تعطي واشنطن الأولوية لآسيا وتترك أمن القارة العجوز للأوروبيين

سحب القوات الأمريكية من أوروبا يقوّض جهود واشنطن لمواجهة الصين

سحب القوات الأمريكية من أوروبا يقوّض جهود واشنطن لمواجهة الصين


حظيت المظلة النووية الأمريكية مؤخراً باهتمام على صعيد النقاش الدائر حول البنى الأمنية الأوروبية، ولا يمكن أن يكون ذلك أمراً غريباً، نظراً للعداء الذي يبدو أن الكثير من مسؤولي إدارة الرئيس دونالد ترامب يكنه لحلفاء أمريكا في حلف شمال الأطلسي «الناتو».
وكتب كيلي بالزر في مجلة ذا هيل الأمريكية، أنه من المؤكد أن البيت الأبيض لم يقدم لنفسه الكثير من الخدمات، إذ شكك علناً في جدوى أوروبا بالنسبة للمصالح الأمريكية. وتثير التقارير الأخيرة، التي تفيد بأن وزارة الدفاع تدرس سحب 10 آلاف جندي من القارة، احتمال اعتماد المساهمة الأمريكية في الناتو، على الأسلحة النووية على نحوٍ متزايد.
والأهم، ألا نغفل الدور الذي لا يمكن الاستغناء عنه للقوات التقليدية ــ وخصوصاً تلك التي تنشرها الولايات المتحدة في المقدمة. ومن المؤسف أن هذا العامل التقليدي غالباً ما يتجاهله البعض في إدارة ترامب.

الصين أخطر تهديد
والمبرر المعطى للخفض الكبير في القوات التقليدية الأمريكية بأوروبا، يعتمد على فكرة أن الصين تشكل أخطر تهديد مباشر للأمن القومي الأمريكي. وبما أن الولايات المتحدة تجد نفسها في عصر تشح فيه الموارد، وتعاني من ضعف في قاعدة الصناعات الدفاعية، فإن على واشنطن - كما يقال - تعطي الأولوية لآسيا وتترك أمن أوروبا في الغالب للأوروبيين. لذا، يجادل أصحاب «الأولوية» في إدارة ترامب بضرورة إعادة توزيع معظم، إن لم يكن جميع، الأصول الحربية الأمريكية على آسيا. وستعتمد مساهمة الولايات المتحدة في حلف الناتو، بالضرورة، بشكل أساسي على توسيع نطاق الردع النووي مستقبلاً.   
لا ريب في أن من يصفون أنفسهم بأنهم أصحاب الأولوية، يستحقون الثناء لتسليطهم الضوء على خطورة التهديد الصيني الوشيك. وقد تضطر إلى نقل بعض أصولها الحربية من أوروبا إلى آسيا. وعلى المدى القريب، قد تضطر واشنطن وحلفاؤها في الناتو إلى الاعتماد بشكل أكبر على التوظيف النووي، إذا ما أقدم عضو أو أكثر من أعضاء ما يسمى محور العدوان على شن عدوان انتهازي أو منسق، عبر حدود أوراسيا الشاسعة.   
ورغم ذلك، فإن السحب المتسرع للقوات الأمريكية التقليدية من أوروبا، من شأنه أن يقوض جهود إدارة ترامب في منح الأولوية للصين. إن حصر دور الولايات المتحدة في حلف الناتو بالردع النووي، من شأنه أن يفتح المجال أمام روسيا لزرع بذور الانقسام داخل التحالف عبر الأطلسي، وربما يشق طريقه إلى دول البلطيق أو دول الشمال الأوروبي.   

ضربة نووية
وإذا أمر رئيس أمريكي بشن ضربة نووية، ولو محدودة، على الأراضي الروسية برأس حربي تكتيكي منخفض القوة، فإنه يخاطر بتصعيد الوضع إلى حرب عابرة للقارات، وربما خسارة ملايين الأرواح الأمريكية. وفي حال اندلاع حرب نووية في أوروبا، لن تكون نيويورك أو شيكاغو معرضة لخطر الدمار فوراً، لكن الخطر ليس معدوماً، ويجب أن يجعل مثل هذا الأمر أي رئيس يفكر كثيراً قبل الإقدام على هكذا خطوة.
لهذا السبب، اعتمدت السياسة الأمريكية تقليدياً على دفاع تقليدي متقدم لإنشاء موانع تصعيد غير نووية، ولطالما حاولت واشنطن رفع العتبة النووية في أوروبا تحديداً لتعزيز مظلتها النووية.
في هذه الحالة، هل يُطمئن اعتماد الولايات المتحدة المتزايد على الأسلحة النووية على حساب القوات التقليدية أوروبا، بأن واشنطن لا تزال تدعمها؟ هل يثق أعضاء الناتو حقاً برئيس أمريكي - لا ســــيما إذا كان يشكك باستمرار في  جدواهم– ليقدم على مثل هذه المخاطر الجسيمة في مسرح يُفترض أنه «ثانوي»؟

تشير الأدلة إلى عكس ذلك
ورداً على التقارير المتعلقة باحتمال سحب القوات الأمريكية، سلّط ديفيداس ماتوليونيس مستشار الأمن القومي للرئيس الليتواني، الضوء على الدور الحاسم للوجود الأمريكي التقليدي المتقدم. وأكد أن تناوب القوات القتالية الأمريكية عبر دول البلطيق، هو ما يوفر رادعاً رئيسياً لروسيا.
وكرر مسؤول بولندي هذا الرأي مؤخراً، مشيراً إلى أن رحيل القوات الأمريكية «من شأنه أن يرسل إشارة إلى روسيا مفادها أن (أوروبا الشرقية) منطقة رمادية بالنسبة لواشنطن»، وتالياً دعوة روسيا إلى الانتقام.
وعلاوة على ذلك، لا تزال الولايات المتحدة في حاجة إلى أوروبا لمساعدتها في منع بكين من الوصول إلى تقنيات مثل أشباه الموصلات المتقدمة. كما ستحتاج إلى تعاون أوروبا الدفاعي الصناعي لتحسين قدرتها على منافسة بكين، وشراء المعدات العسكرية بكفاءة أكبر وعلى نطاق أوسع. وإذا فشل الردع في غرب المحيط الهادي، فإن أوروبا تمتلك قدرات حربية بحرية هائلة، يمكن أن تسهم بشكل كبير في كبح البحرية الصينية في غرب المحيط الهادي.