع أمة بلا أرض تستولي على ما تريده فوق المياه؟

ماذا لو ... تحققت؟
   في مواجهة خطر نبوءة تتحقق، يعتقد إيمانويل شيفا أن فريقه يفتح قبل كل شيء “نافذة على عالم لا نتمنّاه ولكن يجب أن نستعد له بسرعة”.
 ويتابع: “نريدهم أن يساعدونا في تخيّل التغييرات التي ستحدث في مجتمعنا، وأساسا كيف نقاومها، وكيف يمكن لفرنسا أن تحافظ على استقلاليتها الاستراتيجية».
   من بين السيناريوهات التي أثارت أكبر نسبة ردود فعل في السلك العسكري، سيناريو “وقائع موت ثقافي مُعلن”، الذي يصف عالماً مجزأً إلى “مجالات آمنة” حيث تعيش كل مجموعة اجتماعية في فقاعة رقمية لا تتفاعل مع الآخرين ومتوافقة مع نظرتها للأشياء. مستقبل ليس بعيدًا عن مستقبل مارك زوكربيرج.

 “هذا السيناريو طبع كثيرًا الجيوش”، يعترف إيمانويل تشيفا. وبما انه عمل مباشرة على هذا السيناريو، يعتقد لوران جينفورت أنه بالإضافة إلى استعارة مستقبل قريب جدًا محتمل، فإن الأمر يتعلق أيضًا برؤية “كيف يمكن لشبكة اجتماعية أن تتطور إلى أمّة، لها امتيازات سيادية مثل الجيش أو العملة».
   في نفس الوقت، قدم المؤلفون نسخة أخرى من السيناريوهات، أكثر تفصيلاً لكنها سرية، “حتى لا نكشف نقاط ضعفنا أو نلهم خصومنا”، يشرح إيمانويل تشيفا. وكان لهذه الاعمال فوائد عمليّة من الان. “لقد أطلقنا في الآونة الاخيرة مشروع ميرياد الذي يدور حول الحرب الإدراكية، وهو نابع مباشرة من سيناريو محفوظ لم يتضمنه الكتاب”، يوضح العسكري.

انقسام في الخيال
 العلمي الفرنسي
    ولمّا كان مجتمع الخيال العلمي الفرنسي متجذرًا إلى حد كبير في الاتجاه اليساري التحرري، فإن هذا التعاون وانعكاساته على العالم الحقيقي ليست في ذوق الجميع.
 ففي أعقاب مهرجان اليوطوبيا في نانت عام 2019، ارتفعت أصوات تندّد باستيعاب وتوظيف هذا النوع لأغراض العسكرة.
    أرييل كيرو، المتخصص في الخيال العلمي، ومؤلف كتاب “في مخيال المستقبل”، “منشورات اكتو الخيال العلمي، 2020”، هو أحد الأصوات الناقدة. “لا أؤمن بالفصل بين عمل المؤلف وتعاونه مع الجيش، لكني أحترم الاختيار والقناعة الحميمة “لهؤلاء الروائيين””، يشرح. فمن وجهة نظره، “عندما يطلب الجيش من مؤلفي الخيال العلمي التعاون، يمكن تشبيه ذلك بالتسخير والاستغلال”. وهكذا، يلاحظ أرييل كيرو، وجود “معارضة قوية في عالم الخيال العلمي لهذا الاستخدام والتوظيف».

   وعلى نطاق أوسع، “إنها مسألة الالتزام السياسي للمؤلف التي تطرح. اليوم، عند كتابة خيال علمي بحساسية يسارية، تبدو المعركة ضد قوى السيطرة القائمة على التكنولوجيا واضحة بالنسبة لي”. ومن ثم فإنه يستنكر “فعل الاحتفاظ بالأشياء كما هي” والتي، حسب قوله، تشكلها مشاركة المؤلفين في الفريق الأحمر. ويضيف “نحن بحاجة إلى أفق تحول في منظور بيئي ويوتوبيا واضحة وضرورية لمواجهة الواقع، ان الخيال العلمي يخلق آفاقًا بديلة ويجعل من الممكن فهم أننا لسنا محكومين بالدفاع عن الدولة-الامة».  
   ويعترف لوران جينفورت: “لقد غزت هذه التوترات الوسط اليوم، وأصبح النقاش صعبًا. أفهم أنه يمكننا التفكير بشكل مختلف، لكن مشاركتي في هذا المشروع ترجع إلى هيكلي العقلي وعلاقتي باستقلال الفن. عندما يعمل مع القوات المسلحة، يؤكد المؤلف أنه ليس فقط روائيًا، “ولكنه أيضًا مواطن وموظف في خدمة عامة».

  إلى جانب المناقشات التي تقسّم عالم الخيال العلمي، يعتزم الفريق الأحمر مواصلة عمله، مع سيناريوهين جديدين سيتم الإعلان عنهما في يونيو. ان فرقا جديدة من نفس النوع قيد الإعداد، وهذه المرة ستركز على احتياجات الشركات الفرنسية الكبرى في مجال الحماية.