سلاح «حزب الله» يعمّق الانقسام في رأس السلطة اللبنانية

سلاح «حزب الله» يعمّق الانقسام في رأس السلطة اللبنانية


يبرز ملف سلاح «حزب الله» مجدداً كأحد أعقد التحديات التي تواجه الدولة اللبنانية، وسط تباين واضح بين مواقف الرؤساء الثلاثة، رئيس الجمهورية جوزيف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، حول كيفية التعاطي مع هذا الملف الحساس. ويرى مراقبون أن الخلاف بين الرؤساء لا يقتصر على مسألة السيادة، ودرء المخاطر الإسرائيلية فحسب، بل يمتد إلى مستقبل لبنان الاقتصادي، وإمكانية استعادة مكانته كوجهة آمنة للاستثمار و»سويسرا الشرق»، بعد عقود من التدهور.
 وبينما تختلف التوصيفات حول طبيعة العلاقة بين عون وسلام وبري حيال هذه القضية – هل هي «اختلافات جوهرية» أم مجرد «مقاربات متعددة» – إلا أن الأكيد أن  لبنان يواجه وضعاً غير مسبوق منذ الحرب الأهلية، مع استمرار سلاح الميليشيا في دفع البلاد نحو طريق مسدود سياسياً وأمنياً. وفي هذا السياق، تتجه الأنظار إلى الزيارة المرتقبة لمبعوث الرئيس الأمريكي إلى سوريا، توماس باراك، الأسبوع المقبل، حيث من المتوقع أن يطالب مجدداً برد لبناني موحد على المبادرة الأمريكية التي تنص على ضرورة سحب كافة الأسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة، في خطوة تعتبرها واشنطن شرطاً أساساً لضمان استقرار لبنان، واستئناف دعمه الاقتصادي. ويرى المحلل السياسي اللبناني علي حمادة أن الرؤساء الثلاثة في لبنان، لا يخوضون مواجهات سياسية فيما بينهم حول ملف سلاح حزب الله، بل يتبنون «مقاربات مختلفة» لمعالجة هذا الملف المعقد. وأوضح حمادة في تصريح لـ»إرم نيوز» أن رئيس الجمهورية، باعتباره المسؤول الأول عن الملف الأمني، يسعى إلى حل أزمة سلاح حزب الله عبر مسار يعتمد على «الكثير من الحوار، وقليل من الضغوط»، لتفادي استفزاز الحزب، ومنع تحول المسألة إلى أزمة سياسية تعطل البلاد بالكامل.
 وأضاف أن مقاربة رئيس مجلس النواب نبيه بري تركز على محاولة تجنيب حزب الله خيار التسليم الكامل للسلاح، مع السعي لتأجيل أي خطوات عملية لمدة عام على الأقل، في انتظار تبلور ملامح المرحلة المقبلة إقليمياً، ما يمنح الحزب وحلفاءه هامشاً زمنياً لالتقاط الأنفاس. في المقابل، يتمسك رئيس الحكومة  نواف سلام بموقف دستوري واضح يستند إلى اتفاق الطائف، والذي ينص على بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها من خلال أجهزتها الشرعية فقط، أي الجيش والقوى الأمنية الرسمية، بما يعني رفض وجود أي قوة مسلحة خارج إطار الدولة، وفق حمادة. وأشار إلى أن هذا التباين بين الرؤساء لا يصل حتى الآن إلى مستوى الخلافات المفتوحة، لكنه يواجه عقبة أساسية تتمثل في الإصرار الأمريكي على تسليم سلاح حزب الله وفق جدول زمني يمتد لعدة أشهر، ويشمل جميع المناطق اللبنانية، وليس فقط جنوبي نهر الليطاني – منطقة عمل قوات اليونيفيل. 
وأضاف أن  الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً إضافية تستهدف المؤسسات المالية التابعة لحزب الله، في محاولة لتجفيف مصادر تمويله، ومنعه من إعادة بناء ترسانته العسكرية مستقبلاً، حيث ترى الإدارة الأمريكية أن استمرار الحزب في امتلاك قدرات مالية ضخمة يتيح له استعادة قوته العسكرية، والاحتفاظ بنفوذه الأمني في أي وقت. 
بدوره، يؤكد المختص في الشأن اللبناني طوني ميشال أن العلاقة بين عون وسلام وبري، تعكس «خلافات حقيقية» تتعلق بتوقيت وآلية سحب سلاح حزب الله، في ظل الضغوط الأمريكية المستمرة، بينما تمر الأشهر دون أي تقدم ملموس. وأوضح ميشال في تصريحات لـ»إرم نيوز» أن إعلان الرؤساء الثلاثة، عقب الحرب  الإسرائيلية الأخيرة، عن التوافق على بدء عملية سحب السلاح، مر عليه نحو 6 أشهر، لكن النتائج ما زالت معدومة في ملف يشكل تهديداً مباشراً للدولة، ويمنح إسرائيل ذريعة لاستباحة الأراضي اللبنانية بشكل يومي، وهو ما يعكس بوضوح حجم الخلاف المتجذر بينهم. 
وأضاف ميشال أن رئيس الجمهورية، الذي شدد في خطاب القسم على ضرورة سحب أي سلاح خارج إطار الدولة، بدأ مع مرور الوقت يتبنى وجهة نظر حزب الله التي تحذّر من أن نزع السلاح دون تقديم الغرب دعماً تسليحياً ومالياً كافياً للجيش اللبناني سيترك لبنان مكشوفاً أمام أي عدوان إسرائيلي، وهو ما دفع الرئيس عون إلى الميل لفكرة التسليم المرحلي للسلاح، بما يتزامن مع تعزيز قدرات الجيش. وأشار ميشال إلى أن من قاد هذه المعادلة وضغط باتجاهها هو رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي لا يمثل فقط رئاسة البرلمان، بل هو أيضاً زعيم حركة أمل وشريك حزب الله في منظومة «الثنائي الشيعي»، ويقف بقوة ضد تسليم السلاح بشكل شامل.
 وأوضح أن رئيس الحكومة نواف سلام يواجه أزمة، حيث يرى أن بقاء سلاح حزب الله يمثل خطراً وجودياً على لبنان، ويوفر لإسرائيل الذريعة لشن حرب جديدة قد تدمر ما تبقى من البلاد بعد العدوان الأخير. وشدد ميشال على أن سلام يدرك أن بقاء هذا الملف عالقاً سيبقي لبنان معزولاً اقتصادياً، ويمنع أي فرص جدية للحصول على دعم مالي أو استثمارات خارجية، لن تغامر بضخ أموالها في بلد مهدد بالحرب في أي لحظة، وتفقد فيه الدولة قدرتها على فرض سيادتها على تنظيم مسلح يمتلك قراره الخاص.