أفريقيا بين بكين وطوكيو

قمة «تيكاد» تفتح جبهة جديدة في حرب النفوذ

قمة «تيكاد» تفتح جبهة جديدة في حرب النفوذ


بينما تستعد  اليابان لاستضافة مؤتمر طوكيو الدولي التاسع للتنمية في أفريقيا (تيكاد 9) في يوكوهاما بين 20 و22 أغسطس-آب، تضع طوكيو نفسها أمام اختبار استراتيجي: هل تستطيع اليابان الانتقال من دور المانح التقليدي إلى شريك استثماري طويل الأمد في قارة تشهد سباقا عالميا محتدما على النفوذ؟
رغم أن القارة الإفريقية تستحوذ على أقل من 0.5% من  الاستثمار الأجنبي المباشر الياباني، تسعى الحكومة بقيادة رئيس الوزراء إيشيبا شيغيرو إلى تغيير هذا الواقع.
ومع بلوغ صافي الأصول الخارجية اليابانية مستويات قياسية في 2024، تخطط طوكيو لتقديم أدوات مالية جديدة تقلل من المخاطر على الشركات اليابانية، وتشجع دخولها إلى الأسواق الإفريقية. من المنتظر أن يركز المؤتمر على البنية التحتية النوعية، لا مجرد المشاريع السريعة، مع إعطاء الأولوية لقطاعات الصحة، التعليم، التصنيع المحلي، والتنمية البيئية. هذا النهج يضع اليابان في موقع مغاير للنموذج الصيني القائم على السرعة والحجم، وهو ما قد يجد صدى لدى القادة الأفارقة الباحثين عن الاستقلالية والمرونة.

معركة الكبار على أفريقيا
فيما تضخ الصين عشرات المليارات في مشروعات البنية التحتية عبر «الحزام والطريق»، وتكثف واشنطن حضورها الأمني والتنموي عبر مبادرات مثل «بروسبر أفريقيا»، تحاول طوكيو أن تقدم نفسها كبديل ثالث أكثر توازنًا.
تعتمد اليابان على «النمو النوعي» ومشروعات طويلة الأجل بدلًا من الديون الثقيلة أو التدخلات العسكرية. هذا النهج يمنحها ميزة تنافسية في نظر قادة أفارقة يسعون لشراكات قائمة على الاستقلالية والسيادة.

الشباب والابتكار
 في قلب الشراكة
ستمنح طوكيو مساحة خاصة للشباب والابتكار، إدراكًا منها أن أفريقيا ستحتضن ثلث شباب العالم بحلول 2050. وستربط برامج جديدة بين الشركات الناشئة اليابانية والإفريقية، خاصة في الصحة الرقمية، الزراعة الذكية، التكنولوجيا المالية والطاقة النظيفة.
كما ستشدد المبادرات على تمكين المرأة والتدريب المهني، بوصفهما محركات رئيسة للتنمية المستدامة.

دبلوماسية بلا شروط
على الصعيد السياسي، تروج اليابان لنموذج «الشراكة بلا تدخل»؛ وهو ما منحها مصداقية في أفريقيا مقارنة بالغرب الذي غالبا ما يربط المساعدات بشروط سياسية.
ويتماشى هذا التوجه مع أجندة الاتحاد الأفريقي 2063؛ إذ تفضل طوكيو بناء شراكات إقليمية واسعة بدلاً من الاكتفاء بصفقات ثنائية محدودة.
أمن الموارد يشكل أحد أعمدة الحضور الياباني الجديد. فقد وقّعت طوكيو اتفاقيات بمليارات الدولارات في أنغولا وناميبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية للتنقيب عن المعادن الاستراتيجية.
كما تسعى لفتح الباب أمام التعاون في مجالات الطاقة الجديدة، مثل الهيدروجين الأخضر والأمونيا، إلى جانب حلول بيئية لإدارة النفايات والتكيف مع تغير المناخ.

أدوات مالية جديدة
على المستوى المالي، يشير إصدار كوت ديفوار لسندات «ساموراي» بقيمة 50 مليار ين – الأولى لدولة أفريقية جنوب الصحراء – إلى فصل جديد في العلاقات الاقتصادية. 
هذا النجاح، المدعوم من بنك اليابان للتعاون الدولي، قد يفتح الباب أمام مزيد من الوصول الأفريقي إلى أسواق رأس المال اليابانية. 
كذلك تخطط طوكيو لتوسيع شبكة معاهدات الاستثمار الثنائية؛ ما يمنح الشركات اليابانية أمانا قانونيا أكبر، ويدعم تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.
ومنذ عام 1993، خصصت اليابان نحو 1.2 تريليون ين (8.5 مليار دولار) للبنية التحتية في أفريقيا، لكن مقارنة بـ182 مليار دولار استثمرتها الصين، مداخيل اليابان أقل كثيرا. 
كما ارتفع  الاستثمار الياباني المباشر في القارة إلى 2.5 مليار دولار في 2023، وهو الأعلى حتى الآن، رغم أنه ما زال متواضعا بالنظر لحجم الإمكانات.
بين التنمية والأمن
لن يغيــــب البُعد الأمني عن جــــــدول أعمـــــــــال تيكاد 9. فاليابــــــــان التي ســـــــــاهمت في بعثات حفظ السلام الأممية في جنوب السودان والكونغو وموزمبيق، تواصل التركيز على معالجة الجذور الاقتصادية والاجتماعية لعدم الاستقرار، بعيدًا عن التدخل العسكري المباشر.
هذا التوجه يعكس رؤية طوكيو لدور أكثر «ليونة» في إدارة الأزمات، قائم على التنمية والاندماج الإقليمي.

اختبار الجدية اليابانية
قبل عامين في تيكاد 8، تعهدت اليابان باستثمار 30 مليار دولار حتى 2025. القمة الحالية ستُظهر ما إذا كانت طوكيو قادرة على الوفاء بوعودها وتحويل خطاب «الشراكة المستدامة» إلى واقع ملموس.
تيكاد 9 ليس مجرد مؤتمر تنموي، بل إعلان نية يابانية للدخول بجدية إلى ساحة التنافس متعدد الأقطاب في أفريقيا.
تسعى طوكيو إلى تقديم نفسها كشريك يحترم السيادة ويستثمر في المستقبل، من المعادن الحيوية إلى الطاقة النظيفة، ومن الابتكار الرقمي إلى بناء السلام.
ويبقى التحدي الأكبر: هل ستجد أفريقيا في اليابان بديلا استراتيجيا حقيقيا عن النماذج الصينية والغربية، أم أن طوكيو ستظل لاعبا ثانويا في سباق الكبار على القارة السمراء؟