يُصنَّف ضمن الأنواع المهددة بالانقراض
رصد «الوشق العربي» في محمية وادي الوريعة في الإمارات
في خطوة مهمة نحو تعزيز جهود حماية الطبيعة، تم رصد الوشق العربي بعد غياب سنوات في محمية وادي الوريعة الوطنية - أول محمية جبلية في دولة الإمارات بإدارة هيئة الفجيرة للبيئة. ويُعد هذا الكائن، المُدرج ضمن القائمة الوطنية الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض بشكل حرج، من أبرز الرموز الطبيعية في المنطقة. وقد تمت مشاهدته عبر كاميرات استشعار الحركة ضمن مبادرة "راقب الطبيعة" لرصد الحياة البرية، المدعومة من بنك المشرق والمنفذة بالتعاون مع هيئة الفجيرة للبيئة وجمعية الإمارات للطبيعة.
وتعد إعادة رصد الوشق العربي إنجازاً هاماً، لأن كل مشاهدة جديدة له توفر معلومات قيّمة لتقييم وضعه، وحماية موائله الطبيعية الضعيفة، وتطوير استراتيجيات فعّالة للحفاظ عليه. ويؤكد هذا الظهور أن النوع، المهدد محلياً وإقليمياً، ما زال موجوداً في بيئته الطبيعية، وهو ما يعكس تأثير جهود حمايته ونجاح المناطق المحمية، ويستدعي تكثيف التدابير المستهدفة لمنع انقراضه. وبعد سنوات من عدم مشاهدته، شوهد في جبل حفيت عام 2019، ثم بالقرب من وادي شيص في مارس 2023، وأخيراً في وادي الوريعة عام 2025، بما يمنح أملاً متجدداً في استمراره وبقائه.
يُعتبر الوشق العربي من أكثر الحيوانات المفترسة شهرة في المنطقة، ويمكن التعرف عليه بسهولة بفضل بنيته القوية والخصلات السوداء المميزة على أذنيه. ويؤدي دوراً أساسياً في الحفاظ على التوازن الطبيعي للأنظمة الجبلية كأهم الحيوانات المفترسة، من خلال ضبط أعداد الفرائس. ورغم أنه من الكائنات الأصيلة في جبال وصحاري دولة الإمارات وشبه الجزيرة العربية، إلا أن هذا القط الانعزالي، الذي ينشط غالباً ليلاً نادراً ما يُشاهد في الحياة البرية.
وقد تمكنت كاميرات استشعار الحركة المنتشرة في وادي الوريعة، بالتعاون مع هيئة الفجيرة للبيئة وبمشاركة خبراء البيئة ومتطوعي برنامج "قادة التغيير" التابع لجمعية الإمارات للطبيعة بالتعاون مع الصندوق العالمي للطبيعة، من التقاط صور للوشق العربي. وتعمل هذه الكاميرات بشكل تلقائي عند رصد أي حركة، سواء نهاراً أو ليلاً باستخدام الأشعة تحت الحمراء. ويأتي هذا الاكتشاف ليعزز سجل المحمية التي وثّقت أيضاً وجود أنواع نادرة أخرى، مثل ثعلب بلانفورد الذي نادراً ما يُرصد في دولة الإمارات.
قال الدكتور علي حسن الحمودي مدير إدارة التنوع البيولوجي والموارد الطبيعية بهيئة الفجيرة للبيئة: "تأتي عودة ظهور الوشق العربي في وادي الوريعة، بالتزامن مع احتفائنا بيوم الموائل العالمي، ليؤكد الدور الحيوي لهذه المحمية كملاذ آمن للأنواع النادرة والمهددة بالانقراض. ومنذ سنوات، تتعاون الهيئة مع جمعية الإمارات للطبيعة لحماية هذا المشهد الطبيعي الفريد وإدارته، بالاعتماد على برامج علمية دقيقة وطويلة الأمد للرصد والحفاظ على الطبيعة. ومن خلال مبادرة راقب الطبيعة وبالتعاون مع بنك المشرق، نفخر بإشراك أفراد المجتمع في مسوحات التنوع البيولوجي، الأمر الذي يعزز الوعي بغنى النظم البيئية الجبلية في دولة الإمارات ويبرز أهمية العمل الجماعي للحفاظ عليها."
وقال الدكتور أندرو غاردنر، رئيس قسم حماية التنوع البيولوجي في جمعية الإمارات للطبيعة: "يمثل رصد الوشق العربي مجدداً فرصة نادرة تستدعي التحرك الجاد. فهذا القط البري يعد ركناً أساسياً في استقرار النظم البيئية، إلى جانب قيمته الثقافية ودوره المحتمل كرمز للترويج للسياحة البيئية في المنطقة. ونحن ممتنون للدعم الكبير من هيئة الفجيرة للبيئة وبنك المشرق الذي ساعدنا على توثيقه بالصور. لكن من المهم أن ندرك أن تسجيلاً واحداً لا يكفي ولا يضمن استعادة نوع الكائن على المدى البعيد، ولهذا فإن هذا الاكتشاف يستوجب إجراءات عاجلة وخططاً واضحة لحمايته وضمان بقائه."
وعلقت منى الغرير، رئيسة مجموعة التسويق والاتصال المؤسسي في بنك المشرق: "نفخر في المشرق بدعم مبادرة راقب الطبيعة، التي لا تقتصر أهميتها على جمع بيانات أساسية لجهود حماية البيئة فحسب؛ بل تساهم أيضاً في إشراك المجتمع وتشجيعه على المشاركة الفاعلة في صون التراث الطبيعي لدولة الإمارات. ويؤكد إعادة اكتشاف الوشق العربي مدى خطورة التحديات التي نواجهها، وأهمية الاستمرار في الاستثمار في التنوع البيولوجي. فالقضية لا تتعلق بحماية نوع واحد فقط، بل بضمان بقاء النظم البيئية التي تدعم الحياة وتخدم الأجيال الحالية والمستقبلية."
حتى الآن، جمعت مبادرة راقب الطبيعة أكثر من 1836 مشاركاً سجلوا ما يزيد عن 13600 مشاهدة للحياة البرية مستخدمين الأدوات العلمية جنباً إلى جنب مع مساهمات المشاركين في أنشطة علم المواطنة، ما يوفر قاعدة معرفية مهمة لتقييم حالة الأنواع الرئيسية من الكائنات الحية وتطوير استراتيجيات فعّالة للحفاظ عليها.
يعود اسم الوشق أو كاركال إلى الكلمة التركية كاراكولاك التي تعني "الأذن السوداء". وقد جرى قديماً تدريبه في الشرق الأوسط والهند لصيد الطيور. أما اليوم، فيُعد الوشق العربي من الأنواع المهددة بالانقراض بشكل حرج وفق القائمة الحمراء الوطنية لدولة الإمارات، إذ يُرجَّح أن الأعداد المتبقية في البرية لا يتجاوز 250 من البالغين. ويؤكد ذلك الدور الحيوي للمحميات الطبيعية مثل وادي الوريعة في حماية الأنواع النادرة وضمان استمرارها.
من خلال مبادرة راقب الطبيعة وبرنامج قادة التغيير، يستطيع كل فرد في الإمارات أن يكون جزءاً من جهود حماية البيئة. فبالمشاركة في أنشطة علم المواطنة إلى جانب الخبراء، يمكنهم المساهمة في مسوحات التنوع البيولوجي، والمساعدة في تركيب وصيانة الكاميرات الحساسة للحركة، وجمع بيانات مهمة تدعم وضع استراتيجيات فعالة لصون الطبيعة في المستقبل.