وضع خطا لا يحيد عنه:

طريقة سوبر ماريو تصنع المعجزات في إيطاليا...!

طريقة سوبر ماريو تصنع المعجزات في إيطاليا...!

   في غضون بضعة أشهر، أطلق الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي رياح التجديد على الاقتصاد الإيطالي، غير أن العمل الذي يتعين القيام به لا يزال هائلا.
    إذا كانت هناك قوة سحرية واحدة يبدو أن الإيطاليين يمتلكونها في هذه اللحظة، فهي قوة الانبعاث غير المتوقعة.
 لا يقتصر الأمر على فريق سكوادرا ازورا الذي عاد، على عكس كل التوقعات، بكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم في يوليو الماضي بعد فشله في التأهل لكأس العالم 2018. ولا أيضًا الرياضيين الذين فجروا الرقم القياسي الوطني للميداليات في الألعاب الأولمبية الأخيرة، بل انتزعوا الذهب من الأمريكيين في ملكة السباقات 100 متر، فالقيامة هي أيضا اقتصادية.
   بعد الانغماس بوحشية في الأزمة، تمر إيطاليا بمرحلة انتعاش مذهل. يتجاوز نمو البلاد إلى حد كبير التوقعات التي وضعت في بداية العام: قد يكون أعلى من 6 بالمائة هذا العام، وهو أحد أفضل الزيادات في منطقة اليورو. معنويات الشركات والأسرة مرتفعة، وعادت الصادرات بأقصى سرعة، وتهطل مليارات اليورو على شبه الجزيرة من خلال خطة التعافي الأوروبية، وبات يسُمع صوت البلاد مجددا في بروكسل. أخيرًا، يبدو أن “رجل أوروبا المريض” في طريقه إلى التعافي.
   بعد أن كان يشار لها بالأصابع طيلة سنوات بسبب نموها البطيء، ويُنظر إليها على أنها قنبلة موقوتة يمكن أن تفجّر منطقة اليورو في أي وقت، وتم وضعها جانبًا في المحفل الأوروبي بسبب عدم استقرارها السياسي، ونُظر بازدراء لإدارتها للحالات الأولى من كوفيد، والى كونها واحد من أكثر البلدان تضرراً بالوباء، تشهد إيطاليا اليوم انتعاشاً أكثر إثارة.
   «لقد عشت هنا طيلة ثلاثين عامًا، ولم أر أبدًا إيطاليين متفائلين وفخورين ببلدهم مثل اليوم”، يلاحظ دينيس ديليسبول، رئيس غرفة التجارة والصناعة الفرنسية الإيطالية. رياح تجديد تثير أملاً هائلاً: وماذا لو ان ما وراء هذا الانتعاش البسيط بعد الأزمة، تستعد إيطاليا أخيرًا لكسر الحلقة المفرغة التي ابتليت بها لعقود من الزمن، وإعادة إحياء المعجزة الاقتصادية كما في الخمسينات؟
   أمل يرتكز إلى حد كبير على أكتاف صلبة لرجل: رئيس الحكومة ماريو دراجي. عندما وصل إلى السلطة في فبراير الماضي، كانت خارطة الطريق للرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، واضحة: أولاً، اخراج البلاد من الأزمة الصحية والاقتصادية في أسرع وقت ممكن. بعد ذلك، استرجاع خطة التعافي والمرونة الوطنية التي شرع في كتابتها سلفه، والاستفادة إلى أقصى حد من الاقتران العظيم للكواكب –رفع قواعد الميزانية الأوروبية، وخطة إعادة إطلاق الاتحاد الأوروبي، والتي تعد إيطاليا المستفيد الأول منها بـ 191.5 مليار يورو في شكل قروض ومنح على مدى ست سنوات، والسياسة النقدية التي لا تزال متراخية للبنك المركزي الأوروبي –لإنعاش وإصلاح البلد بتكلفة أقل.
   بعد أن أنقذ منطقة اليورو عام 2012 عندما كان على رأس البنك المركزي الأوروبي بشعاره الشهير “مهما كلف الأمر”، كسب “سوبر ماريو” التحدي الأول، تحدي الإدارة قصيرة المدى، بكفاءة وحزم، مما سمح للاقتصاد بالانطلاق مجددا. وبدا أن لديه أوراقا رابحة في جعبته للنجاح في التحدي الثاني وتغيير اللعبة الاقتصادية على المدى الطويل.

134 مشروعا
استثماريا وإصلاحيا
   العنصر الأول في جرعة دراجي السحرية؟ معرفته الكاملة بالقضايا الاقتصادية، والتي سمحت له بالتصويب الصحيح. “القوة الكبيرة لخطة الانعاش والإصلاحات في إيطاليا، هي التركيز على العناصر الرئيسية التي تقيّد النمو الإيطالي”، تقول كاثرين ماكليود، الخبيرة الاقتصادية المسؤولة عن مراقبة إيطاليا في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
    ضرائب ثقيلة ومعقدة، إدارة عامة غير فعالة ومرهقة، عدالة بطيئة، معوقات المنافسة في قطاعات معينة، تعقيد إداري كبير، قلة الاستثمار والتكوين: جملة من المشاكل معروفة منذ فترة طويلة، والتي تعيق إنتاجية الدولة وتنافسيتها. لقد “أشار الاقتصاديون إلى نقاط الضعف هذه منذ سنوات، لكن لم تنجح أي حكومة حتى الآن في معالجتها”، يشرح إريك دور، مدير الدراسات الاقتصادية في كلية إيسيج للإدارة.
   وفي برنامجه المكون من 2500 صفحة، ويضم 134 مشروعًا استثماريًا و63 مشروعًا إصلاحيًا، وعد رئيس الحكومة، بروكسل بخوض المعركة على جميع الجبهات لتعزيز النمو المحتمل للبلاد. عمل شاق يجب إنجازه في إطار زمني ضيق للاستفادة من إصدار المظاريف المالية الأوروبية. لذلك يجب على بالاتسو كيجي المضي قدمًا بوتيرة سريعة: تم إطلاق إصلاحات الإدارة العامة والعدالة وتبسيط الإجراءات للأشغال الكبرى، وتقديم الإصلاح الضريبي الشامل، والحكومة في طور العمل على المنافسة، من أجل تحرير مختلف القطاعات، مثل الطاقة أو النقل العام.
    وتجدر الإشارة الى أنّ لسوبر ماريو سلاح ثان. “بالإضافة إلى قدراته ومهاراته، فهو جاد وملتزم: لديه خط ولا يحيد عنه”، يقول دينيس ديليسبول. ولتحقيق هدفه، أقام رئيس المجلس آلة حرب: الإشراف المباشر على الخطة من قبل رئاسة الحكومة، التي تعتمد على فريق صغير من الوزراء، وأهداف محددة، وتقارير دورية إلى مجلس النواب. ولتفادي اختلاس المافيا للأموال العامة، يتم انتداب مفتشين للسيطرة على إنفاق الشركات والسلطات المحلية.
   جوكر آخر في جعبته يتمثل في قدرته على التجميع: بفضل هالته، نجح ماريو دراجي حاليا في الحفاظ على تحالف واسع يمتد من اليمين إلى أقصى اليمين أثناء عملية الإصلاح.
   سلاح فعال جدا أيضا في بروكسل، “الجميع يستمع إليه، حتى الدول المقتصدة: وهذا يسمح لإيطاليا باستعادة القدرة على المبادرة التي كانت لديها في بداية البناء الأوروبي”، يرى مارك لازار المتخصص في الحياة السياسية الإيطالية. وبفضل كل هذا، يمكن لـ شبه الجزيرة أيضًا تأجيل تعافي حساباتها العامة دون تعقيد إلى اجل غير مسمّى، والتأثير مع فرنسا في النقاش حول إعادة تحديد قواعد الميزانية المستقبلية لمنطقة اليورو.

المخاطر المصرفية
 لم تختف
    ولكن، رغم كل هذه الأوراق الرابحة، لا يزال الفوز بالمباراة بعيدا بالنسبة لماريو دراجي. ان “تحويل الاقتصاد الإيطالي، هو عمل ضخم لا يمكن استكماله في غضون أشهر قليلة؛ سيستغرق الأمر سنوات من الجهد للنجاح”، يشير لورنزو كودوجنو، كبير الاقتصاديين السابق بوزارة الخزانة الإيطالية. لذا فإن الوقت، بالنسبة إلى سوبر ماريو، ينفد: وقد بدأ تحالفه يتصدّع حول مسألة إصلاح الكادستر. كما أن ملف المعاشات، الذي سيفتح في نهاية العام، يعرّضه لخطر إضعافه.
ومن المتوقع أن يحل محل سيرجيو ماتاريلا كرئيس للجمهورية في أوائل عام 2022. “سيظل يلعب دورًا، لكنه سيكون أقل فائدة بكثير”، يحذر لورنزو كودوجنو.
   هناك أيضا العديد من العقبات في طريقه. لم يتم محو ثقل الجهاز البيروقراطي الإيطالي بعد وهذا يثقل تنفيذ خطة الإصلاح والاستثمار -كما أن البلاد متأخرة اصلا في الجدول الزمني الذي حددته. “بالإضافة إلى ذلك، يرتبط ضعف الاقتصاد أيضًا بمسألة العقلية، لا سيما في جنوب إيطاليا: لا يزال الأداء عشائريًا للغاية، وقد أظهرت العديد من الدراسات أنّ هذا يعيق التنمية الاقتصادية، وفق تحليل إريك دور، ومن المعروف أنه يصعب جدًا التعامل مع القضايا الثقافية”. نقطة ضعف أخرى لا تزال بعيدة عن الحل، “تظل المخاطر المصرفية قائمة في إيطاليا، كما يتضح من ملف مونتي دي باشي دي سيينا”، يلاحظ باتريك كريزان، كبير الاقتصاديين في أليانز.
   لن يكون نجاح أو فشل ماريو دراجي حاسمًا لإيطاليا فقط، “سيكون أيضًا على المستوى الأوروبي، لأنه سيحدد إمكانية إنشاء مبادرات أخرى مماثلة لخطة التعافي الأوروبية في السنوات المقبلة”، يؤكد نيكولاس فيرون، الاقتصادي والمؤسس المشارك لمركز أبحاث بروجيل... مرة أخرى، بين يدي “سوبر ماريو” جزء من مستقبلنا.
عن لاكسبريس