دروس أوكرانيا تُعجّل التحوّل.. فرنسا أمام اختبار المُقاتلات المُسيّرة

دروس أوكرانيا تُعجّل التحوّل.. فرنسا أمام اختبار المُقاتلات المُسيّرة


تحوّلت الطائرات القتالية المُسيّرة إلى أحد السمات البارزة في الحرب الروسية الأوكرانية، حيث أصبحت عنصراً حاسماً في قلب المعارك الشرسة بأوروبا الشرقية، ما دفع دولاً عدّة، وعلى رأسها فرنسا، إلى إعادة النظر في استراتيجياتها الدفاعية لمواكبة التحوّلات التكنولوجية في ساحات القتال، خاصة عبر زيادة قُدرات وكفاءة أساطيلها الجوية، وحمايتها في ذات الوقت. وفي مواجهة تهديد الطائرات بدون طيار والصواريخ بعيدة المدى، تُواجه القوات الجوية الفرنسية اليوم تحدّي حماية القواعد والمُدن.
 وقد أكد رئيس أركان القوات الجوية والفضائية الفرنسية، الجنرال جيروم بيلانجر، أنّه يُريد أن تكون القواعد الجوية قادرة على دعم صراعات شديدة الوطأة، وعلى حماية نفسها من خصم ذي موارد جوية مماثلة، ومن تهديدات جديدة كالمُقاتلات المُسيّرة. 
يصف لوران لارشر، المحلل السياسي العسكري في صحيفة «ليبراسيون* الفرنسية هذه الطائرات بـِ «ملحمة حرب النجوم»، في إشارة إلى واقع أصبحت فيه السماء الجزء الأهم من ساحة المعركة حيث «تُمطر الطائرات بدون طيار الموت عن بُعد وتبث الرعب في قلوب المدنيين والعسكريين على حدّ سواء». 
لذا فالجيش الفرنسي يُراقب هذه التحوّلات باهتمام بالغ، كما عبّر عن ذلك الجنرال فنسنت بريتون، مدير المركز المُشترك للمفاهيم والعقائد والتجارب، خلال مؤتمر عُقد بوزارة القوات الفرنسية المسلحة في يونيو (حزيران) الماضي. 
وكان من أبرز استنتاجاته أنّ «ساحة المعركة أصبحت شفافة تقريباً»، في إشارة إلى قُدرة المُسيّرات المُقاتلة على الرصد والاستهداف بدقة عالية، بل وبتكلفة منخفضة. وأشار بريتون في هذا الصدد إلى أنّ طائرات FPV المُسيّرة، وهي نماذج خفيفة ورخيصة نسبياً، تسببت منذ بداية الحرب بين موسكو وكييف في نحو 75% من خسائر الاستنزاف، مُعتبراً ذلك «نسبة مذهلة من حيث الفعالية مُقارنة بتكلفة المُعدّات العسكرية التي تُدمّرها». 
أمام هذا الواقع الجديد، تجد فرنسا نفسها مُطالبة أولاً بتطوير قُدراتها الدفاعية ضدّ الطائرات المُسيّرة، وثانياً تعزيز إمكاناتها الهجومية بامتلاك هذا النوع من الأسلحة، وهو تحدٍّ يتزايد بمرور الوقت. 
ويُقر خبير فرنسي في حلف الناتو بأنّ باريس ستكون في موقف حرج إذا واجهت سيناريو مُماثلاً للحرب بين روسيا وأوكرانيا، وخاصة كما حصل عملية «شبكة العنكبوت». من جهته، يُشير الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي في «لو فيغارو» نيكولاس باروت، إلى أنّ صدى العملية الأوكرانية الكُبرى ضدّ سلاح الطيران الروسي، يتردد بقوة، فبفضل بضع طائرات مُسيّرة رخيصة الثمن، تمكّنت القوات الأوكرانية من الوصول إلى نحو ثلث أسطول روسيا الجوي. 
وغنيّ عن القول، إنّه ثمّة قلق داخل المؤسسة العسكرية بشأن قُدرة القواعد الفرنسية على حماية نفسها من هذا النوع من الهجمات، فإذا لم يُتخذ أيّ إجراء لزيادة مُعدّل حماية الطائرات، فقد لا تستمر معركة جوية كبرى سوى بضعة أيّام.
 وبرأي باروت، فقد انتهت الهيمنة الجوية للغرب، التي ضمنت حرية تحرّك دوله في جميع مسارح العمليات بعد انتهاء الحرب الباردة.
 كما لوحظ ذلك أيضاً داخل الجيش الروسي منذ بداية الحرب مع أوكرانيا، والتي أظهرت أهمية الدفاعات المُضادة للطائرات، ولكن أيضاً الضرورة المُلحّة لتطوير المُقاتلات بدون طيّار وزيادة أعدادها. هذا الواقع يفرض على الجيش الفرنسي دمج الطائرات المُسيّرة بسرعة وفعالية ضمن العقيدة القتالية في مختلف البيئات العسكرية في البر، والبحر، والجو، والفضاء. إلا أنّ الفجوة لا تزال واسعة. فبينما تُخطط أوكرانيا لنشر 4.5 مليون طائرة مُسيّرة هذا العام، لا تملك فرنسا اليوم سوى بضعة آلاف منها فقط، ما يضطرها إلى استيراد الطائرات، مثل الطائرة القتالية الأمريكية «ريبر».
 حول ذلك يُعلّق جنرال فرنسي مُتقاعد «نحن نعتمد بشكل مُفرط على الولايات المتحدة في قطاع حيوي يتعلق بسيادتنا الدفاعية.
 لقد افتقرنا في السابق إلى الشجاعة وبُعد النظر». 
وفي محاولة لتدارك التأخّر، أعلنت باريس مؤخراً عن إجراءات جديدة لتحفيز قطاع الطائرات المُسيّرة المحلي.
 وزير الدفاع سيباستيان ليكورنو كشف أنّ شركتين فرنسيتين سوف تُنشئان خطوط إنتاج في أوكرانيا لتصنيع مُسيّرات تخدم الجيشين الفرنسي والأوكراني. ورغم تأكيده على ضرورة اللحاق بهذا السباق التكنولوجي، أقرّ ليكورنو بتفوّق الأوكرانيين في مجال تطوير الطائرات المُسيّرة وابتكار العقيدة القتالية المُصاحبة لها.
 ومن بين الشركات المُرشّحة، كشفت قناة «فرانس إنفو» أنّ مجموعة «رينو» لصناعة السيارات قد تكون ضمن المُشاركين، رغم أنّ الشركة الفرنسية أوضحت أنّ المشروع لا يزال قيد الدراسة، بانتظار تفاصيل إضافية من وزارة الدفاع. 
كما أعلنت وكالة التسليح الفرنسية، أنها طلبت تصنيع 1000 طائرة مُقاتلة بدون طيار من شركة هارماتان للذكاء الاصطناعي. وستُستخدم هذه الطائرات لتجهيز وتعزيز قُدرات الجيش، واستخدامها خلال مناورات أوريون 2026 العسكرية في فرنسا.