معتدل، راديكالي، يميني، نسوي

فرنسا: من سيفوز بالانتخابات التمهيدية للخضر...؟

فرنسا: من سيفوز بالانتخابات التمهيدية للخضر...؟

- تتنافس امرأتان وثلاثة رجال في هذا السباق التمهيدي
- لن يكون الاقتراع حكرا على المنخرطين في هذه الأحزاب
-  لن يستبعد هذا الاختيار بالضرورة ترشّحا منافسًا
- سيعطي اقتراع سبتمبر اسم المرشّح للانتخابات الرئاسية لعام 2022
- فشل الخضر حتى الآن في الاستفادة من أطروحاتهم سياسياً خلال المحطات الرئاسية المختلفة


في الأيام القليلة القادمة، سيعيّن الخضر من سيمثلهم في الانتخابات الرئاسية لعام 2022. خلال انتخابات تمهيدية، ستعقد الجولة الأولى من 16 إلى 19 سبتمبر -إذا كان لا بد من جولة ثانية للحسم بين شخصيتين احتلتا المركز الأول دون الحصول على الأغلبية المطلقة من الأصوات “50 بالمائة زائد صوت واحد”، ستجرى من 25 إلى 28 سبتمبر -وسيتعيّن على الناخبين الاختيار بين خمسة أسماء.
   عام 2017، لم يكن للخضر ممثل لأن يانيك جادو “أوروبا البيئة –الخضر” قد انسحب قبل الجولة الأولى لصالح بينوا هامون “الحزب الاشتراكي”. ولم ترق النتيجة إلى مستوى التوقعات، بل ما جرى هو العكس تماما.

مقابل 2 يورو، التصويت مفتوح
   تتنافس امرأتان وثلاثة رجال في هذه الانتخابات التمهيدية: دلفين باثو، وساندرين روسو، ويانيك جادو، وإريك بيول، وجان مارك غوفيرناتوري. وقد تحصل جميعهم على العدد المطلوب من توقيعات رعاية المرشحين من أعضاء مجلس القطب البيئي الذي يضم خمس منظمات.
   وهي: “أوروبا البيئة –الخضر”، و”الجيل” (حزب أسسه بينوا هامون، مرشح الحزب الاشتراكي السابق للانتخابات الرئاسية لعام 2017)، و”حركة التقدميين” “حزب تأسس عام 2009 حول روبرت هيو، الأمين العام السابق للحزب الشيوعي”، و”جيل البيئة” “حركة تأسست عام 1990، ولا سيما من قبل بريس لالوند، وجان لويس بورلو، ونويل مامير، وكورين ليباج” و”تحالف الخضر المستقلين”، الذي يعتبر غوفيرناتوري شخصيته المهيمنة.
   لن يكون الاقتراع حكرا على المنخرطين في هذه الاحزاب، بل سيتمكن المؤيدون والمتعاطفون أيضًا من المشاركة. ولن يكون من الضروري أن تكون راشداً، لأنه سيكون مفتوحاً إلى من هم في سن 16، بما أن الدفاع عن البيئة والكوكب هو أحد الاهتمامات الرئيسية للشباب.
   ويكفي التسجيل قبل 12 سبتمبر، ودفع مبلغ 2 يورو، والتوقيع على ميثاق قيم يدعو، على وجه الخصوص، إلى “مسؤولية الإنسانية في حماية التنوع البيولوجي وما هو حيّ، والاعتراف بـ حالة الطوارئ المناخية، وضرورة التقليل من التفاوتات الاجتماعية، وحرية الرأي والضمير، وحق الشعوب في تقرير المصير، والنسوية كقيمة تحررية للجميع».

أخبار المناخ مواتية للخضر
   وقد سمحت الأيام الصيفية للحركة البيئية في بواتييه “انطلقت 19 أغسطس وانتهت 21 أغسطس” للمتنافسين الخمسة بصقل ملامح وحدود منطقتهم السياسية. وهذا التمرين، سلط، دون شك، الضوء على الاختلافات، العميقة في بعض الأحيان، سواء في التموقع يمين - يسار، وكذلك على المستوى البرامج، وفي مجال التحالفات. وكان جليّا ان وحدة الحركة البيئية والتضامن داخلها، تجد صعوبة في التعبير عن نفسها.
   كان تاريخ حركات الخضر، في أعقاب ترشّح رينيه دومون للانتخابات الرئاسية عام 1974 -الأولى لمرشح بيئي وتحصل حينها على 1.32 بالمائة من الأصوات المدلى بها -سلسلة متوالية من معارك الأجهزة، والمنافسات الشخصية، والمشاجرات بين الغرور والمظلات... باختصار، كل ما يمكن فعله من سيء في السياسة.
  على مدى سنوات، أبرزت التقارير الدولية، واحدة تلو الأخرى، ولا سيما المساهمة الأخيرة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ، المخاطر الشديدة التي يواجهها الكوكب. ومع ذلك، فشل دعاة حماية البيئة حتى الآن في الاستفادة من أطروحاتهم سياسياً خلال الانتخابات الرئاسية المختلفة طيلة عشرين عامًا.

من أقصى يمين التيار...
   عام 2002 حصلوا على أفضل نتيجة مع نويل مامير “5.25 بالمائة من الأصوات”. ويذكر أن تلك الانتخابات كانت كارثية بالنسبة لليسار الاشتراكي بما أن جان ماري لوبان تقدّم على رئيس الوزراء ليونيل جوسبان “الحزب الاشتراكي” وتم إقصاؤه في الجولة الأولى. خلال هذه الانتخابات، لم يكن هناك مرشح بيئي واحد بل اثنان، بما أنّ كورين ليباج تقدمت أيضًا إلى تصويت الناخبين: حصلت وزيرة البيئة السابقة في حكومات آلان جوبيه “1995-1997” على 1.88 بالمائة من الأصوات.
   قبل عقدين من الزمن، أظهرت الانتخابات الرئاسية، أن البيئة اليسارية (مامير) والبيئة اليمينية (ليباج) يعسر التعايش الجيد بينهما. فهل يمكن أن يتجدد حدوث مثل هذا الموقف عام 2022؟ الأسوأ غير مؤكد أبدًا، لكن يجب دائمًا الخوف منه -خاصة بالنسبة للفاعلين في الحركة البيئية. ويصدق هذا بشكل أكبر، حيث إن مسيرة وتطلعات ومشروع ودعم الشخصيات الخمس المتنافسة تؤكد الفجوة، ناهيك عن التعارض الموجود بينها.
   ممثل اليمين، غوفيرناتوري (62 عاما) يدين بحضوره في هذه المرحلة التمهيدية الى قرار من المحكمة. بعد أن تم استبعاده في البداية من قبل التيار الرئيسي ليسار الحركة البيئية، لجأ هذا المستشار البلدي في نيس الى محكمة بوبيني (سين سان دينيس) ليتمكن من الترشح للانتخابات التمهيدية والتي انصفته.   ويعتبر تاجر الأثاث السابق هذا، وهو مرشح ليمين متنوع في عدة انتخابات، ويعارض التطعيم ضد كوفيد-19 “ناهيك عن مقاطع الفيديو السريالية الخاصة به على تويتر”، أن “فرنسا دولة يمينية، وان تقدّم نفسك على انك يسار يحكم عليك بالحصول دائما على المركز الثالث”. وليس من باب إهانته الاعتقاد بأنه يخاطر باحتلال المركز الخامس في هذه المباراة.

...إلى يسار اليسار داخل الحركة
   في الطرف الآخر، نجد بيول (48 عامًا)، عمدة (أوروبا البيئة الخضر) من غرونوبل (إيسير) وممثل يسار اليسار داخل الحركة البيئية. كادر سابق في هيوليت باكارد، وتم فصله عام 2010 -عارض خطة نقل المؤسسة -واختطف مبنى بلدية غرونوبل من الاشتراكيين، عام 2014، على رأس تحالف مواطني من الحمر الى الخضر، من النوع الذي يستهوي مؤيدي فرنسا المتمردة. وكان أول عنصر في تيار الخضر ينتخب مسؤولاً عن مدينة يزيد عدد سكانها عن مائة ألف نسمة.
   علاوة على ذلك، في الانتخابات الرئاسية لعام 2017، دعا بيول إلى التصويت لصالح جان لوك ميلينشون في الجولة الأولى بهدف “تشجيع تجميع اليسار والمواطنين والمدافعين عن البيئة”. وفي الانتخابات البلدية الأخيرة، أعيد انتخابه على رأس نفس الائتلاف، ويدافع اليوم عن “قوس إنساني” يمتد من الاشتراكيين إلى المتمردين، مرورا بالخضر. ومن المحتمل جدًا وجوده في الجولة الثانية (إن وجدت) من المرحلة التمهيدية.

الحاضرة إعلاميا جادو في قلب اللعبة؟
   بين هذين المرشحين، وبالذهاب من الوسط إلى اليسار، هناك تباعا جادو وباثو وروسو. الشخصية الاكثر حضورا إعلاميا بين الخضر، الامر الذي قد لا يسعفها لأن دعاة البيئة لا يحبون ذلك كثيرًا، وبرلمانية اوروبية منذ عام 2009، جادو (54 عاما)، الرئيسة السابقة لـ “غرينبيس فرنسا”، ترغب في تموقع البيئة فوق الانقسام يمين / يسار، وهذا ليس بالضرورة التيار السائد في قلب الحركة.
   حاضر في جميع استطلاعات الرأي حول نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويحصل على 6 بالمائة إلى 8 بالمائة منذ بداية العام، مع ذروتين عند 10 بالمائة في استطلاع لمعهد إبسوس. وللمقارنة، تم منح بيول نسبة 2 بالمائة في استطلاع ايفوب في أبريل. وفي بداية شهر أغسطس، وفقًا لمعهد إيلابي، كان لـ 34 بالمائة من أنصار اليسار صورة إيجابية عن جادو، وكانوا 16 بالمائة في نفس الظروف تجاه بيول. الرجلان في مراقبة لصيقة: أعلن عضو مجلس مدينة غرونوبل ترشحه في 29 يونيو، وجادو ... في 30 يونيو! ويمكنه أيضًا أن يطمح الى أن يكون من بين أول اثنين في المرحلة التمهيدية.
   مرشحة منذ 5 يوليو، شغلت باثو (48 عاما) عدة مناصب وزارية في ظل ولاية فرانسوا هولاند قبل أن يتم إنزالها من الحكومة: لقد انتقدت علنًا تراجع مخصصات وزارتها للتنمية المستدامة والطاقة. من الناشطين السابقين في جمعية س اوس-راسيزم المناهضة للعنصرية، ورثت، عام 2007، دائرة سيغولين رويال (دو سيفر)، والتي كانت مقرّبة منها.
   بعد مغادرة الحزب الاشتراكي عام 2018، تولت رئاسة “جيل البيئة”، وهو حزب أسسه على وجه الخصوص بريس لالوند. ومن بين مؤيديها، نجد عالم الرياضيات سيدريك فيلاني، النائب المنتخب (الجمهورية الى الامام) عام 2017، وهي حركة تم استبعاده منها بسبب انشقاقه خلال الانتخابات البلدية لعام 2020. إن مسيرتها في الحزب الاشتراكي لن تساعدها كثيرًا في هذه الانتخابات التمهيدية، حتى لو كانت تدعو إلى “بيئة أخرى” “تتحمل انخفاض النمو».
روسو تبحث عن مفاجأة سعيدة
   مدافعة أخرى عن تقليص النمو، أمضت روسو “49 عامًا” مسيرتها السياسية بأكملها في أوروبا البيئة الخضر، حيث كانت المتحدث الرسمي والشخصية الثانية في التنظيم. نائب رئيس سابقة للمجلس الإقليمي في نورد باس دي كاليه “الآن أوت دو فرانس”، هذه المدرّسة والباحثة في الاقتصاد، هي الوحيدة من بين الخمسة لا تشغل تفويضًا انتخابيا اليوم “نائب، أو عضو في البرلمان الأوروبي، أو رئيس بلدية، أو مستشار بلدي».
   روسو، شخصية بارزة في مقاومة العنف ضد المرأة: استقالت من حركة أوروبا البيئة الخضر، ونددت بالتحرش الجنسي الذي قالت إنها كانت ضحيته من قبل زميلها دينيس بوبين. هذا الأخير، وهي نائب سابق عن الخضر ونائب سابق لرئيس الجمعية الوطنية، تم فصله لاحقًا في دعوى تشهير رفعها ضدها... وقد عادت إلى حزب الخضر عام 2020.   حاملة لواء النسوية البيئية الراديكالية، تتمتع بدعم النسويات الأكثر تقدميّة، مثل أليس كوفين ورافائيل ريمي ليليو، وكل منهما مستشارة (أوروبا البيئة الخضر) في باريس. وتظهر، مع جادو وبيول، من بين الشخصيات الثلاث الأفضل وضعًا للمشاركة في الجولة الثانية المحتملة من الانتخابات التمهيدية ... إذا لم تحدث مفاجأة في الجولة الأولى –وهي مفاجأة غير مستبعدة  تلقائيًا.

ترشّح منافس وارد
   ومهما كان الأمر، فإن لوحة الحساسيات السياسية هذه تظهر أن انتصار جناح أقصى اليسار أو الذي يعتبر الأكثر راديكالية لا يمكن أن يحرك الخطوط داخل ناخبي اليسار فقط (خاصة في تعطيل حملة ميلينشون) ، ولكن يثير أيضًا رد فعل التيار الأكثر اعتدالًا داخل الحركة والذي يمكن أن يعتبر أن البيئة لن يتم تمثيلها بشكل صحيح وفعّال في الانتخابات الرئاسية.
   تجدر الإشارة الى إن حركة عكسية يمكن أن تحدث أيضًا في حال فوز الجناح المعتدل. هذه المرة، سيكون لها تأثير مزدوج إذا جاءت المنافسة من مرشحة “بيئية راديكالية”: ستكون عواقبها، هنا ايضا، على نتيجة حركة فرنسا المتمردة، ولكن أيضًا على جمهور الناخبين الوسطي تقليديا أو المركزي من خلال وجود مرشح “بيئي معتدل».
المباراة لم تحسم بعد، راهنوا...!